الجزيرة:
2025-06-15@09:01:17 GMT

خيارات فرنسا المرّة للبقاء في أفريقيا

تاريخ النشر: 6th, February 2025 GMT

خيارات فرنسا المرّة للبقاء في أفريقيا

خطاب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أمام المؤتمر السنوي لسفراء فرنسا في الثامن من يناير/ كانون الثاني الماضي، الذي تناول فيه تراجع فرنسا في أفريقيا بعد إعلان معظم الدول الأفريقية الناطقة بالفرنسية إغلاق القواعد العسكرية الفرنسية على أراضيها، يُعدّ أعلى وأهم تصريح رسمي فرنسي في هذا الشأن. وبالرغم من أن الرئيس ماكرون كان يتحدث لقادة الدبلوماسية الفرنسية، فإن خطابه لم يكن دبلوماسيًا البتة.

أنكر الرئيس الفرنسي أن بلاده تتراجع في أفريقيا، وقال: "نحن نعيد تنظيم أنفسنا"، وأردف أن إغلاق القواعد العسكرية الفرنسية كان قرارًا متفقًا عليه مع الرؤساء الأفارقة، وترك لهم مهمة الإعلان عنه.

وقال ماكرون إنه حزين؛ لأن القادة الأفارقة لم يشكروا بلاده على ما قدمته لهم القواعد العسكرية الفرنسية من خِدمات جليلة، وأضاف، وبنبرة استعلاء، أن الرؤساء الأفارقة لم يكونوا حريصين على محاربة الحركات السالبة في بلدانهم، بقدر حرصهم على البقاء على كرسي السلطة، وأنه لولا الجيش الفرنسي لما كان كثير منهم جالسين على كراسيهم اليوم.

زعم الرئيس الفرنسي أن بلاده لم تتراجع في أفريقيا، وأن ما جرى من إغلاق لقواعدها العسكرية إنما هو ترتيب مسبق متفق عليه، وأن القادة الأفارقة نفذوا ما طُلب منهم، لكنهم أساؤوا الإخراج.

إعلان

بيدَ أن هذا المنطق لا يبدو مقنعًا أصلًا، فقد كان رد القادة الأفارقة قويًا جدًا على تصريحات الرئيس الفرنسي، بل إن بعضهم، كما في السنغال وتشاد ومالي، ردوا الصاع صاعين لفرنسا، مذكرين إياها بأنه لولا بسالة الجنود الأفارقة في الحرب العالمية الثانية، ربما كانت فرنسا حتى اليوم محمية ألمانية.

بالرغم من أن الخطاب كان موجهًا للدبلوماسيين، وأن الدبلوماسية هي المجادلة بالحسنى، فإن الخطاب كان حمّال وجوه، ولم يخلُ من التهديد باستخدام القوة. وإلا فماذا يعني قول الرئيس ماكرون إنه لولا الجيش الفرنسي لما كان كثير من الحكام الأفارقة جالسين على كراسيهم؟

إن هذه اللغة غير الدبلوماسية يمكن أن يُفهم منها أن الجيش الفرنسي، الذي أبقى بعض الحكام الأفارقة على كراسيهم ردحًا من الزمن، قادر على أن يقصيهم منها كذلك.

وهذا الاستعلاء الماكروني المعهود يناقض السياسة الجديدة نحو أفريقيا، والتي بشّر بها ماكرون نفسه في خطابه الشهير في جامعة واغادوغو، عاصمة بوركينا فاسو، والمعروف اختصارًا بـ"خطبة واغادوغو"، والتي تبرأ فيها من تبعات الاستعمار الفرنسي لأفريقيا. كما يناقض خطته التي أقرها في عام 2022، والتي هدفت إلى بناء شراكة وتعاون عسكري فرنسي- أفريقي بمعايير جديدة.

