سرّ السعادة يبدأ بكلمة: كيفية العيش في دائرة الحمد
تاريخ النشر: 27th, December 2024 GMT
قال الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء ومفتي الجمهورية السابق إن الحمد لله، والشكر له، ليسا مجرد كلمات تتردد على الألسن، بل هي منهج حياة شامل يربط بين القول والعمل، ويمتد ليصبح عادة ومنهجًا يعيش في الإنسان ويعيش به. هذه الفلسفة، التي أرشدنا إليها القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، تجمع بين الإيمان العميق بالله والعمل المستمر بالشكر له في السراء والضراء.
وجاء ذلك خلال خطبة جمعة سابقة لفضيلة المفتي أعاد نشرها اليوم في الجمعة الاخيرة لسنة 2024 عبر صفحنه الرسمية على موقع الفيسبوك موضحًا أن الحمد يبدأ بالمعرفة؛ أن تدرك قيمة النعم المحيطة بك، من الصحة، والرزق، والأسرة، والطبيعة من حولك. هذا الفهم العميق يقودك إلى الاعتراف بفضل الله وإحسانه. يقول الله تعالى: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ﴾، إشارة واضحة إلى أهمية الذكر والشكر كأساس للتواصل مع الله.
الخطوة التالية: العملوأضاف جمعة أنه لا يقتصر الحمد على الشعور الداخلي، بل يتجلى في العمل. يقول الله تعالى: ﴿وَقُلِ الْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا...﴾، مؤكدًا أن الحمد يصبح فعلًا عمليًا حينما يتحول إلى تسبيح وتعظيم لله.
الاستمرارية: عادة لا تنقطعوأشار جمعة إلى أن الحمد لكي يصبح عادة، فرض الله علينا تكراره في كل صلاة؛ حيث نقرأ في فاتحة الكتاب: ﴿الْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾. هذا التكرار اليومي يرسخ مفهوم الحمد كجزء لا يتجزأ من حياة المسلم، ليتحول إلى ممارسة دائمة.
منهج حياة: العيش في دائرة الحمدوأكد جمعة أن الحمد لا يقتصر على اللحظات السعيدة فقط؛ فقد أرشدنا النبي ﷺ إلى حمد الله في كل حال. ففي السراء، يكون الحمد اعترافًا بفضل الله، وفي الضراء، يكون تسليمًا لقضائه. يقول النبي ﷺ: «الحمد لله على كل حال»، ليعلمنا الثبات في الشكر حتى في أصعب المواقف.
الحمد في المحن: بيت الحمدواستشهدا جمعة بما روي عن النبي ﷺ أن الله سبحانه وتعالى يكرم عباده الحامدين حتى في أشد مصائبهم، مثل فقدان الولد. ففي الحديث الذي رواه الترمذي، إذا قال العبد: "الحمد لله" عند فقده ولده، يأمر الله ببناء بيت له في الجنة يُسمى "بيت الحمد".
دعوة إلى التأملواختتم جمعة خطبته أنه من المعرفة إلى العمل، ومن العادة إلى المنهج، يظل الحمد منهجًا جامعًا لحياة مليئة بالرضا والسكينة. دعونا نعيش هذا المنهج بكل تفاصيله، مستحضرين معاني الشكر في أقوالنا وأفعالنا، ليكون الحمد حياةً نعيشها ويعيش فينا.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الحمد الحمد لله بيت الحمد أن الحمد
إقرأ أيضاً:
علي جمعة يوضح الفرق بين القلب والفؤاد..فتعرف عليه
قال الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف عبر صفحته الرسمية على فيس بوك إن يقول سبحانه وتعالى يقول: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الأنعام: 110].
الفرق بين القلب والفؤاد
إذًا فهناك ما يُسمَّى بالقلب، وهناك ما يُسمَّى بالفؤاد. وكلمة «القلب» في اللغة العربية سُمِّيَت بذلك؛ لأن القلب له أحوال، فهو يتقلَّب في هذه الأحوال. وقال الشاعر:
وما سُمِّيَ القلبُ إلَّا أنَّه يتقلَّبُ * وما أوَّلُ ناسٍ إلَّا أوَّلُ النَّاسِ
فأوَّل مَن نَسِيَ سيدُنا آدمُ عليه السلام.
