مقدمة لدراسة صورة الشيخ العربي في السينما الأمريكية «10»
تاريخ النشر: 5th, January 2025 GMT
نجد مثالاً للدلالة السِّياسية لكلمة «شيخ» فـي المجتمعات العربيَّة لغاية اليوم إذ يكون معناها: رئيس القبيلة أو زعيمها بما فـي ذلك الفخيذة، والتَّميمة، والعشيرة. وهذا المعنى السِّياسي والاجتماعي للمفردة نجده كذلك فـي الأدبيَّات الإنجليزيَّة ذات العلاقة بالشَّأن العربي، حيث نجد فـي تلك المصادر أن «الشَّيخ القَبَليّ يختارُه كبار السِّن فـي العشيرة من المنتمين إلى العائلات النَّافذة»، وعلى الشَّيخ أن يكون «رجلاً ذا حساسيَّة مرهفة، مُتَعَقِّلاً، ومُتَجَمِّلاً، وواطد العزم، وعمليَّاً.
وفـي الحقيقة، فإن الأمر يتجاوز ما هو موجود فـي مختلف جوانب الحياة العربيَّة إلى غيرها حين يتعلق الأمر بالدَّلالة، وخاصة فـي تعامل العربيَّة والعرب المعاصرين بقاموس المفردات الأجنبيَّة التي تمسُّ حياتهم وعلاقاتهم بصورة مباشرة؛ فعلى سبيل المثل، حين يتعلق الأمر بالكونغرس (congress) فـي الهيئة التشريعيَّة الاتحادية العليا فـي الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة، فإن مفردة” “Senate” تصير فـي العربيَّة «مجلس الشُّيوخ الأمريكي». واللقب الإنجليزي (Senator)، لدى وروده فـي الوثائق الرَّسمية والأدبيَّات الإعلاميَّة العربيَّة، إما أن يُنَقْحَر هكذا: «سيناتور»، أو يُعَرَّب هكذا: «عضو مجلس الشُّيوخ الأمريكي» أو «عضو فـي مجلس الشُّيوخ الأمريكي».
والحقيقة أن المعاني المختلفة والَّدلالات المتعدِّدة لمفردة «شيخ» العربيَّة قد تدبَّرت أمرها فـي جعل الأمر ملتبساً ومُلغِزاً، بل وأحياناً مثيراً للغيظ الضِّمني، لدى العديد من الكُتَّاب، والإعلاميين، والموظَّفـين الرَّسميين الأجانب العاملين فـي مختلف الدَّوائر فـي المنطقة العربيَّة، والرَّحالة، بل وحتى المستشرقين المحترِفـين والمخضرمين، ها هو ديفِد هولدِن David Holden، على سبيل المثال لا الحصر، وبعد أن يقدَّم ويشرح ألقاباً رسميَّة متداولة فـي الحياة السياسيَّة العربيَّة، وذلك من قبيل «السُّلطان»، و«الشَّريف»، و«الأمير»، و«النّائب» بثقة كبيرة ومعرفة حقيقيَّة، يسقط فـي يده فـيشتكي فجأة من انه «ربما يكون «الشَّيخ» هو «المخلوق» (creature) [هكذا!] الأكثر التباساً فـيهم جميعاً (2). وهو يشرح ذلك بالقول إن «الشَّيخ» قد يكون رجلاً عجوزاً أهَّلته سنوات عمره وحكمته لنيل الاحترام، أو قد يكون شخصاً رفـيع المقام الدِّيني، أو زعيماً قبليَّاً، أو هو مزيج من أولئك الثلاثة جميعاً، وسلطته قد تعادل كل شيء أو لا شيء» (3). أما إلِزَبِث وارنوك فـيرنيا Elizabeth Warnock Fernea وروبرت أي فـيرنيا Robert A. Fernea، اللذان درَّسا لوقت طويل فـي جامعة تكسَسْ فـي أوستن، ونشرا العديد من البحوث والكتب حول جوانب مختلفة من الحياة العربيَّة، فإنهما، فـي الواقع، يعبران عن نفس الحيرة والتَّردد حين يقولان إن الشُّيوخ «مختصُّون بجوانب من الشؤون الدينيَّة والحياتيَّة» (4). وكتَّاب غربيون غيرهما، مثل ساندرا ماكيْ Sandra Macey هذه المرَّة، فإنهم يؤثِرون السَّلامة المفهومة حين يشيرون إلى الشَّيخ على انه «زعيمٌ قبليٌّ» (5). غير أن مفردة «شيخ» قد ظهرت أيضاً فـي بعض من