الدعاء العنيف- جدلية الدين والسياسة بين التاريخ والحاضر السوداني
تاريخ النشر: 16th, January 2025 GMT
بالأمس، استمعت إلى الصحافي المصري إبراهيم عيسى، في برنامجه "مختلف عليه"، وهو يناقش مسألة الدعاء في الخطاب الإسلامي. أشار إلى أن تيمورلنك، الملقب بـ"الأعور"، كان أحد مؤسسي هذا الخطاب العنيف. أثار حديثه فضولي، فانطلقت أبحث في كتبي القديمة عن هذا الجانب التاريخي. وبعد جهد، بحمد الله، وجدت ما يشير إلى دور تيمورلنك في ترسيخ خطاب ديني يخلط بين الدعاء والدموية، وهو خطاب يمتد تأثيره إلى حاضرنا، في سياقات مختلفة، منها تجربة الإسلاميين في السودان وممارسات ميليشياتهم في الحرب الحالية.
الدعاء في الخطاب الإسلامي يعدّ من أبرز أدوات التعبير عن الارتباط بالله، لكنه في بعض الأحيان تحول إلى وسيلة تُستغل سياسيًا أو عسكريًا لتبرير العنف والدموية. من تيمورلنك في العصور الوسطى إلى الإسلاميين وميليشياتهم في السودان المعاصر، نرى كيف يمكن للدين أن يُستخدم كأداة لتبرير القتل والقمع. تيمورلنك، الذي عاش في القرن الرابع عشر الميلادي، استخدم الدين كغطاء لشرعنة جرائمه. كان يصف أعداءه بالكفر ويدعو الله أن يمكنه من تدميرهم. لا تتوقف قصصه عند حدود النصر العسكري فقط، بل تضمنت مجازر دموية مُنظمة. كان يرفع يديه بالدعاء في ساحة المعركة، يدعو بالنصر، ويأمر جنوده بذبح الأسرى والمدنيين، زاعمًا أن هذا "جزء من إرادة الله".
على سبيل المثال، في حملته على أصفهان عام 1387، دعا تيمورلنك بأن يعينه الله على "تطهير الأرض من العصاة"، وقُتل أكثر من 200 ألف شخص. الأمر نفسه تكرر في بغداد ودلهي، حيث تحولت الدعوات إلى رخصة دموية للإبادة. في السودان المعاصر، خصوصًا في فترة هيمنة الإسلاميين، نجد امتدادًا لهذا النهج. استخدمت الجماعات المسلحة الدعاء كوسيلة للتجييش والتبرير. خطب الجمعة والدعوات العلنية في المساجد كانت تزخر بصيغ عنيفة، تدعو لـ"سحق الأعداء" و"تطهير الأرض من الكفار"، متخذة من الدين وسيلة لإضفاء شرعية على حروب أهلية وصراعات دموية.
الميليشيات الإسلامية التي برزت في السودان مثل "الجنجويد" و"كتائب البراء"، كانت تعتمد خطابًا دينيًا صارمًا. دعاياتهم العسكرية كانت تبدأ بتلاوة أدعية العنف، مثل: "اللهم عليك بالظالمين والمفسدين"، وهو ما يُترجم عمليًا إلى إبادة جماعات بعينها، بناءً على خلفيات عرقية أو دينية. الجرائم الموثقة في التاريخ تُظهر أوجه التشابه بين ممارسات تيمورلنك والإسلاميين في السودان. في حملة أصفهان وحدها، ذُبح مئات الآلاف، وفي دارفور ومناطق أخرى بالسودان، ارتكبت الميليشيات جرائم مماثلة بحق المدنيين.
