مكافحة الإرهاب.. من التجربة الميدانية إلى الشراكة الدولية
تاريخ النشر: 14th, February 2025 GMT
بينما تواجه منطقة الشرق الأوسط تحديات غير مسبوقة على المستويين الأمني والسياسي، أصبحت قضية مكافحة الإرهاب المحور الأساسي في رسم معادلات الأمن والاستقرار الإقليمي. وفي هذا السياق، تقف سوريا اليوم على أعتاب فرصة نادرة لتحويل تجربتها الميدانية الطويلة إلى رؤية استراتيجية شاملة، لا تقتصر على حماية حدودها من الإرهاب، بل تمتد لتقديم نموذج متكامل يخدم أمن المنطقة ويعزز تعاونها لمواجهة هذا الخطر المشترك.
إن فرصة حضور سوريا مؤتمر ميونيخ للأمن ضرورة ملحة في لحظة مفصلية في إعادة تقديم نفسها كدولة تمتلك تجربة غنية وقدرات متميزة في مواجهة الإرهاب. هذه الفرصة للحضور ، تأتي في سياق دولي وإقليمي شديد التعقيد، تمثل فرصة ثمينة لسوريا لتقديم رؤية جديدة تجمع بين الخبرة الميدانية والشراكة الإقليمية الفاعلة، بما يعكس إرادة سوريا في بناء مستقبل أكثر استقرارًا وأمانًا للجميع.
من الخبرة الميدانية إلى نموذج ريادي للأمن الإقليمي
طوال العقد الماضي، خاضت سوريا معركة ضارية ضد الإرهاب، كانت ساحتها مختلف أراضيها، واستهدفت تنظيمات إرهابية متعددة حاولت زعزعة استقرار البلاد والمنطقة. هذه المواجهة لم تكن محصورة في العمليات العسكرية التقليدية، بل شملت العمل الاستخباراتي المعقد، وإدارة الأزمات الاجتماعية الناتجة عن الصراع، واحتواء الآثار الاقتصادية المدمرة للإرهاب.
طوال العقد الماضي، خاضت سوريا معركة ضارية ضد الإرهاب، كانت ساحتها مختلف أراضيها، واستهدفت تنظيمات إرهابية متعددة حاولت زعزعة استقرار البلاد والمنطقة. هذه المواجهة لم تكن محصورة في العمليات العسكرية التقليدية، بل شملت العمل الاستخباراتي المعقد، وإدارة الأزمات الاجتماعية الناتجة عن الصراع، واحتواء الآثار الاقتصادية المدمرة للإرهاب.
لقد وفّرت هذه التجربة لسوريا قاعدة معرفية فريدة حول آليات عمل التنظيمات الإرهابية، من بنيتها التنظيمية واستراتيجياتها إلى وسائل تمويلها. لكن التحدي الأبرز اليوم يكمن في كيفية تحويل هذه المعرفة إلى نموذج مؤسسي إقليمي قادر على مواجهة الإرهاب، ليس كظاهرة مؤقتة، بل كخطر دائم يتطلب استراتيجيات طويلة الأمد.
رؤية سوريا للأمن الإقليمي في ظل التحديات المعاصرة
يمكن لسوريا، من خلال مشاركتها في مؤتمر ميونيخ، أن تطرح رؤية متقدمة لمستقبل الأمن الإقليمي، تعتمد على أربع ركائز رئيسية:
1 ـ النموذج الأمني المرن:
ـ استراتيجية متعددة الأبعاد:
ـ تقديم نموذج يستند إلى خبرة سوريا في مواجهة الإرهاب، يجمع بين العمل الاستخباراتي، وإدارة الأزمات الأمنية، وتوظيف التكنولوجيا المتطورة.
ـ اقتراح إنشاء شبكة أمنية إقليمية مرنة تعمل بشكل استباقي لمواجهة التهديدات المشتركة في المنطقة.
2 ـ الأمن المتكامل:
ـ دمج الأمن مع التنمية:
ـ تبني رؤية شاملة تربط بين تعزيز الأمن ومعالجة الأسباب الجذرية للإرهاب، مثل الفقر، البطالة، والتهميش.
ـ إطلاق مشاريع تنموية تستهدف المجتمعات المتضررة من الإرهاب، مما يجعلها محصّنة أمام عودة الفكر المتطرف.
