«النصب أونلاين».. كيف يسقط الضحية في فخ المستريح الإلكتروني؟
تاريخ النشر: 16th, December 2024 GMT
في عالم اختلطت فيه الحقيقة بالزيف نرى ظاهرة جديدة تحمل في طياتها خيوطًا من الغدر والخداع يتم نسجها عبر الفضاء الإلكتروني الذي اخترق حياتنا وأصبح جزءا لا يتجزأ منها.
لصوص يبيعون الوعود الكاذبة بفوائد تجارية ضخمة، يجذبون من خلالها الأفراد إلى دوامة الطمع والجشع ثم يختفون في لحظة، تاركين وراءهم غبار الخيبة والدمار.
إنها ظاهرة «المستريح الإلكتروني»، التي بدأت تتوغل أكثر فأكثر مما كان للأمر انعكاس على المجتمع، حيث بدأ مجلس النواب في اتخاذ خطوات جادة لمناقشة تعديل قانون العقوبات الخاص بمثل هذه الأنسجة الرقمية، كي يضع حدًا لهذا الجشع الإلكتروني الذي يهدم الثقة في الفضاء الرقمي.
من جانبه يقول أيمن محفوظ، المحامي بالنقض والإدارية والدستورية العليا: إن الجريمة تطورت بتطور التكنولوجيا لذا تحاول الجهود الأمنية مكافحة الجريمة وملاحقة هذا التسارع في النشاط الإجرامي، وتعد جريمة المستريح الإلكتروني من أخطر الجرائم الواقعية التي تستخدم فيها التكنولوجيا كأداة لسلب أموال الناس بالباطل ومخاطبة بعض الأشخاص المتهورين ممن لديهم حلم الثراء السريع، فتسيطر عليهم.
مشيرًا إلى أن الدولة تكافح بكل السبل عمليات توظيف الأموال أو ما يسمى بظاهرة "المستريح"، وذلك لما لها من ضرر على الاقتصاد القومي، كما أن هؤلاء الأشخاص قد يكونون مدفوعين لجمع الأموال من المواطنين من أجل استخدامها في أغراض إجرامية أو إرهابية، ولهذا شدد القانون على تلك الجريمة بعقوبات رادعة، فكل من يتلقى أموالا خارج إطار القانون أو بدون ترخيص من المواطنين ويمتنع عن ردها يعاقب بالسجن المشدد وغرامة ضعف ما تلقاه.
وهذه الجريمة يشترط لقيامها أن يكون المتهم قد تلقى أموالا من الناس بدون تمييز، وليس من خلال منظومة أو جماعة محددة، بل إن الجاني يكون له عقل ومراوغة الثعالب للهرب بأموال المواطنين، فلذلك جرم القانون جمع الأموال بغرض توظيفها دونما الحصول على إذن من الجهة الإدارية"، مؤكدا على تجريم عملية تلقي وتوظيف الأموال طبقا لنص المادة 21 من القانون رقم 146 لسنة 1988 والتي تصل العقوبة وفقا لها إلى 15 عامًا وغرامة مالية 100 ألف جنيه، وقد تصل إلى ضعفي الأموال التي تلقاها الجاني بالإضافة إلى رد قيمة ما تحصل عليه الجاني "المستريح" من أموال الضحايا.
ويرى محفوظ أن القوانين الحالية رادعة ولا نحتاج إلى قوانين أخرى لتجديد العقوبات، ولكن الهدف الرئيسي هو توعية المواطنين بعدم الوقوع في شرك المستريح، موضحا أن استخدام الإنترنت في الدعاية لأي مستريح يقع تحت تأثيم نصوص قانون مكافحة الجرائم المعلوماتية رقم 175 لسنه 2018، والذي يحتوي على العديد من المواد إلا أن أخطرها هو نص المادة 27 من ذات القانون، والتي تفيد بأن إنشاء حساب على الإنترنت بهدف تسهيل جريمة فالمحاكم الاقتصادية هي من تختص بالعقوبة والمحاكمة، وهناك مواد تعاقب على التحايل الإلكتروني سواء على الأفراد أو على مؤسسات الدولة وتتراوح ما بين الحبس والسجن مما يؤكد أن هناك قوانين تكافح تلك الظاهرة بعقوبات رادعة".
