جماعة أنصار السنة المحمدية: التحولات السياسية والعلاقات المتغيرة مع الأنظمة
تاريخ النشر: 18th, February 2025 GMT
تُعَدُّ جماعةُ أنصارِ السنةِ المحمديةِ إحدى أبرزِ الحركاتِ السلفيةِ في السودان، حيثُ لعبتْ دورا محوريّا في المجالَيْنِ الدعويِّ والاجتماعيِّ، بداية من الأوساطِ العُمّاليةِ، ثم امتدَّ تأثيرُها إلى الطلّابِ في المدارسِ الثانويةِ والجامعاتِ. وعلى الرغمِ من أنَّ نشاطَها السياسيَّ كان محدودا في البدايةِ، فإنَّ مسيرتَها شهدتْ تحوُّلاتٍ جوهرية، خاصَّة بعد انضمامِ أعدادٍ كبيرةٍ من خرِّيجي الجامعاتِ، إلى جانبِ المبتعثينَ لدراسةِ العلومِ الشرعيةِ في المملكةِ العربيةِ السعوديةِ، التي كانتِ الداعمَ الرئيسيَّ لهذا التيّارِ لعقودٍ.
علاقة الجماعة بالأحزاب والتحالفات السياسية
قبلَ الاستقلالِ، وبالذاتِ بعد نشأةِ الأحزابِ السودانيةِ، كانتْ عضويةُ الجماعةِ موزَّعة بين الأحزابِ اليمينيةِ، وخاصَّة حزبِ الأمةِ والحزبِ الوطنيِّ الاتحاديِّ. وبعدَ الاستقلالِ، شاركتِ الجماعةُ في "التحالفِ الإسلاميِّ من أجلِ الدستورِ"، كما كانتْ لها عضويةٌ في "الجبهةِ الإسلاميةِ للدستورِ" عامَيْ 1956 و1958، إلَّا أنَّه انفضَّ بعد عامِ 1958 بسببِ الخلافاتِ الداخليةِ.
بعدَ ثورةِ تشرين الأول/ أكتوبرَ 1964، تشكَّلَ تحالفُ "جبهةِ الميثاقِ"، حيثُ سعى المرحومُ الشيخُ الدكتورُ سعيدُ رمضانَ البوطي لرأبِ الصدعِ، ممَّا أدَّى إلى تشكيلِ "جبهةِ الميثاقِ الإسلاميِّ" عامَ 1964، وكانتْ جماعةُ أنصارِ السنةِ المحمديةِ أحدَ مكوِّناتِها بالإضافة للطريقة التجانية (الصوفية).
تمَّ حلُّ "جبهةِ الميثاقِ" بالبيانِ الأولِ لثورةِ مايو (أيار) 1969، وعادتِ الجماعةُ إلى نشاطِها الدعويِّ، حيثُ عاشتْ حالة من الشدِّ والجذبِ خلالَ عهدِ مايو، الذي بدأ يساريّا وانتهى صوفيّا.
الجماعة في عهد الديمقراطية الثالثة وما بعد مايو
بعدَ سقوطِ نظامِ مايو عامَ 1985، قامَ تحالفُ الإسلاميينِ باسمِ "الجبهةِ الإسلاميةِ القوميةِ"، إلَّا أنَّ الجماعةَ لم تُشاركْ في أيِّ كيانٍ سياسيٍّ حزبيٍّ، بل اقتصرَ دورُها على ترشيحِ بعضِ أعضائِها كمستقلِّين، مثلَ الدكتورِ يوناس بول في دائرةِ الخرطومِ، بالإضافةِ إلى توجيهِ أعضائِها للتصويتِ لمن تراهُ الأصلحَ في الدوائرِ الجغرافيةِ ودوائرِ الخرِّيجينَ.
كما اقتصرتْ مشاركتُها خلالَ فترةِ الديمقراطيةِ على التواصلِ المباشرِ مع رئيسِ الوزراءِ وتقديمِ النصحِ، إلى جانبِ تبنِّي بعضِ المشروعاتِ القوميةِ، مثل:
* مشروعِ دعمِ القواتِ المسلحةِ.
* مشروعِ دعمِ أسرِ الشهداءِ.
* مشروعِ المقاومةِ الشعبيةِ (الذي تأخَّرَ السيدُ الصادقُ المهدي في تبنِّيهِ، فاختطفَهُ جهويا برمةُ ناصر).