3 ـ التكنولوجيا في مواجهة الإرهاب:
ـ استخدام الذكاء الاصطناعي:
ـ تعزيز استخدام التكنولوجيا الحديثة لتحليل البيانات الضخمة وتتبع الأنشطة الإرهابية في الوقت الفعلي.
ـ إنشاء منصة رقمية إقليمية لتبادل المعلومات الاستخباراتية بين دول المنطقة لتعزيز الاستجابة السريعة.
4 ـ الأمن الجماعي والتنمية المستدامة:
ـ تحقيق الشراكة الإقليمية:
ـ الانتقال من مفهوم الأمن التقليدي إلى الأمن الجماعي، بحيث تصبح مكافحة الإرهاب مسؤولية مشتركة بين الدول.
ـ الدعوة إلى إنشاء صندوق إقليمي للتنمية ومكافحة الإرهاب يمول مشاريع طويلة الأمد في المناطق الأكثر تأثرًا.
شراكة استراتيجية.. سوريا كجسر للأمن الإقليمي
إن موقع سوريا الجغرافي وتجربتها التاريخية يؤهلانها للعب دور محوري كجسر للاستقرار الإقليمي. لتحقيق هذا الهدف، يمكن لسوريا التركيز على:
1 ـ تعزيز التعاون مع دول الجوار:
ـ إدارة الحدود المشتركة:
ـ التعاون مع دول الجوار لضبط الحدود ومنع تدفق العناصر الإرهابية والأسلحة غير المشروعة.
ـ تأسيس نقاط مراقبة مشتركة مع الدول المجاورة لضمان استقرار الحدود.
ـ تبادل المعلومات:
ـ إطلاق مبادرة إقليمية لتبادل المعلومات الأمنية والاستخباراتية حول تحركات التنظيمات الإرهابية وشبكاتها.
2 ـ الانفتاح على شراكات جديدة:
ـ التدريب وبناء القدرات:
ـ اقتراح برامج تدريب مشتركة لتطوير الكفاءات الأمنية لدول المنطقة، مع التركيز على تعزيز قدراتها الاستخباراتية.
ـ التحالفات الإقليمية:
ـ تقديم رؤية سوريا ضمن التحالفات الإقليمية كدولة تمتلك خبرة فريدة في مواجهة الإرهاب واحتواء آثاره.
3 ـ دعم التنمية الاقتصادية:
ـ إعادة الإعمار:
ـ تقديم خطط شاملة لإعادة بناء المناطق التي دمرها الإرهاب، بالتعاون مع دول المنطقة.
رؤية سوريا الجديدة ليست مجرد استجابة للتحديات الراهنة، بل دعوة لابتكار مستقبل مشترك يعزز الأمن والتنمية. إذا نجحت سوريا في تنفيذ هذه الرؤية، فإنها لن تكون فقط جزءًا من الحل، بل قوة دافعة تعيد تشكيل ملامح الأمن الإقليمي برؤية طموحة ومستدامة.ـ التركيز على مشاريع اقتصادية توفر فرص عمل للشباب، مما يسهم في تقليل احتمالات الانجراف نحو التطرف.
مبادرة “التحالف الإقليمي للسلام والتنمية”
كخطوة مبتكرة، يمكن لسوريا أن تطلق مبادرة تحمل اسم “التحالف الإقليمي للسلام والتنمية”، تكون مهمتها مواجهة الإرهاب من خلال:
1 ـ مشاريع تنموية مستدامة:
ـ تنفيذ مشاريع إنسانية واقتصادية في المناطق المتضررة من الإرهاب في سوريا ودول الجوار لتحويلها إلى مراكز إنتاج واستقرار.
2 ـ إعادة تأهيل المتأثرين بالإرهاب:
ـ إنشاء مراكز إقليمية متخصصة لإعادة تأهيل الأفراد المتأثرين بالفكر المتطرف ودمجهم في مجتمعاتهم.
3 ـ تعزيز التعليم والتوعية:
ـ إطلاق برامج تعليمية مشتركة تدعم قيم التسامح والتعايش، وتتصدى للفكر المتطرف من جذوره.
هذه المبادرة ليست مجرد منصة أمنية، بل رؤية متكاملة تجمع بين الأمن والتنمية، ما يجعل سوريا في طليعة الدول الساعية لتقديم حلول شاملة للتحديات الإقليمية.
