عباس شومان: الفتوى صناعة صعبة وخطرة.. وليس كل من تخرج في الأزهر قادر على الإفتاء
تاريخ النشر: 31st, January 2025 GMT
نظمت دار الإفتاء المصرية في جناحها بمعرض الكتاب ندوة علمية بعنوان "الفتوى والإعلام"، بمشاركة نخبة من العلماء والمفكرين البارزين.
شارك في الندوة كل من: الدكتور عباس شومان، أمين عام هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، والدكتور محمد عبد الرحيم البيومي، الأمين العام للمجلس الأعلى للشئون الدينية، والدكتور رضا عبدالواحد أمين، عميد كلية الإعلام بجامعة الأزهر الشريف.
وفي مستهل الندوة قال الدكتور عباس شومان -أمين هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف: إن الفتوى مسألة وصناعة صعبة وخطرة، وقد تجرأ الكثير من الناس عليها وهم لا يدركون هذه الخطورة ويظنون أن مجال الإفتاء يمكن أن يقتحمه مجموعة من الناس.
وأضاف: الأزهر الشريف وهو المؤسسة التي لا تحتاج إلى تعريف أو بيان لما له من مكانة وقدسية من العالم كله، به تقريبًا مائة كلية بالإضافة إلى كثير من المعاهد المتخصصة، ومع ذلك فليس كل من تخرج في الأزهر الشريف قادر على الفتوى على خلاف ما يعتقد كثير من الناس، متسائلاً: ما بالكم بمن لم يدرس في الأزهر ولم يتلق العلوم الدينية والعلوم المتعلقة بالإفتاء؟!
موضحًا أنه لا يقصد بذلك أن أمر الفتوى مقصور على الأزهر الشريف وعلمائه، إلا أن علينا أن نتفق على أن الفتوى تخصص دقيق وصناعة صعبة لا يحسنها إلا العلماء الذين تبحروا في مجموعة من العلوم، مؤكدًا أن كثيرًا ممن يتصدون للإفتاء في الإعلام لا يعرفون ما يندرج تحت عنوان هذه العلوم، وكثير منهم لو سألته عن أصول الفقه والفرق بينه وبين قواعد الفقه ما استطاع الإجابة، ولكنه يستطيع ان يخطِئ حتى علماء السلف.
كما أوضح أن أئمة المذاهب ليسوا أنبياء ولا معصومين، ولكن قبل أن تتعرض لهم اثبت أن هذا العالم يخالف نصًّا قرآنيًّا أو حديثًا صحيحًا أو مصدرًا من المصادر المتفق على الأخذ منها، ومن ثم فالفتوى خطيرة ولها تأهيل خاص، والمؤهل الحقيقي في الفتوى يتمنى ألا يسأله أحد في مسألة من المسائل لخطورة الفتوى، ولذلك كان كبار رجال الصحابة يهربون من الإفتاء، والإمام "أبو حنيفة" يقول: "لولا الفزع من الله أن يضيع العلم ما كنت أفتيت"، وكل الأئمة كانوا يقولون: "قولي صواب يحتمل الخطأ وقول غيري خطأ يحتمل الصواب".
وحول فوضى الفتاوى التي نتجت عن انتشار وسائل الإعلام الرقمي وضوابط العملية الإفتائية، أكد الدكتور عباس شومان أن على من يتصدر لأمر الإفتاء الإحساس بخطورة الفتوى وسؤال النفس: "هل أنا مؤهل للإفتاء أم لا"، مشيرًا إلى قول الإمام مالك في هذا الشأن حينما قال: "ينبغي على من يجيب في مسألة أن يعرض نفسه على الجنة والنار ثم كيف الخلاص ثم يجيب"، والإمام مالك قد سئل في أربعين مسألة فأجاب عن أربع وقال في ست وثلاثين مسألة: لا أدري. كما أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- سئل في مسائل فامتنع حتى نزل عليه الوحي.
وأكد أن غير المؤهل للإفتاء إن تصدر للإفتاء فهو يدفع بنفسه إلى جهنم وإن أصاب، مشيرًا إلى أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: "قاضٍ في الجنة وقاضيين في النار، أما الذي في الجنة فهو رجل عرف الحق وقضى به، وأما اللذان في النار فرجل عرف الحق فقضى بغيره، ورجل قضى بين الناس على جهل فهو في النار، ومن ثم فلا بد من إدراك الخطورة والتأهل والاطمئنان لما يفتى به وبذلك تكون الفتوى مقبولة.
