تبرير المليشيات- منكر في ذهنية المثقف وسقوط أمام الحاضر
تاريخ النشر: 22nd, November 2024 GMT
زهير عثمان
تبرير سلوك إباحة إقامة المليشيات هو أمر منكر في ذهنية المثقف، مهما كان رصيده الأخلاقي أو خلفيته الفكرية، سواء كان يسارياً عتيقاً أو أكاديمياً مرموقاً لا يُشق له غبار. فالكِبْر الفكري قد يخل بالطرح، ويتقزم أمام معطيات الحاضر، حيث تصبح المواكبة ضرورة، لكنها عصية على من يستسلم لتصوراته القديمة أو نزعاته الذاتية.
رد على طرح "حق الجيوش في توظيف المليشيات": تفكيك وتحليل
التوظيف التاريخي للمليشيات من قبل الدول، بما فيها السودان، يتطلب فهماً عميقاً لسياقات الدولة الحديثة ووظائفها. هذا الفهم يُبرز الإشكالية في طرح فكرة "حق الجيوش في توظيف مليشيات"، حيث أنها تفتقر إلى التعليل القانوني والمؤسسي، وتدفع بتبريرات قد تبدو مقبولة تاريخيًا ولكنها تتعارض مع طبيعة الدولة الحديثة. فيما يلي تحليل للمحاور الرئيسية
الدولة الحديثة واحتكار العنف المشروع
وفقاً لماكس فيبر، الدولة الحديثة تحتكر استخدام العنف المشروع كأحد أسس وجودها. وهذا يعني أن أي تفويض باستخدام العنف لجهة غير رسمية (المليشيات) يقوض هذا الاحتكار ويضعف بنية الدولة. السودان، منذ الاستقلال، أظهر عجزًا عن بناء مؤسسات قوية للحفاظ على هذا الاحتكار، مما أتاح للمليشيات فرصة النمو والازدهار، وهو ما تجلى في أزمات متكررة.
التاريخ السوداني مثال واضح
عهد الإنقاذ والدعم السريع لقد كان تمكين مليشيا الدعم السريع لتصبح قوة مستقلة تحولاً خطيراً، حيث أضحت "شريكاً" في السلطة العسكرية، لا مجرد أداة مؤقتة.
حقبة ما بعد الاستقلال و حتى في عهود عبود أو نميري، كانت الدولة توظف القبائل كأدوات ضد خصومها في الجنوب أو الغرب. هذا النمط استمر مع تحولات أكثر خطورة في العقود اللاحقة.
المليشيات وأزمة الشرعية
الدولة التي تعتمد على المليشيات تفقد شرعيتها بين مواطنيها. هذا الاعتماد ينقل السلطة من مؤسسات الدولة إلى قوى قبلية أو فئوية ذات أجندات خاصة.
السودان نموذجاً كما أوضح بلين هاردن، حرب الدولة السودانية "الرخيصة" من خلال المليشيات القبلية خلقت صراعات ممتدة، وتركت أعباء طويلة الأمد على النسيج الاجتماعي.
المليشيات غالباً ما تشتغل خارج القانون، بما يعزز الفوضى ويُضعف إمكانية بناء سلام مستدام.
التوظيف التاريخي للمليشيات في السودان
التاريخ السوداني مليء بأمثلة لتوظيف الدولة لمليشيات قبلية، مما أدى إلى دوامات عنف وصراعات ممتدة
المهدية استخدمت القبائل المتحالفة لكسر ثورة الكبابيش.
الاستعمار الإنجليزي تحالف مع قبائل مثل الكبابيش لمواجهة السلطان علي دينار، مستغلاً عداءها التاريخي مع دارفور.
نظام عبود استخدم قبائل المورلي في الجنوب كأداة ضد الحركة المسلحة.
هذه الأنماط تؤكد أن توظيف المليشيات ليس جديداً، ولكنه ظل يؤدي إلى نتائج عكسية، إذ يُطيل أمد الصراعات ويؤسس لانقسامات أعمق.
أخطاء نظام الإنقاذ كنموذج الدعم السريع
نظام الإنقاذ انحرف بشكل غير مسبوق في استخدام المليشيات عبر تحويل الدعم السريع إلى قوة موازية للجيش.
هذا الوضع يُعتبر خرقاً للنظام العسكري للدولة الحديثة، حيث لا يجوز وجود جيشين متوازيين.
النتيجة كانت تآكل المؤسسات العسكرية التقليدية، مما أدى إلى هشاشة الدولة وأفضى إلى حرب 2023 الكارثية.
