تحقيق: سومية سعد

حققت دولة الإمارات إنجازاً جديداً في التوازن بين الجنسين بتقدمها إلى المرتبة السابعة عالمياً واحتفاظها بالمركز الأول إقليمياً في مؤشر المساواة بين الجنسين 2024، الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، محققة نقلة نوعية في ترتيبها بهذا المؤشر المهم، صعوداً من المركز 49 عام 2015، والمركز الـ 11 عالمياً عام 2022.


أعلن هذا الإنجاز العالمي الجديد برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، خلال اجتماعات الدورة الـ 68 للجنة وضع المرأة، ويشارك فيها مجلس الإمارات للتوازن بين الجنسين.
وزيادة نسبة تمثيل المرأة في المناصب القيادية إلى 30% بحلول عام 2025، والعمل على تحقيق التوازن بين الجنسين في هذا القطاع الحيوي الذي يمثل ركيزة رئيسية في تقدم وازدهار دولة الإمارات.


قالت منى المري، نائبة رئيسة مجلس الإمارات للتوازن بين الجنسين، رئيسة مجلس إدارة مؤسسة دبي للمرأة: إن دعم المرأة شكّل واحداً من المبادئ التي قامت عليها دولة الإمارات، إيماناً من قيادة الدولة بأهمية دورها في تحقيق التنمية الشاملة المستدامة. وجاء تأسيس المجلس عام 2015 برئاسة قرينة سموّ الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس الدولة نائب رئيس مجلس الوزراء رئيس ديوان الرئاسة، سموّ الشيخة منال بنت محمد بن راشد آل مكتوم، لتعزيز هذه المسيرة الداعمة، والارتقاء بتنافسية الإمارات عالمياً في هذا المجال. وبالفعل قاد المجلس جهوداً كبيرة وأطلق الكثير من المبادرات التي رسخت التوازن بين الجنسين نهجاً دائماً.
وتضيف أن هذا هو النهج الذي تسير عليه دولة الإمارات حالياً بقيادة صاحب السموّ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وصاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، وبرعاية سموّ الشيخة فاطمة بنت مبارك، رئيسة الاتحاد النسائي العام رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة، الرئيسة الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية، (أم الإمارات)


إنجازات نوعية 
تقول موزة السويدي، الأمينة العامة للمجلس: إن دولة الإمارات قد حققت إنجازات كثيرة في التوازن بين الجنسين خلال السنوات الأخيرة نتيجة للدعم المطلق من القيادة الرشيدة لهذا الملف كونه أولوية وطنية. وهذه الإنجازات تعزز المسيرة الداعمة للمرأة التي بدأت مع تأسيس الدولة عام 1971 على يد المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه. 
ونتيجة لدعم القيادة الرشيدة لهذا الملف وبتعاون الجهات الحكومية ودعمها لأهداف المجلس، تقدمت دولة الإمارات إلى المركز الـ 7 عالمياً والأول إقليمياً بمؤشر المساواة بين الجنسين 2024، الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، محققةً نقلةً نوعية في ترتيبها بهذا المؤشر المهم، صعوداً من المركز الـ 49 في عام 2015 وهو العام الذي تأسس فيه المجلس، ليكون الجهة الاتحادية المعنية.
تسريع الهدف الخامس 
منذ تأسيس المجلس عام 2015، أطلقت سموّ الشيخة منال بنت محمد بن راشد، الكثير من المبادرات النوعية التي تعزز مسيرة دعم المرأة. وقد أسهمت هذه الجهود والمبادرات في تعزيز المشاركة الفاعلة للمرأة في جميع المجالات.
وبفضل هذا التمكين الاقتصادي للمرأة الذي بدأ منذ سنوات طويلة، فإن دولة الإمارات تأتي في المركز الأول في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بتقرير البنك الدولي «المرأة وأنشطة الأعمال والقانون» منذ عام 2021 وحتى آخر دورة له في عام 2024، وهو التقرير الذي يرصد جهود الحكومات في العالم فيما يتعلق بوضع القوانين والتشريعات الرامية لحماية وتمكين المرأة اقتصادياً، ضمن 8 محاور تجمع مواد قانونية ولوائح تنظيمية بشأن الفرص الاقتصادية للمرأة في الدول التي يغطيها التقرير.
الإماراتية والعمل الدبلوماسي
تبوّأت الإماراتية مكانة مميزة في مضمار العمل الدبلوماسي لتشكل إضافة حقيقية ولتسهم بفاعلية في نسج شبكة العلاقات الواسعة للدولة وتعزيز شراكاتها الإقليمية والدولية. وحالياً تشغل مناصب دبلوماسية في وزارة الخارجية، حيث يبلغ عدد النساء والفتيات العاملات الإماراتيات في الوزارة والبعثات التمثيلية للدولة في الخارج (587) إماراتية، بمن فيهن الدبلوماسيات اللواتي يصل عددهن إلى (275)، وبنسبة تصل إلى 42% من مجموع الإماراتيات العاملات في الوزارة. 


