بيروت– "دمار شامل لا يمكن للعقل استيعابه"، بهذه الكلمات وصف الحاج صالح، أحد سكان مدينة صور (جنوب لبنان)، مشهد الخراب الذي انكشف بعد وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل. وكانت الصدمة أكبر من أن يتحملها عندما رأى الركام يحيط بمنزله، ممتدا ليشمل الحي بأكمله والمتاجر التي كانت تعج بالحياة.

يقول الحاج صالح للجزيرة نت "المنطقة متضررة بشكل كبير ولا يمكن لأي مواطن تحمله، نحن فقراء، مظلومون، ومغلوبون على أمرنا،" ثم تساءل بمرارة: "كيف يمكن إصلاح هذا الدمار الهائل؟" وأضاف "إذا كانت إيران ستساعد، فستفعل ذلك عبر حزب الله، أما غير ذلك، فلا أعتقد أن أحدا سيأتي لنجدتنا".

أمام منزله، وبين الأنقاض، كان مصطفى منهمكا في رفع الركام، ويروي للجزيرة نت بصوت مثقل بالتعب: "وصلنا لنجد الدمار شاملا، كل البيوت مهدمة، واستغرقنا يومين فقط لإزالة الركام كي نتمكن من دخول المنزل، الحمد لله منزلنا لم ينهَر تماما، لكنه بلا أبواب ولا نوافذ، ولا كهرباء ولا مياه، البيت ما زال غير صالح للسكن".

على بُعد خطوات قليلة، وقف الشاب حيدر فوق أنقاض منزل يحاول استيعاب حجم الكارثة، وقال بصوت يملؤه التسليم: "لم نتخيل أن نعود ونجد هذا المشهد، الحمد لله على كل حال لكن الخراب فاق كل توقعاتنا".

لم تكلف الدولة اللبنانية حتى الآن الجهات المعنية بإحصاء الأضرار والخسائر التي حلت إثر العدوان الإرسرائيلي (الجزيرة)

وفي مكان غير بعيد، كان عيسى صاحب الفرن يقف على أرض محله الذي تحول إلى كومة من الركام، بابتسامة يائسة قال: "هنا كان فرن "أطيب منقوشة"، والآن نحن نقف على أنقاض ليس الفرن فقط، بل الحي بأكمله اختفى، كل شيء تبدد حتى أسطوانات الغاز، الله يعوض علينا، فما باليد حيلة".

إعلان

أما أحد المتضررين الذي غلبه الحزن، فقد وصف المشهد قائلا: "الدمار لم يرحم شيئا، وكل ما جمعته طوال حياتي ذهب أدراج الرياح، لم يبقَ لي حتى فراش أرتاح عليه" وأضاف مستغيثا: "أناشد الدولة اللبنانية ومجلس الجنوب وكل من يستطيع مد يد العون، الأوضاع صعبة جدا، وكل شيء أصبح غاليا، نحن بحاجة ماسة للدعم في هذه المحنة".

السؤال الصعب

بعد مرور وقت على الصدمة الأولى التي خلّفها الدمار الواسع في جنوب البلاد، بدأ السؤال الأكثر إلحاحا يتصاعد بقوة: من سيتولى مهمة إعادة الإعمار؟ وما هي التكلفة الحقيقية لها؟ وما مصير الأهالي الذين فقدوا كل شيء، بما في ذلك منازلهم وممتلكاتهم؟

في هذا السياق، صرح مصدر مطلع من مجلس الإنماء والإعمار في الجنوب للجزيرة نت بأنه "لم يتم حتى الآن تكليف الجهات المعنية بجمع الإحصاءات اللازمة لتقييم حجم الدمار"، وأوضح المصدر أن "السلطات لم تتخذ أي خطوات واضحة بعد بشأن آلية التعامل مع ملف إعادة الإعمار، مما يثير تساؤلات حول خطط التعويض وإعادة التأهيل المنتظرة".

