خلال القمة الإفريقية الأخيرة التي جمعت قادة القارة لمناقشة حاضرها ومستقبلها، برز تحول ملحوظ في أولوياتها، إذ لم يعد ملف نزاع الصحراء يشغل الحيز الأكبر من النقاشات كما كان الحال في العقود الماضية.

اليوم، تواجه إفريقيا تحديات أكثر إلحاحًا، تتطلب من قادتها التركيز على القضايا التي تهم شعوبهم، مثل الأمن، والتنمية، والاقتصاد، والتغير المناخي.

لطالما كان نزاع الصحراء حاضرًا في كل اجتماع إفريقي تقريبًا على مدار أكثر من أربعين عامًا، إذ كان يثير الانقسام ويعيد إنتاج الجدالات نفسها دون تحقيق تقدم ملموس.

لكن مع تصاعد الأزمات الداخلية في العديد من الدول الإفريقية، أصبح من الواضح أن القارة بحاجة إلى مقاربة جديدة تنطلق من تساؤلات جوهرية: كيف يمكن حماية دول الساحل من الانهيار تحت وطأة الإرهاب؟ كيف يمكن توفير فرص عمل للشباب؟ وكيف يمكن مواجهة الجفاف الذي يهدد ملايين البشر؟ هذه هي الأسئلة التي تتردد اليوم في أروقة الاتحاد الإفريقي، وهي أسئلة لا تحتمل ترف الانشغال بصراعات سياسية عقيمة.

عندما عاد المغرب إلى الاتحاد الإفريقي عام 2017، لم يكن هدفه الدفاع عن موقفه في قضية الصحراء فحسب، بل قدم رؤية جديدة قائمة على الشراكة والتنمية. كان ذلك بمثابة نقطة تحول كبرى للقارة الإفريقية، حيث حملت هذه العودة رؤية جديدة ومقاربة عملية تركز على التنمية الاقتصادية والتعاون المشترك. لم تكن مجرد خطوة دبلوماسية، بل شكلت إسهامًا حقيقيًا في تعزيز استقرار القارة وازدهارها، إذ كان الرابح الأكبر من هذه العودة هو القارة الإفريقية نفسها، التي استفادت من الاستثمارات والمشاريع التي قدمها المغرب.

عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي جلبت معها حلولًا عملية ومستدامة للتحديات الكبرى التي تواجه القارة، خصوصًا في مجالات الطاقة المتجددة، والزراعة، والبنية التحتية، والمصارف.

وقد تجسد ذلك في خطاب العاهل المغربي الملك محمد السادس خلال قمة الاتحاد الإفريقي لعام 2017، حيث قال: “لقد اختار المغرب سبيل التضامن والسلم والوحدة، ونحن نؤكد التزامنا بتحقيق التنمية والرخاء للمواطن الإفريقي. نحن، شعوب إفريقيا، نملك الوسائل والعبقرية وقدرة العمل الجماعي لتحقيق تطلعات شعوبنا.”

من خلال هذه الرؤية، اختارت القارة الإفريقية التوجه نحو المستقبل، ساعيةً إلى مواكبة الأمم الأخرى عبر التركيز على أولوياتها المتمثلة في التنمية الاقتصادية، والتعليم، والسلم والأمن.

لقد ظهر هذا التوجه بوضوح منذ عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي، حيث أحدث تحولًا كبيرًا من خلال عقد شراكات اقتصادية كبرى وفتح استثمارات ضخمة، وهو ما يعكس تفكيرًا خارج الصندوق. ولعل مشروع الغاز الرابط بين نيجيريا والمغرب خير مثال على هذه المشاريع الطموحة، التي تعكس قدرة المغرب على خلق شراكات اقتصادية تعود بالنفع على القارة بأكملها، بدلًا من الارتهان لصراعات وهمية تعرقل تقدم إفريقيا.

