حظيت أزمة القطاع العقاري الصيني باهتمام غير مسبوق داخل الأوساط الاقتصادية المحلية والعالمية؛ نظراً لتأثيرها المحتمل على مسار نمو الاقتصاد الصيني والعالمي. وتجلت مظاهر الركود العقاري في الصين بوضوح بداية من عام 2020، مع التعثر المالي لعدد من كبار المطورين العقاريين، فضلاً عن تزايد أعداد المشروعات العقارية غير المكتملة وفق جداولها الزمنية الأصلية.

وأثرت تلك التطورات في ثقة المستثمرين والمشترين بالسوق العقارية الصينية، وسط تراجع مؤشرات الاقتصاد الصيني منذ جائحة كورونا. بناء عليه، شهدت السوق العقارية الصينية دورة ممتدة من التباطؤ تمثلت في ارتفاع المخزون العقاري غير المباع وضعف مبيعات العقارات الجديدة، فضلاً عن انخفاض زخم أسعار العقارات السكنية.

وإزاء الوضع المتفاقم بالقطاع العقاري، أقرت الحكومة الصينية في غضون العام الجاري حزمة من التدابير التي تستهدف إنعاش القطاع بما في ذلك توفير آليات لتمويل برامج الإسكان الميسر ودعم المشروعات العقارية غير المكتملة، إلى جانب تقديم حوافز ضريبية للمتعاملين بالسوق.

وعلى الأرجح أن تسهم التدابير المعلنة في إنعاش السوق العقارية الصينية تدريجياً، خاصة بالمدن الرئيسية مثل بكين وشنغهاي، مع ذلك ستستغرق دورة تصحيح المبيعات والأسعار فترة أطول من المتوقع، بالنظر إلى المناخ الاقتصادي غير المواتي، وتراجع باقي القطاعات الاقتصادية خاصة التصنيع.

اهتزاز الثقة:

بلغت أزمة القطاع العقاري بالصين ذروتها مع مواجهة عدد من شركات التطوير العقاري في عام 2020 صعوبات في سداد التزاماتها المالية، وجاء ذلك بعد أن أطلقت الحكومة الصينية سياسة “الخطوط الحمراء الثلاثة” التي تهدف لضبط القطاع العقاري وتقليص الديون المتراكمة المستحقة على الشركات العقارية. بموجب هذه السياسة، تم فرض قيود صارمة على توفير التمويل والسيولة، من قبل البنوك الحكومية، للمطورين العقاريين الرئيسيين.

وقد أسفرت تلك السياسة عن انهيار مالي للعديد من المطورين العقاريين المثقلين بالديون. ففي عام 2021، تخلفت شركة “إيفرغراند” عن سداد ديون تجاوزت 300 مليار دولار، لتضطر السلطات المحلية لاتخاذ قرار بتصفيتها في يناير 2024. كما تواجه شركة “كانتري غاردن”، أحد أكبر مطوري العقارات في الصين، أزمة مالية شديدة نتيجة مديونيتها الضخمة، البالغة 205 مليارات دولار؛ مما دفعها لاعتماد خطة لإعادة هيكلة ديونها.

وأدى التدهور المالي الذي أصاب عدداً من الشركات العقارية الكبرى إلى جانب تزايد عدد المشروعات العقارية غير المكتملة إلى اهتزاز ثقة المتعاملين بالنشاط العقاري في الصين، هذا بالتوازي مع استمرار مؤشرات تراجع أداء الاقتصادي الصيني وقطاع التصنيع. ويتمثل التهديد الرئيسي في أن مخاطر القطاع العقاري، ما لم تتم معالجتها، ستفرض أيضاً ضغوطاً على الأوضاع المالية للحكومات المحلية، والمصارف الصينية ذات الانكشاف الواسع على القروض العقارية.