* مشروعِ دعمِ جرحى العملياتِ (الذي تطوَّرَ ليصبحَ مشروعَ الأطرافِ الصناعيةِ).
الجماعة في عهد الإنقاذ والموقف من حرب الخليج
عندَ قيامِ "الإنقاذِ"، كانتْ جماعةُ أنصارِ السنةِ من أوائلِ المؤيِّدينَ والداعينَ لدعمِها، ولكنْ ما إنْ برزتِ الحركةُ الإسلاميةُ إلى السطحِ، حتى بدأَتْ علاقةُ الجماعةِ بالفتورِ، خاصَّة بعدَ موقفِ الحكومةِ من حربِ الخليجِ عامَ 1991، حيثُ أيدَّتِ الحكومةُ العراقَ، بينما أيدَّتِ الجماعةُ التحالفَ ضدَّهُ، باعتبارِ أنَّ السعوديةَ والكويتَ كانا يمثِّلانِ الحليفَ الأساسيَّ لها.
تفاقمَ الخلافُ بينَ الحكومةِ والجماعةِ بعدَ التضييقِ عليها بسببِ موقفِها السابقِ، ووصلَ إلى ذروتِهِ بعدَ "حادثةِ مسجدِ الحارةِ الأولى"، حيثُ قامتْ مجموعةُ المتطرِّفِ الخليفيِّ بالاعتداءِ على المصلِّينَ، وهو ما اعتبرتْهُ الجماعةُ نتيجة لتواطؤِ الحكومةِ، ممَّا أدَّى إلى تصعيدِ التوتُّرِ، وصولا إلى المواجهاتِ والاعتقالاتِ.
التقارب مع حكومة الإنقاذ والمشاركة السياسية
تدخَّلَ الرئيسُ عمرُ البشيرِ بنفسِهِ للتصالحِ مع الجماعةِ، ونجحَ في ذلك، حيثُ طلبَ منهم المشاركةَ في الحكومةِ، لكنَّ الشيخَ الهديةَ -رحمهُ اللهُ- رفضَ مشاركةَ الجماعةِ كتنظيمٍ، وسمحَ بمشاركةِ الأفرادِ فقط، باعتبارِ أنَّ الجماعةَ دعويةٌ وليستْ سياسية.
كانتْ أوَّلُ مشاركةٍ فرديةٍ للجماعةِ بتولي الأستاذِ عبدِ اللهِ التهامي، الأمينِ العامِّ للجماعةِ آنذاك، منصبَ المحافظِ، ثمَّ تلاهُ الأستاذُ إسماعيلُ عثمانَ الماحي، الرئيسُ الحاليُّ للجماعةِ. لاحقا، توسَّعَتِ المشاركةُ بتولِّي الأستاذِ محمدِ أبو زيدِ مصطفى منصبَ وزيرِ دولةٍ، وأدَّى ذلك إلى تشكيلِ "اللجنةِ السياسيةِ" داخلَ الجماعةِ.
الانشقاق والموقف من الثورة السودانية
لكنَّ اللجنةَ السياسيةَ بالغتْ في التفاعلِ مع الشأنِ السياسيِّ، ممَّا لم يكنْ مقبولا لدى الكثيرِ من شبابِ الجماعةِ، وأدَّى إلى "المفاصلةِ" (الانشقاقِ) عامَ 2005 بقيادةِ الشيخِ أبو زيدِ محمدِ حمزة، الذي أسَّسَ "أنصارَ السنةِ الإصلاحَ".
استمرَّتِ اللجنةُ السياسيةُ بقيادةِ محمدِ أبو زيدٍ في نشاطِها، لكنَّها افتقرتْ إلى الهيكلةِ واللوائحِ المنظِّمةِ، ممَّا جعلَ مسيرتَها السياسيةَ مرتبكة، وانتهى بها المطافُ إلى توقيعِ نائبِ رئيسِها، الأستاذِ الخيرِ النورِ، على "الاتفاقِ الإطاريِّ"، وهو ما كادَ يؤدِّي إلى انقسامٍ جديدٍ داخلَ (أنصار السنة المركز العام)، لولا تدخُّلُ القيادةِ واحتواءُ الأزمةِ.
