بوابة الوفد:
2025-07-01@01:07:33 GMT

" البيت قبل الأخير"

تاريخ النشر: 31st, January 2025 GMT

            

كان الشارع الذي أسكنه هادئًا، كأنه جزء من عالم منسي. البيوت القديمة المتراصة على جانبيه كانت تحمل قصصًا لا يعرفها أحد، لكن بيتًا واحدًا في نهاية الشارع كان دائمًا يلفت انتباهي. بيت قديم، بابه الخشبي المتآكل ونوافذه المغلقة بإحكام، كأنه يحرس سرًا لا يريد أن يبوح به. كان الرجل العجوز الذي يسكنه لغزًا بحد ذاته.

كل صباح، وأنا أتجه إلى صخب الحياة، كنت أراه واقفًا أمام الباب، يحدق في الفراغ بعينين تبدوان وكأنهما تعرفان كل شيء عن هذا العالم.

كان وجهه يحمل سكينة غريبة، كأنه يرسم خيوطا متهالكة بين جفنيه من صخر قديم. لم يكن يتحدث كثيرًا، لكن تحيته الصامتة كل صباح كانت كافية لتجعل يومي يبدأ بسلام غامض. كان صوته، عندما يهمس بتحية خفيفة، كنسيم ربيعي يلامس روحي. لم أكن أعرف عنه شئ حتي القليل: اسمه، عمره، أو حتى ما إذا كان لديه عائلة. كل ما كنت أعرفه أنه يعيش في ذلك البيت القديم، وكأنه حارس لسرٍّ ما.

لكن في أحد الأيام، اختفى. لم أعد أراه واقفًا أمام الباب، ولم أعد أسمع تحيته الصباحية. الشارع بدا أكثر صمتًا من المعتاد، وكأنه فقد جزءًا من روحه. شعرت بفراغ غريب، كأن شيئًا ما يناديني نحو ذلك البيت القديم. قررت أن أطرق بابه، ربما كان مريضًا، أو ربما كان يحتاج إلى مساعدة.

طرقات خفيفة على الباب الخشبي لم تجد أي رد. صمتٌ مطبقٌ كان كل ما في الانتظار. تسللت إلى قلبي قشعريرة، تساءلت: هل غادر بلا وداع؟ أم أن هناك شيئًا آخر يختبئ خلف هذا الباب؟ صعدت إلى الشقة العلوية، حيث سمعت صوتًا خافتًا يتردد من الداخل. طرقت الباب مرة أخرى، وهذه المرة فتحت لي عينان عتيقتان، تتوهجان في الظلام كجمرات منسية. ابتسم لي ابتسامة هادئة، وقال بصوته الأجش: "كنت أعلم أنك ستأتي."

دخلت إلى شقته، التي كانت أشبه بمتحفٍ للذكريات. على الجدران، صور عائلية قديمة معلقة، نظرات أصحابها تلتقي بي من خلف الزجاج، كأنهم يشاهدون حياتي من عالم آخر. في وسط الغرفة، طاولة صغيرة عليها فنجان شاي متبخر، وعروسة قديمة مكسورة الذراع، كأنها ترمز لطفولة ضائعة أو حلم لم يكتمل.

جلست أمامه، وأنا أحاول أن أفهم سر هذا الرجل الغامض. كان صامتًا، يرتشف الشاي ببطء، وكأنه يستحضر ذكريات بعيدة. لم أجرؤ على طرح الأسئلة التي كانت تدور في رأسي، لكنه بدا وكأنه يعرف ما أفكر فيه. فجأة، أشعل سيجارة، وبدأ يتحدث، وكأن الدخان المتصاعد كان جسرًا بين الحاضر والماضي.

"كان الولد حياتي،" قال بصوت خافت، وكأنه يخاطب نفسه أكثر مني. "كان الجنة التي وجدتها على الأرض. كلما رأيته، كنت أشعر أن كل همومي تتبخر. كنت أراه يلعب، وأحسد ألعابه على فرحتها بوجوده. عندما ذهب إلى المدرسة، كنت أنتظره كل يوم أمام الباب، وكأن رؤيته تعيد إليّ شيئًا كنت قد فقدته."

توقف للحظة، وكأنه يستجمع قواه. رأيت دمعة تلمع في عينيه، لكنها لم تسقط، كأنها ترفض أن تتركه. ثم استمر: "كبرت معه، وكبر هو معي. شاركته أحلامه، وشاركني أحزاني. لكن الأقدار... الأقدار كانت لها رأي آخر. تركني وحيدًا، ولم يعرف كم سأعاني بعده."

كانت نبراته مترامية الأطراف بائسة حزينة مجهدة كالذي هوته الريح إلي مكان سحيق شعرت حينها أن الوقت يمضي مسرعاً، وكأن الغرفة تهاوت والهواء أصبح خانقاً، هرولت للمغادرة لكن اوقفتني يديه الدافئة ودموعه الحانية وقال بصوت خافت شكراً "بني".

