السودان والانتخابات الأميركية
تاريخ النشر: 12th, November 2024 GMT
السودان والانتخابات الأميركية
ناصر السيد النور
على ما مثلته الانتخابات الأميركية من أهمية وترقب واهتمام العالم بنتائجها أو بالأحرى لسياساتها الخارجية بتأثيرها الكبير على العالم ودوله واحداثه وسياساته. ومهما كانت ما يشاع بأن لا اختلاف بين الحزب الديمقراطي والجمهوري حيال مصالحها في الداخل والخارج وبالضرورة آمن إسرائيل في المنطقة في الشرق الأوسط ومع ذلك إلا فأن شخصية المرشح (الرئيس) يظل لها تأثيرها في هذه السياسات إيجابا وسلبا.
وعلى فرض تعلق الآمال بسياسات الرئيس المنتخب في مشاكلات العالم التي كانت الولايات المتحدة جزء منها أو متورطة فيها بشكل ما، تلك الأزمات التي تمتد من الحرب الروسية الأوكرانية في الشرق إلى أزماتها في تحالفاتها الاستراتيجية مع شركائها الأوربيين. وتأخذ أزمة الشرق الأوسط في الصراع العربي الإسرائيلي حيزاً مقدراً من برنامج الانتخابات والتصريحات إلى السياسيات المتوقعة اتخاذها. وهذا التعلق بما أسفرت عنه نتائج انتخاباتها يعبر عن دور متخم بوهم القوة أكثر من حقائق الواقع فيما تواجهه بنتائج الانتخابات نفسها من انقسام داخلي مرشح محتمل. وإن وما يتوقعه السودانيون يأتي في سياق توقع قادة وزعماء القارة الأفريقية من شركاء ومتعاونين مع سياساتها ولم يفصح المرشح الفائز عن تفاصيل هذه السياسات بغير دعم المؤسسات الديمقراطية والشراكة الاقتصادية وإلى آخر المسميات الدعائية التي تخدم المرشح أكثر من الدول المعنية.
والسودان من بين الدولة الأقل تأثيراً في دائرة الاهتمام الأميركي وموقعه الأقرب إلى المحيط الأفريقي جنوب الصحراء في المفهوم الاستراتيجي الأميركي؛ لم يكن ليستثني من درجة هذا التأثير بعد تفجر الحرب شبه الأهلية فيه منذ الخامس عشر من ابريل/نسيان 2023م. وكما ساد الاعتقاد في السياسات الأميركية في العالم الثالث، فإن الولايات المتحدة تمسك بكل خيوط في الصراع ولا تخفي بين حين وآخر مواقفها فيما تدينه من انتهاكات لحقوق الإنسان والمساعدات الإنسانية وغيرها من التصريحات. إلى جانب استخدام نفوذها في مجلس الأمن الدولي (الفيتو) والأمم المتحدة في اعتراض وإصدار القرارات بشأن وهذا بغير لجان مؤسساتها التشريعية (الكونجرس) التي تصدر توصياتها واداناتها وتشرع القوانين مراكز ابحاثها التي تصدر التوصيات والسياسات بشأن هذا البلد أو ذاك. ولكن تبقى الأهمية الأبرز للولايات المتحدة في الصراع السوداني في رعايتها لمفاوضات بين طرفي الصراع بما عرف بمنبر جدة للتفاوض في إطار المبادرة الأميركية السعودية كأول مبادرة دولية لحل المشكل السوداني في يونيو/حزيران أي بعد شهرين من اندلاع الحرب.
ومنذ اندلاع الأزمة السودانية تراوح التعامل الأميركي بين جملة عموميات بحث الطرفين إلى وقف القتال والسماح بمرور المساعدات الإنسانية. واتخذت إدارة بايدن خطوة دبلوماسياً في شأن الصراع السوداني وذلك بتعيين مبعوث دائم للسلام توم بيرلو، وهو مسلك ليس جديداً في السياسات الولايات المتحدة تجاه الأزمات السودانية منذ وقت طويل من كل الإدارات السابقة. فإدارة بايدن لم تتخذ ما يؤثر في مجريات الأزمة السودانية بالحد الذي يعكس أهميتها في العالم ومسؤوليتها السياسية او الأخلاقية في وقف أكثر المآسي إنسانية على صعيد العالم. وإن فوز ترامب فلا يرجح أن تختلف سياساته تجاه السودان.