ما هي الاتفاقيات العسكرية الفرنسية؟

المقصود بذلك هي مجموعة اتفاقيات سرية عسكرية وأمنية وُقِّعت في ستينيات القرن الماضي، بُعيد استقلال المستعمرات الفرنسية في غرب أفريقيا، أي في مرحلة القبضة الحديدية الباطشة لفرنسا على مستعمراتها السابقة. وبالرغم من سرية هذه الاتفاقيات، فقد سرّب بعض قدامى العسكريين والسياسيين جزءًا من محتواها. وسنعرض بإيجاز ما رشح عن مضمونها:

تَمنح الدول الأفريقية فرنسا حق إنشاء قواعد عسكرية على أراضيها، دون الحصول على إذن أو موافقة من برلمانات هذه الدول، وتكون هذه القواعد أراضيَ فرنسية ليس للدولة المضيفة الحق في معرفة ما يجري داخلها. كما أن فرنسا غير ملزمة بتقديم أية معلومات عن هذه القواعد، أو طبيعة عملها، أو عدد الجنود فيها، أو نوع الأسلحة والفعاليات التي تقوم بها. وبذلك، أصبحت القواعد الفرنسية في أفريقيا محميات ومراكز متقدمة للتجسس وجمع المعلومات، وتنفيذ سياسات وعمليات تخدم فرنسا حصرًا. لفرنسا حرية استخدام الأجواء الأفريقية بواسطة سلاح الجو الفرنسي متى ما كان ذلك ضروريًا، دون إطلاع الدول المضيفة على طبيعة الاستطلاعات الجوية التي يقوم بها الطيران العسكري الفرنسي. يجري تدريب العسكريين الأفارقة في فرنسا، على أن تدفع الدول الأفريقية تكاليف التدريب لمبعوثيها، مهما بلغت قيمته، مقارنة بالتدريب في دول وأكاديميات عسكرية أخرى. تلتزم الدول الأفريقية بإطلاع فرنسا على أي تعاون عسكري تقوم به، أو أي اتفاقيات عسكرية ترغب في توقيعها مع دول أخرى، وأن تحصل على موافقة باريس. في حالة تعرض فرنسا لتهديد عسكري خارجي، ينضم جنود الدول الأفريقية إلى الجيش الفرنسي للدفاع عن فرنسا، وبالمقابل، تتعهد باريس بحماية المستعمرات السابقة ورعاياها في حالة تعرضها لأي تهديد. إعلان

شكلت هذه الاتفاقيات العسكرية السرية، بالإضافة إلى الاتفاقيات الاقتصادية، العمود الفقري لسياسة فرنسا الأفريقية، المعروفة اختصارًا باسم "فرانس أفريك".

صُمِّمت هذه الاتفاقيات المجحفة من قِبل اليمين الفرنسي الديغولي منذ بداية الجمهورية الخامسة، وكان الغرض الرئيس منها هو ضمان بقاء فرنسا في أفريقيا لأطول فترة ممكنة.

أشرف على هذه الاتفاقيات سياسي فرنسي ديغولي مشهور، هو جاك فوكار، مستشار الشأن الأفريقي للجنرال شارل ديغول، والذي ظل يدير السياسة الفرنسية في أفريقيا بشكل مباشر أو غير مباشر منذ عام 1958 وحتى وفاته في مارس/آذار 1997.

ولئن كانت هذه الاتفاقيات مجحفة ومعيبة، فإن تطبيقها كان أكثر إجحافًا. لقد صُمِّمت للحفاظ على مصالح فرنسا فقط، دون الاكتراث بمصلحة الشعوب، لدرجة أن باريس اعتبرت أن الرئيس الأفريقي الذي يسير وفق رؤيتها هو جزء من مصالحها التي يجب المحافظة عليها.

وبناءً على ذلك، أطلقت يدها الباطشة لتحدد من يحكم أي بلد أفريقي، ولم تتوانَ في التدخل المباشر والسافر لفرض رؤساء بعينهم، دون النظر إلى رأي الشعب. والتاريخ حافل بالتدخلات العسكرية الفرنسية في أفريقيا الغربية.

