أقلام أفريقيا.. حين يعيد الأدب تشكيل صورة القارة في عالم متغير
تاريخ النشر: 12th, February 2025 GMT
مراكش – "ليس لأفريقيا ولا عليها أن تتبع أحدا أو تلحق به، وليس عليها أن تسلك الدروب التي ترسم لها، لكن أن تمشي وهي تحث الخطى على الطريق الذي اختارته".
بهذه الكلمات يرسم الكاتب السنغالي فلوين سار في كتابه الجديد "أفروتوبيا" معالم السير نحو بناء حضارة أكثر عمقا وأكثر فهما لحاجات الإنسان للعيش بكرامة، والذي وصل إلى القارئ العربي من خلال ترجمة رصينة للكاتب المغربي نور الدين ضرار.
يقول الأكاديمي سار في حديث للجزيرة نت إن على أفريقيا التي ستصبح في أقل من 4 عقود ربع سكان المعمورة، وهي قوة حقيقية لا يستهان بها ديمغرافيا، أن تهتم بالثقافة وتحقق فيها ثورة عميقة، تشكل لها ركيزة أساسية للانطلاق نحو المستقبل.
ويضيف بحماسة ظاهرة "علينا أن نعمل لكي يبقى النور مضاء في كل مكان، وألا نتبع السبيل ذاتها التي سلكها الغرب بالاعتماد على ثروات الغير ومحاولة إخضاعه دوما، يجب أن نسهم في حضارة أكثر وعيا وأكثر اهتماما بالكرامة الإنسانية وبالمصلحة العامة لكل البشر".
أفريقيا تعلمناوشارك الأكاديمي فلوين سار في مهرجان الكتاب الأفريقي بمدينة مراكش المغربية (بين 30 يناير/كانون الثاني و2 فبراير/شباط الماضي) إلى جانب نخبة من المفكرين والكتاب؛ لإعادة تشكيل صورة للقارة في عالم متغير، تستحضر الهوية والذاكرة المشتركة، وبناء روابط أكثر إنسانية.
وتقول الكاتبة الفرنسية فاليري ماران لاميلي للجزيرة نت "تعلمنا أفريقيا الشيء الكثير، ربما أكثر مما نتوقع منها، تعلمنا أن نحيا بشرا على فطرتنا كما كنا، لا كما يريد الآخرون".
وتضيف لاميلي التي ارتبطت أعمالها بالقارة الأفريقية أن الذاكرة المشتركة تساعدنا على استحضار الماضي، ليس من أجل التوقف طويلا عنده أو محاولة نسيانه، ولكن للبناء عليه وإقامة روابط مستدامة تسهم في ازدهار مجتمعاتها المعاصرة.
إعلانبدوره، يبرز الكاتب والمؤرخ مامادو ضيوف أهمية النظرة إلى الذات بالنسبة للإنسان الأفريقي، وكيف تتلاءم مع رهانات القارة في السعي نحو المستقبل، فهي تحدد معالم التعامل مع الآخر، وتسمح له بنوع من الانفتاح من دون استلاب، والمشاركة في دمج مختلف الروايات التاريخية ضمن مسارات عادلة بدل محاولة فرض إحداها.
مدخرات أفريقياكان مثيرا أن تتقاطع مداخلات عدة تابعها جمهور مراكش باهتمام بالغ حول ما عاشته أفريقيا من مآس في التاريخ القريب أو المتوسط، وما أخذه الغرب من شعوبها؛ من ثروات وقوة بشرية، من أجل بناء تقدمه المادي، بل والانتصار في حروب تعنيه وحده لا غيره.
ويؤكد الكاتب والأكاديمي المغربي علي بنمخلوف للجزيرة نت أن الاهتمام بهذا الموضوع لا يدخل في خانة السعي نحو إظهار مظلومية تاريخية نالت من الإنسان الأفريقي، بل هو حق تاريخي من أجل استرجاع تحف أفريقية من أوروبا وأميركا، وهو طريق نحو بناء أرشيف أفريقي يحافظ على المعارف المحلية وخاصة المفقودة منها.