تفنيد الادعاء بأن الجيوش يحق لها توظيف المليشيات
أ. مخالفة القانون الدولي
الدولة الحديثة ملتزمة بالقوانين الدولية التي ترفض عسكرة المجموعات القبلية أو إنشاء مليشيات خارج سيطرة الدولة.
ب. تهديد السلم الاجتماعي
توظيف المليشيات يعزز الانقسامات الاجتماعية، ويزيد من احتمالات الحرب الأهلية.
ج. تقويض الجيش نفسه
مثلما حدث في السودان، يؤدي الاعتماد على المليشيات إلى إضعاف الجيش النظامي، حيث تتحول السلطة العسكرية إلى أدوات خاصة.
وعلينا أن نسعي نحو دولة قانونية مستقرة , السودان بحاجة إلى إعادة بناء جيشه الوطني كقوة موحدة تحت قيادة مدنية ديمقراطية. استخدام المليشيات، تاريخياً أو حالياً، ليس مبرراً، بل هو انحراف عن مسار بناء الدولة الحديثة.
تاريخ السودان مليء بالدروس التي تؤكد أن توظيف المليشيات يُفضي إلى صراعات طويلة الأمد ويُضعف الدولة، وهي تجربة يجب أن تكون عبرة لمن يريد سلاماً واستقراراً دائماً.
[email protected]
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الدولة الحدیثة
إقرأ أيضاً:
كيف حاولت إسرائيل تبرير جريمة استهداف صحفيي غزة؟
حاولت إسرائيل تبرير جرائم استهداف الصحفيين في قطاع غزة خلال الحرب الحالية غير المسبوقة، إذ شكلت استخباراتها خلية متخصصة في البحث عن ذرائع للقتل الممنهج في غزة.
ومساء الأحد انضم مراسلا الجزيرة أنس الشريف ومحمد قريقع إلى 236 صحفيا قتلتهم إسرائيل خلال حربها الوحشية على قطاع غزة، بعدما قصفت خيمة طاقم الجزيرة بغزة في محيط مجمع الشفاء الطبي.
وكانت خلية في شعبة الاستخبارات في جيش الاحتلال قد تخصصت -منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023– في البحث عن كل صحفي أو شخصية بارزة في غزة، والعمل على نسج علاقة مباشرة له مع أي من فصائل المقاومة.
ووفق تقرير بثته الجزيرة، يسعى الاحتلال جاهدا إلى تشويه الحقيقة وطمسها، إذ تقوم الدعاية الإسرائيلية على احتمالين:
الأول: التحريض الممنهج على شخص معين ومحاولة إلصاق صورة العمل السياسي أو العسكري به. الثاني: التبرير المباشر والتهرب بعد تنفيذ عمليات القتل الممنهجة.وكان الناطق باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي قد اتهم أنس الشريف بأنه مقاتل في حركة المقاومة الإسلامية (حماس) مثلما زعم سابقا أن حمزة الدحدوح مقاتل في حركة الجهاد الإسلامي.
ولم ترق هذه الاتهامات لأحد أشهر الصحفيين الاستقصائيين في إسرائيل نفسها، إذ قال يوفال أبراهام في حسابه على "إكس" إن "الصحفي الذي لا يُشكك في تصريحات المتحدث باسم الجيش في هذه المرحلة، بعد أكاذيب لا تُحصى، يخون مهنته".
ولكن حتى لو افترضنا صحة ذلك، يضيف -أبراهام- فلا يهم، ففي النهاية، ووفقا لهذا المنطق، فإن الغالبية العظمى من الصحفيين في إسرائيل، إن وُجدت أي وثيقة تُثبت أنهم كانوا في الجيش أو خدموا في قوات الاحتياط، هم أهداف مشروعة للتصفية.
وتساءل أبراهام "لماذا قتلوه الآن؟ فمكانه معروف منذ أشهر"، قبل أن يجيب قائلا "الجواب واضح، عشية خطط السيطرة على غزة".
إعلانوكانت شبكة الجزيرة الإعلامية قد نددت بشدة باغتيال جيش الاحتلال مراسليها أنس الشريف ومحمد قريقع والمصورين إبراهيم ظاهر ومحمد نوفل في غارة، ووصفته بأنه "هجوم جديد سافر ومتعمد على حرية الصحافة".
وأشارت الشبكة -في بيان- إلى أن الأمر بقتل أنس الشريف أحد أشجع صحفيي غزة وزملائه محاولة يائسة لإسكات الأصوات استباقا لاحتلال غزة، لافتة إلى أن هناك تحريضا سبق الاغتيال.