السُودان وشعبه لا يحتمل ترّف التمترُس في المواقِف وصِرّاع السُلطة

نضال عبدالوهاب

١٩ شهراً مرت علي حرب السُودان، دون أن تلوح بوادر حقيقية لوقفها، في ظل أوضاع “كارثية” تمر علي بلادنا وشعبنا، وأوضاع في المُجمل غير مسبوقة طوال التاريخ الحديث، مع خطر ماثل لتلاشي الدولة أو تفتتها وانقسامها، وتعرض أهلها للإبادة، والتهجيّر، في واقع “حرب” من المُمكن أن تتحول إلى حرب أهليّة شاملة، تزيد معها احتمالات الدخول في عداد الحروب الطويلة، والتي ينعكس أثرها علي حاضر ومستقبل أجيّال كاملة من السُودانيين.

هذا الواقع دون أدنى شك يحتاج تكاتف الجميّع لتغييره، واستشعار المسؤولية الوطنية لتفادي سيئ المآلات، وحسابات خسارة الوطن بذاته، لن ينفع بلادنا السيّر في اتجاهات لحلول بطريقة لا تستوعب هذا الواقع الحالي، أو العمل والتفكيّر بطريقة كأننا في “٢٠١٨ أو ٢٠١٩”، أو حتى ما بعد “٢٠٢١ أو ٢٠٢٢”، أي لن يكون من المُفيّد لبلادنا وشعبنا التفكير والعمل بطريقة ما قبل وأثناء الثورة، أو ما قبل وبعد انقلاب ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١، ولا في توقيّت الاتفاق الإطارئ وإفرازات مرحلته.

هذه الحرب ما بعد ١٥ أبريل، وحتى اللحظة خلقت واقعاً آخر شديد الاختلاف والخطورة، وبالتالي من الضروري وجود تعامل “سياسِي” مُختلف، ويتماشى مع هذا الواقع الكارثي والمأساوي.

والذهاب لطريق يجمّع كل أصحاب المصلحة من السُودانيين في وقف هذه الحرب وإنقاذ الدولة من التلاشئ والذوبان والتقسيّم والتفتت، وإنقاذ الشعب السُوداني من الإبادة والفناء والتشريّد.

هذا الواقع “الشديد الخطورة” و “الكارثي” لا يعطينا كفاعليّن وقوى سياسِية ومُستهدفين للحلول لبلادنا والخروج من هذه الأزمة المُستعصّية، وهذا الوضع لبر الأمان أي مساحة من الترف للتمترُس أو التوقف في مواقف وطريقة تفكيّر لا تصنع غير مزيّد من إضاعة الوقت، ومزيّد انتظار الخراب واستمرار آلة الموت وحصد أرواح السُودانيين، واستمرار مُعاناتهم، والتحول للمجهول المُظلم، بل و الحالك الظلام!.

وليس كذلك لدّينا ترف الأجندة الخاصة والذاتيّة، وطريق الصرّاع علي سُلطة أو نفوذ.

ولكي نجنب بلادنا كُل هذا الخطر، ونوقفه عند هذا الحد، علينا نقل طريقة تفكيرنا وأدوات عملنا لاتجاه يجمّعنا كسودانيين أولاً مُتساوي الانتماء إلى هذه البلاد وكمواطنيين لنا جميعاً الحق فيها، وفي بقائها ووجودها موحدة، والتنبه وتذكُر أن كُل هذا الصرّاع المُحتدم ليس لأغلب السُودانيين أيضاً إن لم يكن لجميعهم فيه أي صالح أو مصلحة، ولا يعنيه، فالسواد الأغلب يُريد استقرارا وعودة، ويرُيد كسب قوته ودخله من عمله فيها، وعيشه بها، وموته داخلها، ويُريد تعليم أطفاله وأبنائه، وفتح المدارس، وأمانه الشخصي والأُسري، ويريد فقط وطناً، ولا يريد أن يفقده، هذا هو الذي يفكر فيه الجميّع الآن، بقاء الوطن أولاً، والمُحافظة علي إنسانه وشعبه، واستقراره وسد جوعه وأمنه، ثم يأتي من بعد الانتقال إلى بنائه وتقدّمه ورفاهيته، ولن يتسنى لنا هذا إن تمسكنا بمواقف “سياسِية” تعزلنا عن بعضنا البعض، ولا تحقق مصالح أكبر مجمّوع من السُودانيين، ولا تذهب لأهداف تحافظ لهم علي بلادهم أولاً ثم علي حياتهم واستقرارهم وأمنهم وبقاؤهم، سُودانيّون يُريدون العيش أعزاء في بلادهم، تعبوا من النزوح والمذّلة، تعبوا من الصرّاعات، والتخندقات، والنظر الدائم في المجهول وانتظار الأسوأ!.

إن بعض الذين يدّعون “الثورية”، والطهرانيّة ويتغافلون في ذات الوقت أن بلادنا وشعبها يُساقون للمجهول والفناء والإبادة، ولا يكون لدى هؤلاء “الثوريين” أي أُفق يستطيّعون به إدراك أن البلاد في وضع “الكارثة” وأنها تواجه خطر “التلاشئ”، فهؤلاء ليسوا إلا محض “أنانيون” حمقي، وضلوا الطريق.

