حمّور زيادة
صرّح متحدّث باسم الجيش السوداني، في 22 إبريل/ نيسان 2023، بأن هناك تهويلا للحالة الإنسانية في الخرطوم. وقتها (بعد أسبوع من اندلاع حرب السودان)، لم تكن الأمور قد بلغت السوء الحالي. وما كانت الحرب قد انتشرت في مساحة تتجاوز منطقة وسط الخرطوم المركزية، وبعض المناطق العسكرية إلا قليلاً. لم يكن النزوح الكبير قد بدأ.
في تلك الأيّام، كان "الخبراء الاستراتيجيون والعسكريون" الموالون للجيش يؤكّدون أن الحرب قد انتهت، وإنْ هي إلا ساعات، أو بضعة أيّام على أسوأ الفروض، حتى يقضي الجيش على ما تبقّى من "جيوب" قوات الدعم السريع. أما قائد "الدعم السريع" فقد اتصل بالقنوات التلفزيونية ليطالب قائد الجيش (المحاصر وقتها) بالاستسلام، ويتوعّده ومجلسه العسكري بالإعدام. ... في تلك الأيّام، وصف وزير المالية ما يحدث بأنه سحابة صيف.
هناك طمأنينة واضحة في تصريحات قادة الجيش وحلفائهم، تصرّ على أن كلّ شيء تحت السيطرة. طمأنينة تكاد تصل إلى حدّ الاستخفاف بمعاناة المواطنين. منذ اليوم الأول، وحتى هذه اللحظة بعد مرور 630 يوماً، وما خلا حالات متفرّقة، لم يهتم الجيش بتيسير حياة المواطنين في أثناء الحرب. فلا توجد عمليات إجلاء من مناطق العمليات إلا حوادث نادرة، آخرها قبل أيام. أما النازحون الذين تفرّقوا داخل البلاد فواجهتهم مشاكل توفير أماكن سكن ملائم وفرص عمل. ومن استقبلتهم الدولة في المدارس أخلوا منها، وبعضهم بالقوة الجبرية. أمّا المدارس فأعلنت السلطات العسكرية عن العام الدراسي في مناطق سيطرتها، بينما حذّرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) من أن 17 مليون طفل سوداني أصبحوا خارج التعليم بسبب الحرب.
ومع موجة نزوح وصفها في ديسمبر/ كانون الأول 2023 المتحدّث باسم الأمين العام للأمم المتحدة بأنها "أكبر موجة نزوح في العالم"، تجاوز عدد النازحين 12 مليون مواطن في نهاية ديسمبر 2024، حسب إحصاء المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. وتحذّر الأمم المتحدة منذ اليوم الأول للحرب من خطورة الوضع الغذائي في البلد المُنهك، وأعلنت الأسبوع الماضي أن أكثر من 60% من سكّان السودان بحاجة إلى مساعدات إنسانية. لكن الجيش يكرّر عبر قائده ووزراء حكومته أن لا مجاعة في السودان، بل يكرّر البُشرَيات بالموسم الزراعي الناجح، والاكتفاء الذاتي من الدقيق المصنّع محلّياً، وغيرها من إنجازات لم تُحقَّق في عهد السلم. لكن تحاول بورتسودان أن تقنع العالم بأنها حقّقتها في وقت الحرب. هذا مع الاتفاق على إنشاء مبانٍ حكومية فخمة، ومطارات، في مناطق سيطرة الجيش.
إنه يوم عمل عادي. لا يعكّره إلا معاناة المواطنين. لكنّ هذا أمر لا يشغل السلطة العسكرية، مثلها مثل خصمها "الدعم السريع"، التي تكتفي بإنكار كلّ الانتهاكات التي يرتكبها منسوبوها، أو تعليقها على رقبة "الفلول والمتفلّتين". من تتبرّأ منهم "الدعم السريع" هم قادتها وجنودها، الذين ما وطئوا مكاناً إلا أهانوا أهله، وأذلوهم، وارتكبوا فيهم من الانتهاكات ما يرقى لجرائم الحرب بلا جدال.
تتراجع "الدعم السريع" عسكرياً، فيزيد بطشها وانتقامها من المواطنين، ثمّ يخرج قائدها ليعتذر عن "التجاوزات"، ويعد بالتحقيق، ثمّ يؤكّد (قبل أي تحقيق) براءة قواته، ويستعطف الناس أنّ تحميله ذنب هذه الانتهاكات ظلم (!)، تحاول "الدعم السريع" إقناع العالم بأنها قوة ثورية، محاربة من أجل الحرّية. وهي محاولة بائسة، من الصعب أن تنجح بعد عقود من الانتهاكات في دارفور، وبعدما أضاع قائد "الدعم السريع" أكثر من فرصة للمصالحة بالمشاركة في فضّ اعتصامات المحتجّين في 2019، ثمّ المشاركة في الانقلاب العسكري في 2021، وأكّدها بالحرب وانتهاكاتها، لكنّه يحاول التملّص من هذه الجرائم ليعلّقها على رقبة حليفه القديم قائد الجيش.
