بوابة الوفد:
2025-05-12@00:35:18 GMT

" البيت قبل الأخير"

تاريخ النشر: 31st, January 2025 GMT

            

كان الشارع الذي أسكنه هادئًا، كأنه جزء من عالم منسي. البيوت القديمة المتراصة على جانبيه كانت تحمل قصصًا لا يعرفها أحد، لكن بيتًا واحدًا في نهاية الشارع كان دائمًا يلفت انتباهي. بيت قديم، بابه الخشبي المتآكل ونوافذه المغلقة بإحكام، كأنه يحرس سرًا لا يريد أن يبوح به. كان الرجل العجوز الذي يسكنه لغزًا بحد ذاته.

كل صباح، وأنا أتجه إلى صخب الحياة، كنت أراه واقفًا أمام الباب، يحدق في الفراغ بعينين تبدوان وكأنهما تعرفان كل شيء عن هذا العالم.

كان وجهه يحمل سكينة غريبة، كأنه يرسم خيوطا متهالكة بين جفنيه من صخر قديم. لم يكن يتحدث كثيرًا، لكن تحيته الصامتة كل صباح كانت كافية لتجعل يومي يبدأ بسلام غامض. كان صوته، عندما يهمس بتحية خفيفة، كنسيم ربيعي يلامس روحي. لم أكن أعرف عنه شئ حتي القليل: اسمه، عمره، أو حتى ما إذا كان لديه عائلة. كل ما كنت أعرفه أنه يعيش في ذلك البيت القديم، وكأنه حارس لسرٍّ ما.

لكن في أحد الأيام، اختفى. لم أعد أراه واقفًا أمام الباب، ولم أعد أسمع تحيته الصباحية. الشارع بدا أكثر صمتًا من المعتاد، وكأنه فقد جزءًا من روحه. شعرت بفراغ غريب، كأن شيئًا ما يناديني نحو ذلك البيت القديم. قررت أن أطرق بابه، ربما كان مريضًا، أو ربما كان يحتاج إلى مساعدة.

طرقات خفيفة على الباب الخشبي لم تجد أي رد. صمتٌ مطبقٌ كان كل ما في الانتظار. تسللت إلى قلبي قشعريرة، تساءلت: هل غادر بلا وداع؟ أم أن هناك شيئًا آخر يختبئ خلف هذا الباب؟ صعدت إلى الشقة العلوية، حيث سمعت صوتًا خافتًا يتردد من الداخل. طرقت الباب مرة أخرى، وهذه المرة فتحت لي عينان عتيقتان، تتوهجان في الظلام كجمرات منسية. ابتسم لي ابتسامة هادئة، وقال بصوته الأجش: "كنت أعلم أنك ستأتي."

دخلت إلى شقته، التي كانت أشبه بمتحفٍ للذكريات. على الجدران، صور عائلية قديمة معلقة، نظرات أصحابها تلتقي بي من خلف الزجاج، كأنهم يشاهدون حياتي من عالم آخر. في وسط الغرفة، طاولة صغيرة عليها فنجان شاي متبخر، وعروسة قديمة مكسورة الذراع، كأنها ترمز لطفولة ضائعة أو حلم لم يكتمل.

جلست أمامه، وأنا أحاول أن أفهم سر هذا الرجل الغامض. كان صامتًا، يرتشف الشاي ببطء، وكأنه يستحضر ذكريات بعيدة. لم أجرؤ على طرح الأسئلة التي كانت تدور في رأسي، لكنه بدا وكأنه يعرف ما أفكر فيه. فجأة، أشعل سيجارة، وبدأ يتحدث، وكأن الدخان المتصاعد كان جسرًا بين الحاضر والماضي.

"كان الولد حياتي،" قال بصوت خافت، وكأنه يخاطب نفسه أكثر مني. "كان الجنة التي وجدتها على الأرض. كلما رأيته، كنت أشعر أن كل همومي تتبخر. كنت أراه يلعب، وأحسد ألعابه على فرحتها بوجوده. عندما ذهب إلى المدرسة، كنت أنتظره كل يوم أمام الباب، وكأن رؤيته تعيد إليّ شيئًا كنت قد فقدته."

