أذكار النبي ﷺ: كنوز العبودية في كلمات قليلة
تاريخ النشر: 27th, December 2024 GMT
في حديث عظيم يُبرز قيمة الذكر وتأثيره في حياة المسلم، روى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن موقف مع أم المؤمنين جويرية رضي الله عنها، يكشف لنا جمال البساطة في التعبد، وعمق المعاني في كلمات الذكر.
قصة الحديث
خرج النبي ﷺ ذات يوم من عند السيدة جويرية رضي الله عنها، وهي جالسة في مُصلاها تذكر الله تعالى. وعندما عاد إليها بعد فترة طويلة، وجدها في نفس المكان، منشغلة بالذكر.
فقال لها النبي ﷺ: «قَدْ قُلْتُ بَعْدَكِ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَوْ وُزِنَتْ بِمَا قُلْتِ لَوَزَنَتْهُنَّ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ عَدَدَ خَلْقِهِ وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ» [أخرجه أبو داود].
كنوز من الذكر في أربع كلمات
هذا الحديث يُظهر قيمة الأذكار التي أوصى بها النبي ﷺ. ففي كلمات قليلة، تكمن معانٍ عظيمة:
لنحرص في يومنا على أن نردد هذه الأذكار التي تحمل في طياتها معاني العبودية، ونجعل أوقاتنا عامرة بذكر الله. فكما قال النبي ﷺ: «لأن أقولَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ مِائَةَ مَرَّةٍ، أحبُّ إليَّ مِن أنْ أحمِلَ سيفًا في سبيلِ اللَّهِ» [رواه مسلم].
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: ذكر الله الذكر النبي النبی ﷺ
إقرأ أيضاً:
في زمن العار.. حين تُشترى العبودية بالإرادة
هند الحمدانية
في الماضي كان الاستعباد قيدًا يُفرض، وكانت أغلال العبودية تقاوم حتى تُكسر، أما اليوم فنشتري القيود والأغلال بأثمنةٍ بخسة، نبيع الحرية بابتسامات باردة بلا روح، ونرتضي الذل طوعًا كأننا سادة السجون، ندفع للقيود ونرقص على أوتار الخنوع، نطبلُ للمحتل المستبد، ونُعلن الولاء بلا استحياء، لنبيع الكرامة كأنها بضاعة راكدة في سوقٍ بلا أخلاق، وهناك في الزاوية الأخيرة من الليل الموحش الطويل، غزة تبكي شهداءها بلا صوت والأرض تصرخ، والليل يضم جراحها في صمتٍ بليدٍ، وما بين صمت الخذلان وصمت القصف تنمو زهور المقاومة الشريفة والشهداء الأحياء يهمسون: الحرية لا تباع.
رغم أنَّ البشرية أعلنت منذ عقود طويلة نهاية العبودية التقليدية، إلّا أننا نُعاصر شكلًا جديدًا وأكثر إذلالًا من العبودية؛ حيث لم تعد الأغلال تصنع من الحديد؛ بل من الصفقات السياسية والتحالفات غير المتكافئة، والرضا بالذل والهوان مقابل البقاء في السُلطة، ودفع الأموال الطائلة والتنازل عن القرارات السيادية فقط من أجل إرضاء القوى الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.
في مشهد سياسي بالغ التناقض لم تكتفِ بعض الأنظمة العربية بالخنوع للهيمنة الأمريكية؛ بل تسارع لشراء عبوديتها بثروات شعوبها، تُبرم اتفاقيات تُفقر الأوطان، وتُنفق المليارات على صفقات سلاح لا يُستخدم، وتُدفع مليارات أخرى مقابل الهواء، ودعم سرمديٍ أزلي للسياسات الأمريكية في المنطقة العربية دون قيد أو شرط.
المؤلم في هذا النوع من الاستعباد أنه لا يُمارس بالقوة؛ بل يُقبل طوعًا وسلامًا، ويتم الترويج له في وسائل الإعلام الرسمية على أنه انفتاح دبلوماسي وحكمة سياسية رشيدة، جميع الشعوب العربية تفرجت على مشاهد التطبيل التلفزيونية للزيارات الأمريكية وتبجيل اللقاءات مع المسؤولين الأمريكيين، ومراسم الاستقبال بالخيول والسيوف وبهز الأكتاف.
