جبل قاسيون مصعد الأنبياء المقدس وحارس دمشق
تاريخ النشر: 9th, January 2025 GMT
يشتهر جبل قاسيون عند السوريين باسم "الجبل المقدس"، ويمتاز بموقعه الإستراتيجي، إذ يطل على العاصمة السورية دمشق، وفيه معالم أثرية ومغارات، أبرزها "مغارة الدم"، التي تزعم بعض الروايات أن فيها دما يعود لهابيل ابن النبي آدم عليه السلام، الذي قتله أخوه قابيل، وتدور حوله أساطير ومرويات وموروثات شعبية كثيرة، وتغنّى به الشعراء والأدباء، وكان مصيفا يقصده الملوك والأمراء في العصر الأموي.
يقع جبل قاسيون شمالي مدينة دمشق، وتتصل به من الغرب سلسلة جبال لبنان، ومن الشمال والشرق سلسلة جبال القلمون، التي تمتد إلى مدينة حمص، ومن هناك يشرف على غوطة دمشق.
ويرتفع عن مستوى سطح البحر نحو 1150 مترا، فيما يمتد عرضه إلى 15 كيلومترا، وهو عبارة عن هضبة تشكّلت حسب الجيولوجيين في بداية العصر الطباشيري المتأخر.
وتفصله أنهار بردى السبعة عن جبل المزة المتصل بجبل الشيخ وجبال حوران، وتفصله مياه منين شرقا عن جبال القلمون. وله سفحان من الجهة الشرقية، يفصل بينهما نهر يزيد.
تغطيه الثلوج في الشتاء، وفي الصيف يكون ملاذا باردا للهاربين من حرارة الجو، ويمكن الوصول للجبل عبر التوجه نحو الشمال الغربي من سور مدينة دمشق باتجاه حي الصالحية، وهو من المناطق المعروفة بانتشار بيوت الصوفية التي كانت تستخدم قديما مكانا لراحة الحجاج، وكانت تعرف آنذاك بـ"الخانات".
وبعد الصالحية يستمر الطريق نحو ساحة شمدين، التي سميت على اسم أمير محمل الحج الشامي سعيد شمدين آغا، ومن هناك يمكن الصعود نحو قمة الجبل، عبر أدراج معبدة تصل نهايتها إلى سلسلة كهوف ومسجد، ومن هناك يمكن مشاهدة دمشق كلها.
التسميةيعرف بـ"الجبل المقدس" لأهميته التاريخية والدينية وكثرة الأساطير المروية عنه، إذ قيل إنه كان مزارا للأنبياء والرسل، وإن أحداثا ذكرت في القرآن الكريم وكتب التاريخ الإسلامية قد وقعت فيه، منها أن سيدنا آدم عليه السلام سكن سفحه قرب التربة البدرية، وعليه قتل قابيل أخاه هابيل، وفي "كهف جبريل" جاءت الملائكة تعزي آدم في مقتل ابنه.
إعلانويعرف الجبل بتسميات أخرى، منها "جبل دمشق" و"جبل الشام" و"جبل التين" و"جبل الأيتام" و"جبل الأنبياء" و"مصعد الأنبياء" و"حارس دمشق"، وفي الآرامية القديمة ذكر باسم "قَيصون" وتعني نهائي وأقصى.
ويرى المؤرخ قتيبة الشهابي أن تسمية "قاسيون" ظهرت في المصادر العربية منذ القرن الأول الهجري، لكن بعض المصادر العربية ذكرتها بصيغ أخرى مثل " قَيْسُون " أو "قايسون"، كما تغنى بدمشق شعراء العرب قديما، إذ لقبوها بـ"بنت قيسون".
ويرجح أن الاسم تحور من "قيسون" إلى "قاسيون" في العصر الهلنستي، متأثرا باللسان اليوناني الذي يُشبع حروف العلة. ومن جانب آخر، قد يكون الاسم مشتقا من الجذر الآرامي "ق ش ا"، الذي يعني "القسوة"، وهو ما كتبه الكاهن الأرثوذكسي أيوب سميا، الذي قال "قاسيون أصلها الكلمة السريانية (قشيونو)، ومعناها القاسي الجاف، وهي صفة هذا الجبل الصخري الأجرد الذي لا عشب فيه ولا خضرة ولا ماء".
