د. محمد بن خلفان العاصمي

تُعد الدبلوماسية الاقتصادية شكلًا حديثًا من أشكال الدبلوماسية المُرتبطة باستخدام الاقتصاد كوسيلة للتعاون في العلاقات الدولية، وتتضمن الدبلوماسية الاقتصادية الأنشطة التي تُركز على زيادة الصادرات وجذب الاستثمار الأجنبي والمشاركة في عمل المنظمات الاقتصادية الدولية، وكل هذه الإجراءات تركز على إعادة تأكيد المصلحة الاقتصادية للبلد على المستوى الدولي كأولوية إستراتيجية.

وظهر مصطلح الدبلوماسية الاقتصادية منذ وقت طويل، واستفادت منه الدول المتقدمة خلال الحقب الماضية بشكل كبير، هذه الاستفادة اتخذت أشكالًا متعددة، وقد تفاوت مفهوم الدبلوماسية الاقتصادية عبر الفترات الماضية ما بين استخدام القوة والنفوذ وصولًا إلى النموذج الأكثر شيوعًا في الوقت الحالي وهو استخدام الدبلوماسية السياسية وأدواتها في سبيل تحقيق أهداف اقتصادية، هذه الأهداف لا تُعد بالضرورة مكاسب واستثمارات فقط بل تتعداها لتصل إلى شراكات اقتصادية طويلة المدى، وتحالفات تنتج عنها تنظيمات سياسية ذات طابع اقتصادي على غرار الاتحاد الأوروبي، ومجموعة الدول الثماني، ومجموعة البريكس كأحدث هذه النماذج.

وقد اتجهت سلطنة عُمان إلى الدبلوماسية الاقتصادية كاتجاه حديث يقوم على تحقيق المكاسب الاقتصادية من خلال ما تحقق سابقًا من مكاسب سياسية ناتجة عن طبيعة ومرتكزات السياسة العُمانية، تلك المنهجية التي أكسبتها سمعة كبيرة على الصعيد الدولي، ومكنتها من أداء دور مُهم في ملف الصراعات الدولية من خلال قيامها بالوساطات وتسهيل التفاهمات والدفع بهذه الصراعات إلى طاولة المفاوضات، وتجنب المواجهات العسكرية، وقد نجحت سلطنة عُمان مرات كثيرة في نزع فتيل الصراع المسلح، خاصة في الملف النووي الإيراني، والخلافات العربية- العربية، وغيرها من الملفات الساخنة في المنطقة.

ومنذ تولي حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم- أعزه الله- خَطَت الدبلوماسية الاقتصادية العُمانية خطوات واسعة، وحققت العديد من المكاسب الاقتصادية خلال الخمس سنوات الماضية، وتمثلت هذه المكاسب من خلال مشاريع الاستثمار والاتفاقيات الاقتصادية والشراكات الاقتصادية الاستراتيجية التي عقدتها سلطنة عُمان مع عديد من الدول بفضل هذا النهج والتوجه السديد من لدن جلالته- حفظه الله ورعاه.

وجاءت زيارة جلالة السلطان المُعظم- حفظه الله- إلى كل من الجمهورية التركية ومملكة بلجيكا في هذا السياق؛ إذ حققت هاتان الزيارتان مكاسب استثمارية وشراكات اقتصادية. وبلا شك أن هذه الزيارات تمثل حلقات في سلسلة ممتدة من العلاقات الاقتصادية، وقد ساهم التوجه السامي نحو الدبلوماسية الاقتصادية في جعل هذه الفرص حقيقة على أرض الواقع، وربما لا يُمكن حصر ما تم تحقيقه سابقًا من وراء هذه الشراكات الاستراتيجية مع كلتا الدولتين في هذا المقال، لكنني سأعرِّج على بعضٍ منها لتوضيح الصورة والشكل الذي باتت عليه علاقات سلطنة عُمان الدبلوماسية وتسخيرها في خدمة الملف الاقتصادي.

