حرب السودان ضد سيادته الوطنية
تاريخ النشر: 12th, November 2024 GMT
حرب السودان ضد سيادته الوطنية
د. الشفيع خضر سعيد
بالنظر إلى جرائم الإبادة الجماعية للمدنيين العزل التي لاتزال قوات الدعم السريع ترتكبها في قرى الجزيرة، وقبل ذلك جرائم الإبادة التي ارتكبتها في مدينة الجنينة وفي العديد من المناطق الأخرى في دارفور وكردفان وغيرهما.
وبالنظر إلى التدمير الممنهج للبنى التحتية والمراكز الصناعية والمساحات الزراعية الذي مارسته هذه القوات في عاصمة البلاد وفي منطقة الجزيرة.
ومن ضمن ردود الفعل الموضوعية والمفيدة، والتي تناولت صلب الموضوع، المساهمة التي وصلتنا من الصديق الأستاذ حيدر عبد الرحمن وجاء فيها: «اطلعت على مقالك الأخير، وأعتقد أنه يؤسس لفهم جديد لطبيعة الصراع الدامي الدائر حاليا في بلادنا. إن التعريف السائد للحرب الدائرة في البلاد، هو أنها صراع داخلي حول السلطة ومحاولة من النظام القديم والفلول أو مراكز القوى المتعددة لاستعادة السيطرة على السلطة. لكن المقال يفتح الباب لإعادة النظر في هذا التعريف من خلال فحص وتشريح طبيعة الصراع والأسس التي أدت لتفاقم الحرب وتطاولها وانتشارها، خاصة في مناطق الزراعة والموارد والإنتاج، وهذا هو جوهر ما تشير إليه الفكرة الرئيسية في المقال.
أعتقد من الضروري أن تأخذ المكونات السياسية والمدنية في الاعتبار الصراع الدولي حول الأراضي الزراعية وحول الموانئ والسيطرة علي الممرات المائية، وكل هذا ليس ببعيد عن الحرب الروسية الأوكرانية وتأثيرها على الغذاء في العالم. التفكير الضيق الذي يحصر الصراع في كونه صراعا داخليا حول السلطة بين المكونات المحلية دون الأخذ في الاعتبار البعد الخارجي، لن يقود إلى وحدة داخلية بين هذه المكونات. وأعتقد أن المكونات السياسية مازالت رهينة لصراعها التاريخي المرتبط بالمصالح الداخلية، بينما يغيب عنها بعد النظر والتفكير الاستراتيجي، والذي لابد منه لاستبصار ودراسة تعقيدات الصراع الدولي وتطوراته وانتقاله بشكل عميق إلى افريقيا بعد أن فقدت أوروبا بريقها واضمحلت الثروات التي كدستها إبان الاستعمار، إضافة إلى ظهور مراكز جديدة للهيمنة، مثل الصين وغيرها، تسعى للاستفادة من الدول الغنية بالثروات. عموما، أعتقد من المهم جدا أن نعيد تعريف الحرب بأنها حرب ضد السيادة السودانية، وتسعى داوئر متعددة لاستغلال هشاشة الدولة وتفككها لضرب وحدة السودان وتفتيتها.
ولمواجهة كل ذلك، نحتاج إلى سياسيين يشتغلون بالفكر والتفكير السياسي، وينظرون إلى أعمق مما يبدو على السطح، وليس سياسيين تقليديين ديدنهم التفكير التكتيكي التقليدي. لا بديل غير توحيد كافة القوى السياسية والمدنية حول هذا التوجه وهذه النظرة العميقة لمواجهة التدخلات الخارجية وسعيها المحموم للاستفادة من الحرب في تنفيذ مخططاتها السياسية والاستراتيجية، وفي نهب موارد البلاد».
وفي ختام رسالته يقترح الأستاذ حيدر أن تبادر أي من الجهات السودانية، كمراكز الدراسات والأبحاث، بتنظيم منتدى أو حلقة نقاش فكري تضم مساهمين من مختلف الاتجاهات السياسية والمدارس الفكرية لإدارة حوار حول هذه التحديات، بعيدا عن نقاشات الصراع السياسي المباشر والتقليدي، ورفضا لممارسات التخوين والاتهامات المتبادلة التي لا تستند على أي أسس أو وقائع. وحتى لا يتحول المنتدى إلى ترف فكري أو حوار طرشان، يرى الأستاذ حيدر أن يستصحب الحوار حلولا وأطروحات ملموسة بغرض الوصول إلى تعريف جديد للحرب وفي الوقت نفسه تحديد أولويات السودان وحماية سيادته ووحدته. كما يرى الأستاذ حيدر إمكانية الاستفادة من المنتدى المقترح في وضع خطوط عريضة لإعلان مبادئ لوقف الحرب، وأن يكون المنتدى طريقا ثالثا بعيدا عن الثنائية والاستقطاب الحالي، وكذلك أن يكون حلا سودانيا خالصا دون تأثيرات خارجية. وكل ذلك، يمكن أن يمهد لرؤية واقع البلاد لما بعد الحرب لجهة أن تعريف الأولويات ستقودنا في المستقبل للخروج من الفشل المزمن الذي لازم دولة ما بعد الاستعمار السودانية. ويختم الأستاذ حيدر رسالته قائلا: «قد تبدو هذا الأفكار ضربا من الخيال في ظل هذا الجنون والعبث ولكن اعتقد أنها ممكنة التجسيد».