وقيل إن الجبل سمي قاسيون لقسوة حجارته وعصيانها وصعوبة صناعة الكفار منها الأصنام زمن النبي إبراهيم عليه السلام. وقيل الأصل كلمة قاسي، وألحقت بها الواو والنون تأثرا بالكنعانيين الذين كانت لهم عادة إلحاقهما، كما في كلمتي القلمون وميسلون.
ويصف الرحالة ابن بطوطة الجبل في كتاب "تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار" بأنه "شهير البركة فهو مصعد الأنبياء"، وقال عنه ياقوت الحموي إنه "جبل معظم ومقدس".
يذكر الرحالة ابن عساكر في كتابه "أخبار دمشق"، أن سيدنا إبراهيم ولد على سفح هذا الجبل، عند قرية تعرف ببَرزة، في غار ضيق بني عليه مسجد له غرف كثيرة، منه رأى عليه السلام الكوكب والقمر والشمس، كما ذكر الله تعالى في القرآن (سورة الأنعام 76-78)، وخلف هذا الغار يقع مقام إبراهيم، وشمال الجامع "مدفن لسبعين ألف شهيد، و700 نبي، وقيل 70 نبيا".
إعلانويذكر ابن جبير عند زيارته لدمشق وتأريخه لمرويات أهل المنطقة، أنه بقرب الربوة في النيرب قرب سفح قاسيون الغربي، سكنت حنَّة أم مريم العذراء، وفي تلك المنطقة نزل سيدنا يحيى بن زكريا عليه السلام مع أمه 40 عاما، واحتمى من قوم عاد داخل غار فيها.
وحسب الموروثات الشعبية والتراث التاريخي المتناقل، فإن سيدنا عيسى عليه السلام وأمه مريم سكنا تلة قاسيون، وقيل إنها المكان الذي ذكره الله في سورة المؤمنون (الآية 50) في قوله تعالى "وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِين". وبعدها مر بها حواريو عيسى -وعددهم 40-، وضمّت تلك المنطقة مسجدا فيه 40 محرابا، وتعبيرا عن قدسية هذا الجبل قيل فيه "بين برزة وأَرْزَة أربعون ألف نبي".
ويذكر المؤرخ الدمشقي محمد أحمد دهمان أن سكان دمشق استوطنوا جبل قاسيون أجيالا عديدة قبل أن ينزلوا إلى السهل ويبنوا مدينتهم، وحتى قبل تأسيس دمشق في موقعها الحالي، مما يعني أن قاسيون كان بمثابة المدينة الأولى لهم.
ويروي أحمد بن طولون الأمر ذاته قائلا إن أهل دمشق سكنوا هذا الجبل قبل أن يسكنوا المدينة، و"عاشوا فيه أجيالا طويلة، حتى إذا تكاثروا وتناسلوا وارتقت معارفهم وتجاربهم هبطوا إلى السهل المنبسط أسفله فبنوا مدينتهم".
وقيل إن أول أسرة استقرت في حي الصالحية كانت عائلة نابلسية قادها أحمد قدامة المقدسي الحنبلي الذي هرب من الصليبيين عام 1156م، واستقرت بالقرب من جامع أبي صالح بدمشق، وأسهمت في ظهور الحنابلة في تلك المنطقة. وعندما انتقلت العائلة لاحقا إلى منطقة قاسيون أصبح اسمها (الحنابلة) مرتبطا بالحي الذي عُرف باسم "الصالحية".
واستقرت تلك الأسرة الفلسطينية بقيادة الشيخ قدامة وابنه أبي عمر في تلك المنطقة بدعم من الزنكيين الذين حكموا البلاد في القرن الـ12. وأسس نور الدين زنكي خانا في المنطقة على سفوح جبل قاسيون، مما عزز من وجود الحنابلة فيها.
إعلانوبعد أقل من مئة عام، استقر الشيخ الصوفي محيي الدين بن عربي في دمشق عند عودته من الحج، واختار الصالحية مكانا لإقامته حتى وفاته ودفنه فيها، ومنح وجوده المدينة شهرة استمرت لقرون، حتى صارت مركزا للصوفية، ومزارا مقدسا للمتصوفة في دمشق.
