جريدة الرؤية العمانية:
2025-08-12@14:54:49 GMT

الظواهر الاجتماعية والعولمة السلبية

تاريخ النشر: 5th, January 2025 GMT

الظواهر الاجتماعية والعولمة السلبية

 

د. أحمد بن موسى البلوشي

العولمة هي عملية تُعبر عن التداخل المُتزايد بين المجتمعات في مختلف أنحاء العالم؛ حيث يتم تبادل الأفكار، والثقافات، والمنتجات بشكل متسارع، ورغم ما تقدمه من فرص وإيجابيات، إلّا أنَّ لها جانبًا سلبيًا يتمثل في تأثيرها على العادات والتقاليد المحلية.

هذا التأثير السلبي قد يُؤدي إلى تآكل الهوية الثقافية، وتشويه القيم الاجتماعية الأصيلة، وتعمل العولمة على نشر ثقافة موحدة عالميًا تُعرف بـ"الثقافة الشعبية"، والتي تُهيمن عليها القيم والأنماط الحياتية القادمة من الدول الأكثر تأثيرًا اقتصاديًا وإعلاميًا.

وهذا التوحيد الثقافي يؤدي إلى تهميش العادات المحلية، مما يجعل الأجيال الشابة تنجذب أكثر نحو الأنماط الغريبة.

ومن أبرز الآثار السلبية للعولمة انتشار ما يُعرف بـ"التقليد الأعمى"؛ حيث يميل الأفراد أو المجتمعات إلى تبني أنماط ثقافية وسلوكية جديدة دون إدراك عميق لخلفياتها التاريخية أو القيم التي تمثلها. ويؤدي هذا التقليد العشوائي إلى ضعف ارتباط الأفراد بثقافتهم الأصلية، مما يسهم في تآكل القيم والعادات التي تُشكل الهوية المحلية. فعلى سبيل المثال، قد يتم تقليد أنماط اللباس أو الاحتفالات، رغم تعارضها مع العادات والتقاليد المحلية، وذلك بدافع الرغبة في مواكبة ما يُعد "موضة" أو تطورًا، دون اعتبار للانسجام مع السياق الثقافي والاجتماعي. هذه الظاهرة لا تُهدد فقط استمرارية التراث المحلي، بل تفتح الباب لظهور مشكلات اجتماعية، مثل تضارب القيم بين الأجيال أو فقدان الشعور بالانتماء الثقافي.

وتمارس وسائل الإعلام والتقنيات الحديثة دورًا كبيرًا في تسريع تأثير العولمة السلبية؛ حيث تُروِّج المحتويات الإعلامية التي تُركِّز غالبًا على الثقافة الغربية، ما قد يؤدي إلى تقليل قيمة العادات والتقاليد المحلية وجعلها تبدو قديمة أو غير متوافقة مع العصر. لكن تظل الأسرة العنصر الأساسي في الحفاظ على هذه العادات والتقاليد من خلال تعليم الأبناء أهمية القيم الثقافية والمحافظة عليها. إضافة إلى دور المدارس والجامعات في نشر الوعي الثقافي وتعزيز الهوية الوطنية، إذ يمكنها أن تكون بيئة داعمة لتعليم الشباب عن تاريخهم وثقافتهم، وبالتالي المساهمة في تعزيز الانتماء والاعتزاز بالهوية الوطنية في ظل العولمة.

ويُشكِّل الشباب القوة الأساسية التي تدفع المجتمع نحو التقدم والتغيير؛ لذلك، من الضروري دعمهم وتشجيعهم على المشاركة في الأنشطة التي تعزز فهمهم لثقافتهم وتقاليدهم؛ مما يُساعدهم على الحفاظ على هويتهم الثقافية في ظل التحديات المعاصرة. ومن خلال هذه المشاركة، يتعلم الشباب قيمة عاداتهم وأصولهم الثقافية، مما يساهم في تعزيز الانتماء والاعتزاز بالتراث الوطني. كما إنَّ هذه الأنشطة تُساعد في بناء مجتمع قوي ومتماسك يوازن بين التحديث والحفاظ على القيم الثقافية.

وهناك العديد من الاستراتيجيات التي يمكن تبنيها لمحاربة العولمة السلبية منها: إدراج المواد التي تعزز الهوية الوطنية والقيم الثقافية في المناهج الدراسية، مما يزرع في الأجيال الناشئة حب العادات والتقاليد، تنظيم مهرجانات ومعارض تبرز التراث المحلي وتشجع المشاركة المجتمعية، إنتاج محتوى إعلامي يسلط الضوء على العادات والتقاليد بأسلوب عصري وجذاب، استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لنشر المحتوى الذي يروج للهوية الثقافية المحلية، دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي تعمل على إنتاج الحرف التقليدية، تعزيز السياحة التي تركز على التراث المحلي، مما يسهم في إبراز الهوية.

ورغم التحديات التي تفرضها العولمة السلبية على العادات والتقاليد المحلية، إلا أنَّ هناك فرصًا كبيرة لمواجهتها من خلال تعزيز الهوية الثقافية، واستخدام الإعلام بشكل إيجابي، وتشجيع الصناعات الثقافية.

