لجريدة عمان:
2025-06-10@03:28:44 GMT

عنصرية اللغة

تاريخ النشر: 25th, February 2025 GMT

العنصرية ببساطة هي التمييز بين البشر على أساس العرق أو اللون أو الدين. ولكن هذا التمييز يمكن أن يمتد حتى إلى اللغة بالتبعية، وذلك حينما تكشف لغة ما عن استعلائها باستخدام صياغات تدل على هذه العنصرية، بالتأكيد توجد في اللغة العربية مثل هذه الكلمات الاستعلائية، ولا شك في أن مثل هذه الكلمات تشيع في استخدام اللغة حينما تكون اللغة هي لغة الغالب أو المستعمر؛ ولذلك فإنها كانت شائعة في لغة قدماء اليونان حينما كانت الحضارة اليونانية في أوج ازدهارها وهيمنتها في العصر الكلاسيكي؛ فهم كانوا يستخدمون كلمة «العبد» أو «التابع» في مقابل كلمة «الحُّر»، والعبيد ليست لهم حقوق سياسية مثل المواطنين الأحرار، وهم من يُؤسَرون في الحروب ليعملوا في خدمة الأسياد، خاصة في الزراعة، حتى إن كل مواطن تقريبًا كان يمتلك واحدًا من العبيد يحق له التصرف فيه كما يشاء، سواء بالبيع أو الإيجار.

كما أن قدماء اليونان كانوا يستخدمون كلمة «البرابرة» لوصف الأغيار ممن لا يعرفون اللغة اليونانية القديمة، وخاصةً من الفرس والأتراك وغيرهم ممن يتصف مسلكهم بالبدائية والهمجية والوحشية. كان هذا شائعًا في لغة أعظم فلاسفة هذا العصر من أمثال أفلاطون وأرسطو؛ فها هو ذا أرسطو يصف «البرابرة» وصفًا ازدرائيًّا باعتبارهم «أكثر خنوعًا بطبيعتهم من الإغريق، مثلما أن الآسيويين أكثر خضوعًا من الأوروبيين؛ ولذلك فإنهم يتحملون الحكم الاستبدادي دونما احتجاج».

كما كانت مثل هذه الكلمات شائعة أيضًا في اللغة العربية القديمة؛ إذ كان العرب يستخدمون أيضًا كلمة «العبيد» في مقابل «السادة»، ويستخدمون كلمة «البرابرة» لوصف شعوب شمال إفريقيا. ومع ذلك، فمن المهم أن نلاحظ الحضارة العربية الإسلامية وإن كانت هي حضارة الغالب في زمنها لم تمارس هذه اللغة الاستعلائية على الآخر بعد انتشار الإسلام وتمكينه؛ إذ سادت تعاليم الإسلام السمحة التي تقول لنا: «لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى». ولهذا السبب نفسه؛ فإن هذه الحضارة الغالبة لم تزدرِ أو تستعلِ على الشعوب المغلوبة التي تم فتح بلدانها، بل إنها -على العكس من ذلك- قد استعانت بكُتّابها وفلاسفتها وعلمائها الذين دخلوا في الإسلام، وبغيرهم ممن لم يدخلوا فيه وإن ظلوا جزءًا مهمًّا من نسيج هذه الحضارة، بل شغلوا مناصب كبرى في الإمارات الإسلامية. وهكذا بدأت مثل هذه الكلمات العنصرية تختفي تدريجيًّا من اللغة العربية، ولم تعد تُستخدَم في اللغة المتداولة إلا على سبيل المجاز لا الحقيقة: فنحن -على سبيل المثال- نستخدم كلمة «عبد» لوصف شخص ما، لا باعتباره ينتمي إلى جنس أو عِرق ما، وإنما باعتباره شخصًا يعبر في مسلكه عن حالة العبودية، بمعنى التبعية والمذلة والخنوع، وهكذا.

وفي مقابل ذلك، فإن لغة الغرب كاللغة الإنجليزية بوجه خاص، لم تتخلص من استخدام اللغة العنصرية أو الاستعلائية بالمعنى الحقيقي لا المجازي، أعني من حيث دلالتها على الجنس أو العِرق؛ لأن اللغة هنا تنبع من موقف عنصري في النظرة إلى الآخرين أو الأغيار من حيث العِرق واللون، والدين أحيانًا. وهذا يعني أن اللغة هنا تكون مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بحالة ذهنية ما، وهي «العنصرية» باعتبارها توجهًا معرفيًّا وإرثًا ثقافيًّا؛ بينما أن الحضارة العربية الإسلامية لم تكن تتخذ موقفًا استعلائيًّا من الشعوب المغايرة المغلوبة على أمرها باعتبارها شعوبًا أدنى منزلة. ربما يحتاج الأمر إلى بعض الأمثلة العملية التي قد تكون مفيدة في الصدد.

تأمل الكلمات والعبارات الشائعة على ألسنة الناس وفي لغة الأكاديميين، من قبيل: a person or people of color، فهذه العبارة تعني حرفيًّا «الشخص أو الناس الملونين». وهنا لا بد أن نتوقف لنتأمل عنصرية اللغة هنا من خلال تحليل العبارة: فماذا يعني أن نصف شخصًا ما بأنه ملوَّن؟ هذه العبارة لا تُقَال إلا على لسان الرجل الأبيض الذي روَّج لها في لغته، والذي يرى أن ما يُقاس عليه هو اللون الأبيض، وكل ما عداه هو صفة لكل الناس الآخرين الذين يطلق عليهم الرجل الأبيض عادةً كلمة «السود» blacks الذين يراهم أدنى مرتبةً من «البيض» whites.

ولا شك في أن هذا لا يعكس فحسب نوعًا من «العمى الأخلاقي» الذي يجعل المرء يميز بين البشر على أساس لونهم، بل يعكس أيضًا نوعًا من «العمى المنطقي»: فعبارة «ملون» هنا of color تُستخدَم للدلالة على «ما هو ليس أبيض»؛ وبذلك فإنها تستبعد «الأبيض» من مفهوم الألوان، وكأن الأبيض ليس لونًا من الألوان! ويحضرني هنا رأيٌ لشوبنهاور يسخر فيه من هذه المسألة المتجذرة في الثقافة الغربية: إذ يرى أن اللون الأسود للبشرة أو الأصفر كما لدى شعوب شرق آسيا هو الأصل في لون البشر، وأن اللون الأبيض للبشرة هو لون الناس بعد أن أصبح باهتًا عبر العصور بفعل هجرات الشعوب إلى الغرب لتعيش في بلاد تغيب الشمس عنها!

ولنتأمل مثالًا آخر نجده في كتاب هنتنجتون الشهير بعنوان «صدام الحضارات»؛ إذ يخصص فصلًا بعنوان «الغرب والبقية» The