موقع النيلين:
2025-08-03@04:34:49 GMT

القاتل الخفي

تاريخ النشر: 7th, February 2025 GMT

القاتل الخفي يستتر تحت الأرض لا يفرق بين إنسان وحيوان ولا بين مدني أو عسكري ولا يعرف العدو من الصديق ، قاتل إن لم يجهز علي الإنسان فإنه يتركه معاقاً إعاقة دائمة، هذا القاتل الخفي يحتفظ بغبينة الموت والدمار والخراب داخله حتى بعد انتهاء الحرب، القاتل الخفي هو “الألغام الأرضية” والتي تتجاوز زمن المواقف العدائية وتصبح حسب نظرة العسكريين لها بمثابة كلب حراسة لا ينام أبداً.

يذكر التاريخ أن الصينيين اكتشفوا خلطة البارود المشتعل وتم استخدامه في صناعة المفرقعات النارية البدائية، و وقتها ، كان سلاحاً مدهشاً ، وفي العصور الوسطى استخدموه في المواد المتفجرة في صناعة الفخاخ “الألغام الأرضية” التي تنفجر حين يمر فوقها الجيش المهاجم أو تستخدم لحراسة مواقع معينة ومنع تقدم العدو نحوها ، ثم تطورت هذه الأسلحة وأدخلت عليها التكنولوجيا فأصبحت متطورة اكثر وتحدث خسائر اكبر وتعددت أنواعها وأشكالها لكن أخطرها هي المضادة للأفراد، والتي يموت نتيجتها كل عام مئات آلالاف أغلبهم من المدنيين .

الظهور الحقيقي الفاعل للألغام ظهر في الحرب العالمية الأولى في العام 1916م حينما طور الألمان الالغام المحفزة بواسطة الضغط عليها، رداً علي ابتكار بريطانيا للدبابة المتطورة في الحرب العالمية الأولي، وكانت هي المرة الأولى التي تستخدم فيها ألمانيا الالغام في معارك وقعت في الفترة بين (31 يوليو – 6 نوفمبر 1917م) ، حيث وضعت صناديق خشبية مربعة بطول 20 سم وارتفاع 5سم وعرض 30 سم تدفن في الأرض وبها 4 كيلو جرام من المتفجرات موزعة على 20 كتلة تتفجر حينما تمر عليها الدبابة.

وتذكر إحصاءات أممية أن الألغام الأرضية ومخلفات الحروب غير المتفجرة الأخرى قتلت و أصابت ما لا يقل عن ستين ألف مدني في أنحاء العالم خلال عام 2023م وحده معظمهم من النساء والأطفال.

الكارثة تكمن في أنه ووفقاً لتقارير منظمات متخصصة أوضحت أن 58 دولة حول العالم زرعت في أراضيها ألغاماً أرضية ، أي ما يعادل ثلث مساحة الأرض.

إذ من السهل وضع الألغام ونشرها سواء عشوائيا أو وفقاً لخرائط مرسومة، بينما تحتاج لأعوام طويلة وجهود جبارة من أجل نزعها،كما أن تكلفة زرع الألغام أقل بكثير من تكلفة نزعها، وأن الاحصاءات تشير إلى أن 110 مليون لغم مزروع حول العالم تحتاج لسنوات طويلة للتخلص منها .

نتيجة للأضرار البالغة التي حدثت للبشرية من الألغام وفوضى استخدامها من الدول في النزاعات المسلحة ، سعى العالم نحو وضع اتفاق دولي يحظر استخدام أو إنتاج ونقل وتخزين الألغام المضادة للأفراد، ويلزم الأطراف الموقعة عليه بتدمير المخزون وتطهير المناطق المتضررة من الالغام ومساعدة الضحايا، ويمكن للدول التي تحتاج المساعدة للوفاء بالتزاماتها أن تطلب المساعدة ويجب على الدول التي تمتلك القدرة علي المساعدة ان تقوم بذلك، عرف هذا الاتفاق الدولي باتفاقية أوتاوا 1997م ، كما تم اعتماد البرتوكول الخامس المتعلق بمخلفات الحرب المتفجرة الملحق بالاتفاقية الخاصة بالأسلحة التقليدية في نوفمبر 2006م.