وسُمِّيَ القلبُ لأنَّه يتقلَّب في الأحوال، ولذلك يقول سيدُنا ﷺ: «إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ». إذًا تقلُّبُ القلب بين الأحوال هو من أمر الله؛ فالله سبحانه وتعالى هو الذي يُثبِّت القلوبَ على حالٍ، أو يُقَلِّبُها بين حالٍ وحالٍ؛ فكلُّ ذلك بيد الله سبحانه وتعالى، يفعل ما يشاء. فإذا كان القلب في حالة الثبات على الخير، فإنَّه يُسمَّى «فؤادًا».
إذًا القلب يتقلَّب بين الأحوال؛ بين الخير والشر، وبين العلو والنقصان، فالإيمان يزيد وينقص. فإذا كان في حالة العلو، وكان في حالة الوضوح، وكان في حالة الثبات، كان «فؤادًا». لكنَّ الإنسان لا ينبغي له أن يأمَنَ مكرَ الله، بل لا بدَّ أن يُراقِبَ نفسَه، وأن يكون دائمَ المراقبة حتى لا يَذِلَّ، ولا يُخطِئ، ولا يتدهور حالُه مع الله سبحانه وتعالى من حيث لا يشعر؛ لأنَّه قد يُستدرَج وتتدهور حالُه دون أن يشعر. قال تعالى في شأن هؤلاء: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ ۚ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} [الأعراف: 182، 183].
إذًا فالإنسان العاقل يكون خصيمَ نفسِه، متدبِّرًا في حاله، يخشى أن يُستدرَج. فإن ترك الإنسانُ نفسَه للمعاصي استُدرِج، وتدهوَر؛ فتراه يرتكب المعاصي وهو يُنكِرها أوَّلًا، ثم يألفها ثانيًا فلا يُنكِرها، ويفعل المعصية دون نكير، لا يجد في قلبه حرجًا من فعلها، ثم بعد ذلك يتدهور حالُه مع الله سبحانه وتعالى فيستحلُّها.
في البداية يُبرِّرها لنفسه بقوله: «كلُّ الناس تفعل ذلك»، ثم يألفها حتى لا يرى فيها بأسًا، ثم يستحسنها، ثم يُخطِّئ مَن يُخالِفُه فيها؛ فالمعصية التي يفعلها هي في نظره «الصواب»، وغيرُها هو الخطأ. إذًا هذا استدراج.
في الأولى فعلها وهو مُتوجِّسٌ خيفةً،
وفي الثانية فعلها من غير توجُّس،
وفي الثالثة فعلها مُستَحِلًّا لها،
وفي الرابعة فعلها مُستَحسِنًا لها، ومُخطِّئًا مَن خالفها.
فهل لا يزال قلبُ ذلك الإنسان على حالةِ الفؤاد، أم أنَّه قد خرج من حالة الفؤاد إلى حالةٍ أخرى؟ يبدو أنَّه قد قُلِب.
الفؤاد
إذًا حالةُ الفؤاد قد تكون هي الحالةَ العُليا الصافية، ثم ينقلب على عَقِبَيْه، فإذا انقلب القلبُ لم يَعُدْ يُؤدِّي وظيفتَه، فيدخُل عليه الكِبْر، وهذا الكِبْر يمنعه من أداء وظيفته، فلا تستطيع أن تضع فيه شيئًا، ولا أن تستفيد منه فيما صُنِع له. فيصف الله حالَ هؤلاء بقوله: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ}؛ فما معنى هذا؟
أوَّلًا: أنَّهم كانوا على حالة الفؤاد، وهي حالةٌ خيِّرة.
ثانيًا: أنَّ الله سبحانه وتعالى قد استدرجهم، فأخرجَ الفؤادَ من حالته.
ثالثًا: أنَّه قَلَبَه؛ فنتج عن هذا القلبِ تعطيلُ الوظيفة؛ فالفؤاد الذي كان محلًّا لنظر الله، ولتَنَزُّلِ الرحمات من عند الله، أُغلِق وقُلِب، فذهبت وظيفتُه: وظيفةُ التلقِّي، ووظيفةُ الشفافية، ووظيفةُ البصيرة، ووظيفةُ الرؤية السليمة الربانية الإلهية التي يرضى عنها ربُّنا سبحانه وتعالى.