بيد أن هذا المشروع ليس الوحيد الذي استثمر فيه المغرب، فقد أعلن عن إنشاء “المبادرة المغربية لولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي”، والتي تمثل فرصة هائلة للتحول الاقتصادي في المنطقة. ستسهم هذه المبادرة في تسريع التواصل الإقليمي، وتعزيز التدفقات التجارية، وتحقيق رخاء مشترك في منطقة الساحل.

لقد نجح المغرب أيضا ، بفضل عودته إلى الاتحاد الإفريقي، في لعب دور محوري في إصلاح مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد، حيث كان من رواد إصلاح هذه المؤسسة، التي كانت تشكل أحد أسباب المشاكل السياسية والأمنية في القارة.

وتعكس القمة الإفريقية، التي أنهت أشغالها الأحد، هذا التحول في أولويات القارة. فبرغم التحديات الكبرى التي تواجهها، إلا أن إفريقيا تمتلك أيضًا فرصًا هائلة. ومع النمو السكاني، والتحولات الرقمية، والاكتشافات الجديدة للموارد، تجد القارة نفسها أمام لحظة اختبار حاسمة. إما أن تضيع الوقت في قضايا الماضي، أو أن تنظر إلى المستقبل وتعمل من أجل أبنائها. ويبدو أن الخيار أصبح أكثر وضوحًا من أي وقت مضى.

صحيح أن القارة الإفريقية لم تعد اليوم مسرحًا للصراعات الأيديولوجية القديمة، بل أضحت ورشة عمل كبرى، حيث الأولوية لمن يساهم في البناء والتنمية، وليس لمن يكرر الخطابات ذاتها. ولم تقتصر التحولات على قاعات القمة فحسب، بل أصبحت ملموسة في شوارع المدن الإفريقية، في الأسواق، في الجامعات، وفي طموحات الشباب الذين يسعون إلى بناء مستقبل أفضل.

إفريقيا اليوم هي ورشة بناء حقيقية، حيث تُمنح الأولوية لمن يساهم في التنمية، وليس لمن يواصل تكرار الخطابات التي عفا عنها الزمن.هناك توق لتحولات يلمسها الجميع وتستنشق مثل الهواء النقي.

 

المصدر: اليوم 24

كلمات دلالية: المغرب إلى الاتحاد الإفریقی

إقرأ أيضاً:

إنشراح قدوم: ربنا يغير الأحوال من حال إلى حال

◉ رفاقي الأعزاء…بعد نشر استقالتي لا يسعني إلا أن أتقدم إليكم جميعاً بالشكر والتقدير على الفترة التي جمعتني بكم في درب النضال والعمل المشترك.ربنا يغير الأحوال من حال إلى حال، لكن تبقى المحبة والاحترام محفوظة، وتبقى العلاقات التي بنيت بيننا أكبر من أي رابط.سعيدة جداً بمعرفتكم جميعاً وستظل بيننا صلة تمتد ما بقي في العمر بقية فالعِشرة لا تُنسى والوفاء لا ينقطع.◉ شكراً لرفاقي ورفيقاتي…شكراً للقائد العام على ما تعلمناه منكم من معنى الوفاء والولاء.وشكراً لسعادة المفتش العام على الإرشادات والدروس ولأنك وصفتني جهراً بأنني إنسانة فاشلة وبأن كتاباتي «ركيكة» فأطمئنك أنني أغادر اليوم موقنة بأن الفشل الحقيقي ليس في من يكتب أو يجتهد بل في من يرى العالم بضيق عينيه ويختزل البشر في كلمات قصيرة لا تليق وأقولها عن يقين: «الله أكبر،الله ناصرنا ولا ناصر لهم الله مولانا ولا مولى لهم ونصر من الله وفتح قريب» فهذه ليست كلمات «كيزان» ولا شعاراً لجهة ولا ملكاً لكيان بل منهج أي مسلم مؤمن بأن النصر من عند الله أولاً والفتح من عند الله ثم بعزائم الرجال ثانياً وهذه المقولة لا تخص فصيلاً بعينه بل تخص كل قلب يثق بربه ويسعى للحق وإن كنت ترى أن الكلمات تقزم الناس فأنا أؤمن أن اليقين يرفعهم وأن من يختزل الآخرين في توصيفاته الضيقة لا يصنع أثراً ولا تاريخاً سأواصل تطوير كتاباتي مستقبلاً لا لأنك وصفتها بل لأن التطوير واجب والنقد مهما كان يبقى دافعاً للتقدم والأيام وحدها ستكشف كل من حاول تقزيم الآخرين وستثبت أن من يحاول قياس البشر بميزانه الصغير هو الأصغر بلا بصيرة وبلا رؤية وبلا أثر يذكر تعلمت منكم الكثير وما زلت أتعلم أما أنت فستبقى عاجزاً عن فهم من يتجاوز حدود أحكامك الضيقة.في أمان الله وحفظه ونسأل الله أن يجمعنا دوماً على الخير وخدمة الوطن. م. إنشراح علي قدوم الغاليمساعد القائد العام للإعلام الحربي والناطق الرسمي لجيش حركة تحرير السودان – قيادة القائد مصطفى تمبور (السابق) إنضم لقناة النيلين على واتساب