ابتسمت له، لكن الحزن كان يغمرني. غادرت الشقة وأنا أحمل معي سؤالًا لم أجد له إجابة: من كان هذا الرجل؟ وما السر الذي كان يحمله في قلبه؟ ولماذا شعرت أن لقاءنا لم يكن صدفة، بل جزءًا من قصة أكبر، لم تكتمل بعد؟.

عندما غادرت الشقة، التفتُّ لآخر مرة نحو الباب الخشبي القديم. كان الظلام قد بدأ يلف الشارع، والهواء يحمل رائحة غريبة، كأنها مزيج من التراب القديم وحزنٍ طويل. مشيت بخطوات بطيئة، وأنا أحاول أن أفهم ما حدث. لكن شيئًا ما جعلني أتوقف. صوت خفيض، كأنه همس، جاء من خلفي. التفتُّ بسرعة، لكن لم يكن هناك أحد. فقط ظل طويل يمتد من الباب، وكأنه يتبعني.

عدت إلى بيتي، لكن النوم هرب من عيني. في منتصف الليل، سمعت طرقة خفيفة على الباب. نهضت بقلق، وفتحت الباب، لكن لم يكن هناك أحد. فقط نسيم بارد لمس وجهي، وكأنه يحمل رسالة. على عتبة الباب، وجدت شيئًا صغيرًا: العروسة القديمة المكسورة الذراع التي كانت على طاولته.

في الصباح التالي، ذهبت إليه مرة أخرى. لكن الباب كان مغلقًا، ولم أسمع أي صوت من الداخل. سألت الجيران عنه، فدهشوا لسؤالي. قالوا: "لا أحد يعيش في تلك الشقة منذ سنوات. كانت لرجل عجوز، لكنه مات منذ زمن بعيد."

نظرت إلى العروسة في يدي، وشعرت بقشعريرة تخترق جسدي. من كان ذلك الرجل؟ ولماذا أعطاني هذه العروسة؟ وأين اختفى الآن؟ الأسئلة تدور في رأسي، لكن الإجابات تبدو بعيدة، كأنها محبوسة في مكان ما بين الحلم والواقع.

منذ ذلك اليوم لم أعد أراه. البيت القديم  مغلقًا، وكأنه يحتفظ بسرّه إلى الأبد. لكن العروسة المكسورة بقيت معي، تذكرني دائمًا بأن بعض الأسرار لا تُكشف أبدًا. ربما كان الرجل العجوز مجرد شبح من الماضي، أو ربما كان جزءًا من حكاية أكبر، لم أكن سوى شخصية عابرة فيها. لكن شيئًا واحدًا مؤكدًا: ذلك البيت قبل الأخير في الشارع سيظل دائمًا لغزًا، ينتظر من يكتشفه..

المصدر: بوابة الوفد

إقرأ أيضاً:

"تاريخ العلاقات بين الصين وعُمان"... إصدار علمي يُوثِّق مسيرة قرون من التبادل الحضاري والدبلوماسي

 

دراسة أكاديمية مُعمقة بدعم من كرسي السلطان قابوس للدراسات العربية بجامعة بكين

أكثر من عشر سنوات من البحث العلمي توثق الموانئ والعلاقات الدبلوماسية بين البلدين

الكتاب يتناول التجارة البحرية والنفوذ الأوروبي والسياسة الدولية من العصور الوسطى حتى العصر الحديث

 

 

 

الرؤية- مدرين المكتومية

 

صدر للكاتب الصيني وانغ شياوفو أستاذ كرسي السلطان قابوس بجامعة بكين كتاب "تاريخ العلاقات بين الصين وعُمان" في جزئه الأول، في حين صدر الجزء الثاني من الكتاب للمؤلف لي آنشان، وقد طبع الجزءان بدعم من كرسي السلطان قابوس للدراسات العربية في جامعة بكين.

وصدر الجزءان عن مكتبة الأنجلو المصرية بالقاهرة، وتولى ترجمة الكتابين كل من فوتشيمينغ (أمين) ورحاب محمود صبح وعلاء ممدوح عاكف ولو بي تشون، وهو عبارة عن ترجمة عربية كاملة لدراسة علمية محكمة استمرت لأكثر من 10 سنوات، قام بها نخبة من الخبراء الصينيين حول تاريخ العلاقات بين الصين وعُمان.

