دمشق- أول ما يلفت انتباه القادمين إلى مطار دمشق هو غياب صورة حافظ الأسد -أو "القائد الخالد" كما يحلو لمؤيديه تسميته- التي ظلّت لعقود أول ما يستقبل المسافرين. واختفت أيضا صور ابنه، الرئيس المخلوع بشار الأسد، وحلّ محلها علم الثورة السورية الذي أصبح العلم المعتمد للدولة، في مشهد يختصر فصلا جديدا في تاريخ سوريا.
نقطة الجوازات، التي كانت يوما محاطة بهالة من التوتر والخوف، لم تعد كذلك. ففي الماضي، كانت هذه البوابة كابوسا لبعض المسافرين، حيث لا يخلو الأمر من تمتمات بأدعية وآيات قرآنية تُردَّد بصوت خافت، وكأنها تعويذات للمرور بسلام. لطالما كنت تسمع مسافرين يتمتمون الآية القرآنية الكريمة "وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ" بصوت خافت.
كان مجرد وجود قريب مطلوب للأمن سببا لاستدعاء المسافر للتحقيق حول قريبه "المتواري عن الأنظار"، ناهيك عن التقارير الكيدية التي قد يكتبها "مواطنون صالحون" في حق المغتربين، فتجعلهم يتلقّون استدعاء إلى فروع المخابرات قبل أن يغادروا صالة الوصول.
أما الفارون من أداء الخدمة العسكرية الإلزامية، فلا يغامرون بالسفر إلى سوريا أصلا، حتى لا يتم القبض عن "المتخلفين عن السوق"، وتسليمهم إلى شُعب تجنيدهم التي تقوم بدورها بفرزهم إلى نقاط الخدمة. الخدمة هنا تعني تحولهم إلى "عبيد" لضباط الأسد في أفضل الأحوال، لكنها قد تعني توجيه بنادقهم صوب مواطنيهم في معظم الأحيان.
إعلانأما اليوم، فقد تبدد كل ذلك القلق. فلم يعد أحد يتمتم عند ضابط الجوازات، ولم تعد عبارات "شو جايبلنا معك يا حبيب؟" تُسمع. حلّ مكانها ترحيب رسمي بسيط ومباشر "أهلا وسهلا أستاذ.. تفضّل".
اختفى أيضا مكتب "المحفوظات" -الأرشيف- ذاك المكتب الذي كان بمثابة البوابة الخلفية للمخابرات، حيث يستلم جواز سفرك من ضابط الجوازات، ليعيده إليك مرفقا بـ"ما تيسر" من استدعاءات أمنية.
في زمن الأسد، لم تكن هذه الاستدعاءات مجرد أوراق رسمية، بل كانت إشارات إنذار، فقد تعني تحقيقا شاقا، أو منعا من السفر، أو حتى الاعتقال دون سابق إنذار.
وقد يتساءل غير السوريين: ماذا لو تجاهل المسافر هذه الاستدعاءات وقرر العودة من حيث أتى؟ الجواب بسيط ومخيف: لا يمكنه ذلك. فكل فرع أمني يستدعيك، لا بد أن يمنحك إذنا بالمغادرة، وإن لم تحصل على الموافقات كافة، فأنت ببساطة ممنوع من مغادرة ما أصبح يُعرف بـ"السجن الكبير".
راحة نفسية رغم التأخيربعد تجاوز نقطة الجوازات، يصل المسافرون إلى منطقة استلام الأمتعة. ولم تعد هناك نظرات التوجس أو الاستعجال للخروج من المطار كما كان الحال في السابق. روح جديدة من الراحة والمرح تملأ المكان، فالناس يضحكون ويتبادلون النكات حتى عندما تتأخر الأمتعة. الجميع يبدو متفهّما للوضع، فالبنية التحتية التي تركها النظام السابق منهارة تماما وبالكاد تعمل.
في الماضي، كان قسم الجمارك بمثابة "نقطة التحصيل غير الرسمية" الأولى في البلاد بالنسبة للكثير من ضباط النظام الفاسدين، وذلك على عكس الجوازات التي لم تكن تقبل الرشى، لأن المسائل الأمنية "ما معها مزح".
فتح الحقائب، والنبش في محتوياتها، ومصادرة السلع بحجة "مخالفة الأنظمة"، كل ذلك كان مشهدا مألوفا. وكانت العطور والسجائر على رأس قائمة "الغنائم،" حيث إذا كان بحوزة المسافر عدة علب عطر، يُصادر إحداها ضابط الجمارك بحجة "حاجتك هدول، بيكفّوك"، بينما كان بعض المسافرين من غير المدخنين، يشترون "كروزات الدخان" ويحشرونها بين أمتعتهم، ليقدموها طوعا كإكرامية لضمان المرور السلس.
إعلانأما الأجهزة الكهربائية، من تلفزيونات ومكانس كهربائية وغيرها من السلع الأجنبية غير المتوفرة في سوريا، فكانت الصيد الثمين "لك هي بدّا جمارك!". عبارة مفتاحية تفتح أمامك خيارين، إما أن تدفع قيمة الجمارك بالعملة الصعبة لخزينة الدولة، أو أن تخضع لتسعيرة "جمارك جيب الضابط" الذي سيتغاضى عن الأجهزة مقابل رشوة.
وحتى لو اخترت الخيار الأول، سيستوقفك الضابط لينصحك بكل براءة بأن تدفع الرشوة له بدلا من أن تذهب أمواله لـ"جيب الدولة.. لك عندي أرخصلك!".
كل ذلك انتهى اليوم، ولم يعد مطلوبا سوى تمرير الحقائب عبر جهاز التفتيش كما هو الحال في باقي مطارات العالم.