بلغ حجم التبادل التجاري مع الجمهورية التركية خلال الفترة ما بين 2020- 2024 مليارًا و300 مليون ريال عُماني ما بين صادرات وورادات، ومنذ يناير إلى يوليو 2024 بلغ التبادل التجاري 194 مليون ريال عُماني تقريبًا، كما بلغ عدد الشركات التركية المستثمرة في سلطنة عُمان 849 شركة وبما يعادل أكثر من 100 مليون ريال عُماني، وفي العام 2022- على سبيل المثال- بلغت قيمة الصادرات التركية إلى سلطنة عُمان ما يقارب مليارًا و400 مليون دولار أمريكي وبلغت قيمة الصادرات العُمانية إلى تركيا محو 4.65 مليار دولار أمريكي، وهذه الأرقام تعكس حجم الجهود التي تمت والتي لعبت فيها الدبلوماسية دورًا بارزًا.

أما مع مملكة بلجيكا فيكفي الإشارة إلى أحد أهم المشاريع الاستراتيجية وهو مشروع الهيدروجين الأخضر وإدارة ميناء الدقم الاقتصادي؛ حيث تعد هذه المشاريع أحد قاطرات الاقتصاد العُماني خلال السنوات القادمة، وخطوة رائدة من خطوات التنويع الاقتصادي، ولا يخفى على أحد ما تتمتع به بلجيكا من قدرات وإمكانيات في هاذين المجالين، وهو ما جعل هذه الشراكة الاستراتيجية مهمة للغاية، إلى جانب العديد من الاتفاقيات والاستثمارات المتبادلة والتي تم توقيعها سابقًا وتم تعزيزها أثناء الزيارة الأخيرة لجلالة السلطان هيثم بن طارق المُعظم أيده الله إلى مملكة بلجيكا.

إنَّ السياسة العُمانية التي تقف اليوم على قمة النماذج الدبلوماسية الناجحة، ساهمت بشكل كبير في تحقيق هذه المكاسب الاقتصادية، ووصلت سلطنة عُمان بفضل هذا النهج إلى نموذج متفرد جعلها قادرة على كسب أسواق عديدة وإقامة علاقات اقتصادية وجذب استثمارات عملاقة، وفي ظل ما تشهده المنطقة من صراعات، كانت سلطنة عُمان هي الوجهة المُفضَّلة للاستثمار من قبل العديد من الدول، وقد كانت سياسة سلطنة عُمان الوسطية في التعامل مع جميع الأطراف واحترامها للمعاهدات والاتفاقيات والقرارات الدولية عاملًا مُهمًا فيما اكتسبته من ثقة المجتمع الدولي وقدرته على تحقيق هذه المكاسب الاقتصادية.

إنَّ الناظر إلى مسيرة النهضة المتجددة بقيادة جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله- بعينٍ فاحصةٍ يُشاهد الجهود والمساعي المبذولة، ويلمس ما تحقق على أرض الواقع، وما كان كل ذلك ليتحقق لولا وجود رؤية واضحة نحو متطلبات المرحلة القادمة، وما تحقق من خلال الدبلوماسية الاقتصادية العُمانية جدير بالإشادة والبناء عليه لتحقيق مستهدفات رؤية "عُمان 2040" ومُستهدفات التنمية المستدامة 2030، وبالتالي تحقيق طموحات وآمال الشعب العُماني الذي ينظر للمستقبل بعين التفاؤل.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

غوغل: نظام التحذير من الزلازل أخفق في إنقاذ الملايين خلال كارثة تركيا

وكالات

أقرت شركة “غوغل” بفشل نظامها للإنذار المبكر من الزلازل في تحذير ملايين الأشخاص خلال الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب شرق تركيا فجر يوم 6 فبراير 2023، والذي أودى بحياة أكثر من 55 ألف شخص وتسبب في إصابة أكثر من 100 ألف آخرين.

وبحسب تقرير بثته هيئة الإذاعة البريطانية (BBC)، فقد كان من الممكن أن يتلقى قرابة 10 ملايين شخص ممن تواجدوا ضمن نطاق 98 ميلًا من مركز الزلزال تحذيرًا عالي المستوى من النظام، يمنحهم نحو 35 ثانية ثمينة للبحث عن مأوى آمن.

