عربي21:
2025-12-13@04:01:46 GMT

من رماد الرأسمالية.. هل يولد عصر جديد؟

تاريخ النشر: 30th, January 2025 GMT

التاريخ ليس مجرد سلسلة من الأحداث أو حكايات تُروى عن الماضي، بل هو حركة متواصلة من التحولات، تنبض بالحياة وتعيد تشكيل العالم على مر العصور. إنه كيان جدلي، يدفعه صراع القوى وتناقضاتها، حيث لا يمكن فهمه إلا من خلال عدسة التحول المستمر. وكما تعاقبت الأنظمة الكبرى من العبودية إلى الإقطاعية وصولًا إلى الرأسمالية، فإن كل نظام يحمل في داخله بذور نهايته، ليصبح نقطة انطلاق لنظام جديد أكثر تعقيدًا.



في النظام الإقطاعي، كانت الأرض هي مصدر السلطة والثروة، ولكن مع نمو التجارة وازدهار المدن، ظهرت طبقة البورجوازية التي أطاحت بهذا النظام. وهكذا، ظهرت الرأسمالية، التي أطلقت العنان للإنتاجية البشرية، مستبدلة سيطرة النبلاء بهيمنة رأس المال. لكن، كما كان الإقطاع يحمل تناقضاته، فإن الرأسمالية، على الرغم من قوتها الظاهرة، تُظهر اليوم تصدعات عميقة.

ما يميز حركة التاريخ هو أنها ليست خطية بل تأخذ شكلًا دائريًا أو حلزونيًا. فكل نظام جديد لا يُلغي القديم بالكامل، بل يعيد تشكيله في سياق أكثر تعقيدًا. التناقضات التي تُسقط الأنظمة القديمة تصبح المادة الخام لبناء أنظمة جديدة، وكأننا في كل مرحلة نرتقي درجة في سلم التطور، نعيد صياغة ما كان، لكن بوعي أكثر نضجًا.الرأسمالية ليست مجرد نظام اقتصادي، بل هي مرحلة من مراحل التاريخ، تحمل في جوهرها تناقضات تهدد وجودها.

أبرز هذه التناقضات:

1 ـ الاستلاب الإنساني: تحولت العلاقة بين الإنسان والعمل إلى علاقة استغلالية؛ فقد أصبح الإنسان مجرد أداة لإنتاج الربح، فاقدًا لجوهره الإنساني.

2 ـ الفجوة الطبقية: في ظل تركيز الثروة بيد قلة، تتسع الفجوة بين الأغنياء والفقراء، مما يزيد من حدة الصراع الاجتماعي.

3 ـ أزمة البيئة: السباق المحموم نحو الربح أدى إلى استنزاف موارد الأرض، وخلق أزمة بيئية تهدد مستقبل الكوكب.

الرأسمالية، التي كانت رمزًا للابتكار والتقدم، تبدو اليوم وكأنها تدخل مرحلة الشيخوخة الجدلية، غير قادرة على تلبية تطلعات الإنسانية أو مواجهة تحديات العصر.

ما يميز حركة التاريخ هو أنها ليست خطية بل تأخذ شكلًا دائريًا أو حلزونيًا. فكل نظام جديد لا يُلغي القديم بالكامل، بل يعيد تشكيله في سياق أكثر تعقيدًا. التناقضات التي تُسقط الأنظمة القديمة تصبح المادة الخام لبناء أنظمة جديدة، وكأننا في كل مرحلة نرتقي درجة في سلم التطور، نعيد صياغة ما كان، لكن بوعي أكثر نضجًا.

السؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو: ما النظام الذي سيأتي بعد الرأسمالية؟ السيناريوهات متعددة، وكل منها يحمل رؤى مختلفة للمستقبل:

1 ـ اشتراكية مرنة: قد نرى نظامًا يتبنى العدالة الاجتماعية دون التضحية بالإبداع والحرية الفردية، متجاوزًا أخطاء الاشتراكية التقليدية.

2 ـ اقتصاد الذكاء الاصطناعي: مع تقدم التكنولوجيا، قد ننتقل إلى مجتمع تُصبح فيه الإنتاجية تلقائية، مما يُحرر الإنسان من عبء العمل التقليدي.

3 ـ رأسمالية خضراء: الضغط البيئي قد يدفع نحو نظام اقتصادي مستدام، يوازن بين الربح وحماية البيئة، وإن كان هذا الخيار يبدو محاولة لإطالة عمر الرأسمالية.

4 ـ إنسانية كونية: قد يدخل العالم مرحلة جديدة تتجاوز الحدود الوطنية، حيث يصبح الوعي الجمعي الإنساني القوة المحركة للتاريخ.

