زوايا

حمّور زيادة

جدّة– ميتر لرصد الانتهاكات في السودان

بينما تضرب الخلافات تنسيقية القوى الديمقراطية والمدنية (تقدّم) حول تكوين حكومة موازية، في المنفى أو داخل السودان، تزداد معاناة المواطنين من الآثار غير المباشرة للحرب، ومن الانتهاكات المباشرة من طرفي الصراع.

ظل تاريخ القوى السياسية المدنية دوماً هو تاريخ الخصام، والبحث عن نقطة تلاقٍ.

منذ اندلاع ثورة ديسمبر/ كانون الأول (2018)، ظلت القوى المدنية تروّج فكرة “أوسع/ أكبر تحالف في تاريخ السودان السياسي”. هذا الهدف المراوغ عطّل الأحزاب السياسية عن العمل لانشغالها بمحاولة تسوية الخلافات والوصول إلى نقاط تفاهم. ورغم اللحظات التاريخية المشرقة في مناسباتٍ ثوريةٍ ماضية، إلا أن التحالفات السودانية عادة ما تكون هشّة، ولا تصمد زمناً طويلاً قبل أن تتحوّل عداءات، مثلما حدث مع قوى إعلان الحرية والتغيير التي انقسمت إلى ثلاثة كيانات بأسُها بينها شديد. وها هي تنسيقية القوى الديمقراطية تواجه اختلافاً حاسماً بعد شهور من وقوعها تحت ضغوط اتهامات الانحياز، فهي تواجه ضغوطاً من الرأي العام الموالي للجيش (استجابة لاتهامات الجيش الرسمية) بأنها غطاء سياسي لقوات الدعم السريع، بينما تواجه ضغوطاً من عدة كيانات قبلية في غرب السودان والقيادات الأهلية داخل التنسيقية ذاتها تتّهمها بالميل الإثني إلى الجيش، والتغاضي عن انتهاكات الطيران. ويمكن تخيّل كيف تكبّل التهمتان المتعارضتان حركة التنسيقية التي يبدو أن دورها سيضعُف أكثر كلما استمرّت الحرب. لأن مطلب الحكم المدني ذي المصداقية الذي كان يتردّد قبل الحرب لم يعد يصدق على القوى السياسية. إذ تغيّرت المصداقية عن قبل، بعد أن كانت سلطة معبّرة عن الشارع الثوري الراغب في التغيير. لكن الأزمة اليوم أصبحت مسلحة، وتحتاج توافق حملة السلاح أكثر من توافق القوى المدنية التي لا تملك إلا بياناتها الرسمية بينما تآكل رأس مالها الرمزي في المدن المحترقة. … هكذا يطارد المكون المدني ذيله في دوائر مفرغة، بينما يتفرّغ طرفا الحرب لممارسة الانتهاكات المتبادلة.

كانت الضغوط الدولية والمحلية قد نجحت في دفع المتقاتلين للتفاوض عبر منبر جدّة في الأسابيع الأولى للحرب. ما أنتج بعد أقل من شهر إعلان جدّة للالتزام بحماية المدنيين. لكن الاتفاق ظل كسيحاً، لرفض الطرفين في “جدّة 2” التوافق على آليات لتنفيذ ومراقبة ما اتفقا عليه سابقاً.

ورغم انهيار “جدّة 2” في ديسمبر/ كانون الأول 2023، لكن “الدعم السريع” وقع لاحقاً، في يناير/ كانون الثاني (بعلم الجيش)، إعلان أديس أبابا مع تنسيقيّة القوى الديمقراطية والمدنية. وتالياً، رفض الجيش أي تفاهم مع المدنيين، ورفض العودة إلى أي تفاوض، واكتفى باختزال إعلان جدّة في إخلاء “الدعم السريع” لمنازل المواطنين.

في متاهة المفاوضات والتوقيعات هذه، يمكن للقوى المدنية أن تستند إلى إعلان جدة لرصد الانتهاكات اليومية التي يرتكبها المسلحون. فبين القصف المدفعي واحتجاز المدنيين رهائن مقابل فدية مالية ونهب الممتلكات وتهجير السكان وغيرها من “الدعم السريع” وبين قصف الطيران الأسواق والتجمعات المدنية والاعتقال التعسفي والتعذيب وغيرها من الجيش يجد المواطن نفسه بلا سند لمواجهة الويلات اليومية.

