مستقبل مضطرب.. ألغام في طريق سوريا
تاريخ النشر: 31st, December 2024 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
قبل أيام قليلة من نهاية عام ٢٠٢٤، شهدت سوريا حدثًا تاريخيًا غير مجرى الحرب الأهلية المستمرة منذ ١٣ عامًا، حيث سقط نظام الرئيس بشار الأسد إثر استيلاء هيئة تحرير الشام والفصائل السورية المسلحة المعارضة على الحكم في دمشق.
هذه التطورات تمثل نهاية لعهد طويل بدأ فى عام ١٩٧٠ مع والد بشار الأسد، حافظ الأسد، الذى حكم سوريا بقبضة من حديد، وترك النظام عرضة للانتقادات الدولية بسبب سياساته القمعية.
مغادرة بشار الأسد
بعد سقوط النظام، غادر بشار الأسد دمشق، وتوجّه إلى روسيا التي منحته اللجوء الإنساني، مما يمثل نهاية لحقبة حكم الأسد التي استمرت ٢٤ عامًا. هذا التحول قد أدى إلى انفراج فى معاناة ملايين السوريين الذين اضطروا إلى الفرار من البلاد بسبب الحرب.
مرحلة جديدة
انتصار الفصائل المعارضة يعكس تحولًا تاريخيًا فى سوريا، حيث دعت هيئة تحرير الشام إلى حوار وطني يشمل جميع مكونات الشعب السوري، بهدف وضع دستور جديد للبلاد. وقد أعلن أحمد الشرع الجولاني، أن الانتخابات الرئاسية ستستغرق أربع سنوات، مشيرًا إلى ضرورة التوصل إلى حلول مشتركة بعد ١٣ عامًا من الانقسام والحروب الأهلية.
الأوضاع الإنسانية
رغم التغييرات السياسية، تبقى الأوضاع الإنسانية فى سوريا كارثية. تشير التقارير إلى أن هناك حوالى ١٦.٧ مليون شخص فى حاجة إلى مساعدات إنسانية، وهو أكبر رقم منذ بداية الحرب فى ٢٠١١. كما أن التضخم الغذائي قد ارتفع بشكل حاد، فى الوقت الذى تستمر فيه أزمة نقص المواد الأساسية مثل الغذاء والوقود، ما يجعل الوضع الاقتصادي أسوأ.
منذ عام ٢٠١١، كانت الحرب سببًا رئيسيًا فى نزوح أكثر من ١٤ مليون سوري إلى خارج البلاد، ليصبحوا أكبر أزمة لاجئين فى العالم. فى حين يعيش حوالى ٥.٥ مليون سوري فى الدول المجاورة، مثل تركيا ولبنان والأردن، فإن أكثر من ٧.٢ مليون آخرين ما زالوا نازحين داخليًا.
القضايا السياسية والعسكرية
رغم سقوط النظام، لا تزال سوريا تعانى من الانقسامات الداخلية الكبيرة. إذ تسيطر قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي تضم أغلب عناصرها من الأكراد، على أكثر من ٢٠٪ من الأراضي السورية، ما يخلق تحديات كبيرة للحكومة الجديدة التي ستنظم مستقبل البلاد.
ومن جهة أخرى، ما زالت القوات الروسية موجودة فى المناطق الساحلية، بينما لا تزال إسرائيل تحتفظ بوجود عسكري فى الجنوب السوري.
كما أن الولايات المتحدة تواصل دعمها لـ قسد فى شمال شرق سوريا، فى وقت أعلنت فيه إسرائيل عن توسيع نشاطاتها العسكرية، ووجهت ضربات لأهداف عسكرية سورية، خاصة فيما يتعلق بالأسلحة الكيميائية.
يعد سقوط بشار الأسد ضربة استراتيجية لـ إيران وحلفائها، مثل حزب الله اللبناني، الذين يعتبرون سقوط النظام فى سوريا خسارة كبيرة لخطوط الإمداد البرية من إيران إلى لبنان.
أما تنظيم داعش، الذى خسر آخر أراضيه فى سوريا فى ٢٠١٩، فقد بدأ فى الإعلان عن زيادة هجماته فى ٢٠٢٤، وهو ما يزيد من تعقيد الوضع الأمني فى البلاد.
الوضعان الاقتصادي والمالي
فيما يخص الوضع الاقتصادي، يحتاج الاقتصاد السوري إلى نحو ١٠ سنوات للعودة إلى مستويات ما قبل الحرب، وفقًا لتقارير البنك الدولي. فقد فقدت العملة السورية ٨٥٪ من قيمتها خلال السنوات الماضية، ووصل الناتج المحلى إلى ٩ مليارات دولار فى ٢٠٢٣، مقارنة بـ ٦٧.٥ مليار دولار فى ٢٠١١.
وتواجه الحكومة الانتقالية الجديدة تحديات اقتصادية جسيمة، حيث أشار رئيس الوزراء الجديد، محمد البشير، إلى أن خزائن الدولة لا تحتوى على عملات أجنبية كافية، وأن الوضع المالي للبلاد فى غاية السوء.
