أوليفييه دوزون يكتب: نقطة توتر شديد.. امتداد الحرب إلى البحر الأسود.. كارثة على دول المنطقة
تاريخ النشر: 20th, August 2023 GMT
البحر الأسود هوالآن منطقة حرب خاصة بالناتو مثل غرب أوكرانيا.. منذ أن أدانت روسيا فى ١٧ يوليو٢٠٢٣ الاتفاق الذى يضمن مرور الحبوب من أوكرانيا، أصبح البحر الأسود مركزًا للتوترات العسكرية والجغرافية، وهذا ما أكده كل من مارك سانتورا وستيفن إرلانجر فى أعمدة صحيفة نيويورك تايمز (المياه المضطربة: كيف أصبح البحر الأسود نقطة ساخنة فى الحرب.
وقال إيفودالدر، السفير الأمريكى السابق لدى الناتو الذى يدير مجلس شيكاجو للشئون العالمية، أنه «على الرغم من أن البحر الأسود يعد بعيدًا عن مناطق المواجهات الأوكرانية، خاصة على جانب باخموت، إلا أنه أصبح الآن مجالًا للصراع ومنطقة حرب خاصة بالناتومثل غرب أوكرانيا».
وبعد أن انسحبت روسيا من اتفاقية الحبوب، قامت بسحق الموانئ الأوكرانية على البحر الأسود وذلك لتخريب تصديرالحبوب التى تعد أمرا أساسيا للاقتصاد الأوكرانى، كما قامت بضرب بعض المواقع على نهر الدانوب على بعد مئات من الأمتار من رومانيا، العضو فى الناتو. وقد جعل هذا الهجوم المخاوف تزيد من أن التحالف العسكرى لم يتم تدريبه بصورة كافية لخوض هذا الصراع.
كان البحر الأسود فى قلب الاهتمام والجهود الروسية لعدة قرون، وذلك لتوسيع نفوذها الجيوسياسى والاقتصادى مما تسبب فى اشتباكات مع القوى العالمية الأخرى بما فى ذلك الانخراط فى حروب متعددة مع الإمبراطورية العثمانية.
إن الموانئ على طول المياه الدافئة تسهل التجارة على مدار السنة. وقدم هذا الموقع الذى يوجد فى مفترق طرق جيوسياسى مكانا لروسيا لحماية نفسها فى أوروبا وفى الشرق الأوسط وما بعده.
ولم يتوقف فلاديمير بوتين أبدًا عن زيادة تأثير موسكو حول البحر الأسود والاستثمار فى تطوير الموانئ الساحلية ومدن العطلات مع تعزيز القوة العسكرية الروسية فى المرافق البحرية للأسطول الجنوبى من موسكو (وخاصة فى شبه جزيرة القرم فى سيباستوبول).
ولكن دعنا نقول إن البحر الأسود مهم لحلف الناتو بنفس القدر الذى يحاول به «تدمير» روسيا وفى الواقع، نرى أن هناك ثلاث دول أعضاء، وهى تركيا ورومانيا وبلغاريا، تحد البحر الأسود مع أربعة موانئ مهمة. ونجد خمسة دول شريكة فى المنطقة: هى أرمينيا وأذربيجان وجورجيا ومولدوفا وأوكرانيا.
وفى واشنطن، أصدرت إدارة بايدن تحفظات فى بداية الحرب، على مبادرات كييف التى تهدف إلى ضرب الأهداف أو التخريب داخل روسيا بما فى ذلك ضرب موانئها على البحر الأسود، وذلك خوفًا من أن مثل هذه الهجمات قد تزيد التوترات مع الرئيس الروسى فلاديمير بوتين ويشير مارك سانتورا وستيفن إرلانجر إلى أن هذه المخاوف قد تراجعت ولكنها لم تختف تمامًا.
