لجريدة عمان:
2025-07-31@07:59:06 GMT

حادثة الإسراء والمعراج وإيمان أبو بكر الصديق

تاريخ النشر: 30th, January 2025 GMT

حادثة الإسراء والمعراج وإيمان أبو بكر الصديق

في رحلة اختارها الله لنبيه الكريم تجاوزت حدود الزمان والمكان البشري، لتكون أحد المعجزات التي أراد المشركون التكذيب بها، فدمغهم الرسول الكريم بأدلته الواضحة الجلية بوصفه للمكان الذي جلاه الله أمامه، لتكون نقطة فاصلة في مسألة الإيمان بالله تعالى والإيمان بالغيب، وتجلت حقيقة الإيمان والتصديق المطلق بالرسول الكريم عند المسلمين الذين ما زادتهم هذه الحادثة إلا إيمانا، وأولهم صديقه المقرب أبو بكر الذي سمي بالصديق وأصبح هذا لقبه إلى يوم الدين بسبب تصديقه بهذه الحادثة الفريدة، التي ما زالت ناضحة بالدلالات والإشارات الإيمانية.

فهذه الحادثة تعتبر واحدة من أعظم المعجزات التي حدثت في تاريخ البشرية، ففي ليلة مباركة، انتقل النبي صلى الله عليه وسلم من المسجد الحارم في مكة المكرمة إلى المسجد الأقصى في القدس، ثم عُرج به إلى السماوات السبع، حيث شهد عجائب خلق الله ورأى الأنبياء في أماكنهم السماوية، وعندما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم قومه بما حدث، كان الرد من قريش هو التشكيك والرفض.

ولو تأملنا موقف أبو بكر الصديق لهذه الحادثة العظيمة من خلال مكانته في المجتمع ومن خلال قدراته العقلية والمعرفية التي يمتلكها، ومن خلال نظرته إلى حقيقة الإيمان وتدعيم الإيمان بهذه الحادثة من خلال حادثة أعظم، لوجدنا أن شخصية أبو بكر الصديق كانت شخصية اعتبارية في مجتمعها، فد كان تاجرا بارعا، وعندما وقعت رحلة الإسراء المعراج كان أبو بكر الصديق راجعا من رحلة تجارية، كما أنه عالم بأنساب العرب، فعندما أراد حسان بن ثابت أن يهجو قريشا طلب منه الرسول صلى الله عليه وسلم أن يلجأ إلى أبو بكر الصديق لأنه عالم بأنساب قريش لكي يستل نسب الرسول صلى الله عليه وسلم منهم، فيهجوهم ولا يلحق هجائه لهم بنسب الرسول الشريف، فعلم الأنساب يحتاج إلى قدرات ربط عقلية، وإلى ذاكرة كبيرة، وإلى معرفة بالأعلام وعلاقاتهم وروابطهم الأسرية، وهذا ما تميز به أبو بكر الصديق رضوان الله عليه، فهو في تصديقه المطلق للرسول صلى الله عليه وسلم ليس تصديقا ساذجا لا يستند إلى رجاحة عقلية ومعرفة فكرية، وإنما هو تصديق يتجاوز العقل إلى فضاء أرحب، وهو الإيمان بالغيب وهو أحد أركان الإيمان التي تشربها أبو بكر الصديق من بداية إيمانه بالله وبرسوله، على خلاف المشركين الذين كذبوا الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه أخبرهم بأمر يتجاوز النواميس الكونية، ويتجاوز مدركات ومحسوسات العالم المادي، وهم كان هدفهم المعلن ومقصدهم الأصيل ليس الوصول إلى الحقيقة، وإنما التكذيب بكل ما يأتي به الرسول صلى الله عليه وسلم.

لم يكن تصديق أبو بكر الصديق في حادثة الإسراء والمعراج مجرد قبول عقلي أو منطقي، بل كان تصديقًا نابعًا من قلبه قبل عقله، كان إيمانه قوياً لدرجة أنه لم ينتظر إثباتًا ماديًا لما سمعه، بل قبل الأمر مباشرة من فم النبي صلى الله عليه وسلم، قد يعتقد البعض أن مثل هذه الحادثة العجيبة قد تثير التساؤلات والشكوك، لكن بالنسبة لأبي بكر، كان النبي صلى الله عليه وسلم هو المصداقية بعينها، فالتصديق لم يكن مجرد فعل عقلي، بل كان شهادة على قوة إيمانه.

