حصاد 2024 في اليمن.. نُذر حرب وشيكة وأزمات اقتصادية وانسانية وكوارث طبيعية (تقرير)
تاريخ النشر: 5th, January 2025 GMT
كان العام 2024 امتداد لمآسي اليمنيين بما فرضه من تحديات بداية من الأوضاع الإنسانية الكارثية التي خلفتها الحرب مرورا بالكوارث الطبيعية ووصولاً للأوضاع الاقتصادية وما أفضت إليه من واقع صعب وتحديات جسيمة القت بثقلها على كاهل الناس.
الانتهاكات والمعاناة الإنسانية
ودع اليمنيون عاما حافلا بالانتهاكات والمعاناة الإنسانية حيث وثق تقرير حقوقي رسمي أكثر من الفين واقعة انتهاك حقوقي خلال العام 2024.
وقالت اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان في تقرير لها مع بداية العام الحالي أن 657 مدنياً قُتِلوا أو جُرِحوا في 564 واقعة استهداف، وكان عدد القتلى 214 فرداً، بينهم 27 طفلاً و6 نساء، أما الجرحى فبلغ عددهم 443، منهم 74 طفلاً و52 امرأة.
آفاق اقتصادية قاتمة
شهد العام 2024 تفاقما للأزمة الاقتصادية وزادت الأوضاع تردياً مع تصاعد الحرب.
وذكر البنك الدولي في تقرير له أن الآفاق الاقتصادية لليمن لعام 2025 قاتمة بسبب استمرار الصراع محذراّ من انزلاقها إلى أزمة انسانية واقتصادية أشد خطورة في ضل استمرار التحديات والانقسام السياسي وتصاعد التوترات الإقليمية.
انهيار سعر العملة
وخلال العام الماضي انخفض سعر العملة انخفاضا كبيرا حيث تجاوز حاجز الألفين ريال مقابل الدولار الأمريكي وهو ما زاد تفاقم الأوضاع المعيشية لغالبية المواطنين وانعكس سلباً على القدرة الشرائية لهم مع تناقص قيمة الرواتب وارتفاع الأسعار وانزلاق شريحة واسعة إلى خانة الجوع، وما ترتب على ذلك من اندلاع احتجاجات شعبية عارمة في عدد من المدن وخروج الناس في العديد من الشوارع للمطالبة بتحسين الأوضاع الاقتصادية وصرف الرواتب ومعالجة انهيار العملة.
توقف تصدير النفط
الخسائر الاقتصادية فاقمها توقف الصادرات النفطية منذ أواخر 2022 في كل من شبوة وحضرموت عقب هجمات الحوثيين على موانئ تصدير النفط ما أدى إلى تجفيف المصادر الحكومية المستدامة من النقد الأجنبي.
وفي أكتوبر الماضي ذكر محافظ البنك المركزي اليمني أن اليمن خسرت 6 مليارات دولار جراء توقف تصدير النفط منذ عامين.
وأضاف محافظ البنك المركزي أن هذه الظروف «أدت إلى زيادة معاناة الشعب وتدهور متسارع في الأوضاع وانعدام الأمن الغذائي، وانعدام القدرة على توفير الخدمات الأساسية، وزيادة معدلات الفقر لتتجاوز أكثر من 80 في المئة».
كارثة السيول
ظلت السيول كابوساً مهدداً لملايين اليمنيين حيث ضربت مناطق أبرزها صنعاء، وشبوة والبيضاء وإب والحديدة وتعز إلى جانب مناطق أخرى. ووصل عدد المتضررين من السيول إلى 350 ألف شخص وفق المنظمة الدولية للهجرة التي أوضحت أن الأزمة التي خلفتها الفيضانات أدت إلى تفاقم أزمة النزوح الداخلي.
فيما أشارت تقارير حكومية إلى مصرع نحو 190 شخصاً وإصابة مئات آخرين جراء السيول والصواعق الرعدية المصاحبة خصوصاً من يعيشون في مخيمات النزوح.
وتسبّبت الفيضانات بتدمير منازل ونزوح آلاف الأسر وألحقت أضرارا بالبنية التحتية الحيوية بما في ذلك المراكز الصحية والمدارس والطرق.
ومع استمرار المعاناة في اليمن التي صنفتها السلطات بالمنكوبة تتجدد المعاناة خصوصا مع دخول فصل الشتاء حيث تحولت مياه الأمطار إلى كابوس يؤرق سكان المدن بسبب الأضرار الكارثية التي قد تتسبب بها في ضل تهالك البنية النحتية وعدم استعداد اليمن لهكذا كوارث.
مؤشرات عودة الحرب
مؤشرات كثيرة لإمكانية استئناف الحرب في اليمن حملها العام 2024 كان أبرزها هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، وتأكيد الجماعة الاستمرار في هذه الهجمات، وكذا تواصل الغارات الأميركية والبريطانية والإسرائيلية على مناطق الحوثيين.
ويؤكد خبراء د إن هذه الغارات كان لها تداعيات كبيرة حيث أدى استهداف منشآت اقتصادية حيوية إلى إلحاق أضرارا كبيرة بالبنية التحتية للاقتصاد الوطني بالإضافة للأضرار البشرية المعلن عنها من القتلى والجرحى.