الموقف من الأزمة الراهنة
مع اندلاعِ الحربِ في السودانِ في 15 نيسان/ أبريلَ 2023، أعلنتِ الجماعةُ دعمَها الصريحَ للقواتِ المسلحةِ السودانيةِ ضدَّ قواتِ الدعمِ السريعِ، معتبرة أنَّ المصلحةَ الوطنيةَ تتجاوزُ الحساباتِ السياسيةَ الضيِّقةَ. وكانَ جناحُ "أنصارِ السنةِ الإصلاحِ" أكثرَ وضوحا في هذا الدعمِ، حيثُ لم تكنْ لهُ ارتباطاتٌ خارجيةٌ.
شخصيات بارزة في الجماعة
برزَ خلالَ هذه المرحلةِ عددٌ من الشخصياتِ المهمَّةِ داخلَ الجماعةِ، مثلَ:
* د. محمد الأمين إسماعيل والشيخ حسن الهواري (في المجالِ الدعويِّ).
* الأستاذ ياسر محمد الحسن (في المجالِ السياسيِّ والتوعويِّ).
* محمد عوض فقير ود. أحمد بابكر (في الجانبِ الإنسانيِّ والإغاثيِّ).
خاتمة
شهدتْ جماعةُ أنصارِ السنةِ تحوُّلاتٍ كبرى، من تحالفِها معَ الإخوانِ المسلمينِ، إلى تباعدِها عن نظامِ الإنقاذِ، وصولا إلى دعمِها للجيشِ ضدَّ قواتِ الدعمِ السريعِ. يبقى التساؤلُ مطروحا: هل ستظلُّ جماعةٌ دعويةٌ، أمْ ستتحوَّلُ إلى قوةٍ سياسيةٍ أكثرَ تنظيما؟
[email protected]
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مدونات مدونات السودان الصوفية السودان اخوان سلفي اسلامي حركة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
هل يعود الكيان للحرب
الاحتلال ينسحب مجددا من معظم مناطق قطاع غزة في المرحلة الأولى، والفضل -بعد الله تعالى- يعود لصمود المقاومة كما يقولون حتى الدقيقة 90 ثم الوقت الإضافي وحتى ضربات الجزاء.. ويعود لتشبث المواطن الفلسطيني بأرضه وعدم تنازله عنها، مما أفشل مخططات الترحيل والتهجير.. ويعود لفشل جيش الكيان وإنهاكه وعدم قدرته على تحقيق الأهداف بعد عجزه في الميدان..
ويعود كذلك للحراك الشعبي العالمي الذي جعل الكيان نظاما إرهابيا منبوذا، وجعل المعركة بين فريقين؛ الأول تقوده غزة ومعها غالبية الشعوب في العالم كله، ثم الكيان وداعموه من الأنظمة الإقليمية والغربية، وحتى هذه الأنظمة أصبحت محاصرة من شعوبها.
كان من تدبير الله أن غزة المحاصرة أصبحت رغم التجويع والحصار والمجازر هي من يحاصر الكيان ويحاصر الأنظمة الداعمة للكيان في دول أوروبا وأمريكا.
وهنا سؤال لا بد منه، وهو: من يضمن أن لا يعود الكيان إلى الحرب بعد أن يتسلم أسراه؟
والجواب على ذلك من وجوه:
الأول: أن نتنياهو لم يضع الأسرى في أولوياته في أي مرحلة، وبالتالي لم يكونوا هم سبب فشله.
الثاني: أن العودة ستعمق خسارته على المستوى الدولي وربما تطيح بأنظمة داعمة له. وقد رأينا الرعب الذي حلّ على رئيسة وزراء إيطاليا ميلوني لمجرد أن قيل إن اسمها موضوع أمام المحكمة الجنائية الدولية بتهمة المشاركة في الإبادة الجماعية، وليس بعيدا عن ذلك ستارمر في بريطانيا ولا مستشار ألمانيا.
الثالث: أن المقاومة سترتب صفوفها وستكبد العدو ما لا يتحمله من الخسائر، مع ما هو فيه من إنهاك وفشل وهزيمة.
الرابع: أن العدو وفي خلال سنتين كاملتين لم يستطع الحسم وكان يقول إن ذلك سيستغرق فقط بضعة أسابيع، وهو بالتالي لن يستطيع الحسم ولو ظل 10 سنوات.
أما الخامس: إنني على يقين أن المقاومة لديها أوراق ضغط جديدة لم تبرزها حتى الآن ولكنها تدخرها لوقت تعلم أنها ستحتاجها فيه، وربما لن تقل في قدرها عن ورقة الأسرى، وهي لا تثق في الاحتلال ولا تأمن جانبه.