هكذا يدير الجيش ما تحت يده من البلاد، كأنّما هو مُجرَّد يوم عمل آخر. وتنكر "الدعم السريع" جرائمها بينما تتقطر يداها دماً، كما كانت تفعل دائماً منذ عهد مذابح دارفور. أمّا المواطنون، الضحايا والوقود غير الطوعي للحرب، فيحاولون النجاة، وحدهم من دون معين.
نقلا عن العربي الجديد
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الدعم السریع
إقرأ أيضاً:
تحوّل استراتيجي شمال السودان.. الدعم السريع يسيطر على «المثلث» الحدودي مع مصر وليبيا
أعلنت قوات الدعم السريع السودانية، سيطرتها الكاملة على منطقة “المثلث” الاستراتيجية، الواقعة عند نقطة التقاء حدودية حساسة تربط السودان بليبيا ومصر، في تطور عسكري يُعد من أبرز التحولات الميدانية على جبهة الشمال.
وفي بيان رسمي، وصفت “الدعم السريع” هذا التقدم بأنه “اختراق نوعي” له تبعات استراتيجية على عدة محاور قتالية، وخاصة في عمق الصحراء الشمالية، معتبرةً أن “تحرير المنطقة يعزز جهود مكافحة الهجرة غير النظامية والاتجار بالبشر عبر الحدود الشمالية للسودان”.
معارك خاطفة.. وتقهقر العدو
ووفق البيان، فإن القوات نفذت عمليات “خاطفة وحاسمة” ضد من وصفتهم بـ”مليشيات الارتزاق وكتائب الإرهاب”، مؤكدة أن هذه المواجهات أسفرت عن انسحاب قوات العدو جنوباً بعد “خسائر فادحة في الأرواح والمعدات”، إضافة إلى الاستيلاء على عشرات المركبات القتالية.
وأضافت أن سكان المنطقة احتفلوا بالنصر وعودة الأمن والاستقرار، فيما اعتبرته “تأييداً شعبياً واسعاً لخطوات قوات الدعم السريع في تحرير الحدود وتأمينها”.
أهمية استراتيجية واقتصادية
وأشار البيان إلى أن منطقة “المثلث” ليست فقط نقطة تماس حدودي، بل تشكل حلقة وصل لوجستية وتجارية بين شمال وشرق إفريقيا، وتزخر بـ”موارد طبيعية هامة من النفط والغاز والمعادن”، مما يزيد من أهميتها الاقتصادية والسياسية في قلب النزاع الإقليمي.
كما أكدت القوات أن “الانفتاح على محور الصحراء الشمالي يمثل تحولاً في التمركز الدفاعي والهجومي”، معتبرةً أن هذه الخطوة ستُضعف نفوذ الجماعات المتحالفة مع الجيش السوداني، على حد تعبير البيان.
تبادل الاتهامات.. الجيش السوداني يرد
في المقابل، اتهم الجيش السوداني قوات الدعم السريع بشن الهجوم على “المثلث” بدعم مباشر من وحدات من الجيش الليبي التابع للمشير خليفة حفتر.
وقال الجيش، في بيان له الثلاثاء، إن ما حدث هو “اعتداء سافر على السيادة السودانية، واختراق واضح للقانون الدولي”، محذراً من “تصعيد إقليمي غير محسوب العواقب”.
خلفيات النزاع وتداعياته
تشهد منطقة “المثلث” الحدودية منذ أسابيع توترات متصاعدة بين قوات الجيش السوداني والدعم السريع، وسط تقارير عن تدفقات سلاح ومقاتلين من خارج الحدود، ما يعكس تعقيد الأزمة السودانية وتشابكها مع الأجندات الإقليمية، لا سيما في ظل فراغ أمني مستمر على امتداد الحدود مع ليبيا.
ويُخشى أن يُسهم التصعيد الأخير في زيادة رقعة النزاع وتحويله إلى صراع متعدد الأطراف، خاصة مع الاتهامات المتبادلة بين الخرطوم وطرابلس، واستمرار تدفق الأسلحة والمرتزقة عبر الحدود.
مراقبون: المثلث “أكثر من مجرد موقع”
ويرى محللون أن منطقة المثلث تمثل شرياناً جغرافياً بالغ الأهمية لأي طرف يسعى للسيطرة على شمال السودان، إذ تربط بين الممرات التجارية الإفريقية، وتُمكّن القوات المتمركزة فيها من فرض نفوذها على طرق التهريب التقليدية، وتأمين ممرات استراتيجية إلى أوروبا عبر ليبيا.
ويُتوقع أن تفرض هذه التطورات ضغوطاً إضافية على المجتمع الدولي، لا سيما المنظمات الإقليمية والاتحاد الإفريقي، الذي قد يجد نفسه مدفوعاً إلى التحرك الدبلوماسي العاجل لاحتواء النزاع قبل أن يمتد إلى ما وراء حدود السودان.
آخر تحديث: 11 يونيو 2025 - 16:41