أول امرأة تترأس برلماناً 
حققت الدكتورة أمل القبيسي، أول فوز نسائي في الانتخابات، في أول تجربة انتخابية برلمانية في ديسمبر عام 2006، لتكون أول إماراتية وأول خليجية تصل البرلمان عبر صناديق الاقتراع.
وفي الدورة الانتخابية الثالثة، حققت الإمارات سبقاً عربياً وإقليمياً بانتخاب الدكتورة أمل القبيسي، رئيسة للمجلس الوطني الاتحادي يوم 18 نوفمبر 2015، أول امرأة تترأس مؤسسة برلمانية في الخليج والعالم العربي والشرق الأوسط، وهو المنصب الذي ظلت تشغله حتى عام 2019، ليتأكد مضي برنامج التمكين وفق خطى مدروسة بعناية، محققاً إنجازات كبيرة للحياة البرلمانية والسياسية في دولة الإمارات.
أول رائدة فضاء 
تقدّمت نورة المطروشي، التي تحلم منذ صغرها بالذهاب إلى القمر، خطوة نحو تحقيق حلمها، وتؤكد أول رائدة فضاء إماراتية أنها خضعت لتدريبات لمدة عامين وقد ساعدتها التدريبات لجعلها مؤهلة لرحلات الفضاء، مشيرة إلى أن من أهم التدريبات المهمة هي السير في الفضاء، وتدريبات الطيران، حيث ليس لديها أي خلفية في الطيران، مضيفة أنها كانت تتخيل أن قيادة الطائرة تشبه قيادة السيارة ولكنها مختلفة للغاية، حيث تدرّبت على كيفية القيادة والتصرف في حال نفاد الوقود، مؤكدة أن برنامج «ناسا للتدريب» أضاف لها الكثير من المهارات المميزة

الصورة


التزام راسخ 
وقالت فضيلة المعيني، أول امرأة تترأّس مجلس إدارة الصحفيين الإماراتية، إنه ضمن التزامها الراسخ بتعزيز ثقافة الاندماج والشمولية وضمان تنوع الكوادر البشرية العاملة، تفخر جمعية الصحفيين، بالعمل على تعزيز التوازن بين الجنسين، ويمثل هذا الالتزام واجباً أخلاقياً وأولوية استراتيجية للجمعية ويسهم في ضمان مواكبة أعمالها للمستقبل، وصياغة مستقبل أكثر شمولاً. كما نعتز بترسيخ ثقافة شمولية تُتيح للجميع فرصة للنجاح والازدهار، حيث تُشكّل النساء نسبة كبيرة في المناصب الإعلامية في الجهات الحكومية، حيث أصبح عدد كبير مديرات الاتصال الحكومي، وأثبتن جدارة في العمل الإعلامي. وعدد كبير في الصحف والقنوات المحلية ومساهمتها القوية في نهضة البلاد ومسيرتها التنموية. ودور المرأة يعيد تأكيد دور المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، في التأسيس لمسيرة المرأة في الإمارات، وعبّر عنه في كثير من المواقف والأقوال ومنها «لا شيء يسعدني أكثر من رؤية المرأة وهي تأخذ دورها المتميز في المجتمع، ويجب ألا يعيق تقدمها شيء».
الوزيرة الأولى 
منذ قيام الاتحاد والاهتمام بالمرأة وتعليمها، تم تعيين أول وزيرة هي الشيخة لبنى بنت خالد القاسمي، بأنها أول وزيرة، كونها أول امرأة في تاريخ الإمارات تتولى حقيبة وزارية. كان ذلك في 13 أكتوبر عام 2004 حينما عـُهد إليها تولّي حقيبة الاقتصاد والتخطيط، فدخلت تاريخ الإمارات أول وزيرة، ودخلت تاريخ الخليج العربي، أيضاً أول وزيرة اقتصاد وتخطيط، وثالث سيدة تحمل حقيبة وزارية. 
كانت تلك نقطة البداية لمسيرة طويلة في الحكومة ستقودها إلى حقائب وزارية أخرى. ففي الـ 17 من فبراير عام 2007 نقلت من وزارة الاقتصاد والتخطيط وعيّنت على رأس وزارة مستحدثة هي وزارة التجارة الخارجية، لتبقى معها حتى عام 2013، وهو العام الذي كلفت فيه بحمل حقيبة التنمية والتعاون الدولي التي احتفظت بها مذ ذاك وحتى سنة 2016
سيدات أعمال
وفقاً لتقرير حديث صادر عن مجالس سيدات أعمال الإمــارات، ارتفعـت نسبة مشاركة المرأة فـــي القوى العاملة إلى 34.6% عــام 2024، مقارنة بـ 32.5% فـــي عام 2023.
وأظهر التقرير أن سيدات الأعمال يشكّلن 18% من مجموع رواد الأعمال في الإمارات، و77.6% من الأعمال التي تملكها النساء في الإمارات تقودها نساء تحت سن الأربعين، ما يدل على دورهنّ الفعال في تعزيز الاقتصاد الوطني. وأشار التقرير إلى أن 48.8% من هؤلاء النساء يشغلن مناصب مديرات تنفيذيات و61.4% منهن يمتلكن أعمالهن بشكل فردي، ما يعكس زيادة ملحوظة في ريادة الأعمال النسائية.
وأوضح التقرير أن النصف الأول من العام الجاري شهد تسجيل أكثر من 2,000 شركة جديدة أسستها سيدات أعمال إماراتيات، وتمثل هذه الشركات 22% من مجموع الشركات الجديدة المسجلة في الإمارات خلال المدة نفسها.
 