فالصديق يعلم علم اليقين أن الكون ونواميسه ليس خارجا عن قدرة الله المطلقة التي يستطيع أن يخرق هذه القوانين متى شاء لمن يشاء ومن هنا تنبثق المعجزات للأنبياء والرسل تأكيدا على صدق دعوتهم، وقد دلل أبو بكر الصديق على صدق هذه الحادثة بحادثة أعظم وهي نزول الوحي عليه الصلاة والسلام، فعندما جاء المشركون ليخبروه بما أخبرهم به الرسول صلى الله عليه وسلم من رحلة خارقة، لم يكن لديه أدنى تردد في التصديق، فقال كلمته الخالدة: "إن كان قال فقد صدق" مؤكدا بذلك على إيمانه الراسخ بصدق النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكتف بذلك، بل عزز موقفه بقوله: " إني لأصدقه في ما هو أبعد من ذلك، أصدقه بخبر السماء في غدوة أو روحة "، في إشارة إلى أن من يؤمن بالوحي لا يمكن أن يشك في قدرة الله على إنفاذ معجزة الإسراء والمعراج.

وأبو بكر الصديق كان ثابتا في موقفه من صدق الرسول صلى الله عليه وسلم قبل بعثته وبعدها، بينما كان موقف المشركين قبل بعثة الرسول الكريم مختلفا بعد بعثته، فقد أطلقوا عليه قبل البعثة لقب الصادق الأمين، فلك أن تتخيل كيف أن مجتمعا بأسره يلقب رجلا بصفتين عرف بهما ولم يعرف بخلافهما، وقد قالوا له من شدة تصديقهم له: "ما جربنا عليك كذبا" لكنهم كذبوا بدعوته، وكذبوا بكل ما يتصل بها من أحداث عنادا وكبرا وحسدا.

في ضوء هذه الحادثة، يمكن القول إن أبو بكر الصديق لم يكن فقط أول المصدقين، بل كان رائدًا في تقديم مفهوم متكامل للتوازن بين العقل والإيمان، فقد كان مؤمنًا لا يتردد، لكنه أيضا لم يكن غافلا عن منطق الأشياء، بل كان يدرك أن هناك أبعادًا لا يصلها العقل وحده، هذا التوازن يطرح سؤالا إيمانيا معاصرا، وهو كيف يمكن للإنسان اليوم أن يحافظ على إيمانه في عالم يفرض عليه رؤية مادية للأشياء، وموقف أبو بكر الصديق يقدم إجابة واضحة وهي أن الإيمان لا يتناقض مع العقل، لكنه أيضًا لا يخضع له بالكامل، بل يتجاوزه نحو أفق أوسع، حيث يدرك الإنسان أن عجزه عن الفهم لا يعني استحالة الأمر، بل يعني فقط أنه لم يصل إلى مستوى الإدراك الكامل بعد، فلذلك يكمل هذا النقص المعرفي بما يخبره به الله من خلال أنبيائه ورسله للعوالم الغيبية، التي لا يصلها العقل.

هذه النظرة الأوسع والأشمل تجعل المؤمن في حالة يقين وطمأنينة واستقرار وأن كل ما يقع في هذه الأرض من أحداث ومواقف، تقع في ملك الله وقدرته وجبروته، وهي تحت عنايته وتدبيره للأمور، وعلى الإنسان أن يسلم بمواقع القدر، ويستقبل الحوادث بصدر رحب، فيرحب بأقدار الله ويعلم علم اليقين أن العاقبة للمتقين.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الرسول صلى الله علیه وسلم النبی صلى الله علیه وسلم أبو بکر الصدیق هذه الحادثة من خلال بل کان لم یکن

إقرأ أيضاً:

هل تكفي تسبيحة واحدة في الركوع أو السجود؟.. بما علق العلماء؟

الركوع أحد أركان الصلاة الأساسية، ولا تصح الصلاة بدونه، ومن نسيه وجب عليه الإتيان بسجود السهو تعويضًا، كما أن إدراك الركوع مع الإمام يعني إدراك الركعة وصلاة الجماعة، أما من لم يدرك الإمام في ركوعه، فلا تحتسب له الركعة.

وفيما يتعلق بالحركة التي تلي الركوع، فإن الفقهاء اختلفوا في مسألة الإطالة بعد الاعتدال منه؛ فمنهم من رأى أن المصلي يجوز له أن يسجد فورًا بعد الرفع، ومنهم من أجاز البقاء قليلاً للدعاء، لكنهم اشترطوا أن يكون الدعاء مما ورد فيه فضل خاص، كما في الحديث الذي أثنى فيه النبي صلى الله عليه وسلم، على من قال دعاءً معينًا سمعه منه في الصلاة، وقال عنه إن الملائكة تسابقت لكتابته.