السياقات والكتابات الغربيَّة أخرى بصورة شائقة بلا أدنى شك؛ فها هو إدوَرد جي باينغ Edward J. Byng، على سبيل المثال، يفتح عيوننا على أن «القُضاة فـي «العهد القديم» كانوا، ببساطة، شُيوخ البدو اليهود» (6). أما كتَّاب آخرون، مثل أي كور A. Cour، فـيقولون إن «الشَّيخ» هو «مصطلح مخاطَبَة مُهَذَّب وعلامة على الاحترام» يُمنح، ضمن عدد من المستحقين، «للمُعَلِّمين، والعلماء، ورجال الدِّين بغض النَّظر عن العمر، ولكل الأشخاص الذين يحظون بالاحترام فـي مواقعهم على ضوء أعمارهم وأخلاقهم» (7). وفـي الحقيقة فإن هذا يقارِب ما هو وارد فـي العديد من اللهجات العربيَّة، كالمتداولة فـي بلدان الخليج العربي؛ فمع احتفاظ المفردة بمعناها الرَّسمي ومعاييرها البروتوكوليَّة فـي الدَّوائر المعنيَّة بذلك، إلا ان المناداة بلقب «شيخ»، أو «شيخي»، أو «شيخنا»، يمكن أيضاً أن تكون نوعاً من أنواع الانبساط، والتَّودُّد، وكسر الحواجز، والمجاملة، والتلطُّف غير المبني على استحقاق رسمي للقلب؛ وبالتالي فإن التَّلفظ به من باب الدَّماثة، والكياسة العابرة غير ملزَم وغير ملزِم. وإلى هذا فإن الأدبيَّات الإنجليزيَّة الأكاديميَّة والعامَّة لا تميِّز بين «الشُّيوخ» (وهم فـي عادة العربيَّة المعاصرة الزعماء القبليُّون وأهل الحل والعقد، والأمر والنهي، فـي مُنْجَمَعٍ عربي ما) و«المشايخ» (وهم فـي الغالب رجال الدِّين أو علمائه فـي المُنْجَمَعات العربيَّة/ الإسلاميَّة)، مع أن المفردتين قابلتان للتَّبادل.
--------------------------
(1): Ira Lapidus, A History of Islamic Societies (Cambridge: Cambridge University Press, 1991), 14.
كما هو معلوم فإن المعنى السيَّاسي الذي يذهب إليه المؤلف أعلاه قد أصبح وراثيَّاً فـي وقت لاحق.
(2): فـي الإنجليزيَّة المعاصرة تعني كلمة “creature” «مخلوق» غير آدمي فـي الغالب.
(3): David Holden, Farewell to Arabia (London: Farber and Farber, 1966), 31.
(4): Elizabeth Warnock Fernea and Robert A. Fernea, The Arab World: Personal Encounters (New York: Anchor, 1985), 82.
للاستزادة فـي هذا الشَّأن، انظر أيضاً للمؤلِّفة الأولى:
Elizabeth Warnock Fernea, Guests of the Sheik: An Anthography of an Iraqi Village (New York: Knopf Doubleday Publishing Group, 1995).
(5): Sandra Mackey, The Saudis: Inside the Desert Kingdom (New York: Meridian, 1987), 112.
(6): Edward J. Byng, The World of the Arabs (Boston: Little, Brown and Co., 1944), 45.
(7): A. Cour, “Shaikh,” in Shorter Encyclopedia of Islam, ed., H. R. Gibb and J. H. Kramers (Ithaca: Cornell University Press, 1953), 519.
عبدالله حبيب كاتب وشاعر عماني
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: ة العربی
إقرأ أيضاً:
حسن حسني.. 5 سنوات على رحيل جوكر السينما المصرية
حسن حسني.. تحل اليوم الجمعة 30 مايو 2025، ذكرى رحيل الفنان حسن حسني، الذي مر 5 سنوات على رحيله، أحد أعمدة الفن المصري والعربي، الذي ترك بصمة لا تُمحى في عالم الفن من خلال مسيرة فنية تنوعت بين الكوميديا والتراجيديا، تجاوزت 500 عمل بين السينما والتلفزيون والمسرح.
