كتب د. محمد عبد الحميد استاذ مادة الحد من مخاطر الكوارث بالجامعات السودانية

ربما يشكل فهم تناول عقد امتحانات الشهادة السودانية من منظور إدارة مخاطر الكوارث والحد منها لغير المختصين،  ذلك لأن عقد الإمتحانات قد تبدو من الوهلة الأولى قرار إداري تختص به الدوائر المعنية بالتعليم. في حين أن  عقد الإمتحانات في ظل حرب مشتعلة الأوار وبالكيفية التي تدور بها منذ أكثر من عام ونصف، يجعل مثل هذا القرار رهين وبأعلى درجة بأهل الإختصاص في إدارة مخاطر الكوارث والحد منها.



على عموم الأمر، تُصنف الحرب في علم ادارة مخاطر الكوارث كخطر كوارث من صنع الإنسان Man made Hazard، والمعروف في دراسات الحد من مخاطر الكوارث وإدارتها أن الأخطار من صنع الإنسان أشد فتكاً من الأخطار الطبيعية المتطرفة كالزلازل والأعاصير والفيضانات... فالحرب الدائرة الآن وبحسب توصيف قائد الجيش أنها (عبثية)، وهي بالفعل كذلك، ليست فقط من ناحية الدوافع والأهداف، وإنما من ناحية الإستهداف، فهي تتسم بشكل كبير بنوعٍ من العمه البصيرة Blindness وعدم التمييز بين المحاربين والمدنيين، وهي بهذا التوصيف تشكل بالنسبة للسكان مصدر للمخاطر لا يمكن التكيف معه.. ولفائدة القارئ فإنه يتوجب تعريف المخاطر Risks  فهي في علم دراسات الكوارث  (حالة غير يقينية تنبع من إحتمال أو خسائر اقتصادية، إجتماعية،  وبيئية قابلة للإدارة والتحكم يلعب فيها الإنسان دوراً حاسماً، في زمن محدد وهي ناتجة  عن  واحد او أكثر  من  خطر إضافة لعنصر القدرة ضفعاً وقوةً.)  ما يمكن إستخلاصه من التعريف أنها "إحتمالية"  وهي بذلك خاضعة لعملية تنبؤ بالتقييم وقراءة ما يمكن أن يحدث، والمخاطر بصفة عامة ليست ذاتية الوجود، بمعنى إنها لا تتحقق إلا بوجود خطر Hazard والخطر في هذه الحالة هو الحرب.. والمخاطر المرتبطة به هنا متعددة ومخيفة وعالية،  فهي تترواح بين الموت، فقدان المأوى، النزوح بكل ما يستبطن من عدم استقرار، فقد وسائل سبل كسب المعيشة، ودمار البنى التحتية. لذلك يمكن القول أن مخاطر الحرب الموجودة هي  عميقة وممتدة Intensive &  extensive بمعنى أنه حتى لو هرب المدنيون من دائرة الخطر ونزوحوا فكون حالهم نازحين يعتبر جزء من مخاطر الحرب، وكلما يستتبع ذلك من حالات عدم استقرار نفسي وإجتماعي واقتصادي وحتى أمني. هذا فضلاً عما تحدثه من مخاطر على  منشآتهم و بنياتهم التحتية كالمستشفيات والمدارس والمصانع والطرق والجسور والمطارات وكافة سبل المواصلات وسلاسل الإمداد... فالحرب في السودان فشلت في أن تبتعد عن المدنيين،  فهي في حالة عمه بصيرة عفوي و متعمّد، وصلت لمساكن المدنيين وطالت كل الأعيان التي تسهل حياتهم.. ولم تستطع أي جهة أن تضمن سلامة المدنيين وحمايتهم. فأكبر المخاطر المرتبطة بالحرب صارت القذائف العشوائية التي تتساقط على أسقف منازل المواطنين وتقتلهم أفراداً وجماعات.

خلاصة القول في هذا الجانب أن خطر الحرب وما ترتب عليها من مخاطر يبدو واقعاً معاشاً وأصبح جزء من حياة الناس اليومية وهم يعانون في نفس الوقت صعوبات حقيقية في التكيف مع هذا الواقع المؤلم.