كما أثرت الهجمات بشكل كبير على حركة تدفق السلع عبر ميناء الحديدة، ويتوقع مع استمرارها تعميق معاناة المواطنين الذين يتحملون الثمن الأكبر لأي نزاع.
في النهاية يمكن القول إن العام 2024 شهد استمرار للأزمات والتحديات في اليمن من دون إحراز أي تقدم في مسار حل الأزمة أو تحسين في الأوضاع الاقتصادية والإنسانية وكما أشار المبعوث الأممي إلى اليمن فإن اليمن لا يزال أبعد ما يكون عن الخروج من الأزمة محذراً من تداعيات استمرارها على اليمنيين.
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: اليمن الحكومة الحوثي اقتصاد صراع العام 2024 فی الیمن
إقرأ أيضاً:
العراق: عن هشاشة الدولة التي لا يتحدث عنها أحد!
تتباين التقييمات المتعلقة بالاقتصاد العراقي، حسب اختلاف مصادرها سواء كانت تقارير دولية، أو تصريحات وأرقام رسمية عراقية (في حال توفرها طبعا، فثمة عداء تاريخ بين المؤسسات العراقية وحق الوصول إلى المعلومات) حتى ليبدو الأمر وكأننا نتحدث عن دولتين مختلفتين!
فلو راجعنا موقع البنك المركزي العراقي، سنجد أن آخر تقرير عن الاستقرار المالي يعود إلى عام 2023، وإلى نهاية الشهر الخامس عام 2025، ولم يصدر تقرير الاستقرار المالي لعام 2024!
كما لم يصدر حتى اللحظة التقرير الخاص بالفصل الأول من عام 2025 الخاص بـ«الإنذار المبكر للقطاع المصرفي». لكن مراجعة التقرير الخاص بالفصل الرابع عام 2024 تكشف انخفاض صافي الاحتياطي الأجنبي بنسبة (10.2٪) حيث بلغ 103.8 ترليون دينار عراقي بعد أن كان 145.6 تريليون دينار عراقي نهاية الفصل الرابع عام 2023، ولم يقدم البنك تفسيرا لأسباب هذا الانخفاض، بل اكتفى بالقول إن «النسبة بقيت إيجابية ومؤثرة لأنها أعلى من النسبة المعيارية المحددة بنسبة 100٪»!
يشير التقرير أيضا إلى أن الدين الداخلي حقق نموا في الفصل الرابع من العام 2024 بنسبة 17.0٪ مقارنة بذات الفصل من العام 2023، ليسجل 83.1 ترليون دينار عراقي (حوالي 63 مليار دولار) بعد أن كان 70.6 ترليون دينار (53.48 مليار دولار) في الفصل الرابع من العام 2023. وأن نسبة هذا الدين بلغت 53.92٪ من إجمالي الدين العام، فيما انخفض معدل الدين الخارجي في هذا الفصل بنسبة 2.9٪ مقارنة بذات الفصل من العام 2023، وشكل الدين الخارجي 46.08٪ من إجمالي الدين في هذا الفصل (مقارنة الدين الخارجي هذه بالأرقام التي أطلقها الناطق الرسمي باسم الحكومة العراقية والذي تحدث عن انخفاض الدين الخارجي الى 9 مليارات دولار فقط تبيّن الاستخدام السياسي لهذه الأرقام)!
أما بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي، فيشير التقرير إلى أنه قد سجل ارتفاعا في الفصل الرابع من العام 2024 ليبلغ 95.6 ترليون دينار عراقي بالأسعار الجارية، مسجلا نموا بنسبة 7.5٪ مقارنة بذات الفصل من عام 2023، إذ كان يبلغ 88.9 ترليون دينار. ويقدم التقرير سببا وحيدا لهذا النمو وهو «نتيجة ارتفاع الإنفاق الحكومي بنسبة تجاوزت 30٪ خلال ذات الفترة»! ولكن التقرير لا يقدم لنا أي معلومة أو تفسير لأسباب هذا الارتفاع غير المفهوم للإنفاق الحكومي، وإذا ما كان مرتبطا بتحقيق الاستقرار الاقتصادي والنمو المستدام، أم مرتبط بسياسات ارتجالية ذات أهداف سياسية بحتة، فارتفاع الإنفاق الحكومي قد يكون في أحيان كثيرة دليل على الفشل وليس النجاح، خاصة إذا أدى الى عجز أو ارتفاع الدين العام وزيادة معدلات الفساد!
أما فيما يتعلق بالتضخم، فتقرير العام 2023 «الإنذار المبكر للقطاع المصرفي» ينبهنا إلى الانخفاض في نسب التضخم إلى آلية حساب تلك النسبة، إضافة إلى تغيير سنة الأساس من احتساب الرقم القياسي للأسعار من 2012 إلى 2022، وبالتالي نحن أمام أرقام خادعة تماما فيما يتعلق بحساب نسب التضخم وذلك لارتفاع نسبة التضخم في العام 2022 قياسا إلى العام 2012.