وفي ختام حديثه أكد الدكتور عباس شومان على الأهمية الكبرى للإعلام في مجال الفتوى لأنه الأسرع وصولاً للناس، موصيًا بضرورة تنظيم العملية الإفتائية من خلال البرامج الدينية، واختيار المؤهل ومن درس العلوم الشرعية المؤهلة للإفتاء وذلك من خلال برامج مسجلة.
في الإطار ذاته تحدث الدكتور محمد عبد الرحيم البيومي –الأمين العام للمجلس الأعلى للشئون الدينية- عن أن الله سبحانه وتعالى علّم آدم الأسماء كلها لضبط المصطلحات وتحقيق الدقة في المعلومات، وهو أمر اعتمده الهدهد بفطرته النقية التي أودعها الله فيه.
وعند الحديث عن منهجية الفتوى وصناعتها، بيَّن أن هذه العملية تعتمد على اثني عشر علمًا تتفرع إلى أربعة علوم رئيسية. لذلك، يجب على المفتي أن يكون متخصصًا وواعيًا بالمذهبية.
وأشار إلى خطورة أن يتصدى غير المؤهلين للإفتاء، قائلاً إن من يفعل ذلك فهو على خطر عظيم، كأنه يغتصب منصب الألوهية؛ لأن المفتي هو الموقع عن الله، كما قال تعالى: “ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام”
وساق د. البيومي قصة عن أحد العلماء في العراق الذي كان يُحرَج من قول "لا أدري". فقال له الناس: "ألا تستحي من قول لا أدري؟" فرد قائلاً: "إن الملائكة لم تستحِ أن تقول: لا علم لنا".
وأكد على ضرورة إدراك المفتي لأهمية المدخلات الذاتية التي تمكنه من نقل العلم والفتوى بمسؤولية. وشدد على أن المستفتي أحيانًا يطلب الدليل رغم أنه قد لا يكون مؤهلاً لفهمه أو إسقاطه على الواقع.
وأشار إلى ثلاثية أساسية في صناعة الفتوى: الأول طلب الدليل، والثاني فهم الدليل، والثالث هو إسقاط الدليل على الواقع.
وأوضح أن هذه الخطوات تجعل من الفتوى صناعة محترمة تراعي عقل المفتي والمستفتي، مشيرًا إلى أن ليس كل ما يُعرف يقال، وليس كل ما يقال يصلح أن يُطرح على العامة. واستشهد بقول الله: "فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين."
وختم د. البيومي بالإشارة إلى مراعاة ابن عباس لحال المستفتي عندما سُئل عن القتل من رجل أراد أن يهلك الحرث والنسل، حيث قدم إجابة تتناسب مع واقع السائل وظروفه.
من جهته قال الدكتور رضا عبد الواجد أمين -عميد كلية الإعلام بجامعة الأزهر- إن مسألة الفتوى والإعلام موضوع يؤرق الساحة الدينية لأننا نتحدث عن مشكلتين؛ الأولى خاصة بمن يتصدى للإفتاء، وفي ذلك نجد الكثير من غير المؤهلين، أما الثانية فتختص بظهور تلك الفتاوى بشكل مباشر على الرأي العام، فيتلقى أسئلة تحتاج الى أخذ ورد وتمحيص حتى يصوغ الفتيا بشكل دقيق، إلا أنه يتصدى لأمر الإفتاء دون أن يمر على كل تلك المراحل، مشيرًا إلى خطورة نقل وسائل الإعلام مثل هذه النوعية من البرامج والفتيا في اللقاءات المباشرة.
وتابع: إذا كانت مؤسسة الأزهر قد اقترحت أن تكون هناك قائمة لمن يتصدون للخطاب الديني، وهي قائمة الخمسين باعتبارهم مؤهلين لإنتاج الخطاب الدعوي، ولكن هؤلاء ليسوا بالضرورة مؤهلين ليقوموا بمهمة الإفتاء عن طريق البرامج المباشرة، ومن ثم فهناك بعض المسائل التي لا يصح أن يفتى فيها بالسماع، خاصة مسائل العلاقات الزوجية والأحوال الشخصية التي تتطلب أن يكون هناك جلوس للمفتي مع أطراف المسألة، لذلك لا بد أن يكون هناك قائمة أضيق تتصدى للإفتاء، مشيرًا إلى أن آفة السوشيال ميديا تكمن فيمن يرسلون ويفتون عبرها.
