بري يحرّم العراضات الاستفزازية... تقويض للسلم الأهلي
تاريخ النشر: 30th, January 2025 GMT
في هذا الوقت الضاغط على أعصاب اللبنانيين المتأرجحين بين استمرار العدو الإسرائيلي بالتحكّم بالبلدات والقرى التي لا تزال خاضعة لهيمنته، وبين العراقيل السياسية التي توضع على الرئيس المكلف تشكيل الحكومة نواف سلام، وبين العراضات الاستفزازية، التي اعتقد كثيرون بعد انتخاب العماد جوزاف عون رئيسًا للجمهورية أنها ولتّ إلى غير رجعة، صدر بيان عن رئيس الهيئة التنفيذية في حركة "أمل" مصطفى الفوعاني عُمّم على جميع عناصرها، وقضى بمنع المشاركة أو القيام بأي تحرك أو نشاط استفزازي يتعارض مع توجيهات قيادة الحركة القاضية باحترام خصوصية اللبنانيين بكافة طوائفهم ومناطقهم وخاصة "مسيرات الدراجات النارية".
وأكدت الحركة أن مخالفة هذا التعميم تعرض المخالفين له لطائلة المساءلة التنظيمية وصولا الى الطرد من صفوف الحركة.
وما يميز هذا البيان هو التذكير بمقولات للإمام المغيب السيد موسى الصدر الذي اعتبر "أن الوحدة الداخلية أفضل وجوه الحرب مع العدو"، وللرئيس نبيه بري الذي يقول بأن "الوحدة الوطنية والعيش الواحد أساس بقاء لبنان."
ولكن ما جاء في هذا البيان في هذا التوقيت بالذات يحمل أكثر من معنىً وأكثر من عنوان رئيسي لا يسع المرء إلا أن يتوقف عنده مليًا ليكتشف ما يخبئه المستقبل من تطورات قد كشف جزءًا منها ما جاء في بيان حركة "أمل" من مضامين كثيرة، ومن أبرزها التالي:
أولًا، يعكس ما جاء في حرفية البيان والأهمّ ما فيه من معانٍ وطنية بدت واضحة في ما أُمكن قراءة ما بين السطور من تململ متصاعد لدى الرئيس بري شخصيًا من الحالة العامة، التي وصلت إليها الطائفة الشيعية بسبب "حرب الاسناد"، التي أدّت إلى أفسحت في المجال أمام العدو الإسرائيلي الذي أقدم على القتل الجماعي من دون رادع، وإلى تخريب القرى الحدودية، ومعظمها شيعية، عن بكرة أبيها، وهو مستمر حتى هذه اللحظة في استباحة السيادة اللبنانية عبر التفجيرات التي يقوم بها في البلدات والقرى، التي لا يزال يحتلها، أو عبر استهداف مناطق خارج جنوب الليطاني كالنبطية مثلًا، التي استهدفها بغارات موجعة.
ثانيًا، على رغم أن الرئيس بري، الذي شارك عبر حركة "أمل" في جزء من "حرب الاسناد"، فإنه لم يذهب بعيدًا في خياراته الوطنية كما فعل "حزب الله"، وتصرّف بالفعل وليس بالقول بأنه "الأخ الأكبر" ليس لـ "الحزب" فحسب، بل لجميع اللبنانيين، وذلك انطلاقًا من حرصه على الوحدة الوطنية، وهو الذي تخّلى في يوم من الأيام عن وزير شيعي من حصته لتأمين انطلاقة سليمة لإحدى حكومات الرئيس سعد الحريري.
ثالثًا، يمكن اعتبار هذا البيان بمثابة جرس انذار بما يُخشى أن يؤسس لمرحلة مفصلية في الحياة السياسية القائمة على توازنات دقيقة للغاية لا يمكن التلاعب فيها بطرق مختلفة، مرّة عبر "القمصان السود"، وطورًا عبر تخريب خيم ساحة الشهداء أيام "انتفاضة 17 تشرين الأول"، وأخيرًا "العراضات الاستفزازية" في مناطق تُعتبر سياسيًا على تناقض جوهري مع "حزب الله".
رابعًا، لقد أرد الرئيس بري من خلال هذا البيان توجيه رسائل مزدوجة إلى كل من "حزب الله"، الذي يتشارك معه "على الحلوة والمرّة"، وإلى شريكه الآخر في المواطنة على رغم الاختلاف بينه وبين هذا الشريك في أمور كثيرة.
بالنسبة إلى مضمون الرسالة الأولى التي وجهها الرئيس بري إلى "حزب الله"، والتي شاءها واضحة المعالم يمكن وضعها في خانة المطالبين بعودة "الحزب" إلى الداخل اللبناني بعد كل هذه المآسي، التي تعرّضت لها الطائفة الشيعية عن طريق رهن قرارها بالخارج. وما يقوله الرئيس بري لـ "أخيه الصغير" لا يمكن لغيره قوله، لأنه لا يسعى سوى إلى توحيد الجهود من أجل النهوض بالبلد، خصوصًا أن ما أظهره الآخرون، مسيحيين وسنّة ودروزًا، خلال فترة النزوح من التضامن العفوي والطبيعي، يثبت أن لا غنى للبنانيين عن بعضهم البعض، وإن باعدت بينهم ظروف خارجية ضاغطة.
أمّا الرسالة الثانية فقد أرادها الرئيس بري أن تصل إلى الآخرين المختلفين في نظرتهم إلى القضايا الوطنية مع نظرة "حزب الله" وحركة "أمل"، ليقول لهم بأن السلم الأهلي خط أحمر بالنسبة إليه، وأنه يرفض أي أمر قد يقوّض هذا الاستقرار حتى ولو جاء من القريب قبل البعيد.
