الولادة في زمن الحرب : وفيات وانفجار ارحام في طريق البحث عن مستشفى!!
تاريخ النشر: 15th, January 2025 GMT
منتدي الاعلام السوداني : غرفة التحرير المشتركة
اعداد وتحرير : صحيفة التغيير
الخرطوم :15 يناير 2025 – لم تدر إنعام ذات الثلاثين عامًا، أن ولادتها هذه المرة ستكون الأخيرة، بعد أن أنجبت في السابق خمسة أطفال دون مشكلات أو مضاعفات.
صباح الثلاثاء جاءها المخاض وهي في غرفة تبعد أمتاراً قليلة عن منزل والدة زوجها، التي جاء بها صراخ إنعام.
يقول زوجها معتصم حسين لـ”التغيير”.
أسرعت والدة زوجها إلى القابلة التي لم تكن موجودة بمنزلها، وذهبت إلى إحدى القرى المجاورة لتوليد امرأة أخرى.
عادت، مسرعة وطلبت من ابن شقيقها الذهاب للقرية وإحضار القابلة بعربته الكارو (عربة تجرها الحيوانات) وهي وسيلة النقل الوحيدة بعدما تم نهب جميع السيارات بالقرية من قبل “قوات الدعم السريع” التي هاجمت قرية الهشابة التابعة لمحلية القطينة في ولاية النيل الأبيض- جنوبي السودان.
حضرت القابلة ووجدت إنعام في حالة حرجة تتطلب نقلها إلى أقرب مركز صحي لإجراء عملية قيصرية، وبالفعل تم إسعافها إلى مركز صحي بالسيل، لكن الطبيب المعالج ذكر أن المركز لا تتوفر فيه الإمكانات اللازمة لإجراء العملية وطلب تحويلها إلى مستشفى الدويم.
وقبل وصولها إلى مستشفى الدويم أسلمت إنعام روحها إلى بارئها على بعد لحظات من الوصول ليتم قبرها في مقابر الهشابة.
أرقام مخيفةلم تكن إنعام الوحيدة التي توفيت في حالة الولادة، بل هناك العشرات من النساء اللائي وجدن ذات المصير بسبب تعطل المشافي والرعاية الصحية للحوامل ووصلت الوَفِيَّات إلى أرقام مخيفة- بحسب مصدر طبي.
“لا توجد إحصائية دقيقة لوفيات الأمهات بسبب الولادة، لانقطاع الإنترنت وانعدام الرعاية الصحية الأولية وتوقف المشافي في عدد كبير من ولايات البلاد”. يقول المصدر.
وذكر أنه كان شاهداً على عدد من الوَفِيَّات في المشفى الذي يعمل فيه منذ اليوم الأول للحرب.
حالات مماثلةورصدت “التغيير”، عدداً من وَفِيَّات النساء الحوامل بسبب صعوبة الوصول إلى المشافي في ظل الحصار الذي يفرضه طرفا الصراع على تحركات المواطنين خاصة المناطق التي تشهد اشتباكات متكررة.
وفاقمت حرب 15 أبريل 2023، من معاناة النساء الحوامل في السودان بعد خروج أكثر من (80%) من المشافي عن الخدمة، مما اضطر بعضهن للولادة في المنازل ودور الإيواء.
وقبل اندلاع الحرب لم يكن وضع السودان أحسن حالًا، حيث سجل أعلى معدل وَفِيَّات للأمهات أثناء الولادة في العالم.
وأشارت إحصاءات وزارة الصحة الاتحادية إلى أن هناك 100 حالة وفاة بين كل 10 آلاف حالة ولادة في البلاد، وهذا ما أكدته منظمتا الصحة العالمية واليونيسف، اللتان ذكرتا أنه تم تدمير خدمات صحة وتغذية الأمهات والأطفال في السودان، ما يترك حوالي 14 مليون طفل في حاجة لإغاثة إنسانية عاجلة.
وأقر وزير الصحة السوداني هيثم محمد إبراهيم، خلال اجتماع اللجنة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية في القاهرة أكتوبر 2023، بضعف مؤشرات صحة الأم والطفل، التي تتضمن وَفِيَّات الأمهات والأطفال وسوء التغذية.
النزيف الحادوتقول أخصائية النساء والتوليد صفاء محمد، إن أغلب وَفِيَّات الأمهات بسبب النزيف الحاد بعد الولادة بالمنزل لتأخر إسعاف الحالة، وعندما تصل تكون في وضع حرج يصعب إنقاذ حياتها.
وأضافت في حديث لـ”التغيير”، أن مشافي ولايات السودان المختلفة تعاني من نقص حاد في الدَّم بعد توقف المعامل المركزية وغياب الأدوية المنقذة للحياة.
ورأت اختصاصية النساء والتوليد، أن الحوامل يفضلن الولادة بالمنزل لعدم توفر الأموال بعد أن فقد أزواجهن أعمالهم بسبب الحرب، لذلك تلجأ أغلب النساء الحوامل للقابلات، ولا يكون خِيار الذهاب إلى المستشفيات إلا بعد فوات الأوان.