امتد الاستعباد إلى قلوب أرباب العباد، فتخلت الأنظمة العربية عن مسؤوليتها التاريخية تجاه قضايا الأمة المصيرية وعلى رأسها القضية الفلسطينية؛ ففي الوقت الذي تئن فيه غزة تحت وطأة الاحتلال والحصار والقتل والدمار، تتسابق بعض الأنظمة لتطبيع العلاقات مع الاحتلال الصهيوني؛ بل وتخرس عن جرائمه مقابل رضا واشنطن، وهنا تغرب شمس الأخوة العربية للأبد؛ فالموقف الذي سجلته حكومات عربية هو خيانة فجَّة صامتة للقضية؛ حيث اعتبروا الوقوف إلى جانب غزة أمرًا مُحرجًا لهم، بينما قدَّموا استقبالهم للجلاد الأمريكي كإنجاز سياسي.
تُمثل غزة في عصرنا الحالي شعرة فاصلة بين الحق والباطل وحقيقةً فاضحةً للاستعمار الاستيطاني والاستعباد الجماعي؛ حيث يحاصر أكثر من مليوني إنسان في سجن جغرافي لا تتجاوز مساحته 360 كيلومترًا مربعًا، تحت قصف دائم وتجويع مُمنهج وحقوق مُغتصبة لعقود طويلة.
اعتادت غزة طيلة سنواتها العجاف على الحرب والحصار، لكنها فُجِعت بالصمت العربي الرسمي المُذل؛ بل وأحيانًا بالمشاركة العربية المباشرة وغير المباشرة في خنق غزة وإحكام الكتم على أنفاسها؛ فبعض الأنظمة تُدين المقاومة بدلًا من الاحتلال، والبعض الآخر يُبرِّر الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين على أنها دفاع عن النفس.
ينمو الاستعباد السياسي ويتحول إلى احتلال ذهني وقناعة سياسية وثقافة عربية؛ حيث يُزرع في وسائل الإعلام وفي المناهج التعليمية والخطابات الرسمية وغير الرسمية، أن أمريكا هي حمامة السلام وهي الرجل العنكبوت المُنقِذ، وأن القوة والحماية تأتي من البيت الأبيض، لا من وحدة الشعوب ولا من كرامة الأوطان. يوهموننا في عقيدتنا التي آمنَّا فيها بأن "القوة لله جميعًا"، وهكذا لا يتم فقط تبرير الخذلان والتبعية والهوان؛ بل تصنيعها كحقيقة لا مفر منها، حتى ينشأ جيل جديد لا يرى في الاستقلال خيارًا، ولا في المقاومة حقاً.
إنَّ الاستعباد أصبح واقعًا تعيشه أنظمة عربية كاملة برغبتها المُطلقة، تتنازل عن الكرامة والقرار والسيادة مُقابل الدعم الوهمي والحماية من المجهول، حتى لو كان الثمن هو بيع قضايا الأمة ومقدساتها وسحق كرامة الشعوب، نحن نُعاصر زمن العبودية العقائدية والفكرية وفق استراتيجيات ممنهجة ومدفوعة الثمن، يسوق لها على أنها تحالفات سياسية، ولكنها في حقيقتها صفقات للذل والانحطاط.
لن تتحرَّر الأمة حتى نتحرَّر أولًا من هذه القيود غير المرئية، وأن نُعيد تعريف السياسة كأداة لتحرير الإنسان العربي والدفاع عن أرضه وكرامته، وحتى تنهض القدس من تحت الركام تحمل مفاتيحها القديمة، وتلوح للعائدين من زمن الغربة وللباقين من زمن النضال وتكتب أسماء الشهداء على أبواب بلدتها العتيقة، فلا الليل دائم، ولا السلاسل أبدية، وإن طال الصمت العربي؛ ففي القلب نارٌ تتوهَّج، لن تُطفئها جيوش الأرض.
رابط مختصر