الانعزالية الأمريكية: خسارة النفوذ... وفرصة للصين
تاريخ النشر: 25th, February 2025 GMT
في خطوة تعكس نزعة انعزالية متزايدة وتجاهلًا لدورها التاريخي، يسعى مشرعون جمهوريون إلى سحب واشنطن من الأمم المتحدة، في مشروع يعكس أيديولوجيا (أمريكا أولًا) التي تبناها الرئيس ترامب في ولايته الأولى وعززها أكثر في ولايته الحالية.
لكن هذا القرار - برأيي- لا يهدد فقط مكانة واشنطن كقوة عظمى، بل يضعف النظام الدولي الذي ساهمت في بنائه منذ الحرب العالمية الثانية، ويفتح الباب أمام بكين لملء الفراغ.فرغم عيوبها، تبقى الأمم المتحدة المنصة الوحيدة التي تجمع دول العالم لمعالجة القضايا المشتركة، من الأزمات الإنسانية إلى تغير المناخ، وعليه فإن الانسحاب ليس مجرد عزلة دبلوماسية، بل تنازل طوعي عن القيادة العالمية، ولاسيما أنها ساهمت بأكثر من 18 مليار دولار عام 2022 أي ما يعادل ثلث ميزانية المنظمة، فهل تتخلى اليوم عن نفوذها في منظومة دولية تمولها بهذا الحجم.
تاريخياً سبق تقديم مثل هذه المشاريع المشابهة في الكونغرس، لكنها لم تحظَ بالدعم الكافي، ومع ذلك، أرى أن الانسحاب من الأمم المتحدة ليس فقط خيانة للنظام العالمي، بل هو أيضًا خيانة للمبادئ التي قامت عليها الولايات المتحدة، فبدلًا من إصلاح المنظمة، تختار واشنطن تقويضها، وبدلًا من دعم حقوق الإنسان تنسحب من الساحة الدولية، تاركة فراغًا قد تملؤه قوى أخرى.
لكن إن أبصر المشروع النور، ستكون بكين المستفيد الأكبر، إذ تعد ثاني أكبر مساهم مالي، وستعزز نفوذها داخل المنظمة، كما ستوسع وجودها في المنظمات الأممية الفرعية مثل الصحة العالمية ومجلس حقوق الإنسان، وغياب واشنطن سيمنحها فرصة ذهبية.
أما موسكو، فستعمل على تعزيز تحالفاتها مع دول إفريقيا وأمريكا اللاتينية لتعزيز تأثيرها داخل المنظمة، ورغم ذلك، يظل تأثيرها محدودًا مقارنة بالصين، ذات النفوذ الاقتصادي الأقوى.
أما القارة العجوز وفي ظل غياب الولايات المتحدة، فقد يسعى الاتحاد الأوروبي إلى لعب دور أكبر رغم عدم قدرته على تعويض التمويل الأمريكي بالكامل، لكن ربما تزيد دول القارة مساهماتها تدريجيًا، فيما قد تلعب فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة دورًا دبلوماسيًا أكثر نشاطًا، وإن كان دون أن يعوض الغياب الأمريكي بالكامل.
أما نيودلهي، التي تسعى للحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن، فقد تستغل الفرصة لتعزيز مطالبها، فيما قد تزيد البرازيل وجنوب إفريقيا، الأعضاء في «بريكس»، من نفوذها داخل المنظمات الأممية الفرعية مثل برنامج الغذاء العالمي.
عربياً، قد تعمل دول الخليج، مثل السعودية والإمارات، على زيادة مساهماتها المالية لتوسيع نفوذها الدبلوماسي عالميًا.
وأرى أن انسحاب الولايات المتحدة لن يؤدي مباشرة إلى حرب، لكنه سيزيد من عدم الاستقرار العالمي، ويؤدي إلى تصعيد الصراعات الإقليمية وسباق تسلح جديد، مما قد يرفع من احتمالات نشوب حروب مستقبلية، وعليه لمواجهة هذا التغيير، قد تلجأ الدول إلى بدائل عن الأمم المتحدة، مثل حلف الناتو الذي قد يزداد نفوذه في بعض القضايا الأمنية، والتحالف الرباعي الذي يضم الولايات المتحدة، اليابان، الهند، وأستراليا ليشمل مزيدًا من الدول لمواجهة النفوذ الصيني.