ومثلهم من لا ينظرون إلا لكراسي السُلطة ووصولهم إليها وتنفذهم، هؤلاء أيضاً “أنانيون”، وانتهازيون لا يعرفون إلا مصالحهم “الخاصة” وذواتهم “المُختلة”.

إن “الوطنيين” و “الثوريين الحقيقيين” هم من يدركون ما تمر به البلاد وشعبها اللحظة، ويدركون خطورة وكارثية الوضع والظرف، وفي سبيل ذلك يتنادون لأجل مصالح بلادنا وشعبها، بأفقٍ مُتسع، وتنازلات حقيقية يمكن أن تُدار بها هذه المرحلة، والقبول بحوار لا أجندة فيه غير إنقاذ البلاد وشعبها من الفناء والموت والتلاشئ، والمُحافظة علي وحدتها، وصد مؤامرات وأطمّاع جميّع أعدائها.

نحتاج بكل وضوح لتفكير جديد يتسق والمرحلة، ويقود لعمل جماعّي وطني ومُخلص للخروج من هذا الوضع الكارثي والمأساوي غير المسبوق، لن يُفيّد بلادنا الآن التمترس والتشدّد ووالشطط، ولن يفيدها التخندّق والإقصاء والتناحر، ولن يُفيدها التوقف في محطات الماضي أو قراءة الواقع بعينٍ مُغلقة، هذه ليست مرحلة التكتيكات السياسِية الفالفطيرة، تي تقود لحسابات خاطئة تصب فقط لصالح أعداء بلادنا، هذه ليست مرحلة الترف كما أُسميّها في المواقف أو الصرّاع نحو السُلطة أو عليها، وإنما مرحلة العمّل الجماعِي الوطني لأجل هدف إنقاذ البلاد وشعبها بوقف الحرب أولاً وتحقيق مصالح السُودانيين والمحافظة علي بلادنا وشعبنا ووقف مُعاناته والالتفاف حول تلك الأولويات والأسبقيّات، وعلينا جميّعاً واجب التعلُّم من دروس الحرب الحالية نحو حاضرٍ ومستقبل أفضل.

الوسومنضال عبدالوهاب

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: نضال عبدالوهاب الس ودانیین هذا الواقع الس لطة فی الم

إقرأ أيضاً:

سمعة تونس في الخارج!

«ما الذي يجري عندكم في تونس ؟!»..
في نوع من البهتة، يسارع كثر إلى هذا السؤال ظنا منهم أنك قد تكون من بين من يُفترض أنهم على اطلاع أوسع من غيرهم بحقائق الأمور هناك، بل وقد يطرح السؤال نفسه بلهفة أكبر بين التونسيين أنفسهم في محاولة للفهم غالبا ما تنتهي بمزيج قاس من المرارة والفشل: مرارة استعراض العبث الجاري هناك، وفشل العثور على بصيص نور في نهاية هذا النفق.

الصحافة العربية والدولية وشبكات التلفزيون العالمية لم تقف عند هذا الحد، فقد استقرت لديها، تدريجيا وبشكل متصاعد، صورة سلبية للغاية عن تونس وحاكمها، تسندها في كل مرة ما تقوله المنظمات الدولية عن واقع الحريات وحقوق الانسان، وما تورده التقارير الاقتصادية عن حال البلاد والعباد، وما تعبّر عنه نخبة البلاد السياسية والاجتماعية بخصوص حالة اختناق لا أحد يدري متى تنتهي.
في كل ما يكتب ويقال اليوم عن تونس في مختلف المنابر العالمية، لا شيء إيجابيا على الاطلاق!! ما من صحيفة أو مجلة أو إذاعة أو تلفزيون تطرّق إلى الشأن التونسي إلا ووجد من المعطيات الصارخة ما يؤثث به صورة سلبية للغاية عن الكيفية التي تدار بها البلاد حاليا على أكثر من صعيد.. فهل كل ذلك افتراء وتجن؟! بالتأكيد لا.

لا شيء يرفع صورة أي دولة في الخارج ويجمّلها إلا ما يفعله القائمون على شؤونها في الداخل في المقام الأول، ولا شيء يشينها ويشوّهها سواه، ولا فائدة هنا في اجترار حديث سمج مفاده أن الدوائر الأجنبية لا تضمر لنا خيرا ومغتاظة من سياستنا المرتكزة على السيادة الوطنية واستقلال القرار، أو أن لوسائل الاعلام الدولية أجندة غير عادلة في تقييم ما يجري في هذا العالم ففي هذا الكلام بعض الحق الذي يراد به كل الباطل.

لقد مرت سمعة تونس العالمية بمراحل مد وجزر طوال العقود الماضية كانت أبهاها في السنوات الأولى بعد استقلالها عن الاستعمار الفرنسي عام 1956 وبروز اسم الحبيب بورقيبة زعيما كبيرا تكاد البلاد لا تُعرف إلا به، وكذلك في السنوات الأولى بعد ثورتها على نظام زين العابدين بن علي عام 2011.