الجانب الديني

د. أحمد الحداد

يقول الدكتور أحمد بن عبد العزيز الحداد، كبير مفتين ومدير إدارة الإفتاء بدبي: المرأة في الإسلام مكرّمة أيّما تكريم، في الوقت الذي كانت فيه في غاية الامتهان، تباع وتشترى، وتُوأد من ذكرها وتورث ولا ترث.. إلى غير ذلك ولم يكن هذا خاصاً بالجزيرة العربية بل في العالم كله. فلما جاء الإسلام رفع شأنها وجعل لها من الحق مثل ما للرجل سواء بسواء، كما قال الله تعالى: {ولَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ} وجعل لها حق الكسب والاتّجار والعمل كالرجل كما قال سبحانه { لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبوا ولِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ} وجعل نفسها كنفس الرجل في القصاص والجروح، فقال سبحانه {وكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ والعَيْنَ بِالعَيْنِ والْأَنْفَ بِالْأَنْفِ والْأُذُنَ بِالْأُذُنِ والسِّنَّ بِالسِّنِّ والْجُرُوحَ قِصاصٌ}.

ولم يكن شيء من ذلك قبل مجيء الإسلام سواء في جزيرة العرب أو في الديانات الموجودة، كل ذلك ليعلي شأنها ويجعل لها المكانة المناسبة لها في هذه الدنيا كأخيها الرجل. وجاءت السُّنة الكريمة ووضحت ذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم «إنما النساء شقائق الرجال» ولذلك تبوأت مكانة رفيعة في الإسلام فكان من النساء المفتيات والمحدثات والأديبات والمقاتلات وغير ذلك، بل كان منهن من يصدر عن آرائهن الملوك والقادة. أضاف: انتقلت المرأة في الإسلام من حال الاضطهاد والدنو إلى الرفعة التي تناسبها حتى تكون شريكة للرجل في المكانة المناسبة لها، مع تميزها بأنها هي التي تنشئ الرجال الأقوياء الأسوياء، وهي التي عليها المعول في تنشئة الأجيال الصالحة النافعة. وها هي اليوم تعيش أوج عزها في الدولة المباركة لمساهمتها الفاعلة في البناء والتطور، ولا تزال تتقدم في كل مجال تخصصي كأخيها الرجل.

إحصاءات

* تهدف حكومة الإمارات إلى استخدام مهارات 3.17 مليون امرأة لتنمية الاقتصاد. وتشكل النساء 64% من إجمالي خريجي الجامعات في الدولة.

* 41 % من خريجي الجامعات الحكومية في الإمارات في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات من النساء.

* وتفتخر الدولة بمعدلات عالية من الإلمام بالقراءة والكتابة بين النساء، حيث تبلغ 95.8%.

* الإمارات تحتل المرتبة الـ 22 عالمياً في الشمول المالي والمشاركة السياسية والعدالة للمرأة.

* تشكل النساء نسبته 30.99% من إجمالي سكان الإمارات، مع وجود حضور كبير في الفئة العمرية العاملة 25-54 عاماً.

* 77 % من الإماراتيات يلتحقن بالتعليم العالي بعد المرحلة الثانوية، و41%من خريجي الجامعات الحكومية في دولة الإمارات في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات من النساء.

* يبلغ معدل الإلمام بالقراءة والكتابة لدى النساء 95.8%.

* العاملات فــــي القطاع العام66.67%

* المرأة في الأدوار القيادية في القطاع العام 30%

* المرأة في الأدوار التقنية والأكاديمية فــــي القطاع العام15%

* المرأة في المجلس الوطني الاتحادي50%

المصدر: صحيفة الخليج

كلمات دلالية: فيديوهات الإمارات مجلس الإمارات للتوازن بين الجنسين التوازن بین الجنسین دولة الإمارات فی الإمارات المرأة فی أول امرأة أول وزیرة آل نهیان محمد بن عام 2015

إقرأ أيضاً:

مخرجات عربيات يكسرن ثنائية الرجل والمرأة ويعدن التجربة الإنسانية إلى مركز السرد

استطلاع ـ فيصل بن سعيد العلوي -

رغم تعدد تجارب المخرجات العربيات وتعدد البيئات التي خرجت منها أفلامهن، لكن ما يجمعهن هو أن الرؤية السينمائية لا تتولد من موقع قائم على ثنائية الذكورة والأنوثة، بل من التجربة الشخصية، ومن الاحتكاك اليومي بالواقع.. في هذا الاستطلاع نقدم خمس مقاربات مختلفة، تشير جميعها إلى أن الفيلم ليس تعبيرا عن "هوية نسائية" بقدر ما هو محاولة لبلورة موقف إنساني واستعادة مساحة للذاكرة وقراءة السياقات السياسية والاجتماعية التي تصنع الحكاية من الداخل... فالسينما كما تكشف إجاباتهن تتجاوز فكرة الحضور النسائي التقليدي على الشاشة إلى طريقة بناء القصة نفسها من نبرة السرد وحركة الكاميرا وعمق العلاقة بالشخصيات، والأثر الذي تتركه التجارب الحياتية على تفاصيل المشهد.. وعلى اختلاف المسارات تلتقي هذه الأصوات عند قناعة واحدة أن السينما ليست مساحة لتأكيد ثنائية الرجل والمرأة، إنما فضاء مفتوح يعيد ترتيب المعنى، ويمنح المخرجة أدوات لرواية الحكاية وفق حساسيتها وخبرتها ومسارها الخاص، حيث تصبح التفاصيل الصغيرة ـ لا الشعارات ـ هي التي تمنح الفيلم روحه الإنسانية.