جاء ذلك عقب اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب قرارها 60/97 في 8 ديسمبر 2005م باعتبار يوم 4 أبريل من كل عام يوماً دولياُ لمكافحة الألغام لأنها تنقذ الإنسانية من خطر كبير.

وتعتبر اتفاقية حظر الألغام المضادة للافراد (أوتاوا 1997م) هي أداة للقانون الدولي لحظر انتاج وتطوير ونقل واستخدام الألغام المضادة للأفراد، ودخلت حيز التنفيذ في 1مارس 2009م .

علي صعيد القانون الدولي نجد أنه رغم استخدام الألغام بصورة كبيرة في الحربين العالميتين الأولى و الثانية إلا أن اتفاقيات جنيف لعام 1949م لم تتطرق لها إلا من جهة إزالتها فقط ولم يتطرق لها أيضا البرتوكولان الإضافيان ، إلى أن جاء العام 1993م وبدأ تصاعد القلق الدولي من تأثير الألغام الأرضية المضادة للأفراد على السكان المدنيين في عدد من المناطق المتأثرة بالنزاعات المسلحة، وتلزم الاتفاقية الدول الأعضاء أن تتخلص من الألغام المضادة للأفراد في فترة أقصاها أربع سنوات من تأريخ انضمامها للاتفاقية .

عالمياً درجت الدول التي تخرج من نزاعات سواء دولية أو غير دولية على مراجعة مسألة وجود الألغام على أراضيها تحوطاً للحفاظ على حياة الإنسان والحيوان، وبما أننا نحارب مليشيا إرهابية فلابد من ذلك، و ستكون الألغام هي معركة السودان المؤجلة، إذ ذكرت مواقع إخبارية أن المليشيا الإرهابية قامت بزرع الألغام المضادة للأفراد، والألغام المضادة للآليات في عدد من المناطق التي انتشرت فيها لتفادي هجمات الجيش عليها، وهذا في حد ذاته جريمة لاسيما بعد اعتماد الأمم المتحدة اتفاقية أوتاوا 1997م ، لأن الألغام تعرض حياة المدنيين للخطر المؤكد ولا يجوز السكوت عن سلوك المليشيا المتمردة.

والمؤكد أن هذه الألغام زرعت بطريقة عشوائية ودون خرائط دقيقة مما يصعب مهمة نزعها .

يذكر أن وكالات أنباء دولية أوردت انه في 13 يناير الماضي قتل أربعة مدنيين إثر انفجار لغم أرضي بالقرب من جسر الشريف في محلية أم القرى بولاية الجزيرة ، وكانت المليشيا قد زرعت عدداً من الألغام في بعض المناطق إبان وجودها في ولاية الجزيرة، وأنها أحاطت بعض المناطق في ولاية سنار بالألغام ، مما دعا القوات المسلحة للعمل علي نزع هذه الألغام حفاظاً على حياة المواطنين.

الألغام سلاح جبان يختفي وسط الرمال وتحت الأرض لينقض على ضحيته دون رحمة، وضعته أياد خبيثة بغرض قتل المدنيين وترويعهم وإجبارهم على ترك أراضيهم ، وجعل حياتهم تتأرجح بين الموت أو العجز ، لكن هيهات أن ينال العجز من أمة عرفت بالمجد والعلياء ، فللنصر عدة أوجه .

د.إيناس محمد أحمد

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: الألغام المضادة للأفراد الألغام الأرضیة

إقرأ أيضاً:

الإخفاء القسري.. الانتظار القاتل لأسر الضحايا في عدن

عدن- في منزل متواضع بمدينة عدن اليمنية، يتكئ الحزن على أحد جدرانه كأنه واحد من أفراد العائلة، حيث عاشت منى صالح، والدة الشاب محمد العلواني، الذي ابتلعته السجون السرية قبل 8 سنوات، لتستمر محاولاتها في البحث عنه حتى أنهكها الانتظار، فرحلت كمدا دون أن تعرف ما إذا كان حيّا يُرزق، أم مجرد رقم في مقبرة مجهولة.