وظلّ مقام ابن العربي يحظى بأهمية كبيرة بين الصوفية في العالم الإسلامي، وعام 1516م أمر السلطان العثماني سليم الأول عند فتحه الشام ببناء مسجد بجوار قبر ابن العربي.
وفي عهد الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، أقيمت على أطراف جبل قاسيون قواعد عسكرية وثكنات، من بينها ثكنات ميليشيا سرايا الدفاع التي أسسها شقيقه رفعت الأسد.
ومنذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، تحوّل جبل قاسيون إلى قاعدة عسكرية إستراتيجية، وتمركزت عليه ألوية الحرس الجمهوري الذي تولى مسؤوليته ماهر الأسد، وكتائب المدفعية والصواريخ التابعة للفرقة الرابعة.
وأغلقت السلطات الطريق المؤدي الى أعالي جبل قاسيون أمام المدنيين، ووضعت نقاطا أمنية على امتداده لكونه يوفّر إشرافا إستراتيجيا على دمشق وعلى القصور الرئاسية فيها.
وأسفرت سيطرة النظام على مرتفعات قاسيون عن تمركز القوات بشكل أتاح لها استهداف مناطق الغوطة الثائرة وقصف قراها بشكل مكثف بالكيماوي والقنابل والصواريخ، مما أدى إلى تدمير واسع في بناها التحتية.
ومنذ ذلك الحين صار الجبل موقعا عسكريا محرما على المواطنين الاقتراب منه، إذ شكّل للنظام السابق ضمانا لتطويق العاصمة منعا لأي هجوم محتمل عليها، وضد أي محاولات انقلاب أو تمرد على نظام الأسد من داخل دمشق، وبقي عنصر حاسما لضمان تفوق الأسد على المعارضة التي لم تستطع السيطرة على جبل قاسيون بسبب ضعف تسليحها.
وبعد تمكّن المعارضة السورية المسلحة من الإطاحة بنظام الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024، فتح الجبل ذراعيه لاستقبال السوريين من جديد، وبات مزارا مزدحما، وعلى قمته انتشر مقطع فيديو صور القائد العام للإدارة السورية أحمد الشرع، ووزير الخارجية التركي هاكان فيدان وهما يحتسيان الشاي.
إعلان أبرز المعالميشتهر جبل قاسيون باحتضانه عددا من الأحياء السكنية الشهيرة، أهمها حي الصالحية ومنطقة المهاجرين وحي الأكراد ومنطقة الشيخ محيي الدين وأبو جرش والشركسية.
ويضم قاسيون عددا من الأديرة والمقامات التي تنسب للأولياء والصالحين، منها "دير مرّان"، وقبر النبي ذي الكفل عليه السلام، ومقام النبي يونس عليه السلام، وقبر ابن العربي، إضافة إلى مقام النبي إيليا.
ويضم أيضا "قصر الشعب" الذي بناه حافظ الأسد على إحدى قممه. ومن أبرز معالمه الأخرى:
مغارة الدم (مقام الأربعين)تسمى أيضا مغارة آدم، ويعود تاريخها إلى أكثر من 4 آلاف عام، وكانت معبدا وثنيا للآراميين ثم كنيسة في عهد الروم، ويقول ابن جبير الأندلسي إنها سميت بمغارة الدم لأنها مكان موقعة مقتل هابيل، الذي تقول الروايات إن دمه لطخ سفح الجبل حتى منتصفه ولم ينته إلا عند تلك المغارة، وتقول رواية أخرى إنها المكان الذي جرّ إليه قابيل أخاه هابيل بعد قتله، فترك دمه أثرا لم تمحه القرون.
ووفقا للتراث المحلي، يروى أنه عند وقوع تلك الحادثة، اهتز جبل قاسيون من هولها وبدأ بالانهيار، إلا أن الملك جبريل عليه السلام تدخّل وأمسكه بيديه مانعا انهياره، ويُقال إن الدليل على تلك الحادثة هو بصمة يد ظاهرة على سقف المغارة، يعتقد الناس أنها تعود لجبريل.
وتذكر بعض الروايات أيضا أن أنبياء الله إبراهيم وموسى وعيسى ولوطا وأيوب صلّوا في تلك المغارة التي فيها محرابان. وقيل إنها سميت مغارة الأربعين لأن سيدنا يحيى سكنها مع أمه 40 عاما.