وقد نشهد تحالفات إقليمية جديدة، بما قد يقسم العالم إلى محاور متنافسة، حيث تتحالف الدول الغربية بقيادة الاتحاد الأوروبي مع اليابان وكندا وأستراليا، بينما تقود الصين وروسيا محورًا مضادًا يضم إيران وكوريا الشمالية وبعض دول إفريقيا وأمريكا اللاتينية.
لكن الحسنة الوحيدة تكمن في أن الكيان الصهيوني، الذي طالما استفاد من الفيتو الأمريكي في مجلس الأمن، قد يجد نفسه أمام حقيقة جديدة: لا حماية أمريكية أبدية، ولا حصانة من العدالة الدولية، ولاسيما أنه ومنذ سبعينيات القرن الماضي، استخدمت واشنطن حق النقض عشرات المرات لحمايته من الإدانة الدولية.
إذن، نحن لسنا أمام «أمريكا أولًا» التي يروّج لها ترامب وفريقه، بل «أمريكا وحدها» ومن ثم حلفاؤها في عالم لن ينتظرهم.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: وقف الأب رمضان 2025 عام المجتمع اتفاق غزة إيران وإسرائيل صناع الأمل غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية الصين ترامب أمريكا الولایات المتحدة الأمم المتحدة
إقرأ أيضاً:
غزة المنكوبة.. الأمطار تكشف ضعف الخيام وعجز العالم
لم تكن أمطار الأيام الماضية حدثا عابرا في قطاع غزة، بل كانت فصلا جديدا من فصول المأساة، فالخيام المهترئة لم تصمد أمام الرياح والسيول، لتتضاعف معاناة السكان الذين لم يتعافوا بعد من حرب إبادة استمرت عامين ثم خلفت خنقا وحصارا واعتداءات لا تتوقف.
الحرب التي استمرت عامين خلفت أكثر من 70 ألف شهيد ونحو 170 ألف جريح، لكنها خلفت دمارا هائلا في القطاع الفلسطيني حيث مئات الآلاف من النازحين الذين لم يكتف الاحتلال بتشريدهم بل ما زال يمنع عنهم ما يكفيهم من غذاء ودواء.
رضي النازحون الصامدون بالخيام اضطرارا لكن المنخفض الجوي "بيرون" الذي ضرب غزة بدا وكأنه يختبر صبرهم، حيث عصفت الرياح بالخيام واقتلعت ما يزيد على 27 ألف خيمة وفق بيانات المكتب الحكومي بغزة، كما أغرقت آلافا أخرى من الخيام.
وتأتي الأخبار المؤلمة من مستشفيات غزة قائلة إن 14 شخصا على الأقل قضوا نحبهم بينهم ستة أطفال توفوا بسبب البرد وانهيار أكثر من 15 منزلا في مناطق عدة بمدينة غزة.
بينما تأتي من الأمم المتحدة تحذيرات لا تقل إيلاما، حيث يقول تقرير للمنظمة الدولية إن 850 ألف شخص يتكدسون في 761 مخيما وموقع نزوح ما زالوا معرضين لخطر الفيضانات بشدة.
ليست كافيةوبدورها تحذر المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة من أن مئات الآلاف من النازحين معرضون لاحتمال غرق خيامهم وملاجئهم بمياه الأمطار الغزيرة في ظل منع الاحتلال دخول المواد المستخدمة في بناء أماكن الإيواء وحتى الأكياس التي يمكن ملؤها بالرمل.
المنظمة ذاتها ألقت الضوء على جانب من المأساة مؤكدة أن الإمدادات التي سبق إرسالها إلى غزة، ومنها الخيام المقاومة للماء والبطانيات الحرارية والأغطية البلاستيكية، لم تكن كافية لمواجهة السيول.
واتفقت المنظمة مع مسؤولين فلسطينيين في أن هناك حاجة ماسة إلى 300 ألف خيمة جديدة على الأقل لنحو 1.5 مليون نازح لا يزالون في القطاع.