ويبرز الأكاديمي فلوين سار أن استرجاع دولة بنين لعدد من التحف من فرنسا صاحبته كثير من المشاعر الفياضة، بما يبرز أهمية الحدث في بناء أفريقيا جديدة تعتمد على مدخراتها وعلى معارفها.
وبينما يرى البعض أن الحديث عن مآسي الماضي يشبه "إثقال محفظة الأطفال بالحجارة"، يؤكد الكاتب والمسرحي الرواندي دورسي روغامبا، صاحب كتاب "رواندا.. رسائل إلى الغائبين"، أهمية إحياء الذاكرة المشتركة للأجيال الصاعدة، مبرزا وهو الذي فقد جل عائلته في حرب إبادة سنة 1994 أنه أيضا تكريم لجميع الضحايا.
عودة إلى الأصولأن تولد خارج القارة وأصلك منها يلقي على كاهلك بصفتك مفكرا أو كاتبا أو روائيا مسؤولية كبيرة من أجل التعريف بها والدفاع عنها في مختلف المحافل الدولية، باحثا دائما عن ذلك المشترك الذي يجمعك بأصولك، محاولا أن تجعل منه خيوطا لنسج روابط إنسانية عالمية.
تقول الكاتبة الشابة رافاييل ريد من أصل طوغولي للجزيرة نت، والتي يقدمها المهرجان الأفريقي للكتاب بصفتها تجربة جديدة في عالم الكتابة، إن محاولة فهم هذه العلاقات تمنحك ذلك الشعور بالانتماء إلى هذا العالم، خاصة مع ما نعيشه من تحديات مجتمعة يومية.
ولدت ريد في باريس وتعيش الآن في برلين، لكنها تقول وهي تبتسم إنها تدرك أن الارتباط بالقارة مسألة معقدة، لكنها تشعر بقوة بأفريقيتها رغم انتمائها إلى "الشتات الأفريقي".
إعلانصاحبة رواية "أديكو"، حيث الهوية هي مسألة فجوات، ومرايا مكسورة، وعلاقات مخترعة، والأدب هو أرض تأكيدها كما تقول، تضيف أن البحث في جذورها هو محاولة لتجاوز الصمت المفروض على الأفكار والروايات.
قارة ملهمةيستلهم كل كاتب أعماله من خلفيته الثقافية، ويتناول بالمناقشة والتحليل مواضيع مرتبطة بانتمائه وتاريخه، محاولا أن يسهم في تشكل سرديته الفردية ويدمجها في السرديات الجماعية.
ويشرح الأكاديمي المغربي علي بنمخلوف للجزيرة نت أن لقاءات مراكش للثقافة الأفريقية تروم بالأساس المساعدة على منح القارة من خلال كتابها والمفكرين والروائيين فيها رؤية واضحة من أجل إعادة كتابة تاريخ القارة، خاصة التاريخ المحلي الذي تجلى في أعمال مختلفة مثل ما قام به المفكر المغربي المختار السوسي الذي كتب كثيرا عن الجنوب المغربي، وانطلاقا منه وصل إشعاعه إلى كثير من الدول الأفريقية.
بدوره، يوضح الروائي الإيفواري الشاب نين سيمون فاليه، صاحب رواية "تلك الشموس الحارقة"، أن الكاتب الأفريقي له من القوة ما يجعله رائدا لشعبه وقارته، وأكثر تأهيلا للدفاع عن مصالحهم أمام العالم.