ويقول محمد الحارثي، استشاري الذكاء الاصطناعي وخبير المعلومات: إن «المستريح الإلكتروني» غير متداول في نطاق التشريعات الإلكترونية إلا أنه يوجد في القوانين الخاصة أو الجنائية والمدنية والقانون 175 لمكافحة جرائم المعلومات ما يتعلق باستخدام الأدوات الرقمية في الاحتيال والحصول على البيانات والمعلومات وخلافه، وهنا نتحدث عن استخدام وسيط إلكتروني أو رقمي فيما يتعلق بجمع أموال بغير نطاق مرخص به، وبالتالي هذا يعد نمط احتيال إلكتروني قد يكون له عقوباته الموجودة بالفعل إلا أننا قد نحتاج لأن يتم تغليظها، فعملية الاحتيال والنصب هي موجودة بالفعل في البنود التشريعية والقانونية".
ويضيف "الحارثي" إن عمليات الاحتيال والنصب تلك يمكن إثباتها إلكترونيا فالجهات الخاصة لديها القدرة على إثبات عمليات النصب والاحتيال الإلكتروني أو إدارة شبكات إلكترونية في أغراض خاصة بالاحتيال أو تداول أموال بغير نطاق مرخص لها، فهناك ما يسمى "أدلة جنائية رقمية" وهذه الأدلة فيما يتعلق بالحسابات الخاصة بالأفراد واستخدامها في عمليات الانتحال أو الوسيط أي الجهاز المستخدم للدخول على منصات الحسابات الرقمية أو الحسابات التي يتم من خلالها تحويل الأموال عبر المحافظ الإلكترونية أو حسابات أخرى.
مؤكدا أن المستخدم العادي ليس بإمكانه معرفة تلك المنصات الاحتيالية، إلا أنه لا بد من إعمال العقل فلا يوجد آلية أو وسيلة عن طريق منصات التواصل الاجتماعي أو تطبيقات عامة مرخص أن يتم من خلالها تبادل الأموال، فتلك الوسائل معروفة وتتمحور حول الحسابات البنكية أو الإنستا باي، أو المحافظ المخصصة لتحويل الأموال للأشخاص ولكن بمبالغ بسيطة، إلا أن وجود تطبيق يتم من خلاله تقديم الفلوس مقابل استثمار، فهذا نمط من أنماط الاحتيال، فتلك الخدمات لابد أن تكون من البنك المركزي المصري أو هيئة الرقابة المالية أو الجهات المنوط بها هذه المسألة".
وأما عن طرق التخلص من تلك الصفحات إلكترونيا، فيرى الحارثي أنه يمكن حظر تلك الصفحات الاحتيالية مشيرا إلى أن الوعي يعلو فوق كل شيء، فإذا قمنا بإغلاق عدد من الصفحات أو الحسابات أو التطبيقات المعينة فهذا لن يقضي عليها، فسنجد الكثيرين الذين تم إنشاؤهم من جديد، لذا فالوعي هو الذي يغلق الطريق على هذه المسألة".
ومن منظور علم النفس يقول الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي: مع أي تطور تكنولوجي أو شيء مستحدث لخدمة البشرية لا بد أن تبرز معه الشخصيات غير السوية التي ستبدأ في استغلال هذا الشيء، فعلى سبيل المثال عند بداية تكوين الجمعيات الأهلية لمساعدة الناس كان يترأسها سيدات فضليات من العائلة المالكة وكان يتم التبرع من خلالها بالفلوس لخدمة الأسر الفقيرة وإمداد المستشفيات ببعض المستلزمات الناقصة، إلا أنه بمرور الوقت تطور الأمر ولم تعد كل الجمعيات المتواجدة حاليا تقوم بالدور الذي أنشئت من أجله، فهناك من يستغل المتبرعين وهناك من يستغل الظروف ويأخد الأموال لنفسه، فنحن نعيش في مجتمع يحمل الجيد والسيئ، فليس كل من يصنع الخير جيدا وليسوا كلهم سيئين، ونفس الأمر ينطبق على السوشيال ميديا".
