نضال عبدالوهاب

في الجزء الأول لهذا المقال توقفت عن ما هي الآليات التي تتوسع بها قاعدة المُشاركة السياسِية وفك احتكار العمل القيادِي وتحرير القرار السياسِي من الاختطاف، وكنت قد وعدت في توضيح هذا إضافة لتقدّيم مقترحات عملية في هذا الاتجاه، خاصة في ظرف بلادنا الحالي والحرب المُستعرة بها وإفرازاتها الإنسانية وانعكاساتها الكارثية علي السُودان وشعب السُودان بالداخل والخارج.

لكي يتم توسيّع قاعدة المُشاركة السياسِية من المهم والضروري، وفي ظل غياب الديمُقراطية وحتى الإستقرار السياسِي أن نبدأ بمجموع القوى والكيانات السياسِية أحزاب كانت أو فصائل سياسية مُختلفة، مُنفردة أو في شكل الكُتل والتحالفات الموجودة، من المُفيّد أن تُمارس جميّع هذه الكيانات والأحزاب والفصائل خطوات تنظيّمية داخلية لها علاقة بتفعيّل جميّع عضويتها، وإخراجها من حالة الركود وعدم الفاعليّة إلى الفعل والعمل المُستمر، وفق مقدرات عضويتها، وكذلك التدريب والتأهيّل لرفع مقدرات عضويتها بما يتناسب وبرامجها والأدوار والمهام التي يُمكن أن يقوموا بأدائها، ومن خلال العمل اليومي والنشاط وروح المُبادرة وتأدية التكاليف وإنجازها يُخْتَار الكادر القيّادي والعمل علي تدرجه الداخلي؛ ومن ثم رفع تأهيله والدفع به في نشاط الهيئات الحزبية أو الكيانات، ليقوم بإنجاز المطلوبات للعمل القيادي داخل تلك الكيانات، والحرص علي أن يتم كُل ذلك وفق السلوك والمُمارسة الديمُقراطية الداخلية السليّمة، ومن المُهم كذلك ليس التركيز أو الاستغراق في الخلافات أو الصرّاعات التي لا تفيد، ولا الاجتماعات التنظيمية الكثيرة والطويلة والمُرهقة للكادر نفسه، وإنما الذهاب لأجندة عمل يكون لديها مردودها الإيجابي في التوصل لحلول للمُشكلات المُختلفة والتحدّيات، وتُحقق مصالح جماهير تلك التنظيمات والكيانات السياسِية؛ وبالتالي مجموع مصالح السُودانيين علي مُختلف بحياتهم واتجاهاتهم.

ومن المُهم الحرص علي عقد المؤتمرات الداخلية لتلك الكيانات والتنظيمات والفصائل السياسِية، ولكن نسبةً لتعذر الوصول لهذا الهدف من واقع ظروف البلاد وغياب الإستقرار وكذلك طبيعة الواقع السياسي الحالي مع غياب الديمُقراطية، فيمكن تعويض عدم قيام المؤتمرات الداخلية، بطرح بدائل تُساهم في التغيير الداخلي لتلك الكيانات والتنظيمات، من خلال المُناقشات الداخلية حول قضايا مُحدّدة يتم أخذ رأي العضوية فيها واستكتابها لها، والوصول لخُلاصات لتلك المُناقشات ونتائج تساهم في القرار السياسِي، وتساعد على رسم الخط العام والسياسِي لتلك التنظيمات والكيانات والفصائل والمجموعات السياسِية، وأيضاً القيام بعمل الاجتماعات الموسعة للعضوية، والكادر القيادي، ويمكن الاستفادة من الكوادر التي لديها سهولة في الحركة لتقوم بعملية الربط وتوصيل قرارات الهيئات والمكاتب واللجان المختلفة قيادةً وقواعد، ويمكن الاستفادة كذلك من تقدّم التكنولوجيا في نقل المعلومات بشكل يُناسب النظام الداخلي لكل تنظيم أو كيان أو فصيل سياسِي، وفي عقد الاجتماعات نفسها، وإن كان في توقيت الحرب الحالية هنالك صعوبات حقيقية قد تواجه الجميّع في ظل الواقع الموجود، ونجد كذلك انتقال جزء كبير من قواعد وقيادات تلك التنظيمات لخارج السُودان.