رؤية جديدة للتعاون العسكري

أسهمت عوامل كثيرة في رفع درجة الوعي الجمعي الأفريقي بحقيقة السياسات الفرنسية الظالمة التي تفرضها باريس على مستعمراتها السابقة، وأدى ذلك إلى ظهور جيل جديد من السياسيين وقادة الرأي العام الأفارقة، مما عزز حالة الاستياء الشعبي الواسع ضد سياسة فرنسا الأفريقية، ولا سيما ضد تلك الاتفاقيات العسكرية والاقتصادية السرية بين باريس ومستعمراتها السابقة.

ومما يُحمد للرئيس ماكرون جرأته في نقد سياسات فرنسا الاستعمارية المجحفة بشأن أفريقيا، على الملأ، كما حدث في خطبة واغادوغو الشهيرة في بداية فترته الرئاسية الأولى عام 2017، والتي أعلن فيها رسميًا انتهاء سياسة "فرانس أفريك" وتبرأ من فترة الاستعمار الفرنسي لأفريقيا، باعتباره من الجيل الذي وُلد بعد انتهاء حقبة الاستعمار.

إعلان

كما أعلن رغبته في بناء شراكة عسكرية جديدة، متوازنة ومسؤولة مع أفريقيا، وأكد أنه سيعيد التفكير في القواعد العسكرية الفرنسية في القارة.

وبموجب ذلك، أعلنت فرنسا في عام 2022 ملامح رؤية جديدة للتعاون العسكري مع الدول الأفريقية الناطقة بالفرنسية. اقترحت فيها تقليل عدد الجنود الفرنسيين في أفريقيا، وأن تُدار القواعد بإدارة مشتركة بين فرنسا والدول المضيفة. كما اقترحت تحويل بعض القواعد إلى أكاديميات عسكرية لتدريب القوات الأفريقية ورفع قدراتها الفنية والقتالية، وزيادة المساعدات العسكرية لأفريقيا.

وأهم ما صرح به ماكرون في هذه الخطة، هو قوله إنه لا توجد منافسة مع الآخرين في أفريقيا، وأن القارة ليست حكرًا لفرنسا. ولا شك أنه يشير إلى القوى الدولية الجديدة التي بدأت تتمدد في القارة، مثل؛ روسيا، والصين، وتركيا.

عمليًا، لم تجد هذه الخطة طريقها للتنفيذ، لأن الأوضاع في دول الساحل الأفريقي خاصة، وفي غرب أفريقيا عامة، سارت بما لا تشتهيه باريس. فقد أدى الزخم الشعبي الواسع المعادي لسياسات فرنسا إلى صعود قادة ثوريين إلى السلطة، كما في مالي، والنيجر، وبوركينا فاسو، وغينيا، والسنغال.

وقادت هذه الأنظمة وغيرها تيار مواجهة التمدد الفرنسي في القارة وتصفية القواعد العسكرية، دون التنسيق مع باريس. وهكذا اضطرت فرنسا إلى ترك "حديقتها الخلفية"، بكل ما يسببه ذلك من تحديات ومتاعب سياسية واقتصادية وجيوسياسية.

خيارات باريس الصعبة

إن نفوذ فرنسا في تراجع حقيقي في غرب أفريقيا، وهو مجالها الحيوي الرئيسي في القارة، وذلك بالرغم من حالة الإنكار الرسمي من الإليزيه. والمشكلة الكبرى هي أن طرق العودة إلى زخم العلاقات القديمة صعبة، وخيارات باريس محدودة ومحفوفة بالمخاطر.