واعتمادا على ذلك فقد سجل معدل التضخم في الفصل الرابع من عام 2024 (2.8٪) بعد أن كان 3.5٪ في الفصل الثالث من ذات العام، لينتهي إلى أن هذا يدل على «وجود استقرار في المستوى العام للأسعار»، من دون أن يقارن ذلك مع معدل التضخم في الفصل الرابع من العام 2023 وفقا لمنهجية التقرير! ولكن الترسيمة المصاحبة تقول شيئا مختلفا تماما، فقد سجل الفصل الأول من العام 2024 تضخما بنسبة 0.8٪، ليرتفع هذا المعدل في الفصل الثاني إلى 3.3٪، ثم ليرتفع إلى 3.5٪ في الفصل الثالث، وبالتالي فإن الانخفاض الذي سجله الفصل الرابع الذي عده التقرير دليلا على «الاستقرار في المستوى العام للأسعار» تنقضه تماما هذه الأرقام، وتكشف عن معدل تضخم وصل في الفصل الرابع إلى 3.5 أضعاف معدل التضخم في الفصل الأول، وهو دليل على عدم استقرار المستوى العام للأسعار!
وبدلا من أن تدق هذه الأرقام ناقوس الخطر حول الوضع المالي، أعلنت الحكومة العراقية في جلستها يوم 15 نيسان 2025، تخويل وزارة المالية سحب مبالغ الأمانات الضريبية التي لم يمض عليها خمس سنوات، وهي تزيد على 3 ترليونات و45 مليار دينار عراقي لتمويل وتسديد رواتب شهر نيسان والأشهر اللاحقة، ويعني هذا عمليا أنها قد أضافت إلى موازنتها المقررة مبلغا يزيد على 2.6 مليار دولار، وأنها أضافت دينا داخليا إضافيا إلى إجمالي الدين العام بمبلغ يزيد على 2.6 مليار دولار دون سند قانوني، وأنها خالفت قانون الموازنة وقانون الإدارة المالية للدولة!
على الجانب الآخر أصدر صندوق النقد الدولي يوم 15 أيار 2025 البيان الختامي لخبراء الصندوق في ختام مشاورات جرت في بغداد وعمان. وكان من بين التوصيات أن على العراق اتخاذ تدابير عاجلة للمحافظة على الاستقرار المالي.
فالتقرير يتوقع أن يتراجع الناتح المحلي الاجمالي للعراق الى نسبة 2.5٪ في العام 2014، وهو ما يتناقض مع الأرقام التي قدمها البنك المركزي! ويرجع التقرير إلى التباطؤ في الاستثمار العام، وفي قطاع الخدمات، فضلا عن زيادة الضعف في الميزان التجاري، وبالتالي لا أحد يعرف أين يذهب هذا الحجم الكبير من الإنفاق العام الذي أشار اليه البنك المركزي العراقي.
لكن تقرير صندوق النقد الدولي يتورط باعتماد الرقم الرسمي العراقي المتعلق بنسبة التضخم، دون أن ينتبه إلى مغالطة الأرقام!
والتقرير يشرح أسباب تراجع الوضع المالي وانخفاض الاحتياطي الاجنبي، فيؤشر على أن العجز المالي للعام 2014 بلغ 4.2٪ من إجمالي الناتج المحلي، مقارنة بنسبة 1.1٪ في العام 2023. وهو يعزو أسباب ارتفاع الإنفاق الحكومي إلى الارتفاع في الأجور والرواتب (بسبب سياسات التوظيف المرتبطة برشوة الجمهور) ومشتريات الطاقة، وليس إلى تحقيق الاستقرار الاقتصادي والنمو المستدام. ويتوقع التقرير أن يتباطأ الناتج المحلي الاجمالي عام 2025، فضلا عن انخفاض الاحتياطات الأجنبية!
أما بالنسبة لأولويات السياسات المطلوبة تبعا لصندوق النقد الدولي، فيقينا أن لا يلتفت إليها أحد في العراق؛ ولن توقف الحكومة الحالية التوسع الكبير في الإنفاق الحكومي والمالية العامة، أو تقوم بفرض ضرائب انتقائية على الاستهلاك أو زيادتها، لاسيما أننا في موسم انتخابات، بل بالعكس هو ما سيحدث!
وستبقى سياسات التوظيف قائمة لأنها أداة رئيسية لرشوة الجمهور ووسيلة لصنع الجمهور الزبائني، وبالتالي لن يتوقف ارتفاع الدين العام، تحديدا الدين الداخلي، لتمويل العجز، ولن تفكر أي حكومة في إصلاح ضريبة الدخل، أو الحد من الاعفاءات الضريبية، أو تحسين الجباية فيما يتعلق بالخدمات، أو فرض ضريبة مبيعات، أو الحد من التوظيف في القطاع العام، أما مكافحة الفساد، او الحد منه، فهو أمر مستحيل، لأن الفساد في العراق أصبح فسادا بنيويا، وبات جزءا من بنية النظام السياسي، وجزءا من بنية الدولة نفسها، والأخطر من ذلك أنه تحول إلى سلوك بطولي في المجتمع العراقي!
القدس العربي