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب الأكثر اثارة وجدلا في تاريخ الرؤساء الأميركيين والذي يعد بحلول سحرية لوقف كل حروب الكرة الأرضية، فقد تعاملت إدارته السابقة مع ملفات ارتبطت بالفترة الانتقالية ما بعد انهيار نظام البشير 2019. وتحركت منها ملفات إعادة التمثيل الدبلوماسي وما يتعلق برفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب والتطبيع مع إسرائيل. وهي كانت في حينها شكلت تحولات في العلاقات السودان الأميركية لم تشهدها طوال تاريخ العلاقات بين البلدين. ومن خلال التسويات أو الصفقات التي تمت معالجتها بشأن السودان وأزماته الاقتصادية فقد الخانقة تعلقت الآمال بالولايات المتحدة دون التركيز على أي من الإدارات جمهورية كانت أم ديمقراطية بقدر مدى فاعلية سياستها تجاه السودان لبلد انهكته الحروب والاستبداد السياسي على مدى تاريخه الطويل. وهكذا أصبح السودان مشدوداً إلى ما يدور في انتخابات بلد يبعد عنه الآلف الأميال ليس حصراً على المستوى الرسمي المفترض فيه ذلك، ولكن على مستوى شعبي يعكس أهمية عودة العلاقات بين البلدين وحاجة السودان إلى الدمج في النظام العالمي أو الأميركي بما يعني فتح قنواته الاقتصادية المسدودة. ولكن في ظل الحرب الجارية يعصب التكهن بمستوى العلاقات بين البلدين وجحم تمثيلها السياسي والدبلوماسي.
وشكلت طبيعة الصراع في السودان تناقضا في الموقف الأميركي تجاهه، فمن جهة فإن استعادة المسار الديمقراطي الذي شددت الإدارة الأميركية على استعادته عقب الانقلاب الذي قاده الفريق عبد الفتاح البرهان ضد حكومة الفترة الانتقالية بقيادة رئيس الوزراء الأسبق د. عبد الله حمدوك. وكان قد شاركت قوات الدعم السريع بقيادة قائدها محمد حمدان دقلو طرف الصراع الحالي داعما للانقلاب قبل أن تصبح طرفا مقاتلا ضد قيادة الجيش ممثل الانقلاب وحكومة الأمر الواقع. وهو الانقلاب الذي يشير إليه عدد من المراقبين بتلكؤ إدارة بايدن ومن قبله ترامب نفسه في التعامل مع تطوراته اللاحقة بجدية. على الرغم الإجراءات المحدودة التي طبقتها ادارته من عقوبات على افراد وشخصيات وشركات مرتبطة بالجيش والدعم السريع وافراد من النظام السابق بتهمة تقويض السلام والأمن والاستقرار إلا أن تأثير هذه العقوبات سيظل محدودا على مجريات الأمور. ويبدو أن إدارة بايدن كانت تعمل على ضوء تقريرها الاستراتيجي (الاستراتيجية الافريقية لدول جنوب الصحراء) الصادر في أغسطس/آب 2022م الذي أوصى بعدم التدخل المكلف في دول القارة ومناطقها الملتهبة من دول وجماعات على امتداد القارة.