هناك عدد من الخيارات الصعبة أمام باريس، منها استخدام القوة للعودة إلى أفريقيا، أو وقف تسليح الجيوش الأفريقية، أو التنسيق مع الولايات المتحدة والعودة تحت عباءتها. وفيما يلي نناقش هذه الخيارات بإيجاز:

إعلان ينادي بعض قدامى العسكريين باستخدام القوة، كما درجت باريس على ذلك في السابق. وهذا الخيار صعب بسبب حالة الرفض الشعبي العامة لفرنسا في الشارع الأفريقي، وقوة تأثير منظمات المجتمع المدني، لدرجة أنه لن يستطيع أي حاكم الجهر بولائه لفرنسا، لأن ذلك يعني نهايته. بل إن الحكومات الأفريقية أصبحت تتودد إلى شعوبها بتحدي فرنسا. أما خيار وقف مبيعات الأسلحة والمعدات العسكرية، فهو خيار غير فعال، وذلك لأن جيوش الدول الأفريقية الناطقة بالفرنسية لا تستخدم السلاح الفرنسي، بل تعتمد على واردات الأسلحة من روسيا أو الصين أو تركيا أو الولايات المتحدة، لأن السلاح الفرنسي الصنع غالي الثمن مقارنة بالدول المنتجة الأخرى. ومما يؤكد ذلك أن تقرير مبيعات الأسلحة الفرنسية للخارج، الذي أصدرته وزارة الدفاع الفرنسية عن العام الماضي، أوضح أن هناك دولتين أفريقيتين فقط اشترتا أسلحة من فرنسا، هما المغرب والسنغال. وانحصرت مبيعات كلتا الدولتين في زوارق ومعدات لسلاح البحرية فقط. كما يبدو خيار التنسيق مع الولايات المتحدة الأميركية صعبًا، ذلك لأن الوجود الأميركي في القارة محدود، ويعاني من المشاكل، كما حدث في النيجر، وتشاد، وأفريقيا الوسطى. وسيكون هذا الخيار أصعب في عهد إدارة الرئيس ترامب الجديدة.

ونظرًا لصعوبة كل هذه الخيارات، بالإضافة إلى الوضع السياسي الداخلي المضطرب، فليس أمام صانع القرار السياسي الفرنسي إلا أن يكون أكثر براغماتية وتعقلًا، وأن تقبل باريس بالأمر الواقع، وتحترم خيارات الشعوب والحكومات الأفريقية، وتستخدم دبلوماسية الحوار بالحسنى، وألا تدخل في أي مواجهة أو مغامرة أفريقية غامضة وغير مضمونة العواقب.

فأي مغامرة من هذا النوع ربما تضطر الدول الأفريقية إلى إلغاء الاتفاقيات الاقتصادية، وبالذات اتفاقية استخدام الفرنك الأفريقي. وإذا حدث ذلك، فقد تتراجع فرنسا لتصبح إحدى دول العالم الثالث، كما قال الرئيس السابق جاك شيراك.

إعلان

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات القواعد العسکریة الفرنسیة الدول الأفریقیة هذه الاتفاقیات الرئیس الفرنسی الجیش الفرنسی الفرنسیة فی فی أفریقیا فی القارة فرنسا فی ما کان

إقرأ أيضاً:

أضعف لحظات الجمهورية الإسلامية.. ما خيارات إيران للرد على الضربات الإسرائيلية؟

تحليل من نك باتون والش، كبير مراسلي CNN لشؤون الأمن الدولي 

أتلانتا الولايات المتحدة الأمريكية (CNN)-- في مواجهة الضربات الإسرائيلية واسعة النطاق، الجمعة، ليس من الواضح ما إذا كانت إيران لديها القدرة على حشد الرد العنيف الذي يمكن توقعه.

لقد أثبتت إسرائيل مرة أخرى قوتها العسكرية والاستخباراتية في الشرق الأوسط، غير مبالية بالخسائر في صفوف المدنيين والتأثير الدبلوماسي لأفعالها على حلفائها.