مقالع الحجارة الأثريةتقع "مقالع الحجارة الأثرية" عند سفح الجبل، وهي التي كانت توفر لدمشق الحجر الكلسي الفاتح الذي استخدم في فن الأبلق البارز في المعمار الدمشقي القديم، وفيه تتناوب الحجارة بين اللونين الأبيض والأسود، وينتشر هذا المعمار في مساجد العاصمة ومدارسها وقصورها وبيوتها الشعبية.
إعلان مغارة الجوعية (الجوع)وهي من المغارات الطبيعية في الجبل، وسميت كذلك لأسطورة تقول إن 40 نبيا لجؤا إليها هربا من الكفار، ولم يكن معهم سوى رغيف خبز واحد، فآثر كل واحد منهم رفيقه، حتى ماتوا جميعهم من الجوع.
قبتان تاريخيتانيضم الموقع قبّتين تاريخيتين الأولى على قمة الجنك، وهي مبنى مرصد قاسيون المعروف باسم "قبة السيار الأثرية" نسبة إلى الأمير المملوكي سيار الشجاعي، وكان يُستخدم مرصدا فلكيا في عهد الخليفة المأمون لرصد النجوم والكواكب، والثانية هي "قبة النصر" لكنها اندثرت مع مرور الزمن.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات علیه السلام تلک المنطقة جبل قاسیون هذا الجبل فی تلک
إقرأ أيضاً:
حاكم الشارقة يهدي جامعة القلب المقدس الكاثوليكية في ميلانو مخطوطاً تاريخياً نادراً وكتاب «مرسوم بابوي»
أهدى صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، بحضور قرينته سمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي، رئيسة المجلس الأعلى لشؤون الأسرة، مخطوطاً تاريخياً أصلياً ونادراً إلى جامعة القلب المقدس الكاثوليكية في مدينة ميلانو الإيطالية، ويعود تاريخ المخطوط إلى 14 أغسطس 1624م، ويتضمن مرسوماً بابوياً حرره البابا أوربان الثامن، وختمه في كنيسة «سانتا ماريا مجوري» في العاصمة روما، إضافة إلى كتاب سموه «مرسوم بابوي» باللغتين العربية والإنجليزية، وذلك في مقر الجامعة.
ووجه صاحب السمو حاكم الشارقة، خلال كلمة ألقاها، شكره وتقديره إلى رئيسة ومنتسبي جامعة القلب المقدس في مدينة ميلانو الإيطالية على حفاوة الاستقبال، معرباً سموه عن سعادته الكبيرة بالوُجود في الجامعة والتحدث مع المسؤولين بها، مثمناً جهود الهيئة الإدارية والأكاديمية والطلبة دارسي اللغة العربية، وهم ثمرة التعاون بين الشارقة والجامعة. وتحدث سموه عن المخطوط الذي أهداه للجامعة، والذي يعود تاريخه إلى الرابع عشر من شهر أغسطس من عام 1624م، وتحقيقه، مشيراً إلى أن المخطوط عبارة عن مرسوم بابوي، حرره البابا «أوربان الثامن، وختمه في كنيسة «سانتا ماريا مجوري»، لغرض جمع معونة مالية، والتي ستستخدم لصالح الأسطول البرتغالي. وتناول صاحب السمو حاكم الشارقة، الصراع بين البرتغاليين والإنجليز في هرمز، قائلاً: «في سنة 1622م تم طرد البرتغاليين من هرمز على مدخل الخليج العربي، والذين احتلوها مدة مائة وخمس عشرة سنة، وذلك على يد القوات الإنجليزية والفارسية، وكانت مهمة القادة البرتغاليين مع القساوسة التنصير، أكان في هرمز أو في الهند».