من جهة أخرى، يعتبر النفط أحد القطاعات الاقتصادية المهمة فى سوريا، حيث كان يُنتج قبل الحرب ٣٨٥ ألف برميل يوميًا. وفى حال تم ترميم حقول النفط، يمكن أن يساهم هذا القطاع بشكل كبير فى دعم الاقتصاد.
التحديات المستقبلية
مستقبل سوريا يواجه عديدًا من التحديات، خاصة مع الانقسامات العرقية والمذهبية المستمرة فى البلاد. يعتبر الأكراد من أبرز القضايا المعقدة، حيث تسيطر قسد على العديد من المناطق الغنية بالموارد الزراعية، الأمر الذى يثير توترات مع تركيا. بينما تتواصل المفاوضات الدولية مع الأمم المتحدة لبحث استقرار المنطقة وسبل إعادة اللاجئين.
كما أن الاقتصاد السوري، الذى يعانى من أزمات معيشية خانقة، يعانى أيضًا من زيادة معدلات الفقر، حيث يُعتقد أن نحو ٦٩٪ من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، وهى نسبة مرشحة للزيادة بسبب الأحداث الأخيرة.
وفى ضوء التغيرات السياسية الكبرى التي تشهدها سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد، يتضح أن البلاد أمام تحديات كبيرة تتراوح بين الأمل فى التغيير الجذري وقلق من استمرار الانقسامات والصراعات.
وبينما هناك من يرى الأفق مضيئًا لتأسيس نظام جديد يحقق السلام والاستقرار، هنالك من يرى أن السيناريوهات الأخرى قد تحمل فى طياتها مزيدًا من التشظى والفوضى.
سيناريوهات محتملة
أول السيناريوهات هو سنياريو الدولة الديمقراطية ويعد هذا السيناريو هو الأكثر تفاؤلًا ويعكس الأمل المشترك لدى العديد من السوريين والمجتمع الدولي. ويقوم على تأسيس دولة ديمقراطية حديثة تتسم بالتعددية السياسية والعدالة الاجتماعية، وتراعى حقوق الأقليات والمكونات الاجتماعية. يشمل هذا السيناريو:
دستور جديد يتوافق مع المعايير الديمقراطية، ويكفل حقوق الإنسان.
انتخابات حرة يتم من خلالها انتخاب الرئيس والبرلمان، مع وجود ضمانات للشفافية والنزاهة.
إعادة بناء العلاقات مع الدول العربية والإقليمية والدولية بشكل يسهم فى تعزيز الاستقرار والأمن.
وحدة البلاد بما يحافظ على تماسك المجتمع السوري رغم تنوعه العرقي والديني.
وتحقيق هذا السيناريو يُعد الأصعب فى ظل الانقسامات الداخلية العميقة والمخاوف من تدخلات خارجية. كما أن بناء الثقة بين الأطياف المختلفة يتطلب وقتًا طويلًا، مع احتمال مقاومة بعض القوى التي استفادت من الوضع الراهن.
السيناريو الثاني هو السيناريو الفيدرالي: دولة ذات حكم ذاتى موسع؛ وفى هذا السيناريو، يتم منح حقوق حكم ذاتي موسع للمكونات الرئيسية فى سوريا مثل السُنة والعلويين والمسيحيين والدروز، مع إنشاء دولة فيدرالية تجمع هذه المكونات تحت سقف واحد. يتم تقسيم البلاد إلى مناطق أو فيدراليات على أسس عرقية وطائفية، مع وجود حكومة مركزية تضمن التنسيق بين هذه المناطق.
ومن الممكن أن يؤدى هذا النظام إلى تعزيز الانقسامات الداخلية وتقوية الحساسيات الطائفية، ما يعيق بناء هوية وطنية شاملة.
كما أن وجود مناطق خاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية فى الشمال الشرقي قد يزيد من تعقيد فكرة الفيدرالية.
السيناريو الثالث.. دولة سنية
وهو سيناريو مستبعد كل المكونات من المجتمع السوري، وهو سيناريو يشكل نواة للتقسيم واستمرار عدم استقرار سوريا فى ظل التنوع الغنى ورفض السوريين إعادة إنتاج جولة ذات رأس "طائفي" فى الحكم.
وإقامة هذا النوع من الدولة قد يؤدى إلى زيادة الاضطرابات الطائفية فى سوريا، ويعزز من التدخلات العسكرية الإقليمية والدولية، ما قد يفاقم الوضع الأمني فى المنطقة.
ويوجد السيناريو التقسيمي ويقترح هذا السيناريو تقسيم سوريا إلى دويلات، وهو يشبه فى بعض جوانبه تصورات برنارد لويس ورالف بيترز، اللذين تحدثا عن إعادة هندسة خرائط المشرق العربي. من خلال هذا السيناريو، يتم تقسيم سوريا إلى مناطق حكم ذاتي عرقية وطائفية مثل:
دولة سنية فى الوسط والشمال.
دولة علوية فى الساحل.
دولة كردية فى الشمال الشرقي.
دولة درزية فى الجنوب.