وعليه، فإن الرئيس بري استطاع أن يتجاوز بعض الشكليات الظرفية لينتقل إلى جوهر العلاقات اللبنانية – اللبنانية من خلال رفضه كل شيء يمكن أن يعكّر صفو هذه العلاقات، على أمل إقناع "حزب الله" في مرحلة متقدمة بالسير نحو الأمام بعد أن يطوي صفحة من صفحات الماضي غير المشرق.
المصدر: خاص لبنان24
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: هذا البیان الرئیس بری حزب الله
إقرأ أيضاً:
ما الذي حدث عند الساعة 2:43؟.. طيّار إسرائيلي يكشف كواليس اغتيال رئيس أركان حزب الله
قدّم أحد الطيارين الإسرائيليين سرديته عن الضربة التي أدّت إلى مقتل رئيس أركان حزب الله هيثم الطبطبائي في بيروت.
في مقابلة مع موقع "والا" العبري، كشف الرائد "أ" (27 عاماً)، طيار مقاتل ورئيس فريق الضربات الموجهة في سلاح الجو الإسرائيلي، تفاصيل العملية قائلاً إنها استندت إلى تحضيرات استمرت "لفترة طويلة"، تخللتها "دورات كثيرة ومسارًا مطوّلًا من المصادقات"، وطلب توقيع قائد سلاح الجو "عشرات المرات".
ووفق روايته، شكّل الطبطبائي الهدف الرئيسي للعملية، باعتباره، وفق المزاعم الإسرائيلية، الرجل الذي أعاد بناء الجناح العسكري لحزب الله وقاد خطاً متشدداً ضد إسرائيل.
كواليس الضربة الإسرائيليةيصف الرائد يوم العملية بأنه بدأ "كيوم عادي"، قبل أن تصله مكالمة من ضابط استخباراته جعلته "يركض نحو الأسفل" لتفعيل منظومة التنفيذ. ويشير إلى أن سلسلة الموافقات تحركت "بسرعة غير معتادة"، مضيفًا: "كانت واحدة من أسرع ما رأيت. الجميع يعرف الاسم، والجميع يعرف الهدف".
وعند الساعة 2:43 بعد الظهر، نُفّذت الضربة التي استهدفت طابقين داخل مبنى مؤلف من عشرة طوابق. ويوضح الطيار أن "المعضلة الأساسية" كانت وضع الذخائر بدقة على الطابقين الرابع والخامس "من دون إصابة الطوابق الأخرى"، مشيراً إلى أن عمليات الاغتيال غالباً ما تجمع بين المعلومات الاستخباراتية والخداع والحيل.
وبحسب الطيار، سعى المخططون إلى تحقيق "أقصى دقة ممكنة" في الضربة وتقليل الضرر على المدنيين، مع الاعتماد على "الخداع والسرية" في كل خطوة. ويقول إن توقيت التنفيذ حُدّد قبل ساعات من العملية استنادًا إلى "معلومة استخباراتية دقيقة" و"خطأ" ارتكبه الطبطبائي عندما وصل إلى منزل آمن.
في الوقت الذي تشدد فيه الرواية العسكرية على "الدقة" و"التحكم" في تنفيذ الضربة، وعلى الحرص المعلن على عدم الإضرار بالمدنيين، كان المشهد في الضاحية الجنوبية لبيروت يسير باتجاه آخر تماماً. فوزارة الصحة اللبنانية أعلنت "5 قتلى و28 جريحاً" في الغارة، إلى جانب الأضرار الواسعة التي أصابت المبنى والمحيط السكني. ومع حصيلة كهذه، يصبح الحديث عن "ضرر أدنى" أقرب إلى توصيف لا ينسجم مع عمليات تُنفَّذ داخل مناطق مكتظة بالسكان.
Related عامٌ على وقف إطلاق النار في لبنان والخروقات الإسرائيلية مستمرّة.. هل اقترب انهيار الاتفاق؟تقرير يُنذر بـ"مرحلة سوداء" في لبنان: ضربات إسرائيلية قد تقع "في أي وقت وأي مكان"البابا والملفّ اللبناني.. هل تشكّل زيارته حاجزًا أمام التصعيد الإسرائيلي؟ قنبلة لم تنفجر.. وطلب أمريكيفي سياق متصل بالعملية ذاتها، أفادت وسائل إعلام لبنانية بأن الولايات المتحدة طلبت من لبنان إعادة قنبلة GBU-39 التي أطلقها سلاح الجو الإسرائيلي نحو بيروت خلال الضربة نفسها ولم تنفجر. وبحسب التقارير، تخشى واشنطن وقوع القنبلة في يد روسيا أو الصين.
قنبلة GBU-39، المنتَجة من شركة بوينغ، تُعد سلاحًا انزلاقيًا يفتح أجنحته بعد الإطلاق لينزلق لمسافة تصل إلى 110 كيلومترات رغم غياب أي محرك، ما يسمح للطائرة التي أطلقتها بالبقاء خارج نطاق الدفاعات. وهي أيضاً منخفضة الكلفة نسبياً (حوالي 50 ألف دولار)، واستُخدمت للمرة الأولى عام 2006، وتم تطويرها للاستفادة من حواضن الأسلحة الداخلية لطائرة F-35 التي تستطيع حمل ثماني قنابل منها مع المحافظة على صعوبة رصدها.
انتقل إلى اختصارات الوصول شارك محادثة