مضيفاً سموه: «بعد أن قام الإنجليز بطرد البرتغاليين من هرمز، كانت هناك رغبة من قبل الملك 'فيليب' ملك البرتغال في إعادة احتلال هرمز، لكن الموارد المالية لدى الحكومة البرتغالية كانت لا تكفي لإرسال حملة عسكرية لاستعادة هرمز، وطلب الملك «فيليب» ملك البرتغال الدعم المادي من رجال الدين، وعليه فقد أصدر البابا «أوربان الثامن» بابا الكنيسة الكاثوليكية مرسوماً بابوياً لجمع تلك الأموال المطلوبة من الكنائس». وأوضح صاحب السمو حاكم الشارقة أنه ترجم هذا المرسوم وحققه، وتابع الأموال التي جُمعت عن طريق الكنائس، والتي بلغت مئتي ألف كروزادو، وهي عملة ذهبية برتغالية آنذاك، بهدف بناء أسطول وإرساله إلى الهند لاستعادة هرمز، مبيناً سموه أن الأسطول يحتاج إلى نوع خاص من السفن الكبيرة التي تعبر المحيطات، مما يتطلب وقتاً طويلاً، إضافة إلى أن رحلة الإبحار من البرتغال إلى الهند تستغرق شهوراً عديدة. وأشار سموه إلى أن الملك فيليب أمر بإرسال الأموال إلى الهند، وبناء أسطول سفن محلية هناك، وذلك لقصر المسافة بين الهند وهرمز، موضحاً سموه أن تفاصيل هذا الأسطول وتسليحه قد ذكره في كتاب «مرسوم بابوي» الذي قام سموه بتأليفه، إضافة إلى تتبع سيره إلى موقع المعركة في هرمز ضد القوات الإنجليزية والهولندية، حتى نهاية المعركة بهزيمة الأسطول البرتغالي.
واختتم سموه كلمته مخاطباً الحضور، قائلاً: «السيدات والسادة، إنني في هذا اليوم، أقدم هذا المخطوط، إهداءً إلى جامعة القلب المقدس الكاثوليكية، وكذلك كتاب مرسوم بابوي، وهو تحقيق لذلك المخطوط، ليوضع في مكانه الصحيح، في هذه الجامعة العريقة، عرفاناً مني بهذا التعاون الأكاديمي لهذه الجامعة». وكانت مراسم الإهداء قد استهلت بفقرة فنية موسيقية تضمّنت مقطوعات كلاسيكية باللغة العربية، رحب خلالها الطلبة بصاحب السمو حاكم الشارقة، مثمنين دعم سموه الكبير والمتمثل في المعهد الثقافي العربي بميلانو وجهوده في مجال اللغة العربية ودراستها بشكل عام، ومعبرين عن عمق الاحترام والتقدير الذي يحظى به سموه في الأوساط الأكاديمية والثقافية الإيطالية. وفي كلمة مكتوبة أُلقيت نيابة عن المطران باولو مارتينيلي النائب الرسولي في جنوب شبه الجزيرة العربية، عبّر فيها عن بالغ امتنانه لزيارة صاحب السمو حاكم الشارقة إلى الجامعة الكاثوليكية وإهدائهم مخطوطاً تاريخياً قيّماً يعود إلى البابا أوربان الثامن، مؤكداً أن هذه المبادرة الثقافية تعكس أهمية التعاون بين الشعوب والمؤسسات من خلال الثقافة والمعرفة، وتُعزز من عمق العلاقات التاريخية بين الخليج العربي وأوروبا. وثمّن مارتينيلي التعاون البنّاء الذي يجسّد روح الانفتاح والحوار، ويمتدّ أثره إلى الجامعة بمختلف تجلياتها، مستذكراً افتتاح المعهد الثقافي العربي الذي بادرت إليه إمارة الشارقة، والذي يمثل نموذجاً مشرّفاً للتعاون الثقافي مع الجامعة الكاثوليكية. وأشار النائب الرسولي في جنوب شبه الجزيرة العربية إلى أن صاحب السمو حاكم الشارقة يتمتع بحس إنساني وثقافي وعلمي رفيع، انعكس جلياً خلال اللقاء الذي جمعهما في بداية مهمته في المنطقة، معبراً عن امتنانه لاهتمام سموه الكريم بالكنيسة والمبادرات الثقافية المشتركة. من جهتها ألقت بعدها الدكتورة إيلينا