مؤامرات فرط صوتية.. ومقاومة لم تزل حاضرة!
تاريخ النشر: 1st, July 2025 GMT
حين تدير وجهك عن شريط الأخبار العاجلة لبعض شأنك، أو ضجرا من تسارع الأحداث، تعود مدفوعا برغبة حارقة بالمتابعة، فتجد أن ثمة شيئا جديدا يحصل، هناك تسارع غير مسبوق في الأحداث.. حتى وقت قريب كان يمر الشهر أو الشهران دون أن ترى خبرا عاجلا، أما اليوم لا تمر ساعة دون أن تصطبغ شبكات الأخبار باللون الأحمر، هناك حالة من "فرط صوتية" تعيشها بلادنا منذ يوم السابع من أكتوبر، ومع تسارع الأحداث وجِدّتها، ثمة مسار آخر غير مرئي نرى ونشعر بأثره الموجع: كتل من المؤامرات السوداء تنفجر من حولنا كينابيع مياه آسنة، مؤامرات كبرى بحجم منجز المقاومة وعنفوانها، مقاومة تدير رؤوس المتابعين، وتغيظ العدو ومَن وراءه ومَن وراء وراءه!
من خلف دخان التصريحات التي يطلقها رجل نصف مجنون ونصف مغامر مقامر، تنتظر توقيعه الشهير أكبر قوة عسكرية في العالم، تشم رائحة حكايات ومؤامرات، تترى كموج البحر، بعضها أو جلها يتكسر على رمال الشاطئ، وبعضها غير المرئي ربما يتحول إلى موجات تسونامي مجنونة، ويبدو أننا على أبواب شيء من هذه الأخيرة!
يهمس في أذني أحدهم؛ سمع مباشرة من مسؤول كبير جدا في سلطة رام الله أن مبعوث الرئيس ترامب للشرق الأوسط ويتكوف، هذا الرجل الذي يبدو كأنه ترامب صغير لكن أشد ذكاء منه وحامل سره، تواصل غير مرة معه والتقاه في غير عاصمة عربية وغربية، و"وعده" أن "المعلم" الكبير يخطط لإقامة شيء يسمى "دولة" فلسطينية في الضفة الغربية وغزة، مع ربط الإقليمين بممر.
الطبخة التي تحدث عنها هذا المسؤول الكبير فاحت رائحتها المنتنة، حتى قبل أن "يبوح" بسره الخطير، بل إن أخبارها ملأت الشريط الإخباري الأحمر، والسؤال هنا: أين المقاومة من كل هذا؟ هذا السؤال لم يزل مطروحا على الطاولة، لسبب بسيط ووحيد هو أن المقاومة لم تزل حاضرة وتجلس على الطاولة، وترفض مغادرتها رغم كل ما حيك حولها من تآمر ليس لإبعادها عن الطاولة فقط، بل لدفنها تحت سابع أرض، إلا أنها حتى اليوم تسجل حضورها في دفتر الحضور والغياب، كحاضر واحد ووحيد في قائمة الشرف!
