يروت.. ذاكرة لا تنطفئ رغم جحيم الحرب
تاريخ النشر: 27th, November 2024 GMT
لا تخرج بيروت المدينة الحالمة من الوجع إلا لتعود إليه، تعود له من بوابة الحرب، أو من بوابة أزمات المصارف أو من بوابة انفجار المرفأ، كما لو أن أوجاع المدينة جزء أصيل من جغرافيتها ومن تاريخها. لكن هذه المدينة التي يسكنها التاريخ قادرة دوما على ترميم ذاكرتها مهما كانت مثخنة بالندوب، ومهما كانت ملطخة بالدماء فهي مدينة تستطيع الصبر على الوجع لكنها لا تقوى أن تكون في دائرة النسيان.
لكن بيروت لم تكن يوما مجرد مدينة في إطار جغرافي إنها قصيدةٌ شُيِّدت من الحلم والحطام. شوارعها، التي اعتادت أن تحتضن الحبّ وتروي حكايات العشاق، كانت تألف أيضا، جميع أنواع الدمار الذي لا تلبث أن تنفث فيه روح الحياة. ومقاهيها التي يحاصرها الحرب والنار ما زالت رغم كل ما يحدث قادرة على توليد الحكايات وفتح النقاشات حول السياسة والثقافة والفكر.. إنها تستمد روحها من عمق بيروت نفسها التي ترفض الخضوع، بل تلملم جراحها لتكتب قصيدتها الخاصة، قصيدة لا تخلو من الألم لكنها لا تُفتقد الأمل.
كيف يمكن لمدينةٍ أن تحمل هذا الكمّ من التناقضات؟ أن تكون ضحية الحرب ومهد الإبداع في الوقت ذاته؟ في أحلك لحظاتها، كانت بيروت تُمسك بالقلم بدلًا من السلاح، تُنشئ المطبعة بدلًا من المدفع. كل حجر في بيروت، كل زاويةٍ من زواياها، يحمل في طياته ذاكرة وطن. وكأن الأدب والشعر هما صرختها الأخيرة في وجه العدم، محاولتها العنيدة للقول: «أنا هنا. أنا موجودة. لن أختفي».
وبيروت، بقدر ما تبدو منهكة، تُدهشنا دومًا بإصرارها على أن تكون «مدينة الذاكرة»، التي لا تستسلم للنسيان. تُصرُّ على أن تحفظ في دفاترها السوداء حكايات كل من عبروا فيها وتركوا بصماتهم على جدرانها، كي لا تصبح الحكايات مجرّد رماد. بيروت تقاوم النسيان؛ لأنها تعلم أن فقدان الذاكرة يعني فقدان الهُوية، وفقدان الهوية تعني الموت.
في كل زاويةٍ من زواياها، يتردد صدى كلمات درويش وقصائد أدونيس وأغنيات فيروز. كأنّ بيروت، المقهورة تحت ركامها، تُذكّرنا بأن الإبداع هو السلاح الأجمل في وجه الحرب، وأن القصائد التي كُتبت على جدرانها ستبقى شاهدة على حقيقتها، لا على أكاذيب العدو.
اليوم، بيروت وكل لبنان تحتاج إلينا بقدر ما نحتاج إليها. تحتاج لمن يعيد قراءة قصائدها، من يُرمّم ذاكرة شوارعها بحروف جديدة، من يمنحها حقَّ أن تبقى مدينة الحلم، لا مدينة الكوابيس. علينا أن نؤمن بأن بيروت ليست مجرد مدينة، بل رمز للصمود كما هي غزة التي علمتنا معنى الكرامة والصمود ومعنى التضحية من أجل الوطن.
بيروت، ستبقى كما كانت دائمًا، مدينة لا تُهزم حتى تحت قصف الطائرات ودوي المدافع وخذلان العالم مرة أخرى.
وفي هذا العدد من ملحق جريدة «عمان» الثقافي نفتح مساحة واسعة لنقرأ بيروت من الداخل، بأقلام من يعيشون الآن تحت وقع الموت وقصفه لنسمع منهم حكايتهم عن بيروت وعن تفاصيلها الأثيرة.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
مراحل عربات جدعون التي أقرها نتنياهو لتهجير سكان غزة
مع بلوغ الحرب الإسرائيلية يومها الـ600، صادقت حكومة بنيامين نتنياهو -المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية- رسميا على عملية "عربات جدعون"، الرامية لاحتلال قطاع غزة بشكل كامل وتهجير سكانه.
وقد أشار تقرير أعده صهيب العصا للجزيرة، إلى أن العصابات الصهيونية أطلقت سنة 1948 عملية حملت الاسم نفسه (عربات جدعون) في الأطراف الشمالية للضفة الغربية -المحاذية للأردن- لتهجير الفلسطينيين منها واحتلالها.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2شهيد في قلقيلية وإصابات واعتقالات في طولكرمlist 2 of 2في غزة الورد يحترق والمدرسة مقبرةend of listوسيتم تنفيذ العملية الجديدة في غزة على 3 مراحل تستهدف احتلال القطاع وإخضاع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) واستعادة الأسرى وذلك وفقا لمخطط قوات الاحتلال.
وستبدأ العملية بتهجير سكان شمال القطاع إلى مدينة رفح في الجنوب حيث تقول إسرائيل إنها ستقيم "منطقة آمنة"، تمهيدا لتوزيع المساعدات بالتعاون مع شركات مدنية ستفرضها تل أبيب التي تواصل استخدام التجويع سلاحا في هذه الحرب.
تهجير السكان
وفي المرحلة الأخيرة من العملية، ستتوغل قوات الاحتلال تدريجيا في قلب القطاع لتهيئة الأرض لبقاء طويل الأمد وإنهاء المقاومة وتدمير الأنفاق بشكل كامل.
يأتي ذلك، فيما تتصاعد الانتقادات الدولية لهذه العملية التي تستهدف تهجير الفلسطينيين من القطاع من خلال تجويعهم، وهو ما أكده نتنياهو بنفسه في خطابه الأخير، بينما لم تتخذ الدول العربية موقفا من هذه التطورات.
إعلانفي المقابل، تواصل المقاومة تنفيذ عمليات ضد قوات الاحتلال الموجودة في القطاع بين الفينة والأخرى، حيث تم استهداف العديد من الآليات والدبابات والجنود خلال الشهرين الماضيين.
وتقول إنها مستعدة للتفاوض على اتفاق ينهي الحرب ويضمن انسحاب الاحتلال من القطاع وتبادل الأسرى، من دون التفريط في سلاحها، وهو ما ترفضه إسرائيل.