مهما يكن من أمر، وبالنظر لقطاع التعليم من منظور إدارة مخاطر الكوارث يمكن تقرير أنه القطاع الوحيد الذي ينقطع تماماً أثناء الكوارث لا سيما الحروب، لأنه كقطاع حساس جداً للنزاعات المسلحة  لذلك جاء إعلان أوسلو في العام 2015 لتأكيد ضرورة استقراره وإبعاد مؤسساته - المدارس  والجامعات  - عن مجريات الحروب..  في هذا الصدد يمكن الزعم بأن سقوط دانة واحدة أو هجوم بطائرة مسيرة مثلاً  على أي مركز امتحانات من شأنه أن يحول عقد الإمتحانات لحالة حداد وطني يؤثر ليس فقط على نفسية الطلاب الممتحنين، بل على مجمل وجدان الأمة.. لذلك فإن قرار عقد الإمتحانات في هذا الظرف ومن منظور إدارة مخاطر الكوارث ينطوي على مخاطر غير مقبولة. ويصير بالتالي قراراً غير حكيم. هذا من الناحية الفنية من منظور علم إدارة مخاطر الكوارث... أما من الناحية السياسية فإن حدث بضخامة  عقد إمتحانات قومية يظل رهين بمستوى تفهم أطراف الحرب لأهمية الموضوع والتزامهم بضرورة وقف القتال أثناء سير الإمتحانات (هذا هو السبيل الوحيد لجعل المخاطر في أدنى مستوياتها) وتيسير كافة السبل اللازمة لجعل الطلاب مهيئين على مستوى التحصيل الأكاديمي ولديهم الإستعداد النفسي والذهني واللوجستي لخوض معمعة الامتحانات، ولكي يتم ذلك لابد أن تتوافر كافة الضمانات العسكرية والأخلاقية بضرورة تهيئة المناخ المواتي لعقد هذا الحدث.. ولتحقيق ذلك فإنه يظل من اللازم عقد تفاهمات بين الأطراف المتحاربة. بوقف إطلاق  النار أولاً ثم ضمان إشراك شركاء العملية التعليمية بمن فيهم المنظمات الأممية المعنية بهذا الأمر مثل اليونسيف  UNICEF ومنظمة انقذوا الأطفال    Save the Children ، واللجنة الدولية للصليب الأحمر ICRC وتفعيل التزام السودان من جانب المتحاربين بإعلان أوسلو 2015 والمعروف أيضاً ب (Safe School Declaration) الذي وقع عليه السودان.

يجب إعادة التأكيد أن إعلان عقد الإمتحانات في واقع كارثة الحرب ليس قراراً إدارياً تعليمياً،  أو يتوقف على تقرير عسكري بإمكانية تأمين الإمتحانات، بل هو قرار يُتخذ بعد عملية شاملة لتقييم المخاطر Risk assessment  لتحديد  مستوى المخاطر الناتجة عن خطر الحرب.

يمكن القول في المجمل أن السودان يمكن أن يقدم تجربة فريدة للعالم يتوافق فيها أطراف الحرب على وقف شامل لإطلاق النار مراقب دولياً يكون مدخلاً لممارسة رشيدة تجعل المخاطر في الحدود الدنيا تؤمن للطلاب أجواء مواتية للتحصيل والإمتحان. ولذويهم ضمانات على سلامة أبنائهم. وإلا ستكون الإمتحانات فرصة لفرد العضلات قد تنتهي بمأساة تتناثر فيها الأشلاء ويصعب أن تُلملم فيها الآثار النفسية في أغوار غضة يُرجى منها أن تبنى وطناُ أثخنتْ جراحاته الحربُ وغَوّرتها.

د. محمد عبد الحميد

[email protected]  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: إدارة مخاطر الکوارث عقد الإمتحانات من مخاطر من منظور

إقرأ أيضاً:

تنسيق الأزهر.. موعد فتح باب تسجيل الرغبات لطلاب الثانوية الأزهرية 2025

تنسيق الأزهر 2025.. تستعد جامعة الأزهر، لإعلان موعد فتح باب تسجيل رغبات الالتحاق بالكليات المتاحة بها أمام طلاب الثانوية الأزهرية، خلال الأيام المقبلة، بعد الانتهاء من اختبارات القدرات.

متى يتم فتح باب تسجيل الرغبات في تنسيق الأزهر 2025

من المتوقع أن يتم فتح باب تسجيل رغبات الالتحاق بالكليات والمعاهد المتاحة لطلاب الثانوية الأزهرية عقب انتهاء الجامعة من عقد اختبارات القدرات للالتحاق بالكليات التي يلزم لها أداء اختبارات، وذلك بداية من شهر أغسطس المقبل.