وتقسيم سوريا قد يؤدى إلى نزاعات دائمة بين هذه الدويلات ويصعب الحفاظ على الاستقرار فى المنطقة. كما أن القوى الدولية ستظل تتحكم فى مصير هذه الدويلات، مما يعيق قدرة سوريا على استعادة سيادتها الكاملة.
إن سقوط نظام بشار الأسد فى سوريا يفتح صفحة جديدة فى تاريخ البلاد، لكنه يعكس أيضًا حجم المأساة التى خلفتها الحرب الأهلية. وعلى الرغم من تطلع الكثيرين إلى نهاية حكم الأسد، فإن البلاد لا تزال تواجه العديد من الأزمات السياسية، العسكرية والاقتصادية التي ستحدد مستقبل سوريا لسنوات قادمة.
من المؤكد أن مستقبل سوريا سيظل مرتبطًا بتفاعلات معقدة على المستوى الداخلي والخارجي. بينما تبقى السيناريوهات الإيجابية، مثل الدولة الديمقراطية أو الفيدرالية، أملًا بعيد المنال فى ظل التعقيدات الحالية، فإن التحديات التي قد تطرأ من التقسيم أو التجربة الجهادية تظل ماثلة. تبقى الأيام المقبلة حاسمة فى تحديد أي من هذه السيناريوهات سيكون الأكثر احتمالية.
471749738_8264083207026237_640397147899882452_nالمصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: سوريا الحرب الأهلية هيئة تحرير الشام الفصائل المسلحة أحمد الشرع الجولاني هذا السیناریو بشار الأسد فى سوریا کما أن
إقرأ أيضاً:
قيادي بمستقبل وطن: كلمة الرئيس تعكس التضحيات التي تقدمها مصر من أجل القضية الفلسطينية
قال المهندس تامر الحبال، القيادي بحزب مستقبل وطن ، إن كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي اليوم حول الوضع في قطاع غزة جاءت حاسمة وواضحة، ووضعت النقاط فوق الحروف في مواجهة كل من يشكك أو يحاول المزايدة على الدور المصري تجاه القضية الفلسطينية، مشددًا على أن ما قاله الرئيس يعكس بصدق حجم الألم والتحدي والتضحية التي تقوم بها الدولة المصرية من أجل شعب شقيق يتعرض لحرب إبادة حقيقية منذ أكتوبر الماضي.
وأضاف الحبال في تصريحات صحفية له اليوم، أن حديث الرئيس كشف للمصريين والعالم حجم الضغوط التي تتحملها الدولة المصرية، سواء على الصعيد السياسي أو الإنساني أو الأمني، من أجل استمرار تدفق المساعدات إلى غزة رغم محاولات التشويه والتشكيك التي تصدر من أطراف معروفة الأهداف والنوايا، مؤكدًا أن الرئيس تحدث من منطلق القائد المسؤول لا الباحث عن شعبية أو مكاسب آنية، وقدم خطاب دولة لا شعارات تيارات.
وأوضح أن إشارات الرئيس لرفض مصر الكامل لأي محاولات لتصفية القضية أو تهجير الفلسطينيين عبر سيناء، كانت بمثابة الرد النهائي على كل من حاول ترويج أكاذيب أو توريط القاهرة في صفقات مشبوهة. مشيرًا إلى أن مصر تصر على أن تكون الأرض الفلسطينية لأهلها، و بقاء الفلسطيني فوق ترابه لا تهجيره.
ولفت الحبال إلى أن الرئيس قدّم كشف حساب واضح أمام المصريين عن الجهود التي تقوم بها الدولة بكل مؤسساتها، بدءًا من القوات المسلحة ومرورًا بالهلال الأحمر المصري وصولًا إلى مؤسسات المجتمع المدني، التي تعمل ليل نهار من أجل إيصال الغذاء والدواء للمحاصرين في القطاع، رغم المخاطر والتهديدات المستمرة على الأرض.
وأشار إلى أن ما قاله الرئيس اليوم بشأن إدخال أكثر من ٥٠٪ من حجم المساعدات التي تصل إلى غزة عبر مصر، وأن القاهرة هي المعبر الإنساني الحقيقي، هو بمثابة صفعة في وجه الحملات الممولة التي تحاول تزييف وعي الشعوب العربية وشيطنة الدور المصري في ملف غزة.
وشدد الحبال على أن كلمة الرئيس كانت ضرورية في هذا التوقيت، خاصة بعد حملات تشويه منظمة تمس الثوابت المصرية، وتشكك في نواياها رغم ما قدمته وتقدمه منذ عقود، لافتًا إلى أن من يدقق في مضمون الكلمة سيجد أنها نابعة من وجع حقيقي وحب عميق لفلسطين وشعبها، ولكنها أيضًا نابعة من حرص لا يقل على أمن مصر واستقرارها.
وأكد القيادي بحزب مستقبل وطن أن ما تقوم به مصر حاليًا يتطلب من الجميع الدعم والمساندة، لا التثبيط أو الاتهام، موضحًا أن من لا يرى الدور المصري في غزة فهو إما جاحد أو جاهل.