ومن المُهم لتوسيّع قاعدة المُشاركة من طرح أسماء وكادر من خارج الإطار الضيّق، خاصة في الأساس والقواعد، علي أن يستمر مع هذا تجديد مُستمر في القيادات، وتنويّع في توزيع المهام والتكاليف للعمل، وعدم حصرها في عدد قليل أو كادر مُحدّد خاصة في المواقع القيادية، مع وجود خارطة تنظيمية ودليل تنظيمي يُتيح لتلك الأجسام والتنظيمات معرفة ما يُنْجَز للمهام والمطلوبات وفقاً للأدوار والتكاليف، ويتم به التقييم المُناسب.

هذا بالنسبة للتنظيمات التي تختص بالعمل السياسِي المُباشر، خاصة الأحزاب والكيانات والفصائل، أما المنظُومات والكيانات الأخرى التي تتكامل بها أدوار المُشاركة السياسِية، سواء في مُنظمات المجتمع المدّني أو الكيانات المُجتمعية، خاصة في ظل النظام الديمُقراطي، فمن المُهم أيضاً مُمارسة شكل من أشكال توسيّع المُشاركة، وتجدّيد القيادات وانتخابها، ولكننا في الواقع الحالي، فإننا نلجأ إلى عملية الترشيح والاختيار، والذي يُراعي معايير الكفاءة والمقدّرات، والمقدّرة علي إنجاز المهام، مع الانتباه لعوامل التوزيع الجغرافي وتغطية الإثنيات والمجموعات السُودانية المختلفة في عمليات التمثيل، إضافة للنوع، ورفع التمثيل لمشاركة المرأة والشباب والفئات العمرية المختلفة، وكل ذلك يزيد توسيع قاعدة المُشاركة، ولا يحصرها في إطار سياسي أو اجتماعي أو مناطقي وجُغرافي ضيّق، وبذلك نضمن مُشاركة واسعة في الوصول لقرار سياسِي لأكبر مجموع من التمثيل للسُودانيين، تتحقق به مصالح أكبر مجموع منهم.

أما شريحة، وفيه غير المُنتمين ومنضمون لتنظيمات أو أحزاب وفصائل سياسِية، وخاصة للفاعليّن منهم، فمن المُهم مُشاركتهم في طريق واتجاه اتخاذ القرار السياسِي وضمّن خارطة توسيّع قاعدة المُشاركة السياسِية واستيعابهم فيها، بحسب مقدّراتهم وقُدراتهم في العمل وتكوينهم الفكري والمعرّفي ووعيهم بما تمُّر به بلادنا، وضخاً لدماء تُفيّد في شرايين العمل ومطلوباته، وأيضاً يتم التعامل فيها بالترشيح بما يُحقق مصالِح العمل وفائدة بلادنا وشعبها.

ومن المُهم البُعد عن أمراض العمل التي عانينا منها في الفترات السابقة، والمُتمثلة في “التكتُلات” والشُلليّات، وتكرار الكوادر ومن يُمثلون، خاصة في مواقع القيّادة، وعدّم التعامُل بمفهوم “الحُب والكراهيّة والمزاج الشخصّي” عند الترشيّح أو الاختيار، مع وضع معايير تتناسب وطبيعة المهام والأداء والأدوار وظروف المرحلة الحاليّة لبلادنا، وكُل ما يواجه شعبنا السُوداني.

في الجزء القادّم والأخيّر نكتب عن كيفية التوصل لاتفاق سياسِي في ظل هذا الواقع، يُساهم في وقف الحرب وما بعدها.

الوسومنضال عبدالوهاب

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: نضال عبدالوهاب خاصة فی سیاس ی

إقرأ أيضاً:

مطار صلالة.. البوابة التي لم تُفتح بعد؟!

 

 

 

خالد بن أحمد العامري

 

يتكرر الحديث في المجالس العامة ومنصات التواصل الاجتماعي حول مطار صلالة وأسعار التذاكر، وتتسع التساؤلات حول سبب بقاء الوضع على ما هو عليه رغم مناشدات المواطنين، ورغم الإمكانات الكبيرة التي يمتلكها المطار وما يمكن أن يرفد به الاقتصاد الوطني.

المطار يتمتع بطاقة استيعابية تصل إلى مليوني مسافر سنويًا، مع جاهزية بنيوية وتقنية لرفع هذه القدرة مستقبلًا إلى أكثر من ستة ملايين مسافر، ما يجعله أصلًا استراتيجيًا غير مستغل بالشكل الذي يتناسب مع مقوماته الحالية. كما يُعد ثاني أكبر مطار في سلطنة عمان بعد مطار مسقط الدولي، وحائز على تصنيف خمس نجوم للمطارات الإقليمية من "سكاي تراكس" (Skytrax) نظير جودة خدماته.