وأخيرًا.. إنَّ الحفاظ على العادات والتقاليد ليس مجرد واجب ثقافي؛ بل أيضًا ضرورة للحفاظ على تنوع العالم وثقافاته، ومن خلال تضافر جهود الأسرة، والمؤسسات التعليمية، والمجتمع ككل، يُمكِنُنا ضمان استمرارية عاداتنا وتقاليدنا للأجيال القادمة.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

مهرجان ظفار السياحي والفعاليات الثقافية المنتظرة

دأبت بلدية ظفار المشرفة على مهرجان ظفار السياحي على إقامة برامج ثقافية متنوعة حافلة بالمحاضرات والندوات والحوارات المفتوحة ضمن أنشطة المهرجان، بالإضافة إلى استضافة العديد من الكتَّاب والمثقفين والصحفيين من الوطن العربي لزيارة محافظة ظفار والتعرُّف على معالمها الأثرية وأنشطة المهرجان، أو إقامة محاضرات ثقافية متنوعة تلبي رغبة الجمهور المتعطش للمثاقفة والحوار المباشر مع الضيف الكاتب والمفكر.

لكن ذلك النشاط الثقافي توقف لأسباب غير معلومة وبالتأكيد ليس الجانب المالي هو العائق؛ بدليل أن إدارة المهرجان لا تزال ترعى العديد من الأنشطة التي تتطلب تكاليف مالية مثل النسخة الأولى من مهرجان ظفار المسرحي الدولي الذي أقيم العام الماضي في مدينة صلالة. وهنا لا يتّسع لنا المجال للحديث عن أهمية المهرجان ولا عن الجهة الرسمية التي يفترض بها حسب تخصصها الإداري الإشراف على المهرجان وإدارته، وإنما نتساءل عن غياب الفعاليات الثقافية ضمن أجندة المهرجان، كالندوات الفكرية والجلسات السردية والشعرية، مما يعني غيابها حرمان شريحة كبيرة من المجتمع من حضور الفعاليات الثقافية التي أثبتت أن الجمهور متشوق لها ويرغب في حضورها، وقد رأينا ذلك في مناسبات مماثلة سواء في معرض مسقط الدولي للكتاب، أو خلال الأيام الماضية التي تتوافد فيها أعداد غفيرة من الجنسين تجاوزت الألف ومائتي شخص لحضور ندوة فكرية في مجمع السلطان قابوس الشبابي للثقافة والترفيه بصلالة، ولم تتجاوز الكلفة المالية للمحاضرة ألف ريال عُماني.

تمثل الثقافة عنصر جذب سياحيا ولعلها من أهم الصناعات السياحية التي اتخذتها الخطط التنموية والرؤى الاستراتيجية ضمن أجنداتها لخلق سياحة ثقافية مستدامة كالمؤتمرات والندوات والمهرجانات الفنية والموسيقية والسينمائية، ولا يمكن استعراض الأمثلة ولا التذكير بالتجارب الناجحة والناجعة لقيام صناعات ثقافية ضمن مهرجانات سياحية دولية.

نأمل من إدارة مهرجان ظفار السياحي الاهتمام بالأنشطة الثقافية المستدامة، ويمكن لإدارة المهرجان إشراك الكيانات الثقافية في المحافظة المتمثلة في المبادرات الثقافية وفرع الجمعية العُمانية للكتّاب والأدباء ومكتبة دار الكتاب ومركز ظفار للثقافة والإبداع، في إدارة بعض الفعاليات ضمن الهوية الترويجية لمحافظة ظفار، مما يساهم في بناء عناصر بشرية وطنية تدير وتنشط الندوات والملتقيات، كإقامة معرض صلالة للكتاب بالتعاون مع وزارة الثقافة والرياضة والشباب واتحاد الناشرين العرب ليكون مناسبة ثقافية دائمة، بالإضافة إلى إدراج فعاليات ثقافية كالأيام الثقافية الخليجية تتضمن فعاليات ثقافية خليجية، يتعرَّف الزائر خلالها على أبرز الأنشطة على الساحة الخليجية وأهم الإنتاجات الأدبية والفكرية والفنية، وهذا بحد ذاته عنصر جذب للجمهور من داخل سلطنة عُمان وخارجها.

إن المطلوب من المهرجانات السياحية أن تعمل مع المثقف والمؤسسة الثقافية جنبًا إلى جنب لتفعيل الخطط والاستراتيجيات الوطنية التنموية، وتحمّل المسؤولية لتحقيق أهداف الهوية الترويجية لكل محافظة، وبالتأكيد فإن النتائج المرجوة ستتحقق طالما تُنفذ الأعمال حسب الخطط الواضحة لخدمة الإنسان والوطن.

مقالات مشابهة

  • الهوية الدينية والثقافية تواجهان تحديات العولمة .. والحوار والتفاعل الإيجابي يحققان التوازن
  • تحولات الهوية الثقافية الكردية في سوريا.. من القمع إلى التأصيل
  • الأجندة الثقافية في سوريا ليوم الثلاثاء ال12 من آب 2025
  • التمجيد الشخصي
  • مهرجان ظفار السياحي والفعاليات الثقافية المنتظرة
  • ما هي العادات التي تسبب فقدان الذاكرة؟
  • الأزهر والجزائر يعززان التعاون العلمي والدعوي لتعزيز القيم الإسلامية المشتركة
  • احذروا حملات هدم القيم
  • خسوف كلي للقمر يزين سماء السعودية والوطن العربي في 7 سبتمبر
  • اضطراب الملاحة وسحب منخفضة.. الأرصاد تعلن أبرز الظواهر الجوية