رسائل سوريا: الالتزام والشراكة الإقليمية
خلال مشاركتها في مؤتمر ميونيخ، تبعثت سوريا رسائل واضحة تُظهر التزامها بمسؤوليتها تجاه الأمن الإقليمي:
ـ رسالة التزام:
ـ التأكيد على استعداد سوريا للعب دور محوري في بناء نظام أمني إقليمي شامل ومستدام.
ـ رسالة شراكة:
ـ انفتاح سوريا على التعاون مع دول الجوار لتحقيق الأمن الجماعي، وتعزيز الجهود المشتركة لمكافحة الإرهاب.
ـ رسالة ابتكار:
ـ تقديم مبادرات وأفكار جديدة تُحدث تغييرًا جذريًا في طرق التعامل مع الإرهاب، وتعزز استقرار المنطقة على المدى الطويل.
رؤية سوريا.. ركيزة الأمن والتنمية في المنطقة
رؤية سوريا الجديدة ليست مجرد استجابة للتحديات الراهنة، بل دعوة لابتكار مستقبل مشترك يعزز الأمن والتنمية. إذا نجحت سوريا في تنفيذ هذه الرؤية، فإنها لن تكون فقط جزءًا من الحل، بل قوة دافعة تعيد تشكيل ملامح الأمن الإقليمي برؤية طموحة ومستدامة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الإرهاب سوريا تجربة سوريا إرهاب امن رأي تجربة مقالات مقالات مقالات اقتصاد صحافة سياسة سياسة صحافة اقتصاد سياسة رياضة رياضة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی مواجهة الإرهاب الأمن والتنمیة الأمن الإقلیمی رؤیة سوریا دول الجوار استقرار ا سوریا فی ـ تقدیم مع دول
إقرأ أيضاً:
الاحتلال الإسرائيلي يعترف بفشل سياسته في سوريا ويبدي قلقا من النفوذ التركي
رغم حالة الإحباط التي تسود الأوساط السياسية داخل الاحتلال الإسرائيلي حيال صعوبة إعادة تطبيع العلاقات مع تركيا في ظل استمرار حرب الإبادة الجماعية على غزة، تبرز في المقابل دعوات في تل أبيب إلى ضرورة استثمار التطورات المتسارعة على الساحة السورية لتعزيز ما تصفه بـ"المصالح المشتركة" بين الطرفين، في محاولة لإحياء قنوات التواصل مع أنقرة.
وتأتي هذه الدعوات في سياق إدراك الاحتلال الإسرائيلي لما تحمله المرحلة المقبلة من تحولات إقليمية، قد تتيح إعادة صياغة الاصطفافات السياسية في المنطقة، خاصة في ضوء ما شهدته العلاقات التركية-الإسرائيلية من توترات وتقلّبات خلال السنوات الماضية، على خلفية الموقف التركي من القضية الفلسطينية، لا سيما في غزة.
حيث أكد السفير والدبلوماسي الإسرائيلي مايكل هراري أنه "منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر، كثفت تركيا بشكل كبير سلوكها العدائي تجاه الدولة الإسرائيلية وانتقلت من الخطاب العدائي القاسي بشكل خاص إلى الإضرار الفعلي بالعلاقات الاقتصادية، حتى أضافت التطورات الأخيرة في سوريا تحدياً جديدا للعلاقات، حيث أدى الانهيار السريع لنظام الأسد لجلب رئيس جديد يتمتع بعلاقات وثيقة مع أنقرة، ترى فيه فرصة استراتيجية لبناء علاقة فريدة مع سوريا، خاصة في ضوء مصالحها الحيوية في الأقلية الكردية في الدول المجاورة".
وأضاف في مقال نشرته صحيفة معاريف، وترجمته "عربي21" أن "انهيار الأسد خلق واقعاً جديداً لإسرائيل فقد أدى ذلك لخروج إيران من سوريا، وإضعافها في المنطقة، وفي الوقت نفسه صعود زعيم يحمل أجندة جهادية، مع أنه منذ اندلاع الثورة السورية في 2011، تراوح موقفه بين تناقضين: فمن جهة دعمت إسقاط الأسد، ومن جهة أخرى فضّلت "الشيطان المألوف"، واليوم فإنه مُطالب باتخاذ قرار، سواء إبقاء سوريا دولة فاشلة تفتقر لحكومة مركزية، أو إعطاء الفضل للحكومة الجديدة، رغم القلق المفهوم بشأن عقيدتها السياسية والدينية".