ما يجعل التاريخ جديرًا بالتأمل هو قدرته على التجدد. إنه ليس مسارًا ينتهي عند نقطة، بل حركة دائمة تعيد تشكيل نفسها بشكل أعقد وأكثر شمولية. وكما قال هيغل، "العقل يسير عبر التاريخ"، فإن هذا السير ليس خاليًا من الألم والصراع، بل هو اختبار مستمر لإرادة الإنسان وقدرته على تجاوز أزماته.

المستقبل ليس قدرًا محتومًا، بل مشروع يُصاغ بإرادة الإنسان ووعيه. نحن اليوم في لحظة فارقة من التاريخ، حيث تواجه البشرية مسؤولية إعادة تشكيل العلاقة بين الإنسان والطبيعة، وبين الفرد والمجتمع. النظام الذي سيأتي بعد الرأسمالية لن يكون وليد الصدفة، بل نتيجة لتفاعل وعي الإنسان مع تناقضات الحاضر.

ما يجعل التاريخ جديرًا بالتأمل هو قدرته على التجدد. إنه ليس مسارًا ينتهي عند نقطة، بل حركة دائمة تعيد تشكيل نفسها بشكل أعقد وأكثر شمولية. وكما قال هيغل، "العقل يسير عبر التاريخ"، فإن هذا السير ليس خاليًا من الألم والصراع، بل هو اختبار مستمر لإرادة الإنسان وقدرته على تجاوز أزماته.إذا كان التاريخ معلمًا، فهو بالتأكيد ذاك النوع من المعلمين الذي يعيد نفس الدرس مرارًا، ليس لأنه يريدك أن تفهم، بل لأنه يعتقد أن رؤيتك تتعثر في نفس النقطة ممتعة للغاية. وربما يبتسم الآن، كما لو كان يقول: "لا تقلقوا، لدي المزيد من الأزمات والمفاجآت في جعبتي!"

ولكن لنكن صريحين، ربما نحن البشر لسنا أفضل طلاب في صفه. نعيد الأخطاء نفسها، فقط مع تعديلات عصرية: اليوم نحارب من أجل الموارد الرقمية بدلًا من الأراضي الزراعية، ونتجادل حول من يملك البيانات بدلًا من الذهب.

وربما الحل يكمن في أن نغير موقفنا: بدلًا من محاولة هزيمة التاريخ أو تجاوزه، فلنضحك معه. وإذا استمر في كتابة نفس السيناريوهات، فلنجرب نحن أن نرتجل نهاية مختلفة… أو على الأقل نطلب استراحة كوميدية وسط هذه الدراما المتكررة!

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه التحولات العالم اقتصادي اقتصاد العالم رأي تحولات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة نظام ا

إقرأ أيضاً:

في اليوم العالمي لحقوق الإنسان.. ما هو وضعها في تونس؟

حذر حقوقيون تونسيون، من الوضع "الخطير" الذي باتت تشهده الحقوق والحريات في تونس، خلال السنوات الأخيرة وذلك بالنظر للاستهداف الكبير للمعارضين والصحفيين والمدونيين، وتسليط المرسوم عدد 54 على رقاب كل من يتكلم ويعبر عن موقفه بحرية وخاصة من يخالف السلطة.

واعتبر الحقوقيون، في ندوة صحفية الأربعاء، بالتزامن مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، أن الحقوق تعيش "وضعا صعبا للغاية" ما يستوجب الدفاع عنها بكل قوة مهما كلف الأمر، مطالبين السلطات بالبلاد باحترام الحقوق وفتح حوار جدي لأن في ذلك ضمانة للجميع دون استثناء.

وضع صعب
وقال عميد المحامين التونسيين بوبكر بالثابت: "وضع حقوق الإنسان صعب جدا في تونس، وهو بعيد عما يخطه الإعلان العالمي وما تسنه النصوص الوطنية والقوانين وحتى التراتيب".

وأكد بالثابت في تصريح لـ "عربي21"،"ضمانات الدفاع والمحاكمة العادلة غائبة، هناك عديد الممارسات التي تنسف عناصر المحاكمة العادلة ونحن نعيشها تقريبا يوميا كمحامين وخاصة في القضايا التي يحاكم فيها عدد من منظورينا".

ويقبع بالسجون عدد بارز من المحامين من ذلك عبير موسي ،نور الدين البحيري، رضا بالحاج، غازي الشواشي، عصام الشابي، نجيب الشابي والعياشي الهمامي..