إعلانالخطر المحدق بسكان غزة يأتي أيضا من البحر، حيث تحذر منظمة الصحة العالمية من أن أكثر من أربعة آلاف شخص يعيشون في ما وصفتها بمناطق ساحلية عالية الخطورة، وأن ألف شخص منهم يتأثرون بشكل مباشر بالأمواج العاتية القادمة من البحر.
كل هذه المنظمات بما فيها المنظمة الدولية الأكبر – الأمم المتحدة- والعالم لا يحرك ساكنا، والقوى الفاعلة به لا يرق قلبها لمدنيين أبرياء تتوالى عليهم الكوارث ولا يمنعهم مانع من التشبث بأرضهم وبلادهم.
هل يحتاج العالم لشهادات؟ لا بأس، هاهي وكالة الصحافة الفرنسية نقلت له صوت سعاد مسلم النازحة من منطقة بيت لاهيا من داخل خيمتها في منطقة الزوايدة حيث قالت: "كانت ليلة سوداء علينا وعلى أولادنا بسبب البرد والمطر. لم نستطيع حتى تغطية طفل، البطانيات غرقت بالمياه، لا نعرف إلى أين نذهب".
الوكالة نفسها تحكي عبر مراسلين كيف خرج شبان فلسطينيون في مخيم للنازحين بحي الزيتون يحملون المعاول، محاولين تصريف مياه الأمطار الغزيرة التي اجتاحت خيامهم.
كما رصد الوكالة طفلا يحمل غالونين فارغين ويسير حافي القدمين في الوحل محاولا تخطي مستنقعات المياه التي تشكلت، كي يجلب مياه الشرب من محطة مياه موقتة قريبة.
ربما يسأل أحدهم في جانب آخر من العالم: "ولماذا لا يستدفئون؟".. الإجابة نقلتها وكالة الصحافة الفرنسية عن شروق مسلم وهي نازحة من بيت لاهيا كانت تحمل طفلتها وهي تجيب قائلة: "لا نعرف ماذا نفعل، نحن غير قادرين على الخروج لإشعال النار، اذ لا يوجد حطب، وليس لدينا غاز".
هل يريدون شهادات أخرى؟ ها هي وكالة رويترز البريطانية تتكفل بتقديم المزيد، من داخل مخيم النازحين في النصيرات بوسط قطاع غزة، وتقول إن لامياه غمرت الخيام مما أدى إلى بلل المراتب والأحذية والملابس.
تابعت الوكالة الخمسيني يوسف طوطح وهو يحاول إخراج المياه باستخدام دلو، لكنه لم يجد مكانا لتصريف المياه وبدا أن محاولاته لا تحقق نجاحا يذكر.
وتنقل عنه رويترز قوله: "طوال الليل أنا والولاد على رجلينا.. إذا أنا اللي كبير مش متحمل كيف الأطفال ها دي؟".
وتجمعت أسرته حول نار صغيرة على أرض رملية قرب الخيمة، إذ أصبح طهي الطعام حتى تحديا. وقال وهو يجر مرتبة مبتلة "حتى أكلنا وشربنا إللي احنا بيستغيثونا فيه مضلش.. مضلش لا أكلنا ولا شربنا".
تقول المفوضية الأوروبية إنه يجب محاسبة مرتكبي انتهاكات القانون الدولي في غزة، وتؤكد أن الوضع هناك غير قابل للاستمرار، وأن الاتحاد الأوروبي قلق إزاء الوضع في غزة.
وتقول المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بفلسطين فرانشيسكا ألبانيزي إن الوضع المتفاقم في غزة يستوجب تدخل المجتمع الدولي وتفعيل آليات المساءلة دون تأخير.
لكن الواقع يقول إن العالم أو بالأحرى دوله الفاعلة لا تفعل ما يكفي للمساءلة ولا حتى ما يكفي لإيجاد المأوى والغذاء لمئات الآلاف ممن شردتهم حرب إبادة استهدفتهم على مدى عامين ولم يأمنوا شرها بعد.
إعلان