وأوضح أن "التطورات السورية كانت سريعة للغاية بالنسبة لإسرائيل فقد قرر اللاعبون الرئيسيون في المنطقة قبول النظام الجديد باعتباره متفوقاً على سابقه، وكانت تركيا، بطبيعة الحال، في المقدمة، وكذلك دول الخليج، وعلى رأسها السعودية، كما انطلق الرئيس دونالد ترامب في قراره، وقرر رفع العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا بشكل دراماتيكي، وكل ذلك يعني أن إسرائيل يواجه مرة أخرى واقعا جديدا، وهو واقع لم يكن له أي دور في تشكيله".
وأكد أن "الدولة العبرية فشلت في فهم نافذة الفرصة التي انفتحت أمامه في الشمال، وهنا ستجد صعوبة باستعادة علاقاتها مع تركيا قبل انتهاء الحرب في غزة، وربما لا ينبغي أن يكون هذا الأمر محسوساً بقوة، لكن الساحة السورية تتطلب منهما العمل معا لإيجاد مصالح مشتركة، من حيث خلق تفاهمات لا تضر بمصالحهما، وتندمج مع ما يُنظر إليه على أنه استعداد المجتمع الدولي للنظام السوري الجديد ببناء حكومة مركزية مستقرة، وتجري بالفعل اتصالات إسرائيلية تركية، بدفع أمريكي، ووساطة أذربيجانية".
وأوضح أن "هناك حاجة إلى نهج استراتيجي حديث في إسرائيل يستند لعدّة رؤى: خروج إيران من سوريا يخدم مصلحته العليا؛ لأن تفضيل "سوريا ضعيفة ومقسمة" يتعارض مع موقف أغلبية المجتمع الدولي والإقليمي، ويتطلب التحديث، لأن سياسة استخدام القوة والنطاق العسكري الذي فرضته إسرائيل على نفسها يجب أن يتم ضبطه بشكل كبير؛ صحيح أن القلق بشأن النفوذ التركي المفرط أمر مفهوم، لكنه مبالغ فيه".
وختم بالقول إن "سوريا تحت النفوذ التركي أقل خطورة على أمن إسرائيل من سوريا تحت النفوذ الإيراني، ومن المطلوب التوصل لتفاهمات مع أنقرة بشأن الساحة السورية بما يخدمهما، ويمكن أن يكون هذا بمثابة خطوة أولى نحو استعادة العلاقات بينهما".
أما الخبير في الشؤون الاستراتيجية، يهودا بالانغا٬ فقد طالب بأن "تتبنى إسرائيل استراتيجية تحافظ على مصالحها السياسية والأمنية في المنطقة، زاعماً أن أي تحسن في العلاقات الأوروبية والأمريكية مع سوريا قد يأتي على حسابها، كما حدث في الماضي مع لاعبين آخرين في الشرق الأوسط، ولكن حتى الآن، وباستثناء دخول المنطقة العازلة، وإلحاق الضرر بالبنية التحتية العسكرية السورية، لا يبدو أن التدخل الإسرائيلي في سوريا يسعى لتحقيق أي هدف شامل".
وأضاف في مقال نشرته صحيفة إسرائيل اليوم، وترجمته "عربي21" أنه "من المهم ممارسة الضغط الإعلامي في أوروبا والولايات المتحدة بشأن ضرورة عدم تحول سوريا إلى مركز للعمليات المعادية لإسرائيل٬ لكن هناك حاجة أكبر لصياغة استراتيجية طويلة الأمد أصبحت أكثر إلحاحاً، مما يعني أن الإسرائيليين لا زالوا يحاولون استخلاص الدروس التي دفعوا ثمنها من الدماء في الحرب العبثية الجارية في غزة، استمرارا لدروس سابقة من حروب خاضوها في سنوات ماضية، داخليا وخارجيا".
وختم بالقول أن "التجارب العديدة، وآخرها التحولات التي تشهدها سوريا أثبتت أن إسرائيل تفتقر لصياغة استراتيجية طويلة الأمد، خشية الاحتكاك اليومي مع السوريين الذي قد ينفجر في وجهه، وآخرها ما تشهده سوريا من تطورات سياسية متلاحقة، يخشى أن يكون فيها خاسرا".