تسجيل الرغبات في تنسيق الأزهر 2025 رابط وخطوات تسجيل الرغبات في تنسيق الأزهر 2025

ومن المقرر أن يتم فتح باب تسجيل رغبات الالتحاق بالكليات المتاحة لطلاب الثانوية الأزهرية للشعبتين الأدبية والعلمية، عبر موقع التنسيق الإلكتروني، واتباع الخطوات التالية:

- اختيار خدمات تنسيق الثانوية الأزهرية.

- إدخال رقم الجلوس الخاص بالطالب.

- كتابة الرقم السري الموجود على استمارة النجاح.

- كتابة الرقم التأكيدي الظاهر على الشاشة.

- الضغط على الخطوة الثانية.

- كتابة بيانات الطالب الأساسية.

- يتم مراجعة البيانات جيداً.

- اختيار الرغبات بالترتيب مع التوزيع الجغرافي.

- يتم الضغط على جملة الخطوة التالية.

- يقوم الطالب بإعادة تسجيل البيانات مرة أخرى.

- يقوم الطالب بالضغط على كلمة تسجيل.

- يتم اختيار صيغة Microsoft Print To PDF.

- يقوم الطالب بالضغط علي طباعة الاستمارة.

تسجيل الرغبات في تنسيق الأزهر 2025 مؤشرات الحد الأدنى للقبول في تنسيق كليات الأزهر 2025

وجاءت مؤشرات تنسيق كليات جامعة الأزهر للعام الماضي 2024-2025 كالتالي:

- مؤشرات الحد الأدنى للقبول في كلية طب القاهرة بنين وبنات 95.08%.

- مؤشرات الحد الأدنى للقبول في كلية طب دمياط بنين وبنات94.31%.

- مؤشرات الحد الأدنى للقبول في كلية طب أسيوط بنين وبنات 93.69%.

- مؤشرات الحد الأدنى للقبول في كلية هندسة القاهرة بنين وبنات 89.54%.

- مؤشرات الحد الأدنى للقبول في كلية هندسة بنات قنا 89.32%.

- مؤشرات الحد الأدنى للقبول في كلية هندسة قنا بنين 88.62%.

- مؤشرات الحد الأدنى للقبول في كلية الصيدلة بنين وبنات القاهرة 92.15%.

- مؤشرات الحد الأدنى للقبول في كلية الصيدلة بنين وبنات أسيوط 91.38%.

- مؤشرات الحد الأدنى للقبول في كلية طب أسنان بنين وبنات القاهرة 93.38%.

- مؤشرات الحد الأدنى للقبول في كلية طب أسنان بنين أسيوط 93.8%.

- مؤشرات الحد الأدنى للقبول في كلية اللغات والترجمة تخصص عام 56.35%.

اقرأ أيضاًكيفية تسجيل رغبات الكليات في جامعة الأزهر 2025.. رابط موقع التنسيق الإلكتروني

بدء التسجيل لاختبارات القدرات بجامعة الأزهر.. الرابط والخطوات

تنسيق كليات الأزهر 2025.. مؤشرات الحد الأدنى للقبول وموعد انطلاق المرحلة الأولى

مقالات مشابهة

  • رؤية قرآنية تصنع أمة مجاهدة لا تخاف الموت .. الشهادة والشهداء في فكر الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه)
  • تنسيق الأزهر.. موعد فتح باب تسجيل الرغبات لطلاب الثانوية الأزهرية 2025
  • التربية : حريق جزئي بمبني كنترول الشهادة الثانوية واوراق الامتحانات في مأمن
  • وزارة التربية تدعو الإعلام لتغطية إعلان نتائج الشهادة الثانوية
  • وظائف شاغرة في الهيئة السعودية للتخصصات الصحية
  • تقرير جهاز الاستثمار 2024
  • آراء عدد من طلاب الشهادة الثانوية الفرع العلمي في دمشق حول مستوى الأسئلة في مادة الرياضيات
  • وزير التربية ومعاون وزير الداخلية يتفقدان مراكز امتحانات الشهادة الثانوية بدمشق
  • 4 إشارات على أنك تتحمل مخاطر استثمارية زائدة.. كيف تتصرف؟
  • ندوة توعوية في حلب حول مخاطر المخدرات وضرورة التكاتف المجتمعي لمكافحتها