بداية تقول الكاتبة السينمائية والمنتجة الفلسطينية البريطانية فرح النابلسي إن النقاش حول ما يُسمى "النظرة النسائية" غالبًا ما يبدأ من افتراضٍ يقابل بين منظور المرأة ومنظور الرجل، وكأن النظرتين تقفان وجهاً لوجه في حالة تضاد، فالتصور السائد يضع "النظرة النسائية" في مقابل "النظرة الذكورية" باعتبار الأولى امتداداً لحراك نسوي أو موقفاً فكرياً صادراً من موقع المرأة، بينما تُصوَّر النظرة الذكورية بوصفها الإطار التقليدي الذي حكم تقديم المرأة في السينما لسنوات طويلة، وقدّمها غالبًا كجسد أو كعنصر بصري مخصص لاستمتاع المشاهد الرجل.

لكنها تؤكد أنها شخصياً لا ترى النظرة النسائية في حالة مواجهة مع النظرة الذكورية، ولا تعتقد أن من الضروري وضعهما في خانتين متعارضتين، فعندما تفكر في هذا المفهوم، فإنها تفكر فيه بوصفه رؤية فنية تتجلى عبر كل عناصر صناعة الفيلم: في السرد، وفي حركة الكاميرا، وفي طريقة بناء القصة، وفي النبرة التي ترافق المشاهد، وفي العمق الشعوري الذي يمر عبر الشخصيات. وتضيف أن تأثير النظرة النسائية لا يقتصر على الشخصيات النسائية وحدها، بل يشمل المنظومة الكاملة للفيلم، لأنها رؤية تتعلق بالإحساس والعاطفة والإنسان قبل أن تتعلق بالنوع الاجتماعي.

وتشير "النابلسي" أيضاً إلى أن الحديث عن "النظرة النسائية" لا يمكن عزله عن التنوع الواسع بين النساء صانعات الأفلام أنفسهن، سواء في خلفياتهن الثقافية أو في تجاربهن الحياتية. فكل واحدة تحمل تجربة مختلفة منذ الطفولة، ولديها مسار خاص في الحياة ومصادر مختلفة للمعرفة والحساسية الفنية. وهذا يعني أن النظرة النسائية ليست كتلة واحدة أو قالباً ثابتاً، بل مساحة واسعة تتشكل وتتفرع بحسب السياق والخبرة والرؤية الفردية. ومن هنا، ترى أن جوهر الفكرة لا يكمن في خلق مواجهة جديدة بين الرجل والمرأة، بل في فتح مجال أرحب لتعدد الأصوات، وإفساح المجال لوجهات نظر متنوعة تثري السينما وتوسع أفقها.

وتضيف فرح النابلسي إن سؤال تقديم "الأب" أو "الابن" أو الشخصيات الذكورية في أفلامها يُطرح عليها كثيرًا، وكأن وجود هذه الشخصيات يحتاج إلى تفسير، لكنها ترى أن الأمر يرتبط بالأساس بما ذكرته في البداية: دور صانعة الأفلام لا يقوم على الالتزام بصورة نمطية أو على قول قصص محددة مسبقاً لأنها "قصص نسائية" أو "قصص عن النساء"، بل يقوم على رواية الحكاية بالطريقة التي تفرضها خبرتها الحياتية وشعورها الداخلي، وتوضح أنها، بوصفها امرأة، وأمًا، وأختاً، وابنة، تنعكس تجاربها الشخصية على رؤيتها الفنية، وتتسرب إلى أفلامها بصورة تلقائية وغير مقصودة، لأنها ببساطة جزء من تركيبتها الإنسانية ومخزونها الوجداني.

وتضيف أنها أم لخمسة أطفال، وأن هذه التجربة تركت بصمتها في كيفية رؤيتها للعلاقات، سواء كانت علاقة أب بابنته، أو علاقة عائلية تتقاطع فيها مشاعر الحماية والخوف والمحبّة، ورغم أن أفلامها قد تبدو في ظاهرها أفلاماً عن رجال، أو قصصاً قاسية مليئة بالأحداث المؤلمة، فإن هناك دائماً ـ كما تقول ـ "لمسة أنثوية" تتسرب بشكل طبيعي وغير معلن إلى داخل البناء الدرامي والنبرة الشعورية للفيلم، وهي لم تكن واعية تمامًا بهذا الحضور في بداياتها، لكنه ظهر جليًا لمن شاهد أعمالها.

وتستعيد هنا موقفًا حدث أثناء العمل على فيلمها "The Present" (الهدية)، حين قال لها مهندس الصوت الراحل، الذي عمل معها في مرحلة ما بعد الإنتاج، إن الفيلم "مغمور بروح أنثوية واضحة"، رغم أن بطله رجل ورغم أن القصة لا تتناول موضوعاً نسائياً، وتقول إنها لم تفهم قصده حينها، لكن مع الوقت أدركت أن ما كان يشير إليه هو تلك الحساسية الدقيقة التي تحملها المرأة معها إلى أعمالها، مهما كان موضوع الفيلم، حتى لو امتلأت أحداثه بالعنف أو الفقد أو المشاهد القاسية.

وترى "النابلسي" أن هذه الحساسية الأنثوية ليست مقصودة أو مصنوعة، بل هي جزء طبيعي من حضور المرأة في صناعة الفيلم، تتجلى في الطريقة التي تُروى بها القصص وفي التفاصيل الصغيرة التي تُبنى عليها المشاهد، وهي تعتبر هذا النوع من الأثر غير المرئي أحد أهم عناصر غنى السينما، لأن السينما ـ كما تقول ـ "وسيلة قوية للتعاون بين الحواس والمشاعر والرؤى"، وتمنح كل صانع فرصة لوضع بصمته الإنسانية، سواء كان رجلاً أو امرأة، دون حاجة إلى إعلان ذلك أو الدفاع عنه.