من هو الفنان حسن حسني؟ولد حسن حسني يوم 19 يونيو 1931 في حي القلعة الشعبي بالقاهرة، لأب مقاول، وعاش طفولة صعبة لا تخلو من المتاعب، وفي سن السادسة، ليبدأ مشوار كفاح طويل.
وفي المدرسة الابتدائية وتحديدا في مدرسة الرضوانية عشق التمثيل الذي عبر عنه على مسرح المدرسة، ويذكر أنه قدم دور «أنطونيو» في إحدى الحفلات المدرسية وحصل من خلالهِ على كأس التفوق بالمدرسة الخديوية، كما حصل على العديد من ميداليات التقدير من وزارة التربية والتعليم، فيما حصل على شهادة التوجيهية عام 1956.
بدأت مسيرة الفنان حسن حسني في عالم الفن عبر المسرح، حيث كان عضوًا في فرقة المسرح العسكري في بداية عقد الستينيات، ولكن تم حل المسرح العسكري عقب هزيمة الخامس من يونيو عام 1967.
بعدها، عمل في مسرح الحكيم والمسرح القومي والمسرح الحديث، والتحق بفرقة جلال الشرقاوي وعمل معها لمدة تزيد على 10 سنوات.
أصبح حسن حسني معروفًا للجمهور عبر التلفزيون من خلال مسلسل «أبنائي الأعزاء.. شكرا» الذي عُرض عام 1979 وشارك في العديد من الأعمال الدرامية في استوديوهات دبي وعجمان خلال مطلع الثمانينيات.
كانت بدايته السينمائية من خلال دور صغير في فيلم «الكرنك» عام 1975، تلاه دور الشر في فيلم «سواق الأتوبيس» الذي أخرجه عاطف الطيب في عام 1982، وعمل مع الطيب في عدد من الأفلام الأخرى.
كما عاد إلى المسرح في منتصف الثمانينيات، حيث قدم المسرحية الفكاهية «اعقل يا مجنون» مع الفنان الكوميدي محمد نجم عام 1985، ومسرحية «على الرصيف» مع سهير البابلي وحسن عابدين عام 1987.
في التسعينيات، حقق حسن حسني نجاحًا كبيرًا في دوره في أفلام دماء على الأسفلت (1992) وفارس المدينة (1993) وسارق الفرح (1994).
أبرز أدوار الفنان حسن حسني مع الوجوه الشابةيعد الفنان محمد سعد من أوائل نجوم الكوميديا الذين ارتبطت أفلامهم بوجود حسن حسني. بدأ التعاون بينهما بفيلم «اللمبي» عام 2002، الذي شكل انطلاقة محمد سعد نحو البطولة المطلقة، وتوالت بعدها الأعمال المشتركة، مثل:« اللي بالي بالك، عوكل، بوحة، كتكوت، كركر"، اللمبي 8 جيجا، حياتي مبهدلة، وتحت التربيزة».
كما شارك الفنان رامز جلال في أربعة من أفلامه، وهي:«أحلام الفتى الطايش، وش إجرام، غش الزوجية، ومراتي وزوجتي (2014)، الذي كان آخر تعاون بينهما».
وظهر أيضاً الفنان حسن حسني مع الفنان أحمد حلمي في عدد من الأفلام البارزة مثل:« ميدو مشاكل، زكي شان، جعلتني مجرمًا، على جثتي، وخيال مآتة».
حسن حسنيأما الفنان محمد هنيدي، فقد شاركه حسن حسني في بطولة فيلمي: «يا أنا يا خالتي و عسكر في المعسكر، إضافة إلى أدائهما الصوتي المميز في سلسلة الرسوم المتحركة الشهيرة سوبر هنيدي».
ولقب الفنان حسن حسني بـ جوكر السينما المصرية و وش السعد، على كل نجم شاب تعامل معه، بدءًا من محمد هنيدي وحتى أحمد حلمي ومحمد سعد، وكان لهم بمثابة الداعم الأول في مشوارهم الفني، حتى أن كثيرين يعتبرونه جزءًا من تكوينهم المهني والإنساني.
اقرأ أيضاًفي حفل رأس السنة في دبي.. معجب لـ تامر حسني: «عايز بوسة» والفنان يرد: «إزاي يا جدع»
بعد خلافات زوجة محمد رحيم وأسرته في الجنازة.. أول تعليق من الفنان تامر حسني
اليوم.. الجنج تستكمل محاكمة الفنان أحمد صلاح حسني