عند الخروج من مبنى المطار، تستقبل "العراضة الشامية" بعض القادمين، حيث يلجأ أقاربهم للاحتفال بقدومهم بعد غياب قسري دام عقودا في بعض الحالات، حتى إن كان منهم من وُلدوا في الغربة ولم يروا سوريا من قبل.
أما مبنى المطار من الخارج، فقد تغيّر كثيرا، إذ اختفت كل اللافتات التي كانت تمجّد الأسد الأب (حافظ) والابن (بشار) والأخ (باسل الأسد)، وحلّ محلها علم الثورة الجديد.
الطريق إلى دمشق.. ندوب الحرب لم تندمل بعدعلى الرغم من المظاهر التي توحي ببداية جديدة، فإن آثار الحرب ما زالت حاضرة في بعض الأماكن. ففي الطريق من مطار دمشق إلى العاصمة، ستجد ندوب الحرب على جدران مناطق مثل عقربا وبيت سحم، وستلحظ البنايات التي أصابها الدمار وقد هجرها سكانها منذ سنوات.
دمشق، التي أنهكتها قبضة النظام الأمنية ودمرت بعض أحيائها ومعظم ريفها، عادت لتنبض بالحياة من جديد بعد أن طُويت صفحة نظام البعث وعائلة الأسد، وبدأت تظهر ملامح دولة جديدة يقودها "أناس مننا وفينا ويشبهوننا"، كما قال سائق التاكسي الذي أقلني من المطار إلى العاصمة السورية.
إعلانالمصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
الحصري لـ سانا: مشروع تحويل مطار المزة من مطار عسكري إلى مطار مدني مخصص للطيران الخاص ورجال الأعمال، كجزء من رؤية تنموية متكاملة تهدف إلى تنويع أنماط الطيران في سوريا وتخفيف الضغط التشغيلي عن مطار دمشق الدولي وخلق نقطة جذب استثمارية وتجارية متخصصة
2025-07-27BOUTHINA BOUTHINAسابق الحصري لـ سانا: الرؤية تتضمن تطوير وتوسعة مطاري دمشق وحلب كأولوية وطنية، إلى جانب تحديث باقي المطارات وإنشاء مطارات جديدة وتأهيل الطائرات القائمة، وتوسيع الأسطول الوطني تدريجياً ودعم تأسيس شركات طيران وطنية خاصةالتالي مسؤول أممي: على إسرائيل إنهاء وجودها بالأرض الفلسطينية المحتلة انظر ايضاً مسؤول أممي: على إسرائيل إنهاء وجودها بالأرض الفلسطينية المحتلة
نيويورك-سانا حث مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك
آخر الأخبار 2025-07-27مسؤول أممي: على إسرائيل إنهاء وجودها بالأرض الفلسطينية المحتلة 2025-07-27الحصري لـ سانا: مشروع تحويل مطار المزة من مطار عسكري إلى مطار مدني مخصص للطيران الخاص ورجال الأعمال، كجزء من رؤية تنموية متكاملة تهدف إلى تنويع أنماط الطيران في سوريا وتخفيف الضغط التشغيلي عن مطار دمشق الدولي وخلق نقطة جذب استثمارية وتجارية متخصصة 2025-07-27الحصري لـ سانا: الرؤية تتضمن تطوير وتوسعة مطاري دمشق وحلب كأولوية وطنية، إلى جانب تحديث باقي المطارات وإنشاء مطارات جديدة وتأهيل الطائرات القائمة، وتوسيع الأسطول الوطني تدريجياً ودعم تأسيس شركات طيران وطنية خاصة 2025-07-27الحصري لـ سانا: تستند هذه الرؤية إلى خطة استراتيجية متكاملة تمتد حتى عام 2030، ترتكز على إعادة بناء البنية التحتية للمطارات وتعزيز الربط الجوي وإعادة فتح الأجواء وتحديث الأسطول والنقل الجوي الوطني وتحديث شامل لأنظمة الملاحة الجوية والاتصالات والانفتاح على الشراكات الإقليمية والدولية 2025-07-27رئيس الهيئة العامة للطيران المدني السوري عمر الحصري لـ سانا: تعمل الهيئة على تنفيذ رؤية شاملة تهدف إلى تأهيل البنية القائمة وإعادة تموضع سوريا كفاعل محوري في حركة الطيران الإقليمي والدولي 2025-07-27نجوم الحلقات يضيئون ملاعب حماة… رياضة تُهذب وسلوك يتألق 2025-07-27سوريا والسعودية توقعان مذكرة تفاهم في مجالات الطاقة 2025-07-27بابا الفاتيكان يدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة وإنقاذ المتضورين جوعاً 2025-07-27رئيس اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب محمد طه الأحمد لـ سانا: تم خلال اللقاء مع السيد الرئيس أحمد الشرع أمس، إطلاعه على أهم التعديلات التي أُقرت على النظام الانتخابي المؤقت لمجلس الشعب، بعد الجولات واللقاءات التي قامت بها اللجنة مع شرائح المجتمع السوري وفعالياته 2025-07-27مشروع العودة الكريمة يصل حمص بـ19 عائلة وافدة من القصير قادمة من إدلب
صور من سورية منوعات اختفاء غامض لعشرات الطواويس من فندق تاريخي في كاليفورنيا 2025-07-27 أمازون تغلق مختبرها للذكاء الاصطناعي بالصين 2025-07-25
مواقع صديقة | أسعار العملات | رسائل سانا | هيئة التحرير | اتصل بنا | للإعلان على موقعنا |