لا ساحة للتصنيف

من زاويتها ترى المخرجة العمانية مزنة المسافر أن ما يسبق الجندر والهوية هو الإنسان نفسه، بمكوناته النفسية والعاطفية التي تحدد اقترابه من ذاته ومن العالم، فالفرد يصنع اختياره الفني أو المهني من موقع إحساسه العميق بإنسانيته، سواء كان فنانا أو مخرجا أو منتجا أو مفكرا، لأن الدافع الحقيقي يأتي من الداخل لا من التصنيف، والواقع قد يكون داعما أحيانا، لكنه في الغالب واقع قاس مليء بالصراع والتنافس، ولهذا يصبح الفن ضرورة، ووسيلة للشفاء من القهر والظلم وغياب العدالة، وأحد أهم أسباب اختيار الإنسان للإخراج هو رغبته في فرض رؤية فنية وإنسانية مدروسة، رؤية تعيد ترتيب المعنى والجمال في المكان ذاته.

وتوضح "المسافر" أن مهنة الإخراج، سواء للمرأة أو للرجل، هي مهنة تنشغل بالمعنى وبالجمال معًا، لكنها في الآن ذاته تحترم المقاربات التي تذهب نحو المفاهيم الاجتماعية أو الفلسفية، حتى عندما تبتعد عن السرد البصري والتكوين، وما يُسمّى "عقدة المرأة" نابع من ميل العالم إلى وضعها في مرتبة ثانية، أو النظر إليها كأصل تابع، كما في قصة "حواء بعد آدم"، غير أن هذا التصور يصبح بلا قيمة أمام الطليعية الفكرية والسعي المستمر نحو الأفضل والأجمل في الحياة، وما يجلب هذا الأفضل ليس حضورا على السجادة الحمراء أو ملصقا دعائيا أو جائزة .. لكنه العمل المتواصل والرغبة في فهم الحياة، والسعي نحو قراءة أعمق للعالم والناس وللمفردات المتبدّلة التي تشكّل وعينا، فأنا لا أتموضع في موقع "المرأة" ولا أنظر إلى الجندرية طإطار يحكم رؤيتي، لكنه مفهوم بعيد عن مبادئ العيش الحقيقي.

وترى المخرجة العمانية مزنة المسافر أن الحياة تمنح الأفضل لمن يعمل ويفكر ويتحرّك بوعي واتزان، بعيدا عن الصراع والتنافس الذي يلغي المعنى الأساسي للأشياء، فالفن ليس منصة إثبات، لكنه طريق لفهم أعمق واستمرارية أوسع في القراءة والتأمل وإعادة صياغة العلاقة مع الكون والوجود.

أنظمة أبوية متحكمة

من جانبها تقول الشاعرة والمخرجة الفلسطينية آن ماري جاسر أن مجرد تصنيف المشاركات تحت مسمى "نساء في السينما" يعيد إنتاج تقابلٍ لم يعد يخدم النقاش، فالعالم كله، وليس منطقتنا فقط يقوم على أنظمة أبوية تتحكم في جوانب كثيرة من الحياة، وهذا واقع تعيشه المرأة في الغرب كما تعيشه في المنطقة العربية، لكنّ تجربتها في فلسطين، وفي مواقع التصوير تحديدًا، مختلفة تماماً عن تجربتها في المهرجانات الغربية حيث تُطرح عليها أسئلة تعتبرها غريبة، وكأن صنع الفيلم بالنسبة للمرأة العربية أمر استثنائي يحتاج إلى تبرير.

وتوضح أنها في أثناء العمل داخل فلسطين تشعر بأن الجميع متساوون في المكان نفسه نساء ورجال، مخرجون وفنيون، يعيشون الظروف ذاتها ويواجهون التحديات ذاتها، أما خارج المنطقة، وخصوصًا في أوروبا والولايات المتحدة، فتفاجأ بأسئلة تدور حول كيفية "تمكنها" من صناعة فيلم كامرأة عربية، وكيف تواجه "الظروف الصعبة" التي يُفترض أنها تحيط بها، وكأن تجربتها لا تشبه تجارب صناع الأفلام الآخرين، وتقول إن ما يجمع المشاركات في هذه الجلسة ليس مجرد كونهن نساء، بل أنهن جميعًا يأتين من بلدان تعيش تحت ضغط الاحتلال، أو تعاني من النزوح، أو تواجه تحديات سياسية واجتماعية تجعل صناعة الفيلم فعلًا شديد التعقيد مهما كان جنس المخرج.

وتشير آن جاسر إلى أنها كثيرًا ما تُسأل عن سبب اختيارها موضوعات يُنظر إليها بوصفها "خصائص ذكورية" مثل الحرب والانفجارات والصراعات. وهي، رغم أنها تحصل على دعم عربي جيّد لمشاريعها، تجد نفسها مضطرة في الغرب إلى شرح سبب تناولها لهذه القضايا، ولماذا تذهب إلى مواضيع تحتاج إلى تصوير عمليات عسكرية أو قصص تتعلق بالدمار أو الفقد، وتعتبر هذا النوع من الأسئلة جزءًا من المشكلة التي يخلقها التصنيف نفسه، لأنه يفترض سلفًا حدودًا لما يمكن للمرأة أن ترويه أو تُمثّله في أفلامها.

وترى أن ما يميز صناع الأفلام في المنطقة العربية ليس الهوية الجندرية بقدر ما هو الاشتراك في تجارب سياسية وإنسانية قاسية، تمتد من الاحتلال إلى النزوح ومن ضيق الموارد إلى تحديات الإنتاج.

