لفتني فـي الأيام الأخيرة تداول منشور لأحد الكتاب الخليجيين عن حصرية الاهتمام بالعنف الذي خلفه النظام البائد فـي سوريا، وقراءة ملف السجون الذي يجعلنا نفكر فـي سوريا كما لو أنها رواية ديستوبية لولا أننا قرأنا منذ زمن أدب السجون القادم من سوريا بشكل خاص، كرواية «القوقعة» لمصطفى خليفة مثلا، ومن العالم العربي بشكل عام كرواية «تلك العتمة الباهرة» للطاهر بن جلون.
لكنني أعتقد بأننا نقع فـي خطأ كبير إذا ما أردنا القول إننا معزولون عن النقاش الذي بدأته النخب السورية فـي اليوم التالي لسقوط النظام، التي تمثل أطيافا مختلفة فـي المجتمع السوري بتعدديته الكبيرة.
أرى أنه من الصائب علينا بصفتنا مثقفـين فـي الخليج أن نشتبك مع تلك الأطروحات وأن نشعر بمسؤوليتنا تجاهها، مسؤولية قادمة من مصيرنا المشترك أولا، ومن رغبتنا فـي أن تتحقق العدالة والسلام لكل إنسان ثانيا.
أحاول هنا ومن خلال هذه المقالة أن أوثق الموقع الذي أقف فـيه كمثقفة إزاء ما يحدث من نقاشات فـي سوريا، عسى أن يدفع ذلك لمزيد من الأطروحات التي تُقيم موقعنا والمسافة التي نقف عليها تجاه التحولات هناك.
انتبهت بشكل خاص للجدل الذي يدور حول علمانية النظام البائد، الأمر الذي يجعل العلمانية نموذجا مجربا فـي الحالة السورية، وهو ما ناقشه العديد من المثقفـين السوريين فـي الأيام السابقة، إما بتفكيك العلاقة بين الديكتاتورية والعلمانية، أو بالرغبة الجامحة نحو إلصاق صفة العلمانية على النظام السابق، التي رأى كثير منهم أن من يقف وراءها هم الإسلاميون الذين يحاولون نزع أي علمنة للدستور السوري، الذي لا يمكن إلا أن يكون مُعلمنًا بالنظر لطوائف ومكونات سوريا، ويكتب الكاتب السوري دارا عبدالله حول هذه المسألة: «أكيد، الأسديّة كتفكير وفكر ومخيال سياسي، يجب أن تُجرّم قانونيًا، الأسديّة كتأييد للإبادة السياسية واستملاك الشعب حتى بأطفاله، والإذابة بالحمض، التظاهر يجب أن يكون ممنوعًا لأي مؤيّد للنزعة الأسدية، الأسدية شرّ مطلق، لا خلاف أبدًا، يجب إبعاد مفهوم العلمانيّة من هذا النقاش فورًا»، وفـي سياق متصل يكتب «الربط بين العلمانية والأسدية خبيث، وغايته إدانة الأولى، أكثر بكثير من التذكير بالثانية».
أتذكر فـي هذا الصدد كتابة مهمة لواحد من أهم الكتاب السوريين بل والعرب أيضا «ياسين الحاج صالح» الذي ناقش وبشكل موسع فـي العديد من أطروحاته مسألة علمانية الدولة السورية، وموقف الإسلاميين منها، وكان قد نبه إلى أن الإسلاميين وحدهم كانوا الأكثر انضباطًا وكفاءة فـي مواجهة النظام السابق عسكريًا، وهو ما جعل الجميع يلتف حولهم لأنهم يحققون للسوريين هدفهم الأساسي وهو إسقاط النظام، بغض النظر عن اتفاقهم أيديولوجيًا مع الجبهات التي مثلت الإسلاميين خلال الأربع عشرة سنة الماضية، وكان قد كتب ملاحظة مهمة جدًا يمكن أن تُقرأ فـي سياقات عربية أخرى لا تخص الحالة السورية وحدها حين قال: «لا نستطيع أن نرحب بفاعلية النصرة القتالية ضد النظام ونعمى عن تكوينها وتفكيرها، ولا أن نثبِّت أنظارنا على التكوين والتفكير، ونغفل عن الدور المهم فـي مقاومة نظام مستمر منذ أعوام فـي قتل السوريين دون توقف، يركز بعضنا على أحد الوجهين دون الآخر، فـيتعذر بناء سياسة عامة فعالة»، ويخلص إلى أهمية وجود سد اجتماعي منيع، واستعداد حقيقي من قبل جماعات المجتمع المدني للتصدي لما يمكن أن يعيد سوريا إلى بلاد الصوت الواحد حصرًا، وهو ما يحدث بالفعل هذه الأيام من انخراط تام والتزام حقيقي من قبل الجميع، كما نشعر -كمتابعين- بالشأن العام، ومناقشة كل ما يتعلق بالوضع الراهن.