ويبقى الصراع السوداني رهينا لما قد تحدده السياسات الخارجية بالإدارة الأميركية في ظل إدارة ترامب الثانية، خاصة وأن للصراع له تمدداته الإقليمية في المحيطين العربي والأفريقي. وبقدر ما لهذه التدخلات المباشرة دعم الأطراف المتقاتلة، فإن تأثير السياسات الخارجية الأميركية على الدول الداعمة للصراع في المنطقة العربية مصر والأمارات ودول الجوار في النطاق الأفريقي تشاد وكينيا. فأي تكن هوية سياسات الرئيس الأميركي المنتخب فإن الشأن السوداني سيكون في حدود ما ابدته الإدارة السابقة من رؤيتها للصراع السوداني ومدى أولويته في اجندة السياسات الخارجية القادمة فيما تزعم مما تستهدفه من وقف دائم لإطلاق النار والعودة بالبلاد إلى المسار المدني. ولو أن متخذ القرار الأميركي على ضوء هذه التوجهات العامة في السياسية الخارجية لم يأخذ بما بتطورات الشأن السوداني الذي تجاوزه ما أوصلت إليه نتائج الحرب بعد عام ونصف من الاقتتال المستمر الرؤية الأميركية للحل. فالأرجح ألا تحتل الأزمة السودانية موقعاً متقدماً في أولويات الرئيس المنتخب وادارته الجديدة، أو تكتسب واقعا إيجابيا يعجل بإنهائها. وما يعني السودان في سياسات الرئيس المنتخب الدور الأميركي الفاعل بممارسة ما يمكن من ضغط وسياسات بقوة نفوذها على كل الأطراف العسكرية والمدنية للتوصل إلى حل شامل للأزمة السودانية.
الوسومالانتخابات الأمريكية السودان ترامب ناصر السيد النور
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الانتخابات الأمريكية السودان ترامب
إقرأ أيضاً:
طهران تندد بالقيود الأميركية على دبلوماسييها وتدعو الأمم المتحدة للتدخل
نددت إيران اليوم الخميس بما وصفته بـ"تشديد القيود" التي فرضتها الولايات المتحدة على أعضاء بعثتها الدبلوماسية لدى الأمم المتحدة في نيويورك، معتبرة أن هذه الإجراءات تمثل انتهاكا لالتزامات واشنطن كدولة مضيفة لمقر المنظمة الدولية.
وقالت وزارة الخارجية الإيرانية في بيان إن "قرار الخارجية الأميركية منع 3 موظفين في البعثة الإيرانية من مواصلة أنشطتهم يشكل خرقا واضحا لاتفاقية المقر وانتهاكا لحقوق إيران السيادية"، مضيفة أن هذه الخطوة "تعكس عداء سياسيا وتتناقض مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة".
وأوضح البيان أن القيود الأميركية لا تقتصر على منع استمرار عمل الدبلوماسيين الثلاثة، بل تشمل أيضا تضييقا على حركة أعضاء البعثة، وتشديد القيود على حساباتهم المصرفية، وفرض قيود على مشترياتهم اليومية، وهو ما وصفته طهران بأنه "مضايقات تهدف إلى تعطيل المهام القانونية للدبلوماسيين الإيرانيين".
ودعت الخارجية الإيرانية الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى التدخل العاجل لوقف ما اعتبرته "ممارسات غير قانونية" من جانب واشنطن، محذرة من أن استمرار هذه الانتهاكات "سيقوض فعالية المنظمة الدولية ويشكك في أهلية الولايات المتحدة لاستضافة مقرها".
يذكر أنه في سبتمبر/أيلول الماضي منعت واشنطن خلال الاجتماع السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة، الدبلوماسيين الإيرانيين الذين يمثلون بلادهم لدى المنظمة أو الذين يمرون بنيويورك من التسوق في المدينة لشراء حاجياتهم.
وتأتي هذه التطورات في ظل توتر متصاعد بين طهران وواشنطن، إذ انهارت المفاوضات غير المباشرة بشأن البرنامج النووي الإيراني التي بدأت في أبريل/نيسان بوساطة عُمان، بعد هجوم إسرائيلي على إيران في يونيو/حزيران استمر 12 يوما واستهدفت خلاله مواقع نووية، بمشاركة أميركية في ضرب 3 منها.
إعلانيُذكر أن الولايات المتحدة فرضت قيودا مماثلة على بعثات دبلوماسية أخرى، بينها روسيا وكوبا، في إطار ما تقول إنه إجراءات أمنية، بينما ترى الدول المتضررة أنها انتهاك لاتفاقية المقر الموقعة عام 1947 والتي تلزم واشنطن بتسهيل عمل البعثات لدى الأمم المتحدة.
وتؤكد إيران أنها ستواصل جهودها لمحاسبة الولايات المتحدة على ما تصفه بـ"الانتهاكات المتكررة"، داعية الدول الأعضاء إلى عدم التزام الصمت إزاء هذه الممارسات التي "قد تتحول إلى سابقة خطيرة إذا لم يتم التصدي لها".