وأوضح الدكتور رضا بعد الواجد أن الإعلام الجديد أتاح نافذة لكل إنسان ليقول ما يشاء، ولكن هذا لا يجب معه ان نجعل الفتوى بهذه السهولة يتصدى لها المؤهل وغير المؤهل قائلاً: إن الفتوى صناعه ثقيلة، وعلى وسائل الإعلام وكذلك الجمهور دور كبير في الاعتماد على المؤسسات المتخصصة في الفتوى، والاعتماد على الفتوى المؤسسية التي تتميز بعلمائها الأجلاء المثقلين بالعلم والتخصص.
ولفت الدكتور رضا عبد الواحد النظر إلى الضوابط التي أقرها المجلس الأعلى للإعلام في الفتاوى التي تطرح على الهواء مباشرة، موضحًا أننا نشهد حالة عجيبة من التجرؤ على الدين والفتيا، والبعض عندهم هوس الشهرة ولو بالباطل، فتراه يطلق الأفكار الغريبة والشاذة ويقدمها للعامة على أنها من صميم الدين وأصل الدين، وذلك بغرض الشهرة.
في السياق ذاته تساءل الدكتور رضا إن الدين شيء غالٍ فلماذا يشتري البعض به ثمنًا بخسًا؟ موضحًا أنه ينبغي على وسائل الإعلام جميعها أن تعيد عملية إنتاج الخطاب الديني بشكل عام والرد على استفسارات الجماهير بشكل خاص، مشيرًا إلى أنه ضد برامج الإفتاء على الهواء لأن الكلمة إذا خرجت لا تعود فكيف يتسنى لأي شخص أن يصدر فتوى دون تحري الدقة فيها؟!
كما أكد أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي تشكل خطرًا كبيرًا فيما يتعلق بالدين والفتوى، ولا يمكن للإنسان الاعتماد على هذه التقنيات في أمور دينه، داعيًا وسائل الإعلام إلى الحرص على إصدار الفتاوى فقط عن الأشخاص المؤهلين والممثلين للمؤسسات الدينية المتخصصة في هذا المجال، كما يجب الحرص على عدم تقديم الفتاوى من خلال برامج مباشرة حتى يكون لدي المفتي الفرصة لمراجعة آرائه بشكل دقيق، قائلاً: نعلم أن البرامج المباشرة تحقق مزيدًا من التفاعل والانتشار، لكننا نرفض استخدامها للإفتاء، إذ يمكن تخصيصها للإرشاد فقط، وليس للفتوى، فلا يجوز إصدار أحكام دينية بسرعة بناءً على طرف واحد أو معلومات غير مكتملة.
كذلك أكد على أن وسائل الإعلام تلعب دورًا كبيرًا في نشر الثقافة الدينية، لكن عندما يتعلق الأمر بالفتوى، يجب أن تكون البرامج مسجلة مسبقًا، كما يجب أن يكون الشخص الذي يطرح الفتوى على وسائل التواصل الاجتماعي مؤهلًا لذلك.
وفي ختام حديثه أوصى بالاعتماد على الفتاوى الصادرة عن المؤسسات الدينية المتخصصة، وعدم اللجوء إلى الفتوى الفردية في المسائل العامة، وأنه يجب أن نأخذ ديننا من علماء نثق بعلمهم ودينهم، ولا نضعه في يد تقنيات مثل شات جي بي تي أو الذكاء الاصطناعي، لأن هذه الوسائل قد تحتوي على معلومات دقيقة وأخرى مغلوطة، مناشدًا جميع المدونين والمؤثرين في وسائل التواصل الاجتماعي أن يتحلوا بتقوى الله سبحانه وتعالى فيما يقدمونه للجمهور.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: دار الإفتاء المصرية الدكتور عباس شومان جناح دار الإفتاء المصرية المزيد
إقرأ أيضاً:
ما حكم سماع الأغاني دون موسيقى؟.. رد مفاجئ من أمين الإفتاء
قال الشيخ محمود الطحان، أمين الفتوى في دار الإفتاء المصرية، إن الأغاني في أصلها نوع من أنواع الشعر، والشعر كما هو معلوم "حسنه حسن وقبيحه قبيح"، موضحًا أن ما يُقال من كلمات جميلة تُهذب الذوق وترتقي بالمشاعر، لا حرج في سماعها، سواء كانت مصحوبة بالموسيقى أو بدونها، ما دامت خالية من الدعوة إلى الرذيلة أو الفحش أو المعصية.