وفى هذا السياق، أظهرت تركيا الحزم وحاولت منع حلفائها من حلف الناتو من زيادة التوترات مع روسيا فى البحر الأسود. وقال سنان أولجين، الدبلوماسى التركى السابق ومديرمركز الأبحاث التركى: «لقد حاولت تركيا أيضًا إقناع فلاديمير بوتين بالرجوع فى اتفاقية الحبوب حتى ولوتلاشت الآمال».
وقال سنان أولجين: «لم ترحب تركيا بأى مهمة لحلف الناتو فى البحر الأسود، معتقدة أن زيادة وجود الناتوهناك من شأنه أن يزيد من خطر الصراع مع روسيا».
ومنذ بداية «العملية الخاصة» لروسيا فى أوكرانيا، قامت تركيا التى كانت تسيطر على العبور بالبحر الأسود عن طريق مضيق البوسفور والدردنيل بموجب مؤتمر عام ١٩٣٦، قامت إذن بحظر سفن الحرب الروسية والأوكرانية ومنعتها من إستخدام المضيق وقد تم الترحيب بهذا الاجراء من قبل أوكرانيا والناتو.
لكن تركيا طلبت أيضا من حلفائها عدم إرسال سفنهم الحربية وفى الوقت الحالى، ومنذ أن أغلقت تركيا المضيق أمام السفن الحربية الروسية، لم تحاول الولايات المتحدة تخويف أنقرة أوعزلها ولا شك أن السيطرة على البحر الأسود هى أمر استراتيجى بارز بالنسبة لروسيا وهذا هو أحد الأسباب التى جعلت روسيا تضم شبه جزيرة القرم فى عام ٢٠١٤، وهى شبه جزيرة كبيرة على الساحل الشمالى للبحر، وذلك عندما تم إقالة رئيس أوكرانى موالى لروسيا خلال إحدى حركات التمرد.
موسكو واتفاقية الحبوب
قال الرئيس التركى رجب طيب أردوغان: «أعتقد أنه يمكن العثور على حل» فى إشارة إلى المحادثة التليفونية الأخيرة مع نظيره الروسى فلاديمير بوتين الذى رفض تمديد الاتفاقية وقال الرئيس التركى فى ٧ أغسطس ٢٠٢٣: «يعتمد حل نقل الحبوب من أوكرانيا فى البحر الأسود على الدول الغربية التى يجب أن تحافظ على وعودها».
ويعتمد حل هذه المشكلة على احترام الدول الغربية لوعودها. وأشار الرئيس التركى إلى أنه لم يتم إتخاذ التدابير التى كان من شأنها أن تحول الوضع إلى أجواء إيجابية بعد مبادرة البحر الأسود وتؤدى إلى وقف إطلاق النار ثم إلى اتفاق سلام دائم.
وفى هذه الحالة، طالبت موسكو برفع العقبات المرتبطة بالعقوبات الغربية وتصدير منتجاتها الزراعية لا سيما مواد السماد وأضاف الرئيس التركى: «إن موقفنا هنا واضح».. كان أردوغان قد اتصل بفلاديمير بوتين لحثه على «تجنب التصعيد»: «إذا امتدت الحرب إلى البحر الأسود فسوف تكون كارثة فى منطقتنا!».
معلومات عن الكاتب:
أوليفييه دوزون.. مستشار قانونى للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبى والبنك الدولى. من أهم مؤلفاته: «القرصنة البحرية اليوم»، و«ماذا لو كانت أوراسيا تمثل الحدود الجديدة؟» و«الهند تواجه مصيرها».. يتناول التوتر الشديد فى منطقة البحر الأسود والذى ازداد عقب انسحاب روسيا من اتفاقية الحبوب.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: البحر الأسود روسيا فلادیمیر بوتین البحر الأسود
إقرأ أيضاً:
مناورات عسكرية روسية في بحر البلطيق.. ما رسائلها؟
موسكو- تواصل السفن الحربية الروسية مناوراتها العسكرية الواسعة في بحر البلطيق، في إطار ما سمته وزارة الدفاع الحفاظ على القدرات العملياتية وتأمين قواعدها في هذا المسطح المائي، بمشاركة قطعات من الأسطول الشمالي وبدعم من طائرات القوات الجوية الفضائية وقوات منطقتي موسكو ولينينغراد العسكريتين.