ورغم رفض سابق لبعض قيادات “التنسيقية” المدنية لرصد الانتهاكات، بحجّة أنهم تحالف سياسي وليسوا جهة حقوقية، يظل الاحتكام لإعلان جدّة أنجع السبل الحالية لرصد جدّية (أو للدقة: عدم جدّية) طرفي القتال في حماية المدنيين. رصد الانتهاكات ومحاكمتها بمرجعية إعلان جدّة يساعد على توسيع دائرة رؤية الفاعلين السياسيين، ما قد يعينهم على إيجاد تصور قابل للتنفيذ يساعد على تقصير مدّة الحرب التي تواصل إعادة تشكيل نفسها وحمولاتها. … تبدو هذه الوظيفة الوحيدة التي يمكن للقوى المدنية أن تقوم بها لتكون صوت المواطنين، بعدما تعقّد مسار الحرب وتعدّد فاعليها الدوليين، مع صعوبة (إن لم يكن استحالة) ممارسة القوى المدنية للعمل السياسي داخل السودان، سواء في مناطق سيطرة الجيش أو مناطق سيطرة “الدعم السريع”.

لعلّ القوى المدنية السودانية تحتاج للاعتراف بأنها في أضعف حالاتها في تاريخ السياسة السودانية. وأنها تعرّضت لعملية شيطنة غير مسؤولة من الأصدقاء قبل الأعداء، تضافرت مع أخطاء وضعف وارتباك ظاهر في الأداء نتجت عنه حالة سوء ظن وتشكّك في أحسن الأحوال، واتهامات بالخيانة والعمالة والعنصرية في أغلب الأحوال. ربما بهذا الاعتراف يمكنها البحث عن وسيلةٍ لإعادة التموضع في ظل صراع مسلّح لا تبدو نهايته قريبة، رغم تحديد الجيش مراراً مواعيد النصر النهائي، جديدها أخيراً شهر ديسمبر/ كانون الأول الحالي. ويبدو الانشغال برصد الانتهاكات، والقبول بدور “الصوت المعبّر عن ضحايا الحرب”، قد يكون وسيلة إنقاذ السياسة والسياسيين في مستقبل البلاد الذي تحدّده البنادق في هذه اللحظة.

* نقلا عن العربي الجديد

الوسومإعلان جدة السودان العربي الجديد تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية- تقدم ثورة ديسمبر حمور زيادة

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: إعلان جدة السودان العربي الجديد تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية تقدم ثورة ديسمبر حمور زيادة ة القوى الدیمقراطیة القوى المدنیة الدعم السریع

إقرأ أيضاً:

واشنطن تدرس فرض حزمة عقوبات جديدة تستهدف شبكة دولية تُغذّي الحرب بالسودان

أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية، اليوم الثلاثاء، فرض حزمة عقوبات جديدة استهدفت شبكة دولية يُعتقد أنها تُغذّي الحرب في السودان من خلال تجنيد ونشر مرتزقة أجانب — بينهم جنود كولومبيّون سابقون — للقتال إلى جانب قوات الدعم السريع (RSF)، وفقا لـ رويترز.

وبحسب بيان رسمي صادر عن «مكتب مراقبة الأصول الأجنبية» التابع للوزارة (OFAC)، فإن الإجراءات شملت أربع شخصيات وأربع جهات اعتبارية — من ضمنها مؤسسات وشركات — مرتبطة بتجنيد ونقل مرتزقة وتشغيلهم في مسارح قتالية بالسودان، خصوصاً في مناطق مثل الخرطوم والفاشر. 

صحيفة عبرية تكشف عن مخطط إسرائيلي لاغتيال قيادات حماس قبل هجوم 7 أكتوبرتركيا تعلن جاهزيتها لانتشار شرطي محتمل مع قوة دولية في غزة

وتشير واشنطن إلى أن هؤلاء الجنود الأجانب شاركوا في «أدوار قتالية وتقديم خبرات تكتيكية»، وهو ما ساهم في تعزيز قدرات القتال لدى القوات المسلحة غير النظامية، ما أدّى إلى تصعيد النزاع المسلح وتوسيع رقعة العنف ضد المدنيين، حسب رويترز.