مضيفا: إن شخصية المستريح تتسم بالسلبية وعدم الارتياح واللامبالاة بنتيجة تصرفاته فليس لديه أي نوع من المشاعر أو الأحساسيس أو القيم دينية أو الأخلاقية، ونفس الأمر ينطبق على الضحية فهو شخص منساق وراء مطامعه الشخصية يسعى من أجل المكسب السريع، فالطبيعي أن يتدرج الشخص في مناصبه ومكاسبه إلا أن هناك أشخاصا يودون أن يتسلقوا السلم مرة واحدة، فهذه الشخصيات مضادة للطبيعي، لذا يتعرضون للنصب والاحتيال، فدائما النصاب يقابله الطماع الذي يبحث عن المكسب السريع الكبير، حيث يسير على خطوط غير سوية مما يعرضه للخداع، لذا لابد من إعمال العقل والصبر والتريث في جلب الرزق".
من جانبه، قال "ع.م" أحد ضحايا ظاهرة المستريح الإلكتروني: «كنت دايمًا بحلم أحقق مكاسب إضافية بجانب شغلي، وفي يوم من الأيام شفت إعلان على الفيسبوك لفرصة استثمارية مغرية جدًا، كان الإعلان عبارة عن صفحة ممولة بشكل عام، والوعود كانت ضخمة بتحقيق الأرباح في أقل من شهر.
كان التسويق وقتها جذابا جدا، شاملا صورا ومقاطع فيديو للناس بيقولوا إنهم جربوا المشروع وحققوا أرباحًا ضخمة، بدأت بعدها أتابع الصفحة ولقيت ناس كتير راضيين عن النتائج، فقررت المشاركة في الاستثمار، في البداية كان الشخص المسؤول يتواصل مع المتابعين، لأن الاتصال كان سريعًا وكانوا دايمًا بيجاوبوا على طلبات، طلبوا مني مبلغًا بسيطًا في البداية. ونتيجة لذلك، كانت البداية جيدة جدًا، إلا أنه بعد فترة وبعد ما المبلغ اللي دفعته كبر اختفى المسؤول عن الصفحة تماما، حاولت اتواصل معه إلا إن كل المحاولات باءت بالفشل.
وعندما قررت البحث عن تفاصيل أكتر، اكتشفت أن الشخص اختفى فجأة من فيسبوك، فقدمت بلاغ في مباحث الإنترنت واللي بجهودهم المبذولة المكثفة قدروا يحددوا هوية الشخص وأعدوا قوة متخصصة وتتبعت محل تواجد المتهمين وألقوا القبض عليه ليقع في قبضة القضاء.
اقرأ أيضاًيتضمن عقوبات رادعة.. تفاصيل مشروع قانون المستريح الإلكتروني
من البط إلى الطحالب والعقارات والنصب الإلكتروني.. تعددتِ الأشكال والمستريح واحد
اتصالات النواب تناقش مشروع قانون تغليظ عقوبة النصب الإلكتروني
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: المستريح الإلكتروني المستریح الإلکترونی من خلالها إلا أنه إلا أن
إقرأ أيضاً:
رسائل احتيالية تغزو إنستجرام.. أساليب النصب الرقمي ونصائح لتفادي الاختراق
شهد تطبيق إنستجرام خلال الأيام الماضية موجة متصاعدة من الرسائل الاحتيالية التي وردت إلى مستخدمي التطبيق من حسابات مجهولة، تحمل في طيّاتها وعودًا مالية ضخمة وروابط مشبوهة، ما أثار حالة من القلق والتساؤلات حول مدى أمان المنصة وأساليب الاحتيال الجديدة.
رسائل تبدو مألوفة.. لكنها شرك رقمي محكمتحمل الرسائل طابعًا عاطفيًا غريبًا؛ منها ما يتحدث عن طفل أو وصية أو ميراث تركه شخص مجهول للمستخدم، وتتضمن بيانات تبدو حقيقية مثل اسم الحساب البنكي وكلمة المرور ورصيد من العملات الرقمية، بهدف إرباك الضحية نفسيًا ودفعه للتفاعل بدافع الفضول أو الطمع.
