التبرير اللا اخلاقي .. كيف يُعاد تشكيل العقول؟
تاريخ النشر: 21st, February 2025 GMT
بقلم : اللواء الدكتور سعد معن الموسوي ..
هناك قوى خفية تحرك الجماهير دون أن يدركوا، تدفعهم نحو ما لم يكن يومًا مقبولًا، حتى يصبح المرفوض مألوفًا، والمستنكر والمستهجن أمرًا عاديًا. هذه القوى ليست وليدة اللحظة، انما تمتد جذورها في أعماق النفس البشرية، حيث يسهل العبث بالمفاهيم حين يُعاد تشكيلها ضمن قوالب جديدة.
“وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَٰنُ أَعْمَٰلَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ” (النمل: 24).
الخوف هو أقدم الأدوات، فحين يشعر الإنسان بالتهديد، يكون مستعدًا للتنازل عن أي مبدأ مقابل الشعور بالأمان، حتى لو كان الثمن هو التخلي عن الحق والقبول بالباطل. والعقل حين تحاصره العواطف يفقد صلابته، يصبح هشًا، سهل التوجيه، يصدق ما يريحه، وينفر مما يزعجه، حتى لو كانت الحقيقة ذاتها. وحين يُعاد تعريف الأخلاق وفقًا للمصلحة، يصبح كل شيء قابلًا للتبرير، وما كان عيبًا بالأمس، قد يصبح شجاعة اليوم، وما كان جريمة، قد يُبرَّر تحت مسمى الضرورة.
قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام):
“إنّما بَدءُ وقوعِ الفِتَن أهواءٌ تُتَّبَع، وأحكامٌ تُبتَدَع، يُخالَفُ فيها كتابُ اللهِ، ويَتَوَلَّى عليها رجالٌ على غيرِ دينِ اللهِ، فلو أنّ الباطلَ خَلَصَ من مِزاجِ الحقِّ لم يَخفَ على المُرتادين، ولو أنّ الحقَّ خَلَصَ من لَبسِ الباطلِ لانقطعت عنه ألسنُ المعاندين، ولكن يُؤخَذُ من هذا ضِغثٌ، ومن هذا ضِغثٌ، فيمزجانِ، فيجيئانِ معاً، فهنالك يستولي الشيطانُ على أوليائه، وينجو الذين سبقت لهم من اللهِ الحُسنى.”
(نهج البلاغة، الخطبة 50)
المعضلة ليست في تمرير الباطل، بل في تحويله إلى حق، في جعله قاعدة اجتماعية يتبناها الجميع دون تفكير. يتم ذلك حين تتحول القيم إلى شعارات جوفاء، وحين يصبح الإنسان مجرد مستهلك للأفكار، لا صانعًا لها، يردد ما يسمع، ويعتاد ما يُعرض أمامه، حتى يُخدّر حسه النقدي، فلا يرى سوى ما يُراد له أن يراه. عندها، يفقد المجتمع مناعته الفكرية، يصبح هشًا أمام أي موجة جديدة، فيتبناها دون وعي، ويقاوم من يعارضها وكأنها الحقيقة المطلقة.
المعركة ليست في إقناع الإنسان بالخطأ، بل في جعله يراه صوابًا، في جعله يدافع عنه دون أن يدرك أنه ضحية، في جعله يردد المقولات التي وُضعت له، دون أن يسأل: من وضعها؟ ولماذا؟ وهنا، يكون الانتصار الأكبر للقوى الخفية التي لا تحتاج إلى فرض أفكارها بالقوة، بل يكفيها أن تجعل الناس يطالبون بها بأنفسهم، ويتحركون نحوها وهم يظنون أنهم أحرار.
اللواء الدكتور
سعد معن الموسوي
المصدر: شبكة انباء العراق
كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات فی جعله
إقرأ أيضاً:
رفقًا بالأردن… صوت الحق في زمن الصمت
رفقًا بالأردن… #صوت_الحق في #زمن_الصمت
بقلم: أ.د. محمد تركي بني سلامة
يا أبناء شعبي الأوفياء…
في هذا الزمن العربي المنكسر، حيث تنزف غزّة كل يوم، وتقاوم #فلسطين بصدور عارية وجراح مفتوحة، نكتب لا لنواسي أنفسنا بالكلمات، بل لنصرخ بالحقيقة، ونعيد تصويب البوصلة، ولو كانت الرياح عاتية.
غزّة اليوم ليست مجرد عنوان للألم، بل مرآة لخذلان عالمي فادح. أطفالها يُقصفون، نساؤها يُدفنّ تحت الركام، وشبابها يواجهون آلة الموت بأمل لا يُكسر، لكن أين العالم؟
الحقيقة التي باتت واضحة حدّ الوجع: غزّة وفلسطين ليستا على أجندة القرار العربي، ولا على جدول اهتمامات العالم الإسلامي، ولا في سلّم أولويات القوى الكبرى.
الكل يتفرّج، يُدين، يندد، لكنه لا يحرّك ساكنًا.
لذلك، لا تنتظروا منهم أكثر مما كان… لا تعلقوا آمالًا على وعود لم تُترجم يومًا إلى أفعال.
لا تستهلكوا أعماركم في انتظار من لا يجيء.
وفي ظل هذا الصمت، يبرز موقف واحد نقي، ثابت، لا يتلوّن مع المصالح أو يتراجع تحت الضغط… إنه موقف الأردن.
الأردن، هذا البلد الصغير بحجمه، الكبير بمواقفه، لم يتأخر يومًا عن نصرة فلسطين.
قدّم ما يفوق طاقته، احتضن اللاجئين، صرخ بصوته في كل محفل، دعم بالدواء والكلمة والموقف، وتحمّل أعباء تفوق إمكاناته.
لم يكتفِ بالإدانة، بل وقف حيث لم يجرؤ كثيرون على الوقوف.
لكن، يجب أن نكون منصفين… الأردن ليس دولة عظمى، وليس لديه خزائن لا تنفد، ولا يستطيع أن يحمل وحده عبء أمة بأكملها.
إنه قلب كبير في جسد صغير، يرهقه النزيف من دون أن يشكو، لكنه لا يستطيع أن يفعل أكثر مما فعل.
فرفقًا بالأردن…
رفقًا بهذا الوطن الذي لا يتاجر بفلسطين، ولا يساوم على القدس، ولا يساير في الحق.
رفقًا بوطن يقف وحده في العاصفة، ينحاز دائمًا لأمّته، يشعل النور حين يخفت من حوله، ويبقى وفيًّا حين يخذل الآخرون.
علينا أن نُقدّر ما يقوم به هذا البلد، لا أن نُحمّله أكثر من طاقته. علينا أن نكون سندًا له، لا عبئًا فوق أعبائه.
وختامًا، دعونا نرفع الأكفّ بالدعاء:
اللهم احفظ فلسطين، واحمِ غزّة، وانصر أهلها الصامدين.
اللهم احفظ الأردن، أرضًا وشعبًا وقيادة، وأجعل هذا الوطن كما كان دائمًا، منارة للحق، وحصنًا منيعًا في وجه الريح.
والله من وراء القصد.