جدير بالذكر أن تعرض البنوك الصينية للقطاع العقاري بلغ 25.9% بنهاية عام 2023، وفق “ستاندرد آند بورز غلوبال ماركت إنتليجنس”. من ثم، تتخوف الأوساط المحلية والعالمية من أن تفاقم تدهور القطاع العقاري الصيني سوف يقوض بشكل مباشر مسار نمو الاقتصاد الصيني والعالمي، وسيؤثر تباعاً في الأسواق المالية والعديد من الصناعات العالمية.

مؤشرات هبوط:

عانت سوق العقارات الصينية من دورة طويلة من تباطؤ الأسعار وضعف مبيعات العقارات الجديدة؛ مما زاد حالة عدم اليقين بشأن أوضاع السوق العقارية والاقتصاد الصيني بشكل عام، ويتبين ذلك على النحو التالي:

• تراجع الاستثمارات العقارية: تباطأ زخم الاستثمارات العقارية في السوق الصينية على مدار الأشهر العشرة الأولى من عام 2024، امتداداً لما كان عليه الحال في عام 2023. وبلغ حجم الاستثمارات في التطوير العقاري نحو 8.63 تريليون يوان (1.1 تريليون دولار)، بانخفاض قدره 10.3% على أساس سنوي، وفق مكتب الإحصاء الوطني الصيني. ويُظهر هذا التراجع استمرار الضغوط التي يتعرض لها القطاع العقاري؛ نتيجة للقيود الائتمانية المفروضة عليه والأزمة المالية التي يواجهها العديد من المطورين العقاريين.

• تراجع المبيعات العقارية الجديدة: تراجعت ثقة المشترين بسوق العقارات، في ضوء المشكلات الجمة التي عانى منها القطاع، خاصة فيما يتعلق بعدم اكتمال العديد من المشروعات العقارية المتفق عليها مع العملاء. ودفع ذلك نحو تباطؤ مبيعات العقارات الجديدة (السكنية والتجارية والأعمال) في الفترة من 2020 حتى 2023 بنسبة بلغت 32.8%، واستمر هذا التراجع في عام 2024، حيث سجلت المبيعات تراجعاً سنوياً في الفترة بين يناير وأكتوبر 2024 بنسبة 20.9%، والمبيعات السكنية وحدها بنسبة 22%.

• المخزون العقاري غير المباع: مع تباطؤ حركة المبيعات الجديدة، ارتفع المخزون العقاري غير المباع بشكل متواصل في عامي 2023 و2024، وبلغت نسبة الزيادة 22.2% في عام 2023، في حين زاد المخزون بنسبة 12.7% في الفترة من يناير إلى أكتوبر من العام الجاري، وفي العقارات السكنية بلغت 19.6% خلال نفس الفترة المذكورة.

• أسعار العقارات: مع وفرة المعروض السكني وتأزم أوضاع القطاع العقاري، تعرضت أسعار العقارات السكنية بالمدن الصينية الكبرى لضغوط هبوطية في غضون عام 2024. وقد انخفضت أسعار المنازل في الصين بنسبة 5.2% على أساس سنوي في أكتوبر 2024، بعد تراجع قدره 5.9% على أساس سنوي في سبتمبر 2024. ومن المتوقع أن يستمر الاتجاه الهبوطي للسوق في الأمد القريب، حيث يُقدر أن تنخفض أسعار المنازل الجديدة بمعدل إضافي يبلغ 5% في عام 2025، وفق وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني.

 

تدابير الإنقاذ:

سارعت الحكومة الصينية لاتخاذ حزمة من التدابير في العام الجاري بغية دعم استقرار وإنعاش القطاع العقاري، بما في ذلك إعداد قائمة بيضاء لمشروعات التطوير العقاري المؤهلة للحصول على قروض من البنوك. إلى جانب ذلك، خفض بنك الشعب الصيني في شهر مايو الماضي متطلبات الدفعة الأولى لمشتري المنازل لأول مرة بنسبة 5 نقاط مئوية إلى 15%، مع إلغاء الحد الأدنى لسعر الفائدة على الرهن العقاري.