من الصعب، على سبيل المثال لا غير، أن ننسى تلك الزيارة التاريخية التي أدّاها بورقيبة إلى الولايات المتحدة في مايو/ أيار 1961 وفيها حظي باستقبال حار للغاية سواء من الرئيس جون كينيدي أو من عشرات الآلاف الذين خرجوا لاستقباله في شوارع وشرفات مدينة نيويورك. من الصعب كذلك أن ننسى ما حظيت به تونس من صيت عالمي حين خاطب الرئيس محمد منصف المرزوقي البرلمان الأوروبي في فبراير/ شباط 2013، أو حصول 4 منظمات تونسية على جائزة نوبل للسلام عام 2015، أو حين حضر الرئيس الباجي قايد السبسي قمة الدول السبع في إيطاليا في مايو/ أيار 2017.

من أوجز وأوجع ما كتب عن تونس مؤخرا ما جاء في مقال بصحيفة «الشرق الأوسط» للكاتب اللبناني المعروف سمير عطاء الله في عموده اليومي المواظب عليه منذ 1987 حين كتب في 12 مايو/ أيار الحالي تحت عنوان «التونسية في السجن» أن « تونس كانت بعيدة عنا جغرافياً، وصلاتنا معها قليلة، وليس بيننا، على سبيل المثال، طيران مباشر. لكن بورقيبة أتقن كيف يجعل كل الدنيا قريبة من تونس. وفي الداخل أقام حكماً راقياً وعادلاً، وجعل التعليم إلزامياً. ولم تكن تونس دولة غنية، لكنها كانت دولة محترمة (…) وجاء من بعده زين العابدين بن علي، فلم يكن ممكناً أن يكون بورقيبة آخر، كما أنه أُحيط بحاشية أفسدت عليه الحكم. لكن بناء الدولة بقي قائماً (…) ثم مضى وقت وتونس لم تعد تونس. وفي كرسي بورقيبة، بعد 60 عاماً، حلّت أمزجة متوترة، وقلوب غاضبة، وتسامح قليل، وإدارات لا تعرف كيف تستقر على سكة الحكمة».

وأضاف الكاتب، وكأنه يعتذر عن أنه اضطر للكتابة عن تونس، خاصة بعد ما تم الزج بنساء تونسيات في السجون، لأنشطتهن الاجتماعية السلمية أو لآرائهن السياسية، بعد أن كانت البلاد نفسها تفخر بمكاسبها المختلفة في مجال المرأة، بأنه «منذ سنوات وأنا أمنع نفسي عن الكتابة في الشأن التونسي، لأن معرفتي به لا تؤهلني، ولذلك، وفي الآونة الأخيرة، تكاثرت وتراكمت وتفاقمت السياسات المسيئة لسمعة الدولة، التي كانت نموذجاً ذات يوم».

موجعة للغاية تلك الإشارة بأن تونس زمن بورقيبة «لم تكن غنية لكنها كانت دولة محترمة»، وبأن في زمن بن علي «بناء الدولة بقي قائما»، مع ما يعنيه ذلك للأسف بأنها اليوم لم تعد لا هذه ولا تلك. كلام يبقى مع ذلك أقل بكثير مما يقال اليوم في كبريات الصحف والمجلات العالمية مما رسّخ صورة قاتمة عن هذا البلد في محنته الحالية. ومع ذلك، ما من شيء يدل على أن القوم هناك مستعدّون لمراجعات تفرضهما المصلحة والحس السليم معا، قبل أن تقتضيها أصول السياسة في حدّها الأدنى.

(القدس العربي)

مقالات مشابهة

  • عدن: رئيس هيئة النقل يدشن تفويج أولى رحلات حجاج بلادنا إلى الاراضي المقدسة
  • الرئيس اليمني يزور روسيا نهاية مايو.. العليمي يشيد بالموقف الروسي تجاه اليمن وشعبه وشرعيته الدستورية
  • وكيل أول النواب: أدعو لصياغة مقاربة إسلامية لتعزيز الحوكمة في بلادنا
  • الاعيسر: حكومة جمهورية الصين الشعبية، مطالبة بوصفها دولة صديقة للسودان وشعبه بالتدخل العاجل لدى نظام أبوظبي
  • الجيش الإندونيسي يقتل 18 انفصالياً شرقي البلاد
  • «الشرع»: قرار ترامب رفع العقوبات عن سوريا «تاريخي وشجاع».. ولن نسمح بتقسيم بلادنا|فيديو
  • انطلاق فعاليات الكونغرس الـ87 للاتحاد الدولي للصحافة الرياضية في الرباط بمشاركة بلادنا
  • الباسقات
  • مسؤول في الحزب التركي الحاكم: المفاوضات الروسية الأوكرانية في بلادنا قد تستمر لجولات عدة
  • سمعة تونس في الخارج!