وتضيف المخرجة الفلسطينية آن ماري جاسر إنّ الدخول إلى موضوع "المرأة في السينما" يجرّ النقاش في العادة نحو القولبة، لأن السؤال نفسه يقوم على نقطة انطلاق ليست مريحة لها: محاولة تجاوز الصور النمطية والتمثيلات المسبقة قبل أن تبدأ حتى في التفكير بالفيلم الذي تريد صناعته، فهي لا تبدأ من هذا المكان، ولا تنطلق من رغبة في محاربة الاستيريوتيبات أو تفكيكها، بل من رغبة أساسية في قول قصة حقيقية وصادقة بالنسبة لها، قصة تشعر أنها ملكها وأنها تعبر عن تجربتها.

وتشير إلى أنّ فيلمها "فلسطين 36" مثال واضح على هذا النهج، فهو فيلم يحمل جانبًا تاريخيًا ومؤلمًا، لكنه أيضاً يكشف أدوارًا متعددة للنساء الفلسطينيات عبر فترتين متباعدتين، ويظهر طبقتين من النساء: الصحفية التي كانت مضطرة للتنكر بزيّ رجل كي تتمكن من نشر مقالاتها في سياق استعماري خانق، والنساء القرويات اللواتي كنّ جزءًا من المقاومة، سواء عبر السلاح، أو عبر إطعام المقاتلين، أو عبر الكتابة والعمل الصحافي، وهي صور تؤكد أنّ النساء في فلسطين كنّ دائمًا جزءًا فاعلًا من الفعل المقاوم، على مستويات مختلفة.

وتضيف "أن هذا التباين في الأدوار النسائية ليس جديدًا عليها، فهي مهتمة تاريخيًا بتتبع هذه الحقيقة: حقيقة أنّ النساء في فلسطين كنّ دائمًا موجودات في قلب الصراع، وأن هذا الوجود تغيّر مع الزمن، خصوصًا بعد الانتفاضة الثانية، حيث انحسر حضور النساء في الشوارع والمساحات العامة، مقارنة بما كان عليه قبل ذلك". وترى أن هذه الظاهرة لا تقتصر على فلسطين فقط، بل تتكرر في بلدان أخرى، ومنها المنطقة المغاربية، حيث لعبت النساء أدوارًا محورية في الحركات التحررية، ثم تراجع حضورهن لاحقًا لأسباب سياسية واجتماعية.

وتوضح أن سؤال "لماذا تركّزين على هذه الموضوعات؟" يُطرح عليها بشكل متكرر في الغرب، خاصة حين تتناول موضوعات مثل الحرب، الانفجارات، الغضب السياسي، أو تفاصيل الحياة تحت الاحتلال. وهي ترى في هذه الأسئلة جزءًا من النظرة النمطية ذاتها التي تفترض أنّ هذه الموضوعات "منطقة ذكورية"، في حين أنّ التجربة الفلسطينية تُظهر بوضوح كيف كانت النساء جزءًا أساسيًا من تلك الوقائع، ولذلك فإنّ اهتمامها بالأحداث التاريخية وبأدوار النساء لا يأتي من رغبة في تحدي الصور النمطية، بل من رغبة في إعادة تقديم الواقع كما هو، وإظهار حقيقة غالبًا ما يتم التغاضي عنها.

وتشير جاسر إلى نقطة أخرى تراها جوهرية: أنّ ما يجمعها مع زميلاتها المخرجات في هذه الجلسة ليس كونهن نساء فقط، بل كونهن صانعات أفلام يعملن في بيئة صعبة، بيئة تفرض تحديات تتعلق بالتمويل، وبالاحتلال، وبالنزوح، وبالبنى الإنتاجية غير المستقرة. وتقول إن صناع الأفلام في المنطقة يتشاركون معاناة مشتركة: نقص التمويل، ضعف الدعم، وصعوبة الوصول إلى منصّات الإنتاج التقليدية، ولهذا تشعر غالبًا أنّ ما يجمعهم أقوى من التقسيم الجندري الذي يحاول الآخرون فرضه عليهم.

وتستعيد "جاسر" تجربة سابقة في بدايتها حول أحد أفلامها الذي حاولت إنتاجه وكيف أمضت ست سنوات تبحث عن تمويل داخل العالم العربي دون جدوى، لأن البنية الداعمة لصناعة الفيلم العربي كانت شبه معدومة آنذاك.

وتقول "إن الأمور تغيرت الآن بشكل جذري، خصوصًا مع ظهور بعض المؤسسات الداعمة التي توفر دعمًا حقيقيًا وفعليًا لصناع الأفلام، رجالًا ونساءً، وتشير إلى أن هذا التحول ساعد في خلق بيئة إنتاجية أكثر عدلاً وإتاحة، تمنح فرصة أكبر للنساء للدخول إلى المهنة دون الحاجة إلى التمويل الضخم أو برامج التدريب الغربية أو إجادة الإنجليزية أو المرور عبر المسار التقليدي لصناعة السينما.

وتضيف "جاسر" أنها لم تدخل السينما من المسار التقليدي، بل جاءت من خلفية في العمل المؤسساتي والمبادرات العامة، ولم تكن مضطرة للتعامل مع الأسئلة المتعلقة بكونها امرأة بقدر ما كانت مشغولة برواية القصة التي تريد روايتها. ومع ذلك، فهي تعترف بأن وجودها في هذا المجال ألهم نساء أخريات، تمامًا كما ألهمتها نساء سبقنها، وتعتبر أن هذا التأثير المتبادل شكلٌ من أشكال السلسلة المستمرة، حيث تلهم كل مخرجة أخريات بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وهو ما تعتبره جوهرًا مهمًا في نمو السينما العربية.