وقد جرى توفير تمويلات لمشروعات “القائمة البيضاء” بقدر 2.23 تريليون يوان (306 مليارات دولار) حتى 16 أكتوبر الماضي، ومن المقرر أن تزيد الاعتمادات المالية المخصصة لها إلى 4 تريليونات يوان (550 مليار دولار) مع نهاية عام 2024. إلى جانب الحزمة التمويلية السابقة، أتاح المركزي الصيني تمويلات أخرى تقدر بنحو 300 مليار يوان (41.3 مليار دولار) لإدراج الوحدات السكنية غير المباعة ضمن برامج للإسكان الميسر.

وقامت الحكومة الصينية باتخاذ خطوات إضافية في نوفمبر الماضي لتعزيز مرونة سوق الإسكان ودعم الطلب المحلي على العقارات، حيث قدمت وزارة المالية الصينية حوافز ضريبية على معاملات المساكن شملت توسعة نطاق وعاء ضريبة التصرفات العقارية، البالغة 1%، لتشمل الشقق السكنية البالغة مساحتها 140 متراً مربعاً، بدلاً من 90 متراً مربعاً فقط. كما ألغت مدينة شنغهاي تطبيق ضريبة القيمة المضافة على معاملات بيع الوحدات السكنية، حال مرور أكثر من عامين على ملكيتها.

احتواء الأزمة:

تعكس التمويلات والحوافز المقدمة للقطاع العقاري مدى استعداد بكين لاتخاذ تدابير جذرية لإنعاش السوق العقارية واستعادة الثقة بالاقتصاد الصيني. وقد ساعدت هذه الإجراءات بالفعل على تقليص وتيرة تراجع أسعار المنازل في الصين، ولاسيما بالمدن الكبرى مثل بكين وشنغهاي وشينزين. ووفق وكالة “موديز” للتصنيف الائتماني، من المرجح أن تساعد التدابير التحفيزية المعلنة على الحد من وتيرة انخفاض حجم المبيعات الجديدة المتعاقد عليها، أقله على مدار العام المقبل.

ومع ذلك، ترى مؤسسات استشارية وائتمانية أخرى أن أزمة القطاع العقاري المتمثلة في تباطؤ زخم الأسعار وضعف أحجام المبيعات قد تستمر في عام 2025، رغم انخفاض حدتها. ويُعتقد أن أسواق العقارات في المدن الصينية غير الرئيسية لا تزال تواجه رياحاً معاكسة قوية بفضل ضعف أساسيات الطلب والعرض المفرط للوحدات السكنية والتجارية. قد يدفعنا هذا للقول إن الأمر قد يستغرق دورة طويلة، كي تتمكن السوق العقارية الصينية بأكملها من تصحيح أوضاعها المتأزمة، والعودة لمعدلاتها الطبيعية.

في ضوء التوقعات المذكورة آنفاً، يمكن الاستخلاص أن السوق العقارية الصينية (لاسيما المدن الكبرى) تمر بدورة تصحيح بطيئة للأسعار، والتي بدأت بدورها مع توجه الحكومة لاتخاذ تدابير تحفيزية لدعم ثقة المستثمرين بالمعاملات العقارية. ولكن لكي يتمكن السوق بأكملها من تصحيح أوضاعها، ستستمر الحكومة الصينية على الأرجح في تقديم مزيد من الدعم المالي وغير المالي للقطاع بالأمد القريب، بغية استعادة الثقة بالنشاط العقاري والاقتصادي الصيني بصفة عامة.