حين ينهي كل كاتب توقيع كتابه الجديد المحتفى به في المهرحان يعي جيدا، كما يختم فلوين سار حديثه، أنه سيغادر مدينة مراكش ليس كما قدم إليها، مفعما برغبة أكبر في إبراز أن القارة ثرية بأفكارها لكنها أيضا متميزة بما تنفرد به من تراث وفنون وآداب.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات للجزیرة نت من أجل
إقرأ أيضاً:
المنتخبات العربية تقترب من حلم مونديال 2026.. بمشاركة قياسية
مع اقتراب ختام التصفيات المؤهلة إلى كأس العالم 2026، بدأت ملامح المنتخبات العربية القادرة على بلوغ الحدث الكروي الأضخم في العالم تتضح بشكل كبير، وسط طموحات متصاعدة لتمثيل عربي غير مسبوق في النسخة القادمة التي تستضيفها الولايات المتحدة وكندا والمكسيك بمشاركة 48 منتخبًا لأول مرة في التاريخ.
في القارة الإفريقية، يواصل منتخب مصر عروضه القوية في التصفيات، محافظًا على صدارته لمجموعته بفضل الأداء المتوازن الذي يقدمه تحت قيادة حسام حسن ، الفراعنة باتوا قريبين من ضمان بطاقة العبور بعد سلسلة من الانتصارات المقنعة التي منحت الجماهير المصرية جرعة من التفاؤل بإمكانية العودة إلى المونديال بعد غياب دام منذ نسخة روسيا 2018 ، والفوز فقط على جيبوتي من السهل نظريًا ، في اللقاء المقبل ومن ثم حسم بطاقه العبور
أما منتخب الجزائر، فيبدو هو الآخر في طريق مفتوح نحو التأهل، بعد بداية مثالية بقيادة النجم رياض محرز وزملائه، الذين استعادوا بريق “محاربي الصحراء” في القارة السمراء.
الأداء المتوازن بين الدفاع والهجوم جعل الجزائر من أبرز المنتخبات المرشحة لتكون في طليعة الممثلين العرب في أمريكا الشمالية 2026.
تونس بدورها تواصل تقديم مستويات ثابتة جعلتها في صدارة مجموعتها الإفريقية حاجزة بطاقة التأهل، مستفيدة من خبرة لاعبيها الذين يمتلكون تجارب مونديالية سابقة، بينما يسعى المغرب، نصف نهائي مونديال 2022، إلى مواصلة رحلة التألق العالمية بتكرار إنجاز قطر، بعد تأكيد حضوره مجددًا في كأس العالم، مدعومًا بجيل ذهبي من اللاعبين المحترفين في أوروبا.
وفي القارة الآسيوية، يبرز المنتخب السعودي كأحد أقوى المرشحين العرب للتأهل عن القارة الصفراء، إذ حافظ الأخضر على مستواه المميز، ويواصل تحقيق نتائج إيجابية بفضل الانسجام الكبير بين عناصره واستقرار الجهاز الفني.
كما تظهر مؤشرات إيجابية بالنسبة لمنتخبات العراق وقطر والإمارات، التي تنافس بقوة على المراكز المؤهلة في مجموعاتها، في وقت تسعى فيه عُمان والبحرين والأردن إلى خطف بطاقات الملحق الآسيوي لضمان فرص إضافية في التأهل التاريخي.
ويرى البعض أن زيادة عدد المنتخبات المشاركة في المونديال إلى 48 منتخبًا تمثل فرصة ذهبية للكرة العربية لتوسيع تمثيلها، إذ يُتوقع أن يصل عدد المنتخبات العربية المشاركة إلى ما بين 6 و8 منتخبات في حال استمرت النتائج الحالية على نفس الوتيرة.
وبذلك، تبدو المنطقة العربية على موعد مع مشاركة قياسية في نسخة 2026، التي قد تشهد الظهور الأول لبعض المنتخبات الواعدة، في وقت يترقب فيه الجمهور العربي فرصة جديدة لكتابة فصل جديد في تاريخ كرة القدم العالمية بعد تجربة المغرب التاريخية في قطر.