وتعتقد آن ماري جاسر أن رؤية المزيد من النساء خلف الكاميرا ـ سواء في فلسطين أو العالم العربي ـ يعود إلى هذا النوع من نماذج الإلهام، وليس إلى اقتراب تجاري أو تفكير سياسي فقط، فحين ترى المرأة امرأة أخرى تنجح في إخراج فيلم، تشعر أنّ ذلك ممكن لها أيضاً، وهي لا تعتبر النجاح محصورًا في الفوز بجوائز مثل الأوسكار، لكن مجرد تحقيق الفيلم ورؤيته حيًا يعدّ نجاحًا بحد ذاته، وتشدد على أن المؤسسات الثقافية العربية لعبت دورًا محوريًا في هذا التحول، لأنها قدّمت الدعم المادي والفني، ووفرت بيئة تسمح للنساء بأن يشعرن بأن وجودهن جزء طبيعي من الصناعة وليس استثناءً.

وتختم المخرجة الفلسطينية آن ماري جاسر بالقول إن حضور النساء اليوم حضور بنائيّ حقيقي في صناعة الأفلام، وحضور يعتمد على الإبداع والتجربة والمشاركة، وهذا، بالنسبة لها، جوهر القضية: نحن هنا ليس لأننا "نساء" فحسب، بل لأننا "صانعات أفلام" نحمل تجارب مختلفة ونحاول تقديم صورة أعمق للسينما، ونبحث عن إعادة تأطيرها ضمن فضاء أوسع وأكثر شمولًا.

بيئة صعبة ومعقدة

بينما تعبر المخرجة السودانية راوية الحاج إن تجربتها كمخرجة سودانية لم تكن سهلة على الإطلاق، وإن دخولها إلى عالم صناعة الأفلام كان محفوفًا بالعقبات منذ بدايته، لا لأنها امرأة فقط، بل لأن بيئة السينما في السودان نفسها صعبة ومعقدة على النساء والرجال معًا، وتوضح أن المجتمع السوداني يفرض قيودًا ثقيلة على المرأة، وأن هذه القيود طالما حالت دون حصول النساء على حقوق أساسية يفترض أن يتمتعن بها في المجال الفني، فالمرأة التي تختار دراسة السينما أو الدراما كانت تُواجَه في كثير من الأحيان بالرفض والوصمة الاجتماعية، وكأن مجرد دخولها هذا المجال يُعد خروجًا عن المقبول.

وتشير إلى أنّ صعوبة العمل في السينما في السودان لا ترتبط بالمجتمع وحده، بل بالقيود الحكومية التي حدّت تاريخيًا من تطور هذا القطاع ومنعت الكثير من الأصوات النسائية من الظهور. فحتى الرائدات القليلات اللواتي نجحن في الوصول إلى الشاشة وترك أثرٍ فني، لم يأتِ حضورهن نتيجة اتساع المجال أو دعمه، بل على الرغم من الظروف القاهرة التي كانت تقف في طريقهن. وتؤكد أن هذا لم يكن بسبب نقص القصص أو غياب الحكايات التي يمكن أن ترويها النساء السودانيات، بل بسبب منظومة اجتماعية ورسمية جعلت مشاركة المرأة في السينما أمرًا صعبًا وشبه مستحيل في بعض الفترات.

وتضيف أنّ التحديات الكبيرة التي واجهتها ما تزال قائمة إلى اليوم، أنّ ما تطمح إليه اليوم هو بداية جديدة للسينما السودانية، بداية يمكن تسميتها "سينما الغد" أو "السينما القادمة"، حيث تجد النساء مساحة حقيقية للمشاركة، وتتحول المعاناة التي واجهنها عبر العقود إلى فرصة لتأسيس حركة سينمائية أكثر عدلاً وشمولًا، وهي تؤمن أن القصص السودانية المتنوعة والغنية تستحق أن تُروى، وأن دخول المرأة إلى هذا المجال ليس فقط ضرورة فنية، بل خطوة باتجاه تغيير أعمق في المجتمع السوداني نفسه.

وتضيف راوية الحاج إن فكرة فيلمها بدأت من رغبتها في تصوير مدينة تحبها، مدينة أرادت أن تُظهر طبقاتها المختلفة، وأن تقترب من مجتمعها بتفاصيله وذكرياته وتاريخه، لكن الحرب في السودان فرضت نفسها على المشروع، وأصبحت بالنسبة لها مسؤولية لا يمكن تجاهلها، فالحرب ـ كما تقول ـ "حقيقية ومنسية في الوقت نفسه"، وهي واقع يعيش فيه الناس بعيدًا عن الاهتمام الدولي، رغم قسوة ما يجري على الأرض.

وتشير إلى أن الفيلم تحوّل تدريجيًا ليصبح مساحة لظهور الصوت السوداني، صوت الناس العاديين، سواء كان طفلًا سودانيًا أو امرأة سودانية أو رجلًا سودانيًا. كان همّها أن يظهر صوت الشعب نفسه دون أي طبقات سياسية أو أطر تصنيفية أخرى، فالسودانيون يستحقون أن تُروى قصصهم كما هي، وبأصواتهم، ومن قلب الخرطوم تحديدًا، المدينة التي عاشت تحولات عنيفة بسبب الحرب.