كما هو الحال مع عمليتهم اللافتة لقطع رأس خصمهم الشمالي -حزب الله، وكيل إيران في لبنان- تحمل هذه العملية بصمات أشهر، بل سنوات، من التحضير. وربما كان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أمام خيارين: إما استخدام هذه القدرة الآن، أو فقدانها، مع انطلاق الدبلوماسية خلال الجولة السادسة من المحادثات النووية التي كان المقرر عقدها نهاية هذا الأسبوع بين الولايات المتحدة وإيران في سلطنة عُمان.

إبطاء وتعقيد الرد الإيراني

تُركت إيران الآن تُحصي جراحها العميقة. تُظهر صور من أنحاء طهران مباني سكنية مُستهدفة، على ما يبدو، في غرفٍ مُحددة، مما يُشير إلى استهدافٍ دقيقٍ للأفراد، على الأرجح من خلال أجهزة تتبُّع الهواتف المحمولة. فقدت إيران 3 على الأقل من كبار قادتها العسكريين، بالإضافة إلى صوت بارز في المحادثات النووية، بين عشية وضحاها، ولكن مع انقشاع الغبار، قد يتبين أن المزيد قد تعرّضوا للقصف، ومن المُرجّح أن يشعر الناجون بالقلق من احتمال استهدافهم أيضًا.

سيؤدي هذا إلى إبطاء وتعقيد أي رد إيراني، وكذلك الضرر الذي لا يزال الإيرانيون يتكبدونه. فقد أدت غارة إسرائيلية في أكتوبر/تشرين الأول إلى تدمير جزء كبير من الدفاعات الجوية الإيرانية. وأعلن الجيش الإسرائيلي، الجمعة، أنه دمر عشرات الرادارات ومنصات إطلاق صواريخ أرض-جو في ضربات شنتها طائرات مقاتلة على منظومات دفاع جوي غرب إيران. وأكدت وكالة الطاقة الذرية الإيرانية أن منشأة التخصيب النووي في نطنز قد تضررت أيضًا، لكن لم يتضح بعد مدى الضرر.

وفي الأيام المقبلة، سوف يبحث جهاز الاستخبارات الإسرائيلي المتفوق عن الأهداف التي تعد فرصة- مثل القادة والمعدات التي تغير مواقعها لتسهيل الرد- ويواصل الضرب.

لم يكن هذا الهجوم واسع النطاق ممكنًا إلا بفضل تفكيك "حزب الله" – الذي كان سلاحا لإيران قرب إسرائيل- خلال حملة ضارية وفعّالة منذ أشهر. ويبدو أن هذه الخطة الإسرائيلية، التي استمرت لشهور، تهدف إلى إزالة تهديد إقليمي.

لا تزال المخاطر كبيرة. قد تحاول إيران الآن التسابق نحو امتلاك القنبلة النووية. لكن دفاعاتها المتعثرة واختراقها الواضح والمهين من قبل الاستخبارات الإسرائيلية يجعلان ذلك احتمالًا ضعيفًا. التسرع في بناء سلاح نووي ليس بالأمر الهيّن، لا سيما تحت وطأة التهديدات، والقيادة الرئيسية معرضة لخطر ضربات دقيقة. ربما حسب نتنياهو خطر مفاوضات الاتفاق النووي الإيراني، ورأى أنه يمكن السيطرة عليه بمزيد من القوة العسكرية.

ضحية أخرى للقصف: مكانة إدارة ترامب كقوة جيوسياسية

قد يُشير مؤيدو ترامب في الساعات المقبلة إلى أن الهجوم الإسرائيلي كان جزءًا من خطة شاملة لإضعاف إيران قبل أي جهود دبلوماسية إضافية. لكن في الواقع، تتكشف حقيقة أبسط: لم تكن لدى إسرائيل ثقة في قدرة الولايات المتحدة على تنفيذ اتفاق مع إيران يقضي على طموحاتها النووية.