الولادة بالمنزلوتؤكد التقارير أن أغلب الوفيات وسط النساء الحوامل بسبب الولادة بالمنازل التي تقوم بها القابلات لعدم توفر المتطلبات الأساسية لسلامة الأم وجنينها، وفي حالة حدوث أي طارئ لا يمكن إنقاذ الموقف.
وتقول القابلة نفيسة علي، إنهن يمارسن مهنتهن بأمانة ومسؤولية، يكرسن أنفسهن لأي حالة ولادة في المناطق التي يعملن فيها.
وأضافت لـ”التغيير”، أنها استطاعت توليد عشرات النساء في مراكز النزوح بعد توقف العديد من المشافي من المنطقة التي تعمل بها.
وتابعت: “لضيق ذات اليد نضطر أن نجري ولادة في مناطق النزوح داخل “الرواكيب والخيام” وتتم الولادة بسهولة، ولكن أحيانا تحدث تعقيدات تتطلب تدخلا جراحيا وتتحول الولادة المستعصية إلى عملية قيصرية نضطر بعدها لنقل الأم إلى المستشفى.
وعزت نفيسة وَفِيَّات الحوامل في حالة الولادة إلى انعدام وسائل النقل لإسعافهن في حالة حدوث أمر طارئ، وهذه الظروف فرضتها الحرب، لأننا في الوضع الطبيعي نعمل تحت إشراف طبي بالمستشفيات.
انفجار الرحموكادت هنادي علي، أن تفقد حياتها، بعد أن تعثرت ولادتها الطبيعية، مما اضطر القابلة التي كانت تباشر ولادتها إلى نقلها إلى أقرب مركز صحي نتيجة لمضاعفات ونزيف حاد.
“وقبل أن تصل إلى المركز الصحي انفجر رحمها في الطريق بعد أن تم إسعافها “بعربة كارو” كما يروى لـ(التغيير) زوجها “عباس فضل المولى”.
“بعد أن وصلنا إلى المركز تم إدخال زوجتي لعملية مستعجلة بعد أن نزفت كثيرًا دمًا وتم نقل الدَّم إليها مباشرة، ولكن للأسف فقدنا الطفل، ولولا العناية الإلهية لفقدت زوجتي أيضًا. “يضيف”.
وحرمت الحرب نساء السودان من أبسط حقوقهن، لعدم تقيد أطراف الصراع بخلق ممرات آمنة للمواطنين التي نص عليها القانون الدولي الإنساني”.
وتقول رئيسة اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان، د. هِبَّة عمر، إن الانهيار الصحي وراء ازدياد وَفِيَّات الأمهات الحوامل، اللاتي تعيش الآف منهن ظروفا إنسانية وصحية حرجة وبالغة التعقيد”.
وتضيف: “الإحصائيات الموجودة الآن تمثل رأس جبل الجليد بعد خروج المستشفيات في (13) ولاية عن الخدمة بعد الحرب”.
ولفتت إلى أن المشافي الموجودة حاليًا لا تتوفر فيها خدمة جيدة والكوادر غير مؤهلة، بالإضافة إلى انعدام الأدوية المنقذة للحياة وأدوية التخدير، وأكياس الدَّم”.
وطالبت رئيسة نقابة أطباء السودان طرفي الصراع بضرورة فتح ممرات آمنة للنساء والأطفال واحترام القوانيين والمواثيق الدولية التي تنصت على هذا، وعدم حرمان النساء الحوامل والأطفال من الغذاء والوصول لأماكن العلاج”.
وتوقعت هِبَّة عمر، ازدياد معدلات الوَفِيَّات وسط الأمهات بسبب انقطاع الاتصالات في السودان وصعوبة الوصول للكوادر الصحية عبر الهاتف بالإضافة لصعوبة الحركة في مناطق حظر التجوال في الفترة المسائية”.
انعدام الغذاءوساعد انعدام الغذاء في بعض ولايات السودان من إزياد حالات الوفاة خاصة المناطق التي توقفت فيها الرعاية الصحية للحوامل، في حين يوصي صندوق الأمم المتحدة للسكان بأن تحصل الحوامل على 8 زيارات للطبيب خلال أشهر الحمل”.
وتقول أخصائية التغذية نهى شمام، إن وضع النساء الحوامل في السودان سيء للغاية لعدم توفر الغذاء الكافي للأم وجنينها، لذلك نرى أن هناك ازديادا في حالات الإجهاض والوفاة وسط النساء الحوامل”.
وتضيف: شمام لـ”التغيير”، “النساء قبل الحمل تحتاج إلى أنماط غذائية مغذية وآمنة لتكوين مخزون كافٍ لفترة الحمل، إذ تزداد الاحتياجات للطاقة والمغذيات في أثناء الحمل”.
وتابعت: “من الضروري تلبية هذه الاحتياجات للمحافظة على صحة المرأة وطفلها داخل الرحم وعلى امتداد مرحلة الطفولة المبكرة”.