إلا أن الواقع كان مختلفًا تمامًا، إذ لم يُرسل سوى 469 تحذيرًا من النوع الأعلى “اتخذ إجراءً” (Take Action)، في حين تلقى نصف مليون مستخدم فقط تنبيهًا من المستوى الأدنى، المصمم للهزات الخفيفة والذي لا يُظهر تنبيهًا صاخبًا أو واضحًا على الهاتف.

هذا الخلل، الذي وصفه تقرير “غوغل” لاحقًا بأنه “ناتج عن قيود في خوارزميات الاكتشاف”، أدى إلى تقدير خاطئ لشدة الزلزال الأول، حيث قدره النظام بين 4.5 و4.9 درجة، رغم أن قوته الحقيقية بلغت 7.8 درجة على مقياس ريختر، ما جعله من أقوى الزلازل التي شهدتها المنطقة في العصر الحديث، ولم يكن ذلك الخطأ الوحيد، إذ فشل النظام أيضًا في تقييم الزلزال الثاني الذي ضرب لاحقًا في نفس اليوم، ما أدى إلى تقليل التحذيرات مرة أخرى.

الغريب أن النظام كان يعمل بالفعل وقت وقوع الكارثة، إلا أن التحذيرات لم تصل إلى العدد المتوقع من المستخدمين، خاصة أن الزلزال الأول وقع في ساعة مبكرة من الفجر (04:17 صباحًا) حين كان معظم السكان نائمين.

وكان من الممكن أن يوقظهم تحذير “اتخذ إجراءً” بصوته العالي وشاشته التي تتجاوز وضع “عدم الإزعاج”، وربما ينقذ أرواحًا كثيرة.

وأشارت “بي بي سي” إلى أنها حاولت، على مدار أشهر، التواصل مع سكان المناطق المتضررة الذين تلقوا ذلك التحذير الأعلى، لكنها لم تتمكن من العثور على أي منهم.

وفي أعقاب الكارثة، قامت “غوغل” بإعادة محاكاة الزلزال نفسه بعد تحسين خوارزمياتها، وأظهرت النتائج الجديدة أن النظام كان بإمكانه إرسال 10 ملايين تحذير من المستوى الأعلى، و67 مليونًا من تنبيهات الهزات الخفيفة لمن هم على أطراف المنطقة المتأثرة.

وقالت الشركة في بيانها: “نواصل تحسين نظام التحذير استنادًا إلى ما نتعلمه من كل زلزال”، مؤكدة أن النظام يُعد مكملًا للأنظمة الوطنية وليس بديلًا عنها، ومع ذلك، أعرب عدد من العلماء عن قلقهم من اعتماد بعض الدول على تقنيات لم تُختبر بالكامل بعد.

يُذكر أن نظام “تنبيهات الزلازل لأندرويد” الذي تطوره “غوغل” يعتمد على استشعار الاهتزازات من خلال ملايين الهواتف العاملة بنظام أندرويد، ويُفترض أن يُشكّل “شبكة أمان عالمية”، خاصة في الدول التي لا تمتلك أنظمة إنذار متقدمة.

مقالات مشابهة

  • الأوضاع الاقتصادية في منطقة الشمال بين البساط وأسعد الحريري
  • نواب: تراجع سعر الدولار وتحسن المؤشرات الاقتصادية يفتحان الباب لخفض أسعار السلع في الأسواق المصرية
  • "اليونيسف" تؤكد أهمية الدور العماني في دعم البرامج التنموية والإنسانية
  • المشروع الأكبر في تاريخ تركيا للعقارات الاجتماعية يبدأ التنفيذ قريباً
  • فعالية للاطلاع على أحدث أجهزة "أسوس" الداعمة بالذكاء الاصطناعي
  • «جوجل» تقر بفشل نظام التنبيه الزلزالي الخاص بها خلال زلزال تركيا 2023
  • أول رد من بن غفير وسموتريتش بعد صفعة هولندا الدبلوماسية
  • غوغل: نظام التحذير من الزلازل أخفق في إنقاذ الملايين خلال كارثة تركيا
  • "العز الإسلامي" يتعاون مع "فتية للصغار" لتثقيف الأطفال عن القيم العُمانية
  • رئيس الوزراء: السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية خارطة طريق للعمل خلال السنوات المقبلة