ويشارك في المناورات نحو 3 آلاف جندي وأكثر من 20 سفينة حربية وقاربا وسفينة دعم وقرابة 25 طائرة ومروحية وما يصل إلى 70 وحدة من المعدات العسكرية والخاصة.
ووفق برنامج المناورات، سيتعين على أطقم السفن حل مهام مكافحة الغواصات، والتصدي للقوارب غير المأهولة، والتدريب على استهداف الأهداف البحرية والجوية "المعادية".
وتأتي المناورات الروسية الجديدة بعد نحو شهر من مناورات عسكرية في إستونيا أغلقت على خلفيتها السلطات في طالين (العاصمة) معبر نارفا الحدودي مع روسيا لمدة 3 أيام بعد أن أقر البرلمان الإستوني مشروع قانون يسمح للسفن العسكرية في بحر البلطيق باستخدام القوة ضد السفن "المشبوهة" وحتى إغراقها إذا اعتُبرت تهديدا للبنية التحتية تحت الماء.
كما تأتي بعد يوم واحد من انتهاء مناورات "حصن الرعد 2025" العسكرية الدولية في ليتوانيا بمشاركة نحو 8 آلاف جندي، وقال قائد القوات المسلحة الليتوانية رايمونداس فايكسنوراس إنها لاختبار استعداد القوات الليتوانية والحليفة لتنفيذ خطط دفاعية على الجناح الشرقي لحلف شمال الأطلسي (ناتو).
إعلانوكان ألكسندر غروشكو نائب وزير الخارجية الروسي قد وصف هذه المناورات بأنها تستهدف روسيا، مؤكدا أن بلاده ستتخذ إجراءات لإحباط "جهود نشر القوة باتجاه روسيا"، وأن جميع مناورات الناتو مرتبطة بفكرة واحدة هي احتواء روسيا وإعداد التحالف لمواجهة عسكرية معها.
أسطول الظلويطرح تزايد النشاط العسكري المتزايد لفنلندا وإستونيا في بحر البلطيق والمناورات الروسية "المضادة" تساؤلات عن أسباب التصعيد الجديد على محور بحر البلطيق، وفيما إذا كان المقصود هو مواجهة ما يسمى "أسطول الظل" الذي يقول الاتحاد الأوروبي إن روسيا تستخدمه لتجاوز العقوبات المفروضة عليها.
ومن المفيد في السياق الإشارة الى الحادثة التي وقعت منتصف الشهر الحالي عندما حاولت البحرية الإستونية الاستيلاء على ناقلة النفط "جاغوار" في المياه المحايدة خلال توجهها إلى بريمورس.
وكان الإستونيون يعتزمون إجبار الناقلة -التي كانت ترفع علم الغابون– على التوجه إلى المياه الإقليمية للجمهورية، لكن المقاتلات الروسية تدخلت ورافقت الناقلة إلى وجهتها.
تشتيت قدراتويفسر الخبير في الشؤون العسكرية ألكسي أرباتوف المناورات الروسية بأنها لتأمين الدوريات المستقبلية في المياه المحايدة، للحد من "التجاوزات" التي حصلت مؤخرا، وتمثلت بمحاولات إيقاف سفن مدنية وإجبارها على دخول موانئ إستونيا وليتوانيا ولاتفيا وفنلندا والسويد.
ويضيف أرباتوف للجزيرة نت أن أسطول البلطيق يعمل حاليا على الحد من أي تأثير عدواني على السفن المدنية الروسية، بما في ذلك مساعدة أنظمة الدفاع الساحلي والطيران.