على الكرسي الخشبي الذي اعتادت الأم الراحلة الجلوس عليه، وضعت أسرتها شهادة تقدير من رابطة أمهات المختطفين والمخفيين، تكريما لصبرها وصمودها، وإلى جانبها، علّقت لوحة كبيرة تضم صورتها مع ابنها المخفي، وقد كُتب عليها: "بصوت الأم المظلومة، أم محمد العلواني، المختطفون أمانة في أعناق كل من يملك سلطة في هذا الوطن".

محمد العلواني، شاب في الثلاثين من عمره، والابن الوحيد بين 4 شقيقات، كان المعيل الوحيد لأسرته، وفي صباح 24 فبراير/شباط 2017، غادر منزله متوجها إلى عمله الحكومي كالمعتاد، لكنه لم يعد منذ ذلك اليوم، واختفت آثاره، لتنطلق والدته في رحلة شاقة مع الألم والبحث، إلى أن أنهكها الغياب وفتك بها الانتظار.

وتقول آلاء شقيقة العلواني للجزيرة نت "كانت أمي تنهار في كل مرة تعود فيها بلا خبر عن شقيقي"، وتضيف بصوت متهدّج يخنقه الحنين "ظلت أمي تحمل صورته يوميا، تطرق أبواب السجون وتبكي، لكن لا أحد يجيب، وبقيت على ذلك حتى أكلها القلق، وأنهكها المرض، وماتت قهرا بعد 3 سنوات من اختطافه".

قصة العلواني واحدة من مآسٍ كثيرة تعيشها أسر المخفيين قسرا في عدن، حيث تصاعدت هذه الانتهاكات منذ 2016، بعد سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي على المدينة، وانتشار السجون السرية التي ابتلعت مصير العشرات دون تهمة أو محاكمة.

منى صالح إحدى أمهات المخفيين اللاتي أنهكهنّ الوجع والانتظار (الجزيرة)وجع يتكرّر

تعاني زينة أحمد (60 عاما) في حي التواهي بعدن من المأساة ذاتها، إذ أمضت 9 سنوات وهي تعيش على أمل اللقاء، جالسة على أعتاب الانتظار، تترقب أي خبر عن ابنها عماد العبادي، الذي فُقد قسرا منذ 17 سبتمبر/أيلول 2016.

إعلان

وفي منزل متهالك، ترتسم ملامح الإنهاك على وجه زينة المتعب، بين وطأة الحزن وقسوة الفقر تكابد معاناة مضاعفة بعد وفاة زوجها، لتتحمّل وحدها عبء إعالة 9 أفراد من أسرتها.

بجانبها تتدلى شهادة وفاة زوجها، وتحتها صندوق صغير يحتوي أدوية لأمراض القلب والضغط والسكري، التي تسللت إلى جسدها المنهك منذ لحظة اختفاء ابنها.

تضيف زينة للجزيرة نت "هذا كل ما تبقّى لي منه"، بينما تمسح دمعة تسللت من عينيها وهي تمسك بصورة باهتة لابنها "زوجي مات قبل أن يعرف مصير ابنه، وأنا أخشى أن ألحق به قبل أن أحتضن عماد من جديد".

تؤكد العائلة أن عماد، وهو شاب في الثلاثين من عمره، اختُطف من أمام منزله على يد عناصر من قوات الحزام الأمني التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، أثناء خروجه لشراء دواء لوالده المريض، ومنذ ذلك اليوم، لم يُعرف له أثر، ولم توجَّه إليه أي تهمة.

أروى فضل زوجة المختطف عادل حداد (الجزيرة)أبشع من الموت

قصة منى وزينة ما هي إلا مجرد فصل من مأساة جماعية، تصف أروى فضل زوجة مختطف آخر، وناشطة في رابطة أمهات المخفيين بعدن، الإخفاء القسري بأنه "أبشع من الموت"، لأنه "يقتل الأرواح ببطء، ويترك العائلات بين الخوف والخذلان، وسط صمت رسمي خانق".

وتؤكد أروى، في حديثها للجزيرة نت، أن الرابطة وثّقت وفاة 6 أمهات و3 آباء من ذوي المختفين في عدن، دون أن يتمكنوا من معرفة مصير أبنائهم.