الدعاء العنيف في الخطاب الإسلامي ليس مجرد كلمات، بل هو أداة لتشكيل العقول وإعداد الجنود للحرب. يُظهر التاريخ أن القادة الدينيين والعسكريين استخدموا الدين لتبرير العنف، متجاهلين قيم الإسلام التي تدعو للرحمة وحفظ النفس. هذه الممارسات تشوه جوهر الدين. الدعاء هو وسيلة للتقرب إلى الله، وليس أداة لإبادة الآخرين. الاستخدام السياسي للدين في السودان أدى إلى انهيار الدولة وتفكك المجتمع، وهو ما ينذر بخطر أكبر إذا استمر هذا النهج.
من تيمورلنك إلى ميليشيات الإسلاميين في السودان، يمتد خيط طويل من استغلال الدعاء في الخطاب الإسلامي لتبرير العنف. هذا التشويه للدين يتطلب مواجهة فكرية جادة، تعيد الخطاب الإسلامي إلى مساره الحقيقي، الذي يدعو للسلام والرحمة والعدالة.
zuhair.osman@aol.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: فی السودان الدعاء فی
إقرأ أيضاً:
أستاذ بالأزهر: الدعاء بزيادة الرزق يحتاج إلى سعي وعمل
قال الدكتور أحمد الرخ، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، إن قول النبي صلى الله عليه وسلم: "اتقوا الله وأجملوا في الطلب" ليس مجرد توجيه أخلاقي، بل هو مبدأ شامل يربط بين التقوى، والمراقبة، والعمل الصالح، ويؤسس لفلسفة متكاملة في طلب الرزق بالحلال.
أوضح الرخ، خلال تصريح، أن من صور "الإجمال في الطلب" أن يسلك الإنسان طرقًا مشروعة في طلب رزقه، وعلى رأس هذه الطرق العمل، لكنه بيّن أن الشريعة لم تكتفِ بالدعوة إلى العمل فحسب، بل أمرت بإتقان العمل وإحسانه، مشيرًا إلى أن هذا لا يتحقق إلا بالمراقبة، أي أن يعمل الإنسان وهو يستشعر أن الله يراه، وهو ما عبّر عنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك".
وشرح الرخ مثالًا عمليًا من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم حين فرغ من دفن أحد الموتى، وأمر بتسوية اللحد، فقال الصحابة: "أهي من السنة؟"، فقال النبي: "أما إنه لا ينفع الميت ولا يضره، ولكن الله يحب من العبد إذا عمل عملًا أن يُحسنه".
وأكد، أن هذا الحديث العظيم يكشف سرًّا من أسرار محبة الله لعبده، فليس من السهل على الإنسان أن يدّعي أن الله يحبه، ولكن من أسباب نيل محبة الله: الإحسان في العمل، وجودته، وتجويده، وهذا لا يتحقق إلا لمن يراقب الله في كل حركة وسكنة.
وأضاف الرخ، أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: "واجملوا في الطلب" يعني كذلك أن الإنسان يجب أن يسعى في الرزق بلا تواكل أو كسل، لأن الله أمر الإنسان بعمارة الأرض كما قال: "هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها"، أي طلب منكم عمارتها، لا التراخي عن السعي.
وأشار إلى دقة التعبير القرآني في سورة آل عمران، حين ذكر دعاء أولي الألباب الذين يتفكرون ويذكرون الله، ثم قال الله: "فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم"، مبينًا أن السياق كان سياق دعاء، ومع ذلك جاءت الاستجابة بالحديث عن العمل، لا عن الدعاء، للدلالة على أن الدعاء وحده لا يكفي دون عمل وأخذ بالأسباب.
وأشار إلي موقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حين رأى قومًا في المسجد بعد الجمعة فقال لهم: "من أنتم؟" قالوا: نحن المتوكلون على الله، فقال لهم: "بل أنتم المتواكلون، لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق ثم يقول: اللهم ارزقني، فقد علمتم أن السماء لا تمطر ذهبًا ولا فضة"، مؤكدًا أن التوكل الحقيقي هو السعي والعمل، مع تمام الثقة بأن الرزق بيد الله، وأن طريق الحلال يبدأ بإتقان العمل، ومراقبة الله فيه.