موقع النيلين:
2025-05-23@09:57:55 GMT

معتصم أقرع: أما اليسار ففي العسر

تاريخ النشر: 16th, January 2025 GMT

منذ أول طلقة في هذه الحرب قلنا أنه مهم كانت عيوب الجيش والدولة السودانية فان الحل ليس ميليشيا تملكها أسرة مافيا إقطاعية عميلة للخارج.

وقلنا أن الواجب الملح هو التصدي بحزم للغزو الأجنبي علي رماح ميليشا اغتصابية روعت المدنيين. وقلنا أن التصدي للميليشا أولوية اللحظة التاريخية التي لا تلغي التاريخ السياسي لاحد ولا إلتزامه الديمقراطي المناصر للفقراء في حاضر أو مستقبل.

وقلنا أن التصدي للميلشيا لا يعني بالضرورة التنسيق أو التعاون مع جيش أو كيزان فمن الممكن علي كل وطني أن يحارب من منصته المستقلة التي لا علاقة لها بكيزان ولا جيش لزوم حفظ العذرية الثورية لمن أراد. ولو دافع صبي عن قريته ضد الإغتصاب لان ذلك جهاد يحمله إلي الجنة فذلك حقه يشكره عليه أهل القرية. ولو دافع عن القرية ملحد أو علماني أو محب للمريسة فان ذلك مروءة ووطنية. ويتوحد الشعب علي تباين مذاهبه العقائدية لان اللحظة لحظة وطنية وليست لحظة مذهبية. وهذه نقطة من الوضوح في ظل هذا التحدي لوجود الوطن لا يذهل عنها إلا يسار دوغمائى تمكنت منه النزعة الطائفية تمكنها من عقل الطالبان وداعش وزادت.

ما قلناه تقييم سياسي يمكن الإختلاف معه وتبيان عيوبه إن وجدت. ولم ندع إطلاقا إمتلاك الحقيقة ولا الحكمة الأخيرة في أي قضية. ولكن جماعات معتبرة من الليبرال واليسار أختارت الحياد ولم تنظر للموقف بامانة ولم تنتقده بامانة.

ولكن هذه الجماعات غير مطمئنة في حيادها المجيد الذي فارق عدم حياد الشعب الذي يهرب عندما يقترب الجنجا من بلدة ويعودون إليها لو استردها الجيش. ولانها غير مطمئنة في “في حيادها الثوري” المجيد فقد شطحت ببهت كل من رفض المشروع الجنجويدى بلا حياد يساوي بين “طرفي الصراع”. ولجأت لحيلة رخيصة وهي تصوير كل من حاد عن حيادها المجيد بانه صبأ وخرج من كنيسة اليسار وانضم لمعسكر الكيزان والحكم العسكري والدليل الوحيد علي ذلك أتفاقه مع غالبية الشعب التي تصوت بأقدامها بان هناك فرقا شاسعا بين الجيش والجنجويد رغم أن هذا القول لا يعني إعطاء براءة لجيش أو كيزان عن ماض أو مستقبل إلا في تدليس العاجز عن مواجهة الحجة كما هي فيقوم بتزوير تفسيرها ثم يصرع فساد تفسيره بتهكم رائع وكأنه صرع الحجة.

وهكذا تحرز جماعات من اليسار والليبرال هدف مركب في مرماها إذ يقول موقفهم عمليا أن من شروط الحصول علي صك الوطنية اليسارية هو الحياد في غزو خارجي من دول القرون الوسطي علي يد ميليشيا إقطاعية تملكها أسرة مافيوزية. وهكذا يصبح التساهل مع الغزو الأجنبي من شروط يسارية اخر الزمان.

ويصبح رفض الغزو الخارجي والهمجية الميليشية كوزنة ولعق لبوت العسكر ولا أدري عن خدمة أجل للعسكر والكيزان بربطهم بالتصدي للغزو الخارجي وتعريف اليسار بالتساهل مع الغزاة حين يساويهم مع كل من يدافع عن وطنه ولو كان ماركسي دهري أو مستنفر أو حامد ربو جامد أو محمد صديق أو غاضب أو ملك إشتباك.

منذ أول أيام هذه الحرب قلنا أنها تخلق أوضاعا مربكة فكريا وعلي اليسار أن يدير إختلاف الاراء حولها بحكمة وتسامح لا يكفر الراي الاخر إلي أن ينجلي الأمر وتعود الوحدة ويتعزز العمل المشترك. وقد ألتزم بهذا الخلق الكثير من اليساريين والتزم به الحزب الشيوعي الذي لم يزايد علي من أختلف مع حياده المجيد. ولكن اليسار الجزافي، الغماز، الهماز، اللماز الذي صار تنويعة علي تخت الحان تقدم رأي غير ذلك ونفي من نفي من كنيسته وهذا من حقه ونحن نحترم حرية الراي وحرية التعبير.

ونختم بتون أيجابي يقول لحملة أختام اليسار والثورية البابوية ألا يقلقوا فنحن لا ننازعهم مملكتهم ولم ندع تمثيلها ولا للحديث باسمها وظللنا نردد أن راينا راي فرد يمثل نفسه فقط ولا يمثل راي أي جهة أو تيار.