توقف للحظة، وكأنه يستجمع قواه. رأيت دمعة تلمع في عينيه، لكنها لم تسقط، كأنها ترفض أن تتركه. ثم استمر: "كبرت معه، وكبر هو معي. شاركته أحلامه، وشاركني أحزاني. لكن الأقدار... الأقدار كانت لها رأي آخر. تركني وحيدًا، ولم يعرف كم سأعاني بعده."

كانت نبراته مترامية الأطراف بائسة حزينة مجهدة كالذي هوته الريح إلي مكان سحيق شعرت حينها أن الوقت يمضي مسرعاً، وكأن الغرفة تهاوت والهواء أصبح خانقاً، هرولت للمغادرة لكن اوقفتني يديه الدافئة ودموعه الحانية وقال بصوت خافت شكراً "بني".

ابتسمت له، لكن الحزن كان يغمرني. غادرت الشقة وأنا أحمل معي سؤالًا لم أجد له إجابة: من كان هذا الرجل؟ وما السر الذي كان يحمله في قلبه؟ ولماذا شعرت أن لقاءنا لم يكن صدفة، بل جزءًا من قصة أكبر، لم تكتمل بعد؟.

عندما غادرت الشقة، التفتُّ لآخر مرة نحو الباب الخشبي القديم. كان الظلام قد بدأ يلف الشارع، والهواء يحمل رائحة غريبة، كأنها مزيج من التراب القديم وحزنٍ طويل. مشيت بخطوات بطيئة، وأنا أحاول أن أفهم ما حدث. لكن شيئًا ما جعلني أتوقف. صوت خفيض، كأنه همس، جاء من خلفي. التفتُّ بسرعة، لكن لم يكن هناك أحد. فقط ظل طويل يمتد من الباب، وكأنه يتبعني.

عدت إلى بيتي، لكن النوم هرب من عيني. في منتصف الليل، سمعت طرقة خفيفة على الباب. نهضت بقلق، وفتحت الباب، لكن لم يكن هناك أحد. فقط نسيم بارد لمس وجهي، وكأنه يحمل رسالة. على عتبة الباب، وجدت شيئًا صغيرًا: العروسة القديمة المكسورة الذراع التي كانت على طاولته.

في الصباح التالي، ذهبت إليه مرة أخرى. لكن الباب كان مغلقًا، ولم أسمع أي صوت من الداخل. سألت الجيران عنه، فدهشوا لسؤالي. قالوا: "لا أحد يعيش في تلك الشقة منذ سنوات. كانت لرجل عجوز، لكنه مات منذ زمن بعيد."

نظرت إلى العروسة في يدي، وشعرت بقشعريرة تخترق جسدي. من كان ذلك الرجل؟ ولماذا أعطاني هذه العروسة؟ وأين اختفى الآن؟ الأسئلة تدور في رأسي، لكن الإجابات تبدو بعيدة، كأنها محبوسة في مكان ما بين الحلم والواقع.

منذ ذلك اليوم لم أعد أراه. البيت القديم  مغلقًا، وكأنه يحتفظ بسرّه إلى الأبد. لكن العروسة المكسورة بقيت معي، تذكرني دائمًا بأن بعض الأسرار لا تُكشف أبدًا. ربما كان الرجل العجوز مجرد شبح من الماضي، أو ربما كان جزءًا من حكاية أكبر، لم أكن سوى شخصية عابرة فيها. لكن شيئًا واحدًا مؤكدًا: ذلك البيت قبل الأخير في الشارع سيظل دائمًا لغزًا، ينتظر من يكتشفه..

المصدر: بوابة الوفد

إقرأ أيضاً:

مروان موسى لـ«أجمد 7» ألبومى الجديد 23 أغنية..ويعبر عن حياتي بعد فقدان والدتي

أستضافت جيهان عبد الله، اليوم الخميس، الفنان مروان موسي، عبر برنامج «أجمد 7»، على إذاعة «نجوم إف إم»، بمناسبة تعاونه مع «سبوتيفاي» في ألبومه الجديد «الرجل الذي فقد قلبه»، الذي يضم 23 أغنية.

 

وقال مروان موسى: «أنا أعلنت من نحو سنة أنني سأقدم ألبوم حزين، وشعرت أن هناك حماس أكثر من الجمهور، وخصوصا في مصر نحن نحب الأغاني الحزينة، فهي تجلب مشاهدات عالية، وعندي أغنية اسمها (بوصلة ضاعت) كانت حزينة ونجحت جدا، وقلت سأعبر عما أمر به مثل أغانيّ شيراتون وفلوريدا، وأنا شايف نفسي جامد في شغلي».