ويقع الجزء الأول من الكتاب في 592 صفحة من القطع المتوسط، بينما يأتي الجزء الثاني في 595 صفحة، وتضمن الجزءان 9 أبواب، واحتوى كل باب عنوانا منفصلا يضم عددًا من الفصول المختلفة. واشتمل الكتاب على مقدمة تناولت محور النقل على طريق الحرير البحري، أبرزت موقع عُمان الجغرافي وحركة الملاحة البحرية، إلى جانب الرياح التجارية والتبادلات على طول ساحل المحيط الهندي، والطريق التقليدي من جنوب شبه الجزيرة العربية إلى شمال غرب الهند، وبعض الادبيات ذات الصله بموضوع واهداف الكتاب.

وحمل الباب الأول من الكتاب عنوان "طريق التوابل والحرير.. التبادلات المبكرة بين عُمان والصين"، وضم الفصل الأول منه المنتجات العُمانية التي دخلت إلى الصين في الفترات الأولى، مع التركيز على اللبان وسلاحف منقار الصقر والشعب المرجانية، إلى جانب اللؤلؤ. أما الفصل الثاني؛ فركَّز على المواد الخارجية التي انتقلت إلى الصين عبر عُمان، وتضمَّن استعراض بيضة الطائر الكبير، وسكان لي شوان الذين يجيدون الحيل السحرية، إضافة إلى الزجاج والزمرد وعطور سوخه، والعنبر.

علاقات دبلوماسية

الباب الثاني حمل عنوان "ربط طرق الحرير البرية والبحرية لإقامة علاقات دبلوماسية بين عُمان والصين"؛ حيث تناولت فصول الباب، وصول تشانغ تشيان إلى المناطق الغربية، طريق عُمان المبكر إلى الصين، وطريق الحرير ومحور الربط البري والبحري- تي يو، وجانينغ المبعوث إلى داتشن، وإرسال عُمان مبعوثين إلى الصين لإقامة علاقات دبلوماسية معها.

وفي الباب الثالث نقرأ عنوان "تطور التجار البحريين في عُمان خلال العصور الوسطى"، وتطرق إلى أن التجار في الصين في العصور الوسطى هم تجار عُمانيون، وتجار بحر أزد عُمان الهيئة الرئيسية لتجار فارس، وأعراف عُمان العريقة في الإبحار وممارسة الأعمال التجارية، وتقنية بناء السفن المتقدمة في عُمان. كما ركز هذا الباب على أن العُمانيين أول من اكتشفوا أصول الرياح التجارية، والاتصال بين عُمان وتقنيات الملاحة الصينية، وأن العُمانيين أول من استخدموا ملاحة المنارة، إلى جانب تحوُّل التجار البحريين العُمانيين إلى التجار الملكيين في بلاد فارس الساسانية.

أما الفصل الرابع فحمل عنوان "شبكة التجارة العُمانية واتصال بلاد فارس في العصور الوسطى بالصين"؛ حيث تطرقت فصوله إلى الحديث عن أصل المُنتجات الفارسية وحرفها، والخصائص الجغرافية والثقافية لمنطقة إنتاج الديباج الفارسي، ومشكلة استيراد بروكار "الملك هو" أو تقليده، وأصل الفضيات الفارسية وصناعتها، إلى جانب تطرقه لمصادر منتجات الحرير الصيني ومواقعها، وذهاب العُمانيين إلى الصين للتبادل في العصور الوسطى. وركز هذا الفصل على طريق (جيبين- شواندو- بيشان) والطريق إلى الملح و"عبور هوجيانغ" والمرور عبر تيان تشو إلى جنوب غرب الصين، وأصل الحرير الصيني وطريق جوجيانغ إلى الغرب، اختتم الفصل بخصائص العُمانيين في أنشطة الصين في العصور الوسطى.

التوسُّع الأوروبي

أما الجزء الثاني من الكتاب الذي بدأ بالباب الخامس المعنون "التوسع الأوروبي في المحيط الهندي (1500- 1840)"، فقد تناول فرصة البرتغال الوحيدة لفهم طريق الشحن في المحيط الهندي، كما ركز على فتح إسبانيا وانتشار الثقافة العربية، وتحول الاهتمام من البحر المتوسط إلى المحيط الهندي، وسمات الملاحين البرتغاليين، كما تناول ايضا صعود الهولنديين، وناقش القناة التجارية بين أوروبا والشرق وخصائص الاقتصاد الهولندي وشركة الهند الشرقية الهولندية. وناقش الفصل مسألة بريطانيا باعتبارها القوة البحرية؛ حيث تناولت صعود البريطانيين إلى القمة وجوهر التجارة بين أوروبا وآسيا. كما تناول النتائج المباشرة للتوسع الآوروبي في آسيا، حيث بداية الاستعمار في الصين والغزو الأوروبي لعُمان.