وتضيف "الكثير من الأمهات يعانين أمراضا مزمنة من شدة الحزن والقهر، فضلا عن الفقر بعد فقدان المعيل، والتجاهل الرسمي المستمر".

أروى، التي تبلغ من العمر 40 عاما، تقيم في حي كريتر منذ اختفاء زوجها عادل حداد، الذي اختطف عند نقطة تفتيش تابعة للحزام الأمني في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، بسبب وجود "لاصق عاكس" على زجاج سيارته.

تقول أروى: "اختلقوا له شجارا واعتقلوه أمام الجميع، ومنذ ذلك التاريخ لم نره"، ثم تضيف بصوت خافت: "ترعرع أطفالي بلا والدهم، وأصغرهم توفي العام الماضي قبل أن يراه، لا أحد يمكنه تخيل مدى معاناة هذا الغياب القاتل".

عائلات المخفيين قسريا تعاني منذ سنوات بسبب غياب معيليهم وجهل مصيرهم (الجزيرة)قضية منسية

تواجه تشكيلات أمنية تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن اتهامات متكررة من منظمات حقوقية بإدارة سجون سرية في عدن ومحيطها، يُحتجز فيها مئات الأشخاص دون محاكمات، كما وثّقت تقارير أممية حالات تعذيب وسوء معاملة داخل هذه السجون، أدّت بعضها إلى الوفاة أو اختفاء المعتقلين إلى الأبد.

وتصف المحامية اليمنية هدى الصراري، رئيسة مؤسسة "دفاع للحقوق والحريات" والحائزة على جائزة مارتن إينالز الدولية لعام 2020، قضية الإخفاء القسري بأنها "من أكثر مآسي الحرب المنسية، وأحد أعقد الملفات الإنسانية في اليمن".

وتؤكد الصراري في حديثها للجزيرة نت أن تقارير موثقة تشير إلى وجود أكثر من 150 حالة مؤكدة لمخفيين قسرا في عدن وحدها منذ عام 2016، بعد سيطرة قوات المجلس الانتقالي الجنوبي على المدينة، ووقوع هذه الانتهاكات على يد تشكيلات أمنية تابعة له.

أما على مستوى اليمن، فتقول إن عدد ضحايا الإخفاء القسري تجاوز 1400 حالة، تورطت فيها أطراف عدة، من بينها جماعة الحوثي، وبعض التشكيلات الأمنية الحكومية، والقوات المدعومة خارجيا.

إعلان

وتضيف الصراري: "الانتهاكات لم تتوقف عند الإخفاء القسري فقط، بل وُثّقت أيضا حالات تعذيب شديد، انتهى بعضها بالموت أو الإعدام خارج إطار القانون".

وتختم بالقول "كما تعرضت أسر كثيرة للابتزاز المالي مقابل وعود بالإفراج عن أبنائها، لكنها لم تجد سوى المزيد من الخذلان والوجع".

مقالات مشابهة

  • «الهواتف الأرضية» تواصل الرنين لقلة التكلفة وسهولة الاستخدام
  • المجتمع الدولي أمام اختبار حقيقي لإيقاف جرائم السعودية بحق المدنيين في المناطق الحدودية
  • مشروع مسام يعلن عن كمية الألغام التي انتزعها في اليمن منذ انطلاقته وحتى نهاية يوليو المنصرم
  • الإخفاء القسري.. الانتظار القاتل لأسر الضحايا في عدن
  • مصرع 6 أشخاص جراء الفيضانات والانهيارات الأرضية في تايلاند
  • تصنيف الدول حسب الرسوم الجمركية الجديدة التي فرضها ترامب (إنفوغراف)
  • تحذيرات تسونامي بعد أقوى زلزال منذ 2011.. ما المناطق التي يشملها؟
  • ما هي الدول التي تغيرت رسومها الجمركية منذ إعلان ترامب في يوم التحرير؟
  • ما هي نسب الرسوم الجمركية الجديدة التي فرضها ترامب؟
  • يولكا في حماية بوتين.. تعرّف على التقنية الروسية الجديدة المضادة لتهديدات الطائرات المسيّرة