نبش في الذاكرة

تقول المخرجة الليبية السورية جيهان إن مقاربتها لصناعة فيلمها لم تنطلق من فكرة "النظرة النسائية" أو من موقعها كامرأة، بل من مسار شخصي وبسيط وعميق في الوقت نفسه، فبالنسبة إليها، كانت البداية مرتبطة برغبتها في فهم والدها والتقرب منه وإعادة اكتشافه بعد سنوات طويلة من الفجوة والغياب، ولذلك، لم تتعامل مع مشروعها كفيلم يُقارب قضايا الهوية أو النوع الاجتماعي، بل كوسيلة لتحريك سؤال شخصي ظل مفتوحًا داخلها: كيف يمكن لطفلة أن تعود إلى والدها عبر الذاكرة والبحث والبناء السينمائي؟

وتشرح أن الفرصة الأولى التي دفعتها إلى البحث جاءت من محاولة إعادة بناء سردية تتعلق بوالدها، فذهبت إلى الذين عرفوه وعايشوه من جيل أصدقائه ومعارفه. وبسبب طبيعة المجتمع الليبي في تلك المرحلة، كانت الغالبية الساحقة من هؤلاء رجالًا، أكثر بكثير من النساء. ومع بداية هذا المسار، شعرت بأنها تقف أمام التجربة من موقع المتلقية، أو الخائفة قليلاً، أو المترددة في كيفية التعامل مع هذه الشخصيات، لكنها بدأت شيئًا فشيئًا تستعيد ثقتها وتعيد تشكيل علاقتها بهذه الرحلة التي اختارت خوضها.

وتقول إنها أجرت ما يزيد على ستين مقابلة، معظمها مع رجال ليبيين عرفوا والدها، وكانت تقترِب منهم بين رغبتها في الإصغاء إلى قصصهم وبين رغبتها في أن تجد عبرهم الخيط الذي يعيد وصلها بوالدها. ومع مرور الوقت، توقفت عن الشعور بأنها "ابنة تبحث عن إجابات فقط"، وبدأت ترى نفسها من موقع آخر: موقع الابنة التي تملك قوة خاصة، وموقع الإنسان الذي يستعيد ذاكرته عبر الآخرين. وقد لاحظت خلال هذه الرحلة أنّ ما كانت تعتقده في البداية نقطة خوف أو هشاشة، تحول لاحقًا إلى نقطة قوة، وأصبح حضورها الأنثوي في هذا السياق حاجزًا يلين المسافات ويخلق علاقة حميمية بين الشهادات التي تستمع إليها وبين الطريقة التي تروي بها القصة.

وترى "جيهان:" أنّ عملها في هذا الفيلم كان عملًا ثلاثيًا: فهي الشخصية الرئيسية أمام الكاميرا، وهي أيضاً المخرجة التي تدير كل هذه القصص وتحمل عبء توجيهها فنياً، وهي كذلك المنتجة التي تتحمل مسؤوليات التخطيط والبحث والتنسيق. وكل مرحلة من هذه المراحل كانت تتطلب منها أن تعود إلى نفسها وإلى جذورها وإلى مخزونها الإنساني لتستطيع أن تقترب من والدها عبر عيون الآخرين.

وتؤكد أنها لم تدخل الفيلم من زاوية كونها امرأة ليبية أو سورية، أو من زاوية تمثيل "هوية نسائية" معينة، بل من زاوية واحدة فقط: أنها ابنة تريد تكريم والدها، وأن الفيلم كان الوسيلة التي شعرت أنها الأنسب لهذا التكريم، أما التصنيفات المتعلقة بالجندر أو الأصل أو الهوية، فقد جاءت لاحقًا في الطبقة الثانية من معنى التجربة، ولم تكن هي الدافع الأساسي ولا المحرك الأول.

وتضيف "جيهان" أن حضورها كامرأة لم يكن غائبًا عن الفيلم، لكنه لم يكن المحور، بل كان حضورًا رقيقًا، يضيف لمسة لطيفة وهادئة من دون أن ينتقص من قوة التجربة أو صعوبتها، وهذه اللمسة الأنثوية لم تكن شيئًا خططت له، بل جزءًا طبيعيًا من تكوينها، ومن طريقة تفاعلها مع العالم، ومع مرور الوقت، اكتشفت أنها بقدر ما كانت تتعلم من هؤلاء الرجال الذين عايشوا والدها، كان كل واحد منهم يتحول بالنسبة لها إلى صورة بديلة: أب أو جد، أو أحد يمثل جزءًا من تاريخ والدها نفسه.

مقالات مشابهة

  • تقرير يوثق أكثر من 40 ألف انتهاك حوثي بحق النساء خلال 10 سنوات
  • طوابير الهجرة تمتد في تل أبيب.. آلاف الإسرائيليين يتدافعون نحو جواز السفر البرتغالي
  • «مناهضة العنف ضد المرأة» تناقش بناء منظومة متكاملة للوقاية والاستجابة
  • بشرى سارة بخصوص جواز السفر لهذه الفئة
  • ياسمين رحمي: المرأة الذكية تعرف كيف تتعامل مع زوجها دون مراقبة
  • مخرجات عربيات يكسرن ثنائية الرجل والمرأة ويعدن التجربة الإنسانية إلى مركز السرد
  • قومي المرأة بالشرقية يطلق حملة الـ 16 يوما لمناهضة العنف ضد النساء
  • اليماحي: يجب التوازن بين الاقتصاد والسياسة والأمن في رسم مستقبل المتوسط
  • »انتصاف« تحذر من أوضاع كارثية في اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة
  • نساء اليمن في مواجهة النزاع والعنف والتمييز