في حين تطرق الباب السادس إلى "المصير المماثل في ظل القوى الدولية (1840-1940)؛ حيث استعرضت فصوله قضايا الصين وانهيار أسرة تشينغ، والتجارة بين أوروبا والصين ونهاية حرب الأفيون، كما تناول أيضًا صعود القوة البحرية وسقوطها. كما سلط الضوء على عُمان وصعود القوة البحرية وسقوطها، مركزًا على تاريخ الملاحة والتجارة والغزو البرتغالي لعُمان، ومقاومة العُمانيين وتعافيهم، والعلاقة بين عُمان والمملكة المتحدة، إلى جانب التواصل بين الصين وعُمان. وأبرز الكتاب التواصل بين الصين وعُمان في عهد أسرة مينغ (1500- 1600) والتبادلات في الفترة بين أسرة تشينغ وجمهورية الصين (1700- 1949).

أما الفصل السابع، فحمل عنوان "السياسة الدولية والعلاقات الصينية العربية (1949-1978)؛ حيث تناول أزمة قناة السويس وتراجع دور بريطانيا، وركز على أسباب الفشل البريطاني ومنطلقاته التاريخية، كما ركز على الموارد البترولية ولعبة الدول الكبرى، كمعاهدة بغداد وأثرها، والتعاون الآسيوي والافريقي ووحدة الدول المُصدِّرة للنفط، وعُمان في السياسة الدولية، والعدوان الاستعماري والانتفاضة ضد بريطانيا. واستعرض كذلك العلاقات الصينية العربية في السياسة الدولية، والعلاقة بين الصين والدول العربية، ودعم الصين لمصر، إضافة إلى العلاقات الودية بين الصين والدول العربية، والعلاقة بين الصين وعُمان.

العلاقات الدبلوماسية

أما الباب الثامن فقد حمل عنوان "المصالحة وإقامة العلاقات الدبلوماسية والسعي إلى أرضية مشتركة مع الاحتفاظ بالاختلافات (1978- 2018)"، وقد ركَّز خلاله على البيئة السياسية الخليجية ورد الفعل العُماني، وتناول الباب مضيق هرمز، والثورة الإيرانية، والوضع في الخليج العربي، والعلاقة بين عُمان واليمن الجنوبي. كما تطرق إلى أوضاع البلدان العربية والتوسع السوفييتي ونوايا الولايات المتحدة في العقود الأخيرة من القرن العشرين، وناقش مسألة "عُمان وصراع القوى العظمى من أجل الهيمنة"، كما تحدث عن سياسة عُمان الخارجية، وأكد أنها سياسة مستقلة وذات توازن واضح، وتعمل على تعزيز التعاون الوثيق مع الدول العربية والخليجية، إضافة إلى إقامة علاقات ودية بين الصين وسلطنة عُمان، وإنشاء آلية تعاون شامل، مع إبراز الأسس المتينة للتعاون الاقتصادي بين الصين وعُمان، والتوسع الشامل في التعاون الاستراتيجي.

أما الباب التاسع، فقد جاء بعنوان "طريق الحرير والعلاقات بين الصين وعُمان" وناقش فيه التعاون بين الصين وسلطنة عُمان، والعلاقات الدولية والاحتياجات المتبادلة، كما تناول طريق الحرير الجديد، والصينيون في الخارج ودورهم في تعزيز التعاون بين الصين وعُمان.

ويمكن القول إن هذين الكتابين يمثلان مرجعًا بالغ الأهمية للباحثين والمتخصصين في الشأن العُماني الصيني، والعلاقات الصينية العربية بشكل عام؛ حيث يُقدِّم رؤية توثيقية قائمة على مجريات التاريخ وأحداثه التي لا تقبل الشك، وعرضها بكل أمانة علمية دون انحياز أو مُغالاة في الشرح والوصف.

مقالات مشابهة

  • برشلونة يفتح الباب أمام رحيل فيرمين لوبيز مقابل 50 مليون يورو
  • "تاريخ العلاقات بين الصين وعُمان"... إصدار علمي يُوثِّق مسيرة قرون من التبادل الحضاري والدبلوماسي
  • تفاصيل التحقيق مع المتهمين بسرقة مشغولات ذهبية من شقة ببولاق
  • كيف يتم تقسيم الميراث لسيدة تركت زوجا و3 بنات؟.. أمين الإفتاء يجيب
  • إصلاحات سورية تفتح الباب أمام الاستثمارات الأوروبية
  • مرقص: الحكومة هي صاحبة القرار الأخير في حصر سلاح الحزب بيد الدولة
  • مغتربون في الوطن.. حين يغيب الإنسان بين أهله
  • النصر يفتح الباب أمام رحيل جون دوران وفنربخشة يتحرك بطلب من مورينيو
  • تجديد حبس عاطلين 15 يوما بتهمة سرقة مشغولات ذهبية من شقة فى بولاق
  • في كل منزل مصيبة وفي منزلها كانت 3.. أم لـ3 توائم بقرية السنابسة بالمنوفية تتحسس ذكراهم