غياب قانون شامل يرعى حالات التعويض في كل الظروف يجعل الدولة اللبنانية تتبع نهجا خاصا مع كل أزمة (غيتي) تحديات

ويرى المحامي الدكتور بول مرقص، رئيس مؤسسة "جستيسيا" الحقوقية في بيروت والعميد في الجامعة الدولية للأعمال في ستراسبورغ، أن وقف الأعمال العدائية بين لبنان وإسرائيل يطرح تساؤلا جوهريا أمام اللبنانيين: ما حجم الأضرار المادية التي لحقت بالبلاد؟ ومن سيتحمل العبء المالي لإعادة بناء البنية التحتية والمناطق المدمرة جراء الحرب؟

ويشير مرقص، في حديثه للجزيرة نت، إلى أن الحكومة اللبنانية في ظل تجاوز الدين العام نسبة 150% من الناتج المحلي الإجمالي، تجد نفسها عاجزة عن توفير التمويل اللازم لإعادة الإعمار، وبدلا من ذلك يعتمد لبنان على الدعم الدولي من جهات مانحة مثل صندوق النقد الدولي، وهو دعم مشروط بتنفيذ إصلاحات سياسية وتنظيمية تبدو بعيدة المنال في الأفق القريب.

إعلان

ويضيف مرقص أن غياب قانون شامل يرعى حالات التعويض في كل الظروف يجعل الدولة اللبنانية تتبع نهجا خاصا مع كل أزمة، حيث يتم إصدار تشريعات أو تدابير مؤقتة لتغطية احتياجات المرحلة، ويستشهد الدكتور مرقص بتجربة ما بعد حرب 2006، حين قاد حزب الله جهود إعادة الإعمار في العديد من المناطق المدمرة بتمويل من جهات داعمة مثل قطر وإيران وشبكات الحزب، مثل "القرض الحسن" و"جهاد البناء".

ومع ذلك، يشير مرقص إلى أن تكرار هذا السيناريو بات أقل احتمالا اليوم لعدة أسباب رئيسية:

أولا، استهداف معظم فروع "القرض الحسن" خلال التصعيد الإسرائيلي الأخير، مما أدى إلى خسائر كبيرة في احتياطاته النقدية. ثانيا، العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران، التي قيدت قدرتها على دعم حلفائها. ثالثا، العقوبات الأميركية التي تعمق التحديات الاقتصادية.

من جهته، أطلق حزب الله لجان إعادة الإعمار لإزالة آثار العدوان في ضاحية بيروت الجنوبية، ووضع آلية لمتابعة تعويضات المنازل والمؤسسات المتضررة، وتم تقسيم الضاحية إلى مربعات جغرافية، حيث يشمل كل مربع عددا من الأبنية المتضررة أو المهدومة، كما طلب من المتضررين التواصل مع المسؤولين المحددين في نطاقهم الجغرافي لتسهيل عملية التعويضات.

العدد الإجمالي للوحدات السكنية المدمرة في لبنان بلغ حوالي 11 ألف وحدة (الأوروبية) حجم الخسائر

وفقا لمدير "ستاتيستيكس ليبانون" ربيع الهبر في حديثه للجزيرة نت، فإن حجم الخسائر يمكن تلخيصها كما يلي:

 بلغ العدد الإجمالي للوحدات السكنية المدمرة في لبنان نحو 11 ألف وحدة. قُدرت قيمة الأضرار التي لحقت بالبلاد بحوالي 3.4 مليارات دولار. وصلت الخسائر الإجمالية خلال 12 شهرا إلى قرابة 5.1 مليارات دولار. تراجع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5.7% ليصل إلى نحو 14.5 مليار دولار. وفي القطاع الزراعي، بلغت الخسائر نحو 124 مليون دولار، في حين تجاوز حجم الدمار في القطاع 1.1 مليار دولار. أما في قطاع التجارة، فقد تضرر القطاع بخسائر بلغت 178 مليون دولار ودمار بلغ 1.7 مليار دولار. وفي قطاع الوحدات السكنية، بلغت قيمة الدمار 2.8 مليار دولار، في حين قدرت الخسائر بـ389 مليون دولار. بالنسبة لقطاع السياحة، فقد تعرض القطاع لدمار بقيمة 18 مليون دولار، في حين بلغت الخسائر 1.1 مليار دولار. وفيما يتعلق بالقطاع البيئي، بلغ حجم الدمار 221 مليون دولار والخسائر 214 مليون دولار. في القطاع الصحي، وصل حجم الدمار إلى 74 مليون دولار والخسائر 338 مليون دولار، كما خرج 8 مراكز صحية عن الخدمة، وتم إغلاق 250 مركزا صحيا. وفيما يخص الطواقم الطبية، فقد استشهد حوالي 220 شخصا، وأصيب نحو 300 آخرين، كما تم تدمير أكثر من 120 سيارة إسعاف. أما في القطاع التعليمي، فقد تعرض القطاع لخسائر مباشرة قدرها 215 مليون دولار نتيجة نزوح العائلات إلى المدارس والمراكز التعليمية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الدولة اللبنانیة إعادة الإعمار ملیار دولار ملیون دولار للجزیرة نت حجم الدمار فی القطاع حزب الله