إحدى النقاط التي أثيرت وبشكل ملحّ، هي تسمية أتباع النظام السابق بـ«الفلول»، وهو مصطلح جرى استخدامه فـي سياقات عربية أخرى بعد الربيع العربي، ومشكلته تكمن فـي سعته وعدم القدرة على تحديد مفهومه ومعاييره، الأمر الذي يعني أن كل من يقف أو سيقف ضد النظام الجديد، هو بالضرورة تابع للنظام السابق «فلول»، وعادة ما تسعى الأنظمة الاستبدادية الجديدة إلى إيجاد نوع من «المنطق العام» كما يسميه الكاتب السوري ياسين السويحة، الذي يجعل أي من يخالفه «فلولًا»، وهذا ما لا يريده السوريون بطبيعة الحال لدولتهم التي حلموا بها؛ لا يريدون نظامًا يقمع من يفكر بعيدًا عن المنطق العام، أو يُسكته، واستخدام كلمة الفلول تمنح شرعية بهذا المعنى لهذا القمع الذي يحاول تغليب المنطق العام للسلطة على أي رأي آخر، يكتب السويحة: «فلول»، وهذا حصل عند غيرنا، ستصير بهذا المعنى إشارة لطرائق حياة «غير نمطية» وتُستخدم أداة من أدوات الضبط الاجتماعي التي لا أفهم لماذا يجب أن نسهم فـي بنائها.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
المدير العام للمؤسسة السورية للمعارض والأسواق الدولية محمد حمزة: دورة هذا العام ستعكس صورة سوريا الجديدة، الواثقة بقدراتها ومستقبلها
المدير العام للمؤسسة السورية للمعارض والأسواق الدولية 2025-07-29malekسابق الضحاك: الاحتلال الإسرائيلي يواصل محاولة ضرب الوحدة الوطنية السورية وعرقلة جهود ترسيخ الاستقرار انظر ايضاً المدير العام للمؤسسة السورية للمعارض يتحدث لـ سانا عن حجم المشاركة في “فود إكسبو”
آخر الأخبار 2025-07-29الضحاك: الاحتلال الإسرائيلي يواصل محاولة ضرب الوحدة الوطنية السورية وعرقلة جهود ترسيخ الاستقرار 2025-07-28الخطوط الجوية التركية تعلن استئناف رحلاتها إلى حلب بداية آب المقبل 2025-07-28نائب وزير الاقتصاد يبحث مع غرفة تجارة ريف دمشق سبل تعزيز البيئة التجارية والاستثمارية 2025-07-28المراسلات الإدارية والقانونية والبروتوكولات الرسمية ضمن دورة تدريبية لوزارة التنمية الإدارية- فيديو 2025-07-28الهيئة العامة للمنافذ: منع استيراد 20 منتجاً حرصاً على دعم الإنتاج المحلي 2025-07-28السعودية وفرنسا تدعوان لإنهاء الحرب في غزة وتطبيق حل الدولتين 2025-07-28ترامب وستارمر يتفقان على اتخاذ إجراءات فورية لإنهاء المعاناة في غزة 2025-07-28السورية للبريد: مركز المؤسسة بالحجاز مستمر بتقديم الخدمات طيلة أيام الأسبوع 2025-07-28ورشة إدارة حالة الطفل: ضرورة وضع نظام إدارة حالة يضمن حصول الطفل على أفضل استجابة 2025-07-28مؤتمر صحفي خاص بإطلاق فعاليات الدورة الـ 62 من معرض دمشق الدولي
صور من سورية منوعات اكتشاف بصمة يد عمرها 4 آلاف عام على أثر طيني مصري 2025-07-28 رجل صيني يثير جدلاً بتحويل سيارته إلى حوض أسماك متنقل 2025-07-28
مواقع صديقة | أسعار العملات | رسائل سانا | هيئة التحرير | اتصل بنا | للإعلان على موقعنا |