هايدي موسى تروّج لأحدث أعمالها الغنائية "أنا وإنت يا قلبي" عبر إنستجرام استعدادًا لطرحه غدًا بإطلالة ناعمة وجذابة.. نانسي صلاح تخطف الأنظار عبر "إنستجرام" وتثير تفاعل الجمهورأحد النصوص التي وردت إلى المستخدمين جاء فيه: «هذه هي القطعة الأخيرة من الممتلكات التي أتركها لك من وجهة نظر عائلية، يجب أن أعطيك هذا الصندوق إذا كنت لا تزال تشعر بمشاعر تجاه عائلتك. يرجى الاعتناء بطفلي الصغير… الرصيد: 9،692،043 دولار من USDT».
رسالة أخرى وردت فيها عبارة: «أتمنى أن يجعلك هذا المال سعيدًا لبقية حياتك… كلمة المرور هي كلمة مرور تويتر الخاصة بك».
أدوات الهجوم الإلكترونياكد خالد جمال الدين الخبير التقني أن هذه الهجمات تعتمد على ما يُعرف بـ "الهندسة الاجتماعية" (Social Engineering)، أي استغلال المشاعر الإنسانية كالعطف أو الفضول أو الطمع، لزرع رابط زائف في ذهن الضحية وتحفيزه على اتخاذ قرار غير منطقي.
وأشار إلى أن الرسائل تعتمد على العناصر التالية:
القصص العاطفية المؤثرة: لخلق علاقة عاطفية مؤقتة تقلل من مقاومة الضحية.
استخدام العملات الرقمية: لما لها من بريق خاص عند المستخدمين.
الاستناد إلى كلمات مرور مألوفة: مثل اقتراح أن كلمة المرور هي ذاتها المستخدمة في تويتر، مما قد يشجع البعض على تجربتها.
روابط تصيد إلكتروني (Phishing): مواقع مصممة لتبدو كأنها منصات تداول عملات مشفرة، تُستخدم لجمع بيانات تسجيل الدخول وسرقة المحافظ الرقمية.
استخدام حسابات وهمية كثيرة: لتجنب التتبع وفرض الحظر من منصة إنستجرام.
غياب التحقق الرسمي.. مؤشر واضح على الاحتيال
وأكد الخبراء أن أي مؤسسة مالية أو منصة عملات رقمية حقيقية لا يمكن أن تتواصل عبر إنستجرام أو غيره بهذه الطريقة العشوائية، وأن أي عرض يبدو «جيدًا بشكل مبالغ فيه» يجب أن يُنظر إليه كمصيدة محكمة التخطيط.
نصائح لحماية نفسك من الرسائل الاحتياليةلا تنقر على أي رابط مشبوه أو غير معروف المصدر.تجاهل الرسائل التي تدّعي وجود ميراث أو أموال دون إثبات رسمي.لا تُشارك كلمات مرورك مع أي موقع غير موثوق أو غير رسمي.فعّل المصادقة الثنائية (2FA) لجميع حساباتك الهامة.استخدم كلمات مرور مختلفة ومعقدة لكل حساب.راجع عنوان الرابط URL قبل النقر عليه للتأكد من صحته.احذر من المواقع التي تطلب ربط محافظ رقمية أو دفع رسوم مبدئية.حدّث تطبيقاتك باستمرار لسد الثغرات الأمنية.ابلغ عن الرسائل المشبوهة لإدارة إنستجرام فورًا.ثق في حدسك.. إذا شعرت أن الرسالة غير منطقية، فلا تتفاعل معها.ماذا تفعل إذا وقعت في الفخ؟غيّر جميع كلمات مرورك فورًا.راقب حساباتك البنكية ومحافظك الرقمية لأي نشاط غير طبيعي.استعن بخبير أمن معلومات إذا لزم الأمر.أبلغ الجهات المختصة وإدارة إنستجرام عبر نموذج الإبلاغ الرسمي.