منذ مائة عام اعتدنا في بلادنا العربية وتشكل قلب العالم، أن نعيش حياتين: حياة فوق السطح مليئة بالخطابات القومجية المجعجعة بالنصر والإنجاز الكاذب والاستقلالات الوهمية، وحياة أخرى تحت أرضية تحتوي خطط وبرامج برسم التنفيذ تستهدف إبقاء هذه الأمة في حالة سيولة وميوعة وطنية، فلا هي مستقلة ولا محتلة بالمعنى الحرفي، لكنها مخترقة حد كونها تدار بأيد خفية، تكون حيث يُراد لها أن تكون، لا حيث يريد أهلها. وتلك حالة يبدو والله أعلم أننا بدأنا نشهد بدايات أولية لنهايتها، فقد سقطت الأقنعة، وتمزقت أوراق التوت، ولم تعد العورات الوطنية متوارية وراء الأكاذيب، بل إن عصا غزة، أو عصا موسى بمعنى من المعاني، بدأت تلقف ما يلقون، من عصي يهيّأ للناظر أنها أفاع، وهي محض عصي لا حول لها، تلك ليست محض أماني، فالواقع الذي سطرته غزة وفلسطين بمقاومتها وسابع أكتوبرها، أكبر من أن تحجبها مؤامرات أو قنابل دخانية، نحن أمام واقع جديد عربيا وغربيا، لن يتسامح أبدا مع تلك الجرائم الكبرى التي ارتكبها الصهاينة النازيون، وسأقول أكثر: إن الله أكرم من أن يدع تلك الدماء الزكية تذهب هدرا، هناك واقع جديد في الضمير الجمعي العربي والغربي أيضا، يقول إن الكيان ارتكب جرما كونيا ولا بد أن يعاقَب عليه، حتى ولو بدا هذا الكيان وكأنه يعيش فترة علو غير مسبوقة، فحسب قوانين الفيزياء بعد أن تبلغ كتلة ما ذروة العلو تعقبها مرحلة السقوط، أما كيف وعلى أي نحو، ومتى على وجه التحديد، فعلمها في بطن الغيب، وإن كانت كل مؤشرات عالم الغيب والشهادة أيضا تنبئ بأن هذا السقوط بات وشيكا جدا، وثمة مليون مؤشر يدعم هذا الاستنتاج، ولم يكن هذا ليحدث لولا ثبات المقاومين منتعلي الشباشب، وتشبثهم بمبدأ الحرص على الموت بمقدار ما يحرص عدوهم على الحياة، أي حياة!
صحيح أنني وأمثالي نبدو كمن "يتباهى بشعرات بنت خالته" كما يقول المثل الفلسطيني السائر، ولكننا على الأقل لم ننخدع بألاعيب القومجيين، ولم نطبل أو نزمر لمن طعن المقاومة في ظهرها، وبقينا نصرخ بأعلى الصوت -وهو كل ما نملك تقريبا- مدافعين عن صوابية موقفها، وخياراتها، ولم نروّج لما حاول بيعه المخذلون والمتخاذلون من تصنيفات وضيعة لأكثر مراحل التاريخ الفلسطيني نظافة وعنفوانا.
نحن على أبواب مؤامرة كبرى جديدة؟ على الأغلب نعم، حيث تغطيها سحابة دخانية من التصريحات الترامبية، التي تحمل الشيء وضده في الوقت نفسه، ما هو مؤكد أن كل "الترامبات" عبر التاريخ كان مصيرهم أسود قاتما، ابتداء من فرعون ونهاية بهتلر، مرورا بكثيرين أغرقوا بلادنا بالدم، وذهبوا كأي عارض صحي، وبقيت الأمة بكل عنفوانها وحضارتها و.. مقاومتها أيضا.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه المؤامرات المقاومة فلسطينية غزة فلسطين مقاومة غزة مؤامرات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد مقالات سياسة اقتصاد اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
إسرائيل لا تنتصر.. بل تغرق في وحل غزة
◄ "معاريف": الحرب في غزة أثبتت الفشل المدوّي لحكومة نتنياهو
◄ عضو بالكنيست: لا أفهم لماذا نُقاتل حتى الآن والجنود يقتلون كل يوم
◄ إسرائيل استخدمت أحدث وسائل القتل والتدمير وعجزت عن إعلان النصر
◄ العمليات النوعية المتواصلة للمقاومة تزيد من إجمالي قتلى الاحتلال
◄ تطوير التكتيكات العسكرية للمقاومة ينجح في زيادة الخسائر الإسرائيلية
الرؤية- غرفة الأخبار
دائماً ما يصرّح رئيس وزراء حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن ضرورة تحقيق "النصر المُطلق" في قطاع غزة، إلا أنه وعلى مدار قرابة العامين، فشلت إسرائيل في تحقيق هذا الهدف رغم الدمار الكبير والإبادة الجماعية التي يتعرض لها الفلسطينيون في القطاع.