معتصم أقرع

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

الشطر: الموظف الذي يفقد ذاكرتين كل يوم

عندما بُثَ مسلسل Severance عام 2022، والذي أنتجته آبل تي في، لم أستطع تحمل مشاهدة الحلقات، رغم الاحتفال العالمي به، كان لديّ مشكلة حقيقية مع كون العمل ديستوبيًّا، ورغم التحايل على حصره في ذلك عبر الصورة، الألوان، والتمثيل الذي وصف بالقوة، لم يكن ذلك كله كافيًا لأهضم العمل وفكرته. بدا كما لو أنه يتملقني في كثير من الأحيان، يحاول استخدام خبرتي في العمل كموظفة بطريقة سلبية، وفي النهاية لا يقول شيئًا حقيقيًّا عما يحدث بالفعل وراء النظام العبثي الذي تفرضه منظومة العمل العنيفة.

لم يكن «موضوع» المسلسل مشكلتي الوحيدة معه، - لا أحب كلمة موضوع فيما يتعلق بقراءة عمل فني، لكنني مضطرة لاستخدامها هنا، بسبب مباشر من المسلسل نفسه، وهو ما قد يشرح أيضًا تحفظي على الأسلوب الذي يُروى من خلاله «الموضوع» فهو يقع داخل عالم الديستوبيا المحكم، عندما تصبح إشاحة النظر على سبيل المثال محبوكة على نحو ستؤدي فيه وبشكل مباشر وواضح لمعنى محدد سلفًا، واستعارة ينبغي أن لا يفوتها المشاهد، هكذا حتى لا يعود للحياة أي براءة، ولا لعبثيتها ملهى، فالعفوية مطرودة، ومُسيطر عليها، ومكبوحة جماحها التي تتحدى النظام وأي سلطة كانت! أما خصم السلطة اللدود في عالمنا اليوم وهو الغموض، ذلك الشيء السحري، الشفاف، المنفلت الذي لا يمكن لمسه ولا الإمساك به، المتلاعب، اللجوج، مقصيٌ بلا عودة للهرب من حقيقته ووطأتها.

يعيش موظفو شركة لومون في حالة من الانفصال القسرية، بعد مرورهم بعملية شطر، تجعلهم مزدوجي الشخصيات والحيوات، فلدى كل موظف شخصية (ini أي داخلي وهي شخصية الموظف داخل الشركة و outi شخصيته خارجها، لا تتذكر الشخصيتان عالم الشخصية الأخرى وظروفها. وعبر الولاء المطلق للشركة والوظيفة، والضبط المحكم للموظفين عبر الامتيازات الممنوحة لهم، أو طبيعة تنظيم وبيروقراطية العمل، والتي تعبر عن شكل عبودية ما، نعيش تفاصيل ما يسميه الناقد ستيفن براغر «هراء العمل». جميعنا يألف الأعمال التي لا نعرف لم تؤدى بهذه الطريقة أو بتلك، ذلك الإبهام هويتها وتُستخدم لصالح النظام/السلطة مع استمرارنا تأديتها بلا مسائلة. فجأة يحدث ما يحدث دومًا أمام كل استبداد، يتمرد بعض الموظفون ليحاولوا إنهاء عملية الفصل هذه، ودمج عالمهم الخارجي بالداخلي، مما يهدد الشركة وعملهم فيها.

شجعني برغر تحديدًا في قراءته التي نشرت خلال الأسبوع الماضي عن العمل، للكتابة عنه. خصوصًا بعد نشر الجزء الثاني من المسلسل بداية من يناير الماضي وملاقاته النجاح الكبير ذاته الذي حققه الجزء الأول. إن أطروحته ببساطة عبرت عما أزعجني، فرغم ادعاء المسلسل ظاهريًّا نقده الجذري للرأسمالية، إلا أنه لا يفعل ذلك. بل وأستطيع أن أقول بأنه يكرسها بطريقة ما، عبر فرض البنى نفسها في صناعة مسلسل قابل للاستهلاك يُعبر عن أزمة حقيقية، فظيعة، وعنيفة، ليحول هذه الأزمة لتكون مدرة للربح! إنه التقليد الأول والأساسي للرأسمالية أليس كذلك؟

يشير برغر في مقاله للعديد من الأفكار المهمة فهو يقول: إن العمل لا يهدف للتحريض ضد النظام القائم، بل يأمل في الاستفادة منه عبر عكس خيبة أمل المشاهدين المتزايدة وتجسيدها في العمل والاكتفاء بذلك فقط. يشير برغر لموضوع ساخر حقًّا يتناوله المسلسل بإسهاب، وهو «رعاية المتعة الإلزامية» عندما يقوم مكان العمل بدعوة الموظفين للرحلات الجماعية، أو جلسات التشافي، أو الحفلات الموسمية الخاصة داخل المؤسسة، وحماس الموظفين لهذه المكافآت التافهة، إذ يظهر هذا كله كنكتة مركزية في المسلسل. بكل تأكيد تُستخدم هذه الامتيازات للتلاعب بالموظفين وإجبارهم على الطاعة. لكن من المهم بعد ذلك أن نرى كيف أن المسلسل لا يملك الكثير ليقوله عن الثروة والربح كقوة دافعة لهذا الاستغلال.