وشدد على "إن إحالة حقوقيين و إعلاميين وسياسيين على معنى قانون الإرهاب، أمام محاكم غير مختصة، أمر ترفضه معايير حقوق الإنسان والقانون" لافتا إلى أن "هناك أحكام قاسية تصدر ومخالفة لما نتدارسه اليوم وهو الإعلان العالمي لحقوق الإنسان".




يشار إلى أنه وخلال الأشهر الأخيرة، قد تواترت الأحكام القضائية بتونس  ضد عدد من المعارضين السياسيين في ملفات  مختلفة أبرزها "التآمر1"،"التآمر2" وتراوح مجموع أحكام كل قضية مئات السنين ما شكل صدمة عند الرأي العام وخاصة الحقوقي.

وأضاف"هناك تضييق على عدد من المساجين خلال الزيارات ونقلتهم من السجون بعيدا عن المحاكم التي يحاكمون فيها"مشددا"كل هذا فيه مس من الحقوق الأساسية والإنسانية التي نص عليها القانون ولذلك نحن نقول إن حقوق الإنسان بتونس تعيش ظروفا خاصة جدا".

وأكد "المحاماة تناضل من أجل القانون وأبدا ومطلقا لن تسكت عن مخالفة القانون كلفنا ذلك ما كلفنا" مطالبا، "نحن نتابع الأوضاع وندعو السلطة إلى فتح حوار حقيقي حول ما نطالب به لأن سيادة القانون فيه سلامة لجميع الأطراف بما في ذلك السلطة الموجودة".



المرسوم السيف
بدوره قال نقيب الصحفيين التونسيين زياد الدبار: "واقع الحقوق صعب للغاية وخاصة على مستوى الحريات الصحفية وفي ظل المرسوم عدد 54 الناسف لكل الحقوق".

وفسر في تصريح خاص لـ "عربي21"،"المرسوم تسبب في سجن عديد الصحفيين وحتى مواطنيين،اليوم عندما نتكلم عن الحرية الصحفية نتكلم عن ممارستها فهي باتت صعبة بالنظر لإقصاء الصحفيين من تغطية الندوات الكبرى وكذلك التفريق بين من هو صحفي في القطاع العام والخاص".

وتابع أن "كل صحفي ناقد للسلطة ولا يعجبها موقفه يتم منعه من التغطية بالمحاكم وهو تضييق ممنهج"، مؤكدا أن "الخطاب الرسمي يتبنى الحقوق والحريات والواقع بعيد البعد عن ذلك".

جدير بالذكر أن عددا من الصحفيين يقبعون بالسجون منذ سنوات ومحالون طبقا للمرسوم عدد 54،كما يحاكم عدد من السياسيين طبقا لنفس المرسوم.

وتنص المادة 24 من المرسوم عدد 54 لسنة 2022 الصادر في 13 سبتمبر/ أيلول ،على عقوبة "السجن مدة 5 أعوام وبغرامة قدرها 50 ألف دينار (نحو 16 ألف دولار) كل من يتعمّد استعمال شبكات وأنظمة معلومات واتّصال لإنتاج، أو ترويج، أو نشر، أو إرسال، أو إعداد أخبار أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو وثائق مصطنعة أو مزوّرة أو منسوبة كذبا للغير بهدف الاعتداء على حقوق الغير أو الإضرار بالأمن العام أو الدفاع الوطني أو بث الرعب بين السكان".

مقالات مشابهة

  • هل تقرر التجديد لمديرة تعليم القاهرة في حركة التغييرات المعتمدة اليوم؟ الوزارة تنفي
  • “قداسة البابا “: من الأسرة يخرج القديسون وهي التي تحفظ المجتمع بترسيخ القيم الإنسانية لدى أعضائها
  • رحيل شاب من حلايب أثناء أداء العمرة بمكة المكرمة
  • قرية كاملة يولد سكانها عمياناً.. لغز وراثي يحير العلماء
  • إنستجرام يولد عناوين تلقائية للبحث دون علم المستخدمين
  • عاجل | حسان يؤكد: موازنة 2026 تُنجز منتصف ديسمبر وبدء المشاريع الرأسمالية مطلع 2026
  • في اليوم العالمي لحقوق الإنسان.. ما هو وضعها في تونس؟
  • عاجل |متقاعد من أمانة عمان على نظام التقاعد المبكر : التاريخ لا يرحم
  • لماذا تخطط المالية استبدال ضرائب الأرباح الرأسمالية بالدمغة..الوزير يجيب
  • قومي حقوق الإنسان: الكرامة الإنسانية هي الأساس الذي يُبنى عليه أي نظام ديمقراطي