وطوال هذه المدة، استعانت إسرائيل في حربها على غزة بأحدث وسائل القتل والتدمير ضد فصائل المقاومة ذات الإمكانات المحدودة مقارنة بغيرها من الجيوش والتنظيمات التي حاربتها إسرائيل، ومع ذلك بقي جيش الاحتلال عاجزا عن إعلان النصر أو استعادة الأسرى.
كما يستخدم الجيش مئات الطائرات المقاتلة والسفن الحربية والمدرعات، وأحدث التقنيات التكنولوجية، بما فيها الذكاء الاصطناعي، وحصل على أسلحة جديدة وذخائر وعتاد من الولايات المتحدة وحدها بمقدار 6.5 مليار دولار، ودمَّر 85 في المائة من الأبنية في قطاع غزة، وقتل أكثر من 56 ألف فلسطيني، ثلثاهم من الأطفال والنساء والمسنين (وهناك 938 فلسطينياً قُتلوا في الضفة الغربية)، وأصاب نحو 200 ألف بجراح، وقام بتهجير نحو مليوني فلسطيني من بيوتهم، مرات عدة، بعضهم تم ترحيله من مكان لآخر 12 مرة، واعتقل نحو 10 آلاف فلسطيني. ومع هذا، فإنَّ جيش الاحتلال عالق في غزة.
وفي ظل كل هذه المعطيات، يواجه جيش الاحتلال مقاومة شرسة أسفرت عن سقوط مئات القتلى والمصابين العسكريين، ولا تزال فصائل المقاومة تحتفظ بالأسرى، دون أن تتمكن إسرائيل من تحريرهم بالضغط العسكري.
ولقد نشر المراسل العسكري لصحيفة "معاريف" آفي أشكنازي، مقالا بعنوان: "في غزة، إسرائيل لا تنتصر، هي تغرق في الوحل"، أشار فيه إلى أنه على مدار أكثر من 600 يوم، قتل 1905 من الإسرائيليين، إلى جانب أسر العشرات.
وأضاف: "إدارة الحرب في غزة هي فشل مدوٍ لحكومة إسرائيل، ورئيسها بنيامين نتنياهو".
وعدّد المقال أسباب فشل جيش الاحتلال في غزة، والتي من بينها: تحديد أهداف وهمية للحرب لا يمكن تحقيقها مثل القضاء على حماس، وترحيل أهل غزة إلى دول أخرى، وعدم جاهزية الجنود الإسرائيليين للمعركة، إلى جانب تآكل العتاد في الجيش الإسرائيلي، إلى جانب تطوير فصائل المقاومة من تكتيكاتها العسكري وتنفيذ عمليات توقع قتلى عسكريين إسرائيليين في مواقع مختلفة من القطاع.
وتأكيداً على هذا الفشل، قال رئيس لجنة المالية في الكنيست موشيه غفني، أحد أبرز قادة الائتلاف الحكومي، تعقيباً على قتل 7 جنود إسرائيليين في غزة نهاية الأسبوع الماضي: "أنا لا أفهم حتى هذه اللحظة على ماذا نقاتل ولأي حاجة، ما الذي نفعله هناك حين يُقتَل جنودٌ كل الوقت".
ووفقا لذلك، فإنَّ استمرار الحرب في قطاع غزة لم يعد له أي أهداف سوى أن يضمن نتنياهو استمراره في السلطة، وألا يحاكم بأيِّ تهم، خاصة وأن استطلاعات الرأي التي نُشرت خلال الحرب منذ أكتوبر 2023، تشير إلى أنَّه في حال إجراء الانتخابات ستخسر أحزاب الائتلاف الحكومي ثلث قوتها وتسقط.