Promotion Content

أعشاب ونباتات           رجيم وأنظمة غذائية            لحوم وأسماك

2025/12/10 فيسبوك ‫X لينكدإن واتساب تيلقرام مشاركة عبر البريد طباعة مقالات ذات صلة مجلس الصحوة بقيادة موسى هلال يجدد موقفه الثابت الى جانب القوات المسلحة في حرب الكرامة2025/12/07 العدل والمساواة تنعي عضو مؤسس في الحركة2025/12/07 القوات المسلحة: الهدنة التي أعلنها المتمرد الكاذب حميدتي ليست سوى مناورة سياسية وإعلامية مضللة2025/12/02 الفرقة ٢٢ مشاة – بابنوسة تدحر محاولة هجوم لمليشيا آل دقلو وتكبدها خسائر فادحة2025/11/25 الكويت .. رسوم الإقامة ورسوم سمات الدخول إلى البلاد2025/11/24 بيان لجنة الأمن بالشمالية حول الأحداث التي صاحبت ضبط القوات المستنفرة بالولاية وابقائها تحت إمرة القوات المسلحة2025/11/23شاهد أيضاً إغلاق بيانات ووثائق حركة العدل والمساواة تنعي الشهيد/عبد اللطيف عمر مالك 2025/11/23

الحقوق محفوظة النيلين 2025بنود الاستخدامسياسة الخصوصيةروابطة مهمة فيسبوك ‫X ماسنجر ماسنجر واتساب إغلاق البحث عن: فيسبوك إغلاق بحث عن

مقالات مشابهة

  • مركز القاهرة الدولي يعقد ورشة حول السلم والأمن في سياسة الاتحاد الإفريقي
  • اللجوء إلى القارة العجوز.. هل يجبر البرلمان الأوروبي الدول الأعضاء على قبول الهجرة غير النظامية؟
  • إنشراح قدوم: ربنا يغير الأحوال من حال إلى حال
  • أمريكا في مواجهة أوروبا: استراتيجية ترامب تهز الاتحاد الأوروبي
  • المغرب وكاف يعلنان تميمة كأس أفريقيا 2025
  • الجزائر تدشّن المعهد الإفريقي للتكوين المهني ببومرداس
  • الاتحاد الأوروبي يهاجم استراتيجية ترامب
  • وزير الاستثمار يبحث سبل دعم الوجود المصري في الأسواق الإفريقية والدولية
  • الكشف عن التميمة الرسمية لكأس أمم إفريقيا في المغرب
  • كاف يعلن تميمة بطولة كأس الامم الإفريقية بالمغرب 2025