تستخدم الشركات كما يظهر في المسلسل العلاقة بالعائلة كأداة من أدوات السيطرة. بالإضافة لأطروحة برغر أجدني هنا أقول بأنها سمة نيوليبرالية واضحة، إذ تصبح رغبتنا في تحصيل الرفاه وحصتنا من الموارد قهرية، وبكل تأكيد لن تحدث متعتنا الكاملة ولا راحتنا إلا إذا كانت العائلة أو من نحب مركزيًّا في حياتنا، هذه الأخيرة بدلًا من أن تكون حاسمة في العيش براحة ورفاهية، تصبح مصدر كدرنا خوفًا من عدم قدرتنا على إعالة من نحبهم، الأمر الذي يجعلنا محاصرين في وظائف وضيعة أو ذات ظروف عنيفة.

في عملية الضبط داخل شركة لومون لا يتم الحديث عن المال! حتى وإن كان سبب انتساب الموظفين وموافقتهم على عملية الشطر بسبب ارتفاع أجور الشركة إلا أننا لا نعرف شيئًا عن هذه الأجور وفيما يستخدمونها! لا يبدو أن أصحاب هذه الشركة الكبيرة يهتمون بالمال مطلقًا ألا يشبه ذلك وعلى نحو قاطع الرأسماليين الذي يحكمون عالمنا؟ ما يختار المسلسل عرضه لنا والطريقة التي يُعالج بها الكثير من المسائل المعقدة تخبرنا على -حد تعبير برغر- عن الحدود حول استعداد المسلسل أن يذهب بعيدًا بالفعل في التعليق والنقد الاجتماعي والجذري للظاهرة التي يدعي تبنيها. وفي الوقت الذي ينبغي فيه أن ينقد المنظومة ينحاز لاجترار الإجراءات اليومية التافهة التي نتعامل معها كموظفين ساخرًا منها دون أن يبتعد كثيرًا عن ذلك.

يقدم العمل هذه الشركة - كشركة استثنائية - مكانًا غرائبيًّا محكومًا من طائفة ما، وهو مليء بالأسرار والشخصيات الكاريكاتورية وهو أمر آخر يدعو للسخرية حقًا! هل كل الشركات والمدراء محكومون بهذه الظروف الكبرى والقصوى التي تجعلهم يسيئون إلينا في العمل؟ طبعًا لا. لكن المسلسل يحاول إقناعنا بالعكس.

في النهاية لا يبدو أن المسلسل يستخدم مسألة الشطر هذه التي تفقد الموظفين ذاكرتهم داخل مكان العمل وخارجه وتفصل بينهما في سبيل التعليق على النظام في هذه الشركات، بل هو يلمح وفي أكثر من مناسبة أن رغبتهم في نسيان ما يحدث خارج العمل قادمة من ظروفهم الشخصية في الخارج، فهنالك الحزين على خسارة زوجته مثلًا والذي يهرب بالعمل من حداده الشخصي. كثيرون منا يريدون نسيان أعمالهم بمجرد مغادرتها مع آخر دقيقة في الشركة، شخصيات المسلسل اتخذت قرارًا بتغيير أدمغتها لتحقيق ذلك، يبدو أن المطلوب منا كموظفين أن نجد طريقة ما، لننسى عنف الداخل والخارج، أما أن نواجه الرأسمالية وبشاعتها وعنفها والمستفيدين منها وهم قلة تحكمنا فذلك أمر لا يمكن حتى لعمل «فني» أن يتخيله.

مقالات مشابهة

  • حسام عبد المجيد يتمسك بالاحتراف ويخطر مسئولي الزمالك بقراره
  • حلم الثري اليهودي فريدمان الذي يسعى سموتريتش لتحقيقه
  • الشي الوحيد الذي أصاب ترامب فيه
  • عدد الأصدقاء أم نوعيتهم؟.. ما الذي يحقق لنا السعادة في التواصل الاجتماعي؟
  • بنعبد الله: مشروع توحيد اليسار مع الاتحاد الاشتراكي تبخر ولم يعد له أثر ولانفهم السبب (فيديو)
  • نجم المقاولون السابق: محمد صلاح مش أهلاوي.. وعبد المنعم وعبد المجيد الأفضل في مصر
  • وزير الدفاع اللواء المهندس مرهف أبو قصرة في تغريدة عبر X: تلقى الشعب السوري اليوم قرار الاتحاد الأوروبي برفع العقوبات المفروضة على سوريا، وإننا نثمن هذه الخطوة التي تعكس توجهاً إيجابياً يصب في مصلحة سوريا وشعبها، الذي يستحق السلام والازدهار، كما نتوجه بال
  • الشطر: الموظف الذي يفقد ذاكرتين كل يوم
  • من الذي التهم صنم العجوة ؟
  • ما الذي يضمره أبو إيفانكا لسوريا وقيادتها؟