وتاتي الإجراءات الأمريكية في سياق سلسلة من العقوبات التي بدأت في مطلع 2025، عندما فرضت وزارة الخزانة عقوبات على قيادات رفيعة في كلا طرفَي النزاع — من بينها زعيم قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) — بتهمة زعزعة الاستقرار وإطالة أمد الحرب، إضافة إلى تجميد أصول شركات وممولين يُزعم أنهم شحنوا أسلحة ومعدات إلى مناطق القتال، حسب وزارة الخزانة الأمريكية. 

كما امتدّت العقوبات لتشمل قيادات عسكرية في الجيش السوداني، من بينهم عبد الفتاح البرهان، في خطوة اعتُبرت تأكيداً على أن الولايات المتحدة لا تميّز بين طرف وآخر حين يتعلق الأمر بانتهاكات تهدّد السلام والاستقرار. 

وفي هذا السياق، نقل بيان الخزانة أن الهدف من العقوبات هو «قطع تدفقات الأموال والأسلحة» التي تغذّي الحرب، ومنع الأشخاص والكيانات المدرجة من استخدام النظام المالي الأمريكي، أو التعاون مع أمريكيين أو كيانات تحت سيطرة أمريكية. 

الخارجية: أهمية تشكيل لجنة التكنوقراط الفلسطينية لعودة السلطة لقطاع غزةوزيرا الخارجية المصرى والأمريكى يبحثان فى اتصال هاتفى سبل دعم الشراكة الإستراتيجية

كما أشار البيان إلى أن واشنطن قد تصدر تصاريح خاصة تسمح بمواصلة بعض الأنشطة الإنسانية - مثل تقديم المساعدات أو دعم المدنيين - دون انتهاك القيود، في محاولة لتخفيف تأثير العقوبات على الشعب السوداني. 

وتأتي العقوبات الجديدة في وقت يشهد فيه السودان نزاعاً دامياً منذ أبريل 2023 بين الجيش وقوات الدعم السريع، تسبب في سقوط عشرات آلاف القتلى وتشريد ملايين، حسب الأمم المتحدة وتقديرات دولية، حسب ذا جارديان البريطانية

وتعكس هذه الخطوة مستوى التصعيد في السياسة الأمريكية تجاه الصراع السوداني، في ظل محاولات مستمرة لقطع التمويل والأسلحة عن أطراف النزاع، والضغط لتسوية سياسية تنهي معاناة المدنيين، مع بقاء الباب مفتوحاً أمام تداعيات على علاقات السودان بالجهات الدولية الداعمة أو المتعاملة مع الكيانات المُدرَجة.

طباعة شارك الإجراءات الأمريكية وزارة الخزانة الأمريكية حزمة عقوبات جديدة السودان خبرات تكتيكية محمد حمدان دقلو قوات الدعم السريع

مقالات مشابهة

  • السودان على مفترق طرق: حرب استنزاف أم مفاوضات جادة؟
  • غوتيريش: الأمم المتحدة ستلتقي طرفيّ حرب السودان
  • عثمان باونين لـ "الفجر":الشباب أولًا والوحدة أساسًا.. تحالف القوى يحدد خارطة الطريق للسودان
  • محللون: العقوبات الأميركية وحدها لن توقف الحرب في السودان
  • تلغراف: هل يتحرك الغرب ضد الإمارات بعد مجزرة الفاشر؟
  • تناسل الحروب
  • رفض واسع لهدنة الثلاثة أشهر في السودان بسبب تواصل الانتهاكات
  • خبير عسكري: انسحاب الجيش السوداني من هجليج يعني الاستعداد لهجوم مضاد
  • واشنطن تدرس فرض حزمة عقوبات جديدة تستهدف شبكة دولية تُغذّي الحرب بالسودان
  • الجيش ينسحب من حقل هجليج النفطي بعد سيطرة الدعم السريع في السودان