ويتابع أن روسيا اكتسبت خبرة كبيرة خلال عمليات مكافحة القرصنة في خليج عدن عندما كان القراصنة الصوماليون ينشطون هناك وأوقفوا سفنا مدنية واستولوا عليها ونهبوا طواقمها، قبل أن تقوم سفن الأسطول الروسي بمواجهتهم وإيقافهم.
إعلانوأشار أرباتوف إلى أن الدول الأوروبية المنضوية تحت "تحالف الراغبين" باتت تصعّد الوضع في بحر البلطيق و"تتعدى" على البحر الأسود بعد أن اعتُمدت مؤخرا وثيقة تعتزم فيها ضمان الأمن من خلال إشراك دول البحر الأسود والدول غير الأعضاء فيه من الاتحاد السوفياتي السابق مثل مولدوفا وجورجيا وأرمينيا وأذربيجان.
ويؤكد أن المناورات الروسية جاءت كذلك ردا على تجاهل الأوروبيين القضايا الأمنية في البحر الأسود التي تقلق روسيا، حيث يأمل الاتحاد الأوروبي في استبدال اتفاقية مونترو التي تنظم وجود السفن الأجنبية في البحر الأسود بشكل صارم.
ويتابع أرباتوف أنه إذا وُضع هذا الإعلان -الذي توصلت إليه دول الاتحاد الأوروبي- موضع التنفيذ فقد يسعى الاتحاد الأوروبي ممثلا بفرنسا وألمانيا إلى رفع مستوى التصعيد لأقصى حد في البحر الأسود.
ويختم "بما أن قوات أسطول البحر الأسود تشارك في العملية العسكرية الخاصة مع أوكرانيا فإن هذا يبدو محاولة لإضعاف روسيا بشكل جدي، ففي حال وصل الوضع في البحر الأسود إلى ذروته فإن المناورات القادمة لضمان سلامة الملاحة ستُجرى في البحر الأسود كذلك، ويبدو أن القيادة الروسية تستعد لذلك من خلال مناورات البلطيق".
من جانبه، يعتبر الخبير في القانون الدولي ديمتري سوسلوف أن تصاعد التوترات في بحر البلطيق دفع روسيا إلى استخدام القوافل العسكرية لمرافقة سفنها، وردا على إجراءات إستونيا التي حاولت احتجاز ناقلة يُزعم تورطها في التحايل على العقوبات.
ويضيف سوسلوف في حديث للجزيرة نت أن المناورات الروسية واسعة النطاق في بحر البلطيق هي رسالة تحذيرية تجاه الإجراءات التي تتخذها الدول الأوروبية بهدف فرض حصار بحري، وهي إجراءات محفوفة بعواقب وخيمة، حسب تعبيره.
إعلانويحذّر من أن التاريخ يشهد أمثلة عديدة لمحاولات حصار بحري أدت إلى صراعات مسلحة، مشيرا إلى أن محاولات الضغط على روسيا قد تؤدي إلى حصول حوادث عشوائية، مثل الاصطدامات مع السفن أو الطائرات العسكرية الروسية، مما قد يجعلها خارجة عن السيطرة.
ويلفت سوسلوف إلى أن أهداف المناورات الروسية تنطلق من قاعدة قانونية تنص عليها اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، والتي تمنح أي دولة مجاورة لأي منطقة مائية الحق في العمل على منع أو التحذير من أي أعمال غير قانونية تتعلق بالتهريب، مع إمكانية نقل أسلحة الدمار الشامل والبضائع المحظورة ضمن مياهها الإقليمية فقط.
لكنه يوضح أنه لا يُسجل في أي مكان حق أي دولة في مهاجمة السفن المشبوهة خارج نطاق مياهها الإقليمية، أي المنطقة الخاضعة لولايتها القضائية، وبالتالي فإن أي محاولة لتوسيع نطاق حقها ليشمل المنطقة المشمولة بمفهوم المياه المحايدة تندرج ضمن مفهوم القرصنة.