أعتقد أن رسالة الأستاذ حيدر عبد الرحمن تستحق الاهتمام وتنفيذ ما بها من مقترحات، وهو ما سنسعى له.
لكن، لا يمكننا اختتام هذا المقال دون الإشارة إلى الجريمة الوحشية تجاه المدنيين في شرق الجزيرة بوسط السودان. وهي جريمة تستدعي التحرك العاجل بعيداً عن أي أجندات سياسية، لتشكيل أوسع جبهة مدنية من الجهات المحلية والإقليمية والعالمية المعنية بكرامة وحقوق الإنسان، لإنقاذ مواطني ولاية الجزيرة، وفك الحصار المضروب عليهم بكل الوسائل، بما في ذلك الضغط بكل الطرق على قوات الدعم السريع لوقف ما تمارسه من جرائم وانتهاكات، وتشكيل لجنة تحقيق دولية للتحقيق في هذه الجرائم وتوثيقها، وتحديد المتورطين المباشرين وغير المباشرين في هذه الجرائم وإدراجهم في قوائم المطالبين للمحاسبة والعدالة الدولية.
* نقلا عن القدس العربي
الوسومالإبادة الجماعية الجزيرة الجنينة الدعم السريع الضعين الهلالية حرب السودان د. الشفيع خضر سعيد دارفور كردفانالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الإبادة الجماعية الجزيرة الجنينة الدعم السريع الضعين الهلالية حرب السودان دارفور كردفان حرب السودان
إقرأ أيضاً:
لوموند: انهيار السودان تهديد للعالم
قالت صحيفة لوموند إن الحرب التي تدمر السودان منذ أكثر من عامين تتغذى على لعبة التأثير الإقليمي، مما يعني ضرورة التأثير على الجهات الخارجية الفاعلة مع تزايد احتمال التقسيم.
وأوضحت الصحيفة -في افتتاحيتها- أن الهجمات المتكررة بطائرات مسيرة تضرب بورتسودان شرقي السودان منذ بداية مايو/أيار الجاري تذكّر بأن هذه الحرب شبه المنسية التي دخلت عامها الثالث ما زالت تزداد تدميرا بعد أن قتل فيها أكثر من 150 ألف شخص ونزح أكثر من 13 مليونا بسبب القتال.
وذكّرت الصحيفة بأن بورتسودان ليست فقط عاصمة للحكومة الفعلية التي انسحبت إليها عندما كانت الخرطوم مسرحا لمعارك دامية، ولكنها تشكل نقطة دخول المساعدات الحيوية إلى بلد يعاني من أزمة إنسانية دفعت الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى القول إن السودان محاصر في "كابوس من العنف والجوع والمرض والنزوح".
ولذلك، فإن تدمير البنية التحتية الحيوية هناك -مثل آخر مطار مدني عامل في البلاد- بهجمات الطائرات المسيرة لن يؤدي إلا إلى تعقيد عملية إيصال المساعدات، خاصة أن استعادة القوات المسلحة السودانية بقيادة رئيس مجلس السيادة السوداني الجنرال عبد الفتاح البرهان السيطرة على الخرطوم في نهاية مارس/آذار الماضي لم تؤد إلى تغيير في مسار الحرب كما كان متوقعا.
إعلان صنّاع الحرب بالوكالةوعلى العكس من ذلك أظهرت قوات الدعم السريع بقيادة الجنرال محمد حمدان دقلو (حميدتي) في هجمات بورتسودان أن قوتها النارية ظلت سليمة، واستغلت الذكرى الثانية لبدء الحرب يوم 15 أبريل/نيسان للإعلان عن تشكيل حكومتها الخاصة، مما يشير إلى تزايد احتمال تقسيم السودان مع عواقب إقليمية لا يمكن التنبؤ بها.
لكن المصيبة السودانية تغذيها -حسب الصحيفة- لعبة من التأثيرات الإقليمية كما يشير إلى ذلك تنديد الأمم المتحدة بـ"تدفق الأسلحة والمقاتلين"، وبالفعل أدت هجمات الطائرات المسيرة على بورتسودان إلى انهيار العلاقات الدبلوماسية بين السلطات الفعلية في البلاد والإمارات العربية المتحدة التي تتهم -رغم نفيها- بتزويد الجماعات شبه العسكرية بأسلحة متطورة.
وخلصت لوموند إلى أن إخراج السودان من الدوامة التي قد يضيع فيها يتطلب الضغط على هؤلاء الفاعلين الخارجيين المحرضين على الحرب والمجازر بالوكالة، مشيرة إلى أن الولايات المتحدة هي التي تمتلك إمكانيات لتحقيق ذلك، نظرا لعلاقاتها مع الدول المتورطة بشكل غير مباشر في الحرب بالسودان.
ولم يبق -حسب الصحيفة- إلا أن يفهم الرئيس الأميركي دونالد ترامب -الذي يزور شبه الجزيرة العربية اليوم الثلاثاء- أن بلاده مثل كل الدول الأخرى لها مصلحة في رؤية البنادق تصمت في السودان.