مازال أطفال إنعام الخمسة ينتظرون عودة والدتهم ذات الثلاثين عامًا، ودائمًا ما يسألون والدهم عنها، لكنه لا يدري ماذا يقول، فقط يداري دموعه ولا يعرف كيف يخبرهم بأنها لن تعود أبدًا”.
#SilenceKills #الصمت_يقتل #NoTimeToWasteForSudan #الوضع_في_السودان_لا_يحتمل_التأجيل #StandWithSudan #ساندوا_السودان #SudanMediaForum
الوسومالإمهات الحرب النساء تعسر الولادة مستشفياتالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الإمهات الحرب النساء مستشفيات النساء الحوامل لـ التغییر فی السودان فی حالة بعد أن
إقرأ أيضاً:
الأمم المتحدة: الوضع الإنساني المتردي في السودان يلقي بظلاله على الأطفال
الأمم المتحدة قالت إن تمويل أنشطة حماية الطفل لا يتجاوز 3%، مع وجود فجوة تُقدر بـ 88 مليون دولار عن المبلغ المطلوب.
التغيير: وكالات
قال المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، إن الوضع الإنساني المتردي في السودان يُلقي بظلاله على الأطفال بشكل خاص، وجدد دعوته لوقف الأعمال العدائية وإتاحة وصول دون عوائق، للمساعدات الإنسانية كي يتسنى للمنظمات الإنسانية وشركائها توسيع نطاق الدعم، على الرغم من النقص الهائل في التمويل.
وخلال المؤتمر الصحفي اليومي في نيويورك أمس الأربعاء، قال دوجاريك إن الأطفال يشكلون نصف الأشخاص المحتاجين للمساعدة الإنسانية في السودان والبالغ عددهم 30 مليون شخص، ويشكلون كذلك نصف النازحين بسبب النزاع منذ أبريل 2023 والبالغ عددهم 12 مليون شخص.
وأضاف أن العاملين في المجال الإنساني على الأرض يُحذرون من أن الأطفال في حاجة ماسة إلى خدمات الحماية، “ولكن بسبب النقص الحاد في التمويل، لم يتم الحصول سوى على أقل من 18% من هذا الدعم الحاسم حتى هذه اللحظة من هذا العام”.
وأشار إلى أن تمويل أنشطة حماية الطفل لا يتجاوز 3%، مع وجود فجوة تُقدر بـ 88 مليون دولار عن المبلغ المطلوب.
وأضاف: “يواجه الأطفال المنفصلون عن أسرهم مخاطر متزايدة من الإيذاء والاستغلال والصدمات النفسية”.
خطر تفشي الأمراضوقال دوجاريك إن انتشار الأمراض أثر بشكل كبير على أطفال السودان. وأشار إلى أنه منذ تفشي الكوليرا في البلاد في يوليو الماضي، أبلغت وزارة الصحة الاتحادية عن أكثر من 80 ألف حالة اشتباه بالإصابة، وأكثر من ألفي حالة وفاة بينها نحو 7,300 حالة إصابة وأكثر من مئتي حالة وفاة بين الأطفال دون سن الخامسة وحدهم.
وأضاف أن هناك انخفاضا في الإبلاغ عن الحالات الجديدة في ولاية الخرطوم، التي شهدت الشهر الماضي 15 ألف حالة اشتباه بالإصابة. ومع ذلك، حذر من أن قلة الإبلاغ “قد تخفي الحجم الحقيقي لتفشي المرض”، مضيفا أنه تم تأكيد حالات أيضا في جنوب دارفور ونهر النيل وولايات أخرى.
وأشار المتحدث باسم الأمم المتحدة إلى انطلاق حملة تطعيم فموي ضد الكوليرا، في ولاية الخرطوم في 10 يونيو، واستمرت لمدة عشرة أيام، بدعم من منظمة الصحة العالمية واليونيسف، بهدف الوصول إلى 2.6 مليون شخص تبلغ أعمارهم عاما واحدا على الأقل، لكنه ذكّر الصحفيين بأن هذا يتم “في خضم صراع محتدم في حرب أهلية”.
وقال دوجاريك إن السودان يواجه أيضا تفشيا في مرض الحصبة. ومنذ بداية هذا العام، تم تسجيل أكثر من 2,200 حالة اشتباه بالإصابة، بينها خمس وفيات. وكان أكثر من 60% من هذه الحالات بين الأطفال دون سن الخامسة.
وأضاف أن شركاء الأمم المتحدة في مجال الصحة يستجيبون، “ولكن كما هو الحال مع الاستجابة المستمرة للكوليرا، فإن فجوات في البيانات المتعلقة بحالات المرض، بالإضافة إلى النقص الحاد في اللقاحات والإمدادات والكوادر المدرَبة تعيق جهودهم”.
الوسومالحصبة السودان الكوليرا حماية الطفل دارفور ستيفان دوجاريك وزارة الصحة ولاية الخرطوم