” يُنشر بترتيب خاص مع مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أبوظبى ”


المصدر: جريدة الوطن

إقرأ أيضاً:

اسعار الاسمنت اليوم الأحد 14ديسمبر 2025 فى المنيا

يشهد سوق الاسمنت في المنيا اليوم الاحد14ديسمبر 2025 حالة من «ترقّب مستقرّ» مع تباين طفيف في الأسعار، بينما يراقب المقاولون والموردون عن كثب أي تغيّرات قد تطرأ على الطن أو الشيكارة. تقوم هذه المجموعة من العوامل من تكاليف الطاقة ومواد التصنيع إلى النقل والمسافات بدور فعال في تحديد السعر المحلي. حسب بيانات أحدث المصادر، تم رصد طن الاسمنت من بعض المصانع العاملة في مصر 


وأكد عدد من التجار في تصريحات خاصة أن الأسعار تشهد ثباتًا ملحوظًا منذ مطلع الأسبوع الجاري، مدعومة بحالة من الهدوء في الطلب داخل الأسواق، خاصة في القرى والمراكز التي تشهد تباطؤًا في حركة البناء خلال الشهر الجاري

أسعار الأسمنت اليوم الأحد في المنيا

 

أسمنت التعمير: 3،350 جنيهًا للطن.

أسمنت المعلم: 3،350 جنيهًا للطن.

أسمنت السهم: 3،390 جنيهًا للطن.

أسمنت الفهد: 3،340 جنيهًا للطن.

أسمنت وادي النيل: 3،350 جنيهًا للطن.

أسمنت مصر بني سويف: 3،395 جنيهًا للطن.
 

أسعار الأسمنت اليوم


أسمنت رمادي: 4111.54 جنيه للطن، مسجلا تراجعا قدره 9.89 جنيه

أسمنت السويدي: 3،650 جنيهًا للطن.

أسمنت السويس: 3،450 جنيهًا للطن.

أسمنت حلوان: 3،460 جنيهًا للطن.

أسمنت المخصوص: 3،440 جنيهًا للطن.
 

وأشار عدد من أصحاب المحال إلى أن حركة البيع والشراء تتسم بالهدوء، في ظل استقرار أسعار الحديد أيضًا، موضحين أن الأسعار قد تشهد تحركًا محدودًا خلال الأسبوع المقبل حال حدوث أي تغيّر في تكلفة الشحن أو أسعار الطاقة.

وأكدوا أن شركات الأسمنت الكبرى تواصل الالتزام بالأسعار الرسمية المعلنة، وسط رقابة من الجهات المختصة لضمان استقرار السوق ومنع أي تلاعب في الأسعار

وتترقب الأسواق المحلية القرارات الاقتصادية المقبلة المتعلقة بقطاع مواد البناء، وسط آمال من المواطنين والمستثمرين باستمرار استقرار الأسعار خلال الفترة القادمة، خاصة مع عودة نشاط البناء تدريجيًا داخل مراكز محافظة المنيا.

 

مقالات مشابهة

  • مسئولو الإسكان يتابعون سير العمل بالإدارة العقارية بجهاز مدينة دمياط الجديدة
  • طريقة التسجيل على منصة مصر العقارية لحجز شقق الإسكان الجديدة 2025
  • اسعار السمك في اسواق المنيا اليوم الأحد 14ديسمبر 2025
  • اسعار الاسمنت اليوم الأحد 14ديسمبر 2025 فى المنيا
  • متحدث السجل العقاري: التسجيل مستمر.. ولا عقوبات خلال فترة الـ90 يوما الأولى
  • متحدث السجل العقاري: الحجية المطلقة إحدى أهم ركائز التسجيل العيني للعقار
  • حسن علام العقارية تحصد جائزة "الريادة الفخرية للتطوير العقاري"
  • اسعار الأسماك اليوم الجمعه 12ديسمبر 2025 فى محافظة المنيا
  • من عالم العقارات إلى الدبلوماسية الفظة.. كيف انعكست النزعة الفوقية في هفوات خطاب توم براك؟
  • برنامج الأمم المتحدة الإنمائي: غزة تشهد أمطارا غزيرة تزيد من تفاقم الأوضاع