إقرأ أيضاً:

قاسم: سلاح حزب الله شأن داخلي والموقف حياله "موحد"

قال الأمين العام لحزب الله، نعيم قاسم، إن إسرائيل واصلت خرق وقف إطلاق النار "من أجل الضغط علينا"، مشيرا إلى أن سلاح الجماعة اللبنانية "شأن داخلي".

وأضاف قاسم، في كلمة ألقاها عبر الشاشة، أن "إسرائيل قد تتوسع أكثر في لبنان إذا حققت أهدافها بنزع السلاح"، مشددا على أن "سلاح حزب الله شأن داخلي لبناني".

وأبرز: "كل من يطالب في الوقت الراهن بتسليم السلاح يخدم المشروع الإسرائيلي".

وأشار إلى أن "واشنطن فوجئت بموقف رسمي موحد ينص على ضرورة وقف العدوان قبل التفاوض على بقية الأمور".

ولفت إلى أن "الولايات المتحدة تريد خلق مشكلة في لبنان وتضغط علينا عبر إسرائيل"، معتبرا أن "إسرائيل والولايات المتحدة متواطئتان في استمرار الهجمات على لبنان".

وقال قاسم: "حزب الله ليس ضعيفا وله حضور سياسي وشعبي في لبنان"، مضيفا: "عندما أصبحت الدولة مسؤولة لم نعد مسؤولين عن التصدي لمواجهة العدوان".

ويسري في لبنان منذ نوفمبر، اتفاق لوقف إطلاق النار بعد نزاع امتد أكثر من عام بين إسرائيل وحزب الله، تحوّل إلى مواجهة مفتوحة اعتبارا من سبتمبر. ورغم ذلك، تشنّ تل أبيب باستمرار غارات في مناطق لبنانية عدة خصوصا في الجنوب، تقول غالبا إنها تستهدف عناصر في الحزب أو مواقع له.

وتشدّد إسرائيل على أنها ستواصل العمل "لإزالة أي تهديد" ضدها، ولن تسمح للحزب بإعادة ترميم قدراته بعد الحرب التي تلقى خلالها خسائر كبيرة على صعيد البنية العسكرية والقيادية.

مقالات مشابهة

  • قائد أنصار الله: مليار دولار قدمتها أمريكا في العدوان على قطاع غزة من التريليونات العربية
  • عضو مجلس غرفة الأخشاب: نسعى لزيادة صادرات القطاع إلى 350 مليون دولار
  • إسرائيل تريد طمس الحقيقة من الجو.. حظر التصوير في رحلات إسقاط المساعدات
  • الشيخ نعيم قاسم: السلاح شأن لبناني ومن يطالب بتسليمه يخدم المشروع الإسرائيلي
  • قاسم: سلاح حزب الله شأن داخلي والموقف حياله "موحد"
  • إسرائيل تمنع القوات المشاركة في إنزال المساعدات من تصوير دمار غزة
  • بشأن إعادة الإعمار... هذا ما أكدته الجزائر للبنان
  • وزير الصحة: 500 مليون دولار تكلفة علاج أهالي غزة منذ بدء العدوان الإسرائيلي
  • تحركات عربية في نيويورك لوقف العدوان على غزة وإطلاق خطة إعادة الإعمار
  • مصر وقطر والأردن والسعودية توحد المواقف في نيويورك لدعم غزة وتفعيل خطة إعادة الإعمار