رغم مناشدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب العلنية لتأجيل الهجوم، مضت إسرائيل قدمًا في شنّ أخطر هجوم على إيران منذ حربها مع العراق في ثمانينيات القرن الماضي. لم تكترث إسرائيل برد فعل ترامب ولم تخشَه، ويبدو أنها مستعدة للمخاطرة بمواصلة القتال دون دعم الولايات المتحدة.

ربما يُمثل هذا إضعافًا آخر لقدرة إيران على الرد الآن. إسرائيل أقل انشغالًا بما يمكنها فعله. وعملية إسرائيل ضد حزب الله تُعطيها سببًا للثقة ولكنها أيضًا تُثير القلق بشأن الغطرسة والتجاوز. من المرجح أن إسرائيل قد ضربت الغالبية العظمى من أهدافها الرئيسية بالفعل، لتعظيم ميزة المفاجأة، وسيستغرق الكشف عن مدى هذه الأضرار أيامًا.

ماذا عن الانتشار النووي الآن؟ هناك الكثير مما لا نعرفه عن البرنامج النووي الإيراني. ربما كانت إسرائيل تعرف أكثر بكثير. لكننا الآن في لحظة فارقة، حيث قد تُنذر الضربات على منشأة نطنز إما بنهاية البرنامج، أو بانطلاق سباقه نحو الاكتمال، في صورة سلاح نووي. لطالما أصرت إيران على أن برنامجها النووي سلمي، لكن الوكالة الدولية للطاقة الذرية أعلنت، الخميس، أن البرنامج يُخالف التزاماتها بمنع الانتشار.

أضعف لحظات الجمهورية الإسلامية

في أضعف لحظاتها، ستواجه الجمهورية الإسلامية الإيرانية صعوبة في إظهار غطرستها الإقليمية التي حافظت عليها لعقود. قد تشعر بعجزها عن انتهاز فرصة الدبلوماسية مع الولايات المتحدة، دون أن تبدو أكثر ضعفًا. ويبدو أنها غير قادرة على الرد على إسرائيل بشكل متناسب، لذا قد تلجأ إلى الضرب بشكل غير متكافئ، إن أمكن.

في خضم هذا الارتباك الحالي، هناك حقيقة أساسية واضحة: إن إسرائيل تتصرف في الشرق الأوسط الآن دون عائق من حلفائها، ولا تخشى المخاطر الأوسع نطاقا، وتسعى ــ في بعض الأحيان بوحشية ــ إلى تغيير الديناميكيات الإقليمية لعقود قادمة.

إسرائيلإيراننشر الجمعة، 13 يونيو / حزيران 2025تابعونا عبرسياسة الخصوصيةشروط الخدمةملفات تعريف الارتباطخيارات الإعلاناتCNN الاقتصاديةمن نحنالأرشيف© 2025 Cable News Network. A Warner Bros. Discovery Company. All Rights Reserved.

مقالات مشابهة

  • عاجل | الأمن العام يُجدد الدعوة للبقاء في المنازل .. تفاصيل
  • أضعف لحظات الجمهورية الإسلامية.. ما خيارات إيران للرد على الضربات الإسرائيلية؟
  • ما هي خيارات طهران للرد على الهجوم الإسرائيلي؟
  • خيارات ترامب الإسرائيلية تدحرج كرة الحرب الإقليمية
  • ما هي خيارات إيران وإسرائيل بعد الضربات الجوية الأخيرة؟
  • كتائب سيد الشهداء: الفصائل تراقب بدقة خيارات الرد والعراق قد لا يبقى ساكناً
  • بينها المغرب.. الصين تتعهد بإلغاء جميع الرسوم الجمركية على الصادرات الأفريقية
  • صنعاء تشهد أمسية للجاليات الأفريقية بذكرى يوم الولاية
  • دراسة: جين له علاقة بالأمراض يؤثر على مدى الحساسية للطعام المر
  • الدول الأفريقية تمثل أكثر من نصف البلدان الأعلى مديونية للصين