تسبيحة واحدة تكفي في الركوع والسجود

وفيما يخص عدد التسبيحات المطلوبة في الركوع أو السجود، أكد العلماء أن تسبيحة واحدة فقط تكفي، موضحين أن المهم هو أن يركع المصلي ويطمئن في ركوعه، ومتى تحقق الركن وأدّاه المصلي بخشوع، فإن صلاته تكون صحيحة.

وشدد العلماء على أن التسبيح في الركوع والسجود سنة عند جمهور أهل العلم، بينما يعده الحنابلة واجبًا وأقله تسبيحة واحدة.

 وأضافوا: "لو أخطأ المصلي فذكر أذكار السجود في الركوع أو العكس، فصلاته صحيحة، ولا يترتب على ذلك سجود سهو، بحسب ما ذهب إليه جمهور الفقهاء".

وأشار العلماء إلى أن الأفضل للمسلم أن يسبح ثلاث مرات أو أكثر أثناء الركوع والسجود، لكن إذا اقتصر على تسبيحة واحدة فقط، فصلاته صحيحة بإجماع العلماء، إذ إن السنة يمكن أن تتحقق بأدنى فعل منها.

نذرت سجدة شكر لله شهراً.. فهل يلزم ذلك الوضوء وهل يجوز وقت الكراهة؟أيهما أكثر استجابة الدعاء في السجود أم بعد التشهد الأخير؟.. الإفتاء توضحهل انكشاف جزء من ضهر الرجل في السجود تبطل الصلاة؟.. الإفتاء تجيبهل يجوز سجود الشكر وسجود التلاوة على غير وضوء؟.. أمين الإفتاء يجيب

دعاء عظيم بعد الاعتدال من الركوع

وتناول الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق، موقفًا شريفًا يدل على فضل بعض الأدعية في هذا الموضع من الصلاة، حيث روى عن رفاعة بن رافع الزرقي رضي الله عنه أنه قال: كنا نصلي خلف النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رفع رأسه من الركوع وقال: "سمع الله لمن حمده"، قال أحد الصحابة من خلفه: "ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه".

فقال النبي صلى الله عليه وسلم بعد الصلاة: "من المتكلم آنفاً؟"، فقال الرجل: أنا، فقال عليه الصلاة والسلام: "رأيت بضعة وثلاثين ملكاً يبتدرونها أيهم يكتبها أول".

وأوضح الدكتور جمعة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن هو من قال هذا الدعاء أولًا، لكنه أثنى عليه عندما سمعه، لما فيه من فضل عظيم، مشيرًا إلى أن بعض الأذكار والأدعية التي لم ترد عنه بشكل مباشر لها مع ذلك منزلة وفضل إذا أُدخلت في مواضعها المناسبة في الصلاة.

وأشار إلى حديث آخر عن ابن أبي أوفى، يذكر فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول بعد رفع ظهره من الركوع: "سمع الله لمن حمده، اللهم ربنا لك الحمد، ملء السماوات، وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد".

هذه الأقوال والأحاديث تدل على سعة رحمة الله، وعلى مرونة السنة النبوية في الأذكار، ما دامت لا تخرج عن مواضعها الشرعية، ولا تبتعد عن ما أقره النبي أو أثنى عليه.

طباعة شارك الركوع أركان الصلاة إدراك الركوع

مقالات مشابهة

  • غرف في الجنة يدخلها من فعل 4 أمور.. حاول أن تكون منهم
  • هل الأفضل تأخير صلاة العشاء عن وقتها؟.. الإفتاء ترد
  • سنة الفجر قبل أم بعد؟ .. اعرف فضلها ووقتها
  • فضل الصلاة في جوف الليل .. الأفضل بعد الفريضة
  • التنوع الثقافي لدى الشباب الرياضي
  • أنوار الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم
  • الاعتصام بحبل الله.. اعرف كيف يكون وماذا يتضمن وما ثمراته
  • لماذا أمر الرسول بقراءة آية الكرسي بعد الصلاة؟.. 3 فضائل اعرفها
  • معونى للعاقل وتذكير للغافل.. “إِنَّ النِّسَاءَ شَقَائِقُ الرِّجَالِ”
  • هل تكفي تسبيحة واحدة في الركوع أو السجود؟.. بما علق العلماء؟