لقد أصبح واضحًا أن المشكلة لا تكمن في «الجدوى الاقتصادية» كما يشاع؛ بل في منهجية التخطيط التي تحد من نمو القطاع وتقلل الاستفادة من الإمكانات المتاحة؛ فعند مطالبة المواطنين بخفض أسعار التذاكر على خط صلالة- مسقط، تأتي الإجابة بأنه "خط غير مُربح". ومن حق المواطن هنا أن يتساءل: كيف يمكن لخط داخلي يعتمد عليه الآلاف في الاتجاهين يوميًا أن يكون غير مرُبح؟

وإذا كان البعض يرى أن هذا الخط غير مُجدٍ اقتصاديًا، فإن الحل المنطقي هو فتح المجال أمام مشغل اقتصادي ثالث يتخذ من مطار صلالة مركزًا لعملياته؛ بما يعزز المنافسة ويخفض الأسعار، ويخلق ربطًا جويًا أوسع على المستويين الإقليمي والدولي.

ويمتلك مطار صلالة مقومات مهمة تؤهله ليصبح مركزًا محوريًا للربط الجوي بين مناطق ذات كثافة سكانية وتجارية عالية، وخاصة شرق إفريقيا وشرق آسيا ودول الخليج العربية.

كما إن عقد شراكات في مجال الطيران والخدمات اللوجستية، إضافة إلى برامج تحفيز الاستثمار، كفيل بتحويل مطار صلالة إلى مركز دولي ومحوري أمام شركات الطيران المختلفة، مما سيسهم في خلق فرص عمل واسعة في الوظائف المباشرة لقطاع الطيران والخدمات المساندة، وكذلك الوظائف غير المباشرة في السياحة والنقل والشحن والخدمات الملاحية، وزيادة عدد السياح طوال العام وليس فقط خلال موسم الخريف.

وفي هذا السياق، فإن إنشاء ورشة لصيانة الطائرات داخل المطار، إلى جانب مبنى تموين الطائرات، سيجعل من مطار صلالة محطة تشغيلية مكتملة، وهو ما من شأنه تشجيع شركات الطيران الاقتصادية والإقليمية على اتخاذه مقرًا لعملياتها.

أما على مستوى الشحن الجوي، فإنَّ إنشاء قرية لوجستية متكاملة داخل المطار سيرفع طاقة الشحن ويعزز التكامل اللوجستي مع ميناء صلالة، بما يحولهما معًا إلى منظومة واحدة تدعم سلاسل الإمداد العالمية وتعزز موقع السلطنة على خارطة التجارة الدولية. فرغم أن توسعة ميناء صلالة خطوة مهمة، إلّا أنها تبقى ناقصة دون ربطها بمركز شحن جوي فعال داخل المطار.

إنَّ تحقيق هذه الرؤية لن يكون مجرد تحرك اقتصادي؛ بل خطوة استراتيجية لتعزيز مكانة الاقتصاد الوطني، ورفع كفاءة منظومة النقل، وتحقيق مستهدفات رؤية «عُمان 2040»؛ فمطار صلالة يحتاج إلى قرار يطلق إمكاناته الكامنة؛ ليصبح بالفعل البوابة التي تفتح آفاقًا اقتصادية واعده.

مقالات مشابهة

  • نسمة محجوب تتحدث عن نجاح فيلم «الست» وتعاونها مع هشام نزيه
  • مطار صلالة.. البوابة التي لم تُفتح بعد؟!
  • ما أفق المرحلة الثانية من اتفاق غزة؟
  • فلنغير العيون التي ترى الواقع
  • مدبولي يؤكد دعم الدولة لمختلف المشروعات الثقافية المتنوعة التي تستهدف تقديم الخدمات خاصة للشباب والنشء
  • الحد الأدنى للأجور.. فرص عمل جديدة في شركات خاصة
  • وزارة العمل تُعلن عن فرص عمل جديدة في شركات خاصة
  • ياسمين عبدالعزيز تكشف عن المهنة التي تمنت العمل بها
  • سائق توصيل يتحول إلى مفاجأة الرعب.. محاولة اختطاف وتحريض جنسي
  • غزة قبل الاتفاق وبعده