أمين الفتوى: يجوز سماع الأغاني بشرط واحدوأكد أمين الفتوى في دار الإفتاء، خلال تصريحات تلفزيونية، اليوم الاثنين، في رده على سؤال أحد المشاهدين حول جواز سماع الأغاني دون موسيقى، أن الكلمات هي الفيصل، فإذا كانت الأغنية تحتوي على معانٍ طيبة، كالدعوة إلى الفضيلة أو حب الوطن، فهي جائزة، قائلاً: "اللي بيسمع أغنية مفيهاش إسفاف ولا كلام فاحش، فده جائز، والكلمة الطيبة هي جزء من الذوق العام والدين لا يحرم الجميل".
هل من حق المرأة معرفة مرتب الزوج؟.. الإفتاء تجيب
رأس السنة الهجرية .. دار الإفتاء تصحح اعتقاداً خاطئاً في موعد الهجرة النبوية
هل الزواج في شهر محرم مكروه شرعا ؟.. دار الإفتاء توضح
حكم ترك الزوج للمنزل بغرض تأديب الزوجة.. الإفتاء تجيب
حكم انفراد الزوجة بقرار منع الإنجاب بسبب إدمان الزوج .. الإفتاء تجيب
حكم إقامة حفلات التخرج والضوابط الشرعية لها؟.. الإفتاء توضح
وأضاف أمين الإفتاء، أن حب الوطن من الإيمان، ومن المهم تعزيز القيم الوطنية في هذا العصر، مشيرًا إلى أهمية الأناشيد الوطنية مثل "بلادي بلادي" و"تسلم يا جيش بلادي" في غرس روح الانتماء، وأن مثل هذه الأناشيد تُعد نوعًا من الشعر والغناء المباح، وهو أمر كان موجودًا في عهد الصحابة والنبي ﷺ.
وتابع أمين الفتوى في دار الإفتاء "سيدنا النبي ﷺ دخل المدينة فاستقبلوه بأنشودة (طلع البدر علينا)، والصحابة كانوا ينشدون في غزوة الخندق وهم يحفرون للدفاع عن الوطن.. فالكلمة الطيبة والغناء الهادف جزء من هويتنا".
عمرو الورداني: الأصل في الموسيقى والغناء هو الحلوكان الدكتور عمرو الورداني، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، قال ردًا على سؤال ما حكم سماع الأغاني والموسيقى؟ إن المسألة ليست كما يتصوّر البعض من التحريم المطلق، بل ترتبط بجوهر المعنى والمضمون الذي تُقدمه الموسيقى والغناء.
وبيّن فى تصريح له، أن العلماء منذ القدم قالوا إن "الموسيقى صوتٌ حسنُه حسنٌ، وقبيحُه قبيح".
وأشار إلى أن الأصوات جزء من حياة الإنسان، ولا يمكن القول إن الصوت الجميل حرام لمجرد أنه مُنظَّم أو يحمل نغمًا، فالله سبحانه وتعالى يحب الجمال، وقد كُتب الإحسان على كل شيء، بما في ذلك الصوت والطريقة والأسلوب.
ونوه بأن تلاوة القرآن في مصر مثال حي على هذا، حيث تُقرأ الآيات بألحان العرب بشكل يُدخل المعنى إلى القلب، فهل يمكن أن يُقال عن هذه الألحان إنها محرمة؟!
وذكر أن الوسيلة التي تُوصِل المعنى الجميل – سواء أكانت لحنًا أو نغمة – تكون في ذاتها جميلة، ما دام ما يُقال بها حسنًا.
وأكد أمين الفتوى أن الأصل في الموسيقى والغناء هو الحل، فإذا كانت تحمل المعاني الطيبة والأخلاق الحميدة، فهي من قبيل الحسن، أما إذا اشتملت على القبح، كقلة الأدب، أو التهييج، أو نشر السوء، فهي قبيحة ومرفوضة، لا لأنها موسيقى، ولكن لأنها تنشر ما لا يُرضي الله.