بيكالي رئيسة جامعة القلب المقدس الكاثوليكية، كلمة أعربت خلالها عن بالغ تقديرها لهذه المبادرة القيمة والإهداء الثمين، مشيدةً بالدعم المتواصل، الذي تقدمه إمارة الشارقة للبرامج الأكاديمية والثقافية، لا سيما من خلال المعهد الثقافي العربي في ميلانو، الذي جاء ثمرة شراكة ناجحة بين الشارقة والجامعة. وأضافت بيكالي أن الوثيقة التي قدمها لنا صاحب السمو حاكم الشارقة مهمة للغاية في تاريخ أوروبا والخليج العربي، ولكن إذا أراد أي منّا إدراك مدى أهمية الوثيقة يجب علينا الرجوع إلى كتاب «مرسوم بابوي للبابا أوربان الثامن»، بابا الكنيسة الكاثوليكية المؤرخ بتاريخ 4 أغسطس 1624م، «فهو تحقيق تاريخي عميق أنجزه مؤرخ كبير، وهو الدكتور سلطان القاسمي، وذلك على مدار أكثر من عامين من البحث والربط الدقيقين، وجمع لإنجازه عدد ضخم من الوثائق الأصلية والمخطوطات والمكاتبات النادرة، وضِعت في نص علمي مضبوط بسياقه التاريخي، حتى غدا الكتاب مرجعاً تفصيلياً للوثيقة الأصلية، وقد يتجاوز في قيمته العلمية والتاريخية أفضل أطروحات الدكتوراه الأكاديمية رفيعة المستوى في هذا المجال».
من جانبه ألقى الطالب أليساندرو بوتيا كلمة نيابة عن طلبة معهد اللغة العربية في ميلانو، عبر فيها عن شكره إلى صاحب السمو حاكم الشارقة وإتاحة الفرصة لهم لتعلّم اللغة العربية والانفتاح على حضارتها، عبر المعهد الثقافي العربي الذي افتتحه سموه العام الماضي بمبادرة من الشارقة، مؤكداً أن هذا الدعم ترك أثراً عميقاً في مسيرتهم الدراسية. وتفضّل صاحب السمو حاكم الشارقة بالتوقيع على كتاب «مرسوم بابوي للبابا أوربان الثامن، بابا الكنيسة الكاثوليكية المؤرخ بتاريخ 4 أغسطس 1624م» باللغتين العربية والإنجليزية، وخط سموه في الكتاب المُهدى للجامعة كلمات جاء فيها: «أهديكم هذا الكتاب الذي وثّقت فيه، بالتقصي والبحث والعدالة، كثيراً من التفاصيل والحقائق عن مرحلةٍ مهمة من تاريخنا وتاريخكم. جمعت قصاصات حقيقته من العالم، ووثقتها في الشارقة، وأتركها لكم وللمستقبل». ويُعتبر الإهداء مساهمة معرفية تعكس التزام الشارقة بتوثيق التاريخ وتعزيز التواصل الثقافي مع المؤسسات العلمية العالمية.
كما تسلّم صاحب السمو حاكم الشارقة هدية تذكارية من رئيسة جامعة القلب المقدس الكاثوليكية، وهي عبارة عن نسخة أصلية من خريطة مجسمة لمدينة ميلانو تعود إلى عام 1657م. وعلى هامش الزيارة، عرج صاحب السمو حاكم الشارقة على معرض المخطوطات التاريخية المصاحب، والذي يستعرض عدداً من المخطوطات بعدة لغات مختلفة، وقطع أثرية تعود ملكيتها لجامعة القلب المقدس الكاثوليكية، كما اطلع سموه خلال الزيارة على الشعلة الأولمبية الأصلية، التي تستضيفها الجامعة، متعرفاً سموه على مشاركة الطلبة في دورة الألعاب الأولمبية الشتوية من خلال حمل الشعلة في حفل الافتتاح، والتي تستضيفها مدينة ميلانو في العام المقبل. حضر مراسم الإهداء بجانب صاحب السمو حاكم الشارقة كل من سعادة عبدالله علي السبوسي سفير الدولة لدى جمهورية إيطاليا، وسعادة أحمد بن ركاض العامري الرئيس التنفيذي لهيئة الشارقة للكتاب، والدكتورة إيلينا بيكالي رئيسة جامعة القلب المقدس الكاثوليكية، وعدد من أعضاء الهيئتين الإدارية والأكاديمية وطلبة الجامعة.