 

و أضاف: «أيضا مررت بلحظات صعبة بعد وفاة والدتي ثم حدثت الحرب في غزة فشعرت بظلم في الحياة وهذا كان تفكيري في تعبيري عن حالتي وقتها».

 

تابع مروان موسى: «أنا درست في إيطاليا ثم أمريكا أمور لها علاقة بالصوت، لكن عمري ما تخيلت نفسي عايش خارج مصر، أشعر أنني مختلف ومجنون وسط الناس في أوروبا وهما منظمين جدا، ولكن بعد شوية أشعر بملل من طبيعة حياتهم، بحب الحاجات العشوائية أكثر، وأنا أقصد أنني شخص بحب العفوية في حركاتي».

 

وعن تأثره بالتعليقات على السوشيال ميديا، قال مروان موسى: «كنت سابقا أتابع وأتأثر الحقيقة، لأنني إذا رأيت تعليق سيئ وحيد وسط 20 آخرين جيدين سأتذكر فقط التعليق السيئ، ولذلك قررت في ألبومي الأخير أنني لن أرى أي تعليق وشغال فقط أنني أكون مقتنعا بالأغنية وأريد تقديم منتج أكون مقتنعا به، ثم سأرى رد الفعل بعد شهرين دون أن أدخل لكي أرى ما يكتب الآن وأؤذي نفسي بتعليقات سلبية، ولا أحب أيضا متابعة عداد أرقام الأغاني لأني لست سلعة».

 

وعن سر اسم ألبومه «الرجل الذي فقد قلبه»، أوضح مروان موسى: «هناك رواية رائعة قرأتها اسمها (الرجل الذي فقد ظله) وهي منقسمة لخمس قصص عن شخصيات مختلفة وعجبني الاسم، لكن قررت تغيير ظله إلى قلبه، لأن الحاجة التي ضاعت مني لها علاقة بالقلب وشعرت أنه الرمز الصح للألبوم، وكنت سأطلق عليه سابقا (ريستارت)، لكن شعرت أنها ليست درامية كما أريد، والألبوم له علاقة بحياتي بعد فقدان والدتي، الرواية ألهمتني فقط كأسم».

 

كما كشف مروان موسى عن تجهيزه لحفلة جديدة مع بابلو، قائلا: «ستكون مفاجأة».

 

 

وعن حياته الشخصية، قال مروان موسى: «أنا غير متزوج، ويهمني في فتاة أحلامي أن تكون دمها خفيف، ولا أحب الجلوس مع شخصية سلبية، وأركز في نقطة أن الفتاة تحبني للأسباب الصح في شخصيتي».

 

وعن أعماله الجديدة، قال: «خطتي الجديدة أني بشتغل على فكرة جديدة اسمها (سبيس شرقي) وهو نوع جديد وموسيقى تليق على شكل الأماكن المصرية الصحراوية على البحر مثل سيوة، وأخطط للمشروع حاليا لكي يخرج بأفضل صورة وشكل».

مقالات مشابهة

  • دينا أبو الخير: نشوز الزوج أشد ضررا من الزوجة.. فيديو
  • هل بلغ إلى علم وزير الداخلية أن عمالة الحوز تتلاعب بمساطر ومحاضر هدم البنايات العشوائية :
  • "اليوم" تفتح ملف مبالغ المشاهير.. ثروات بلا رقابة تفتح الباب لغسل الأموال
  • عن الرجل المهزوم
  • قواعد من الحياة
  • ترامب يغلق الباب أمام اللاجئين.. واستثناء لـ"بيض إفريقيا"
  • مختص: المرأة تدفع 13% أكثر من الرجل لنفس المنتج ..فيديو
  • هل قول الرجل علي الطلاق يقع بسببه الطلاق؟.. أمين الفتوى يجيب
  • مروان موسى لـ«أجمد 7» ألبومى الجديد 23 أغنية..ويعبر عن حياتي بعد فقدان والدتي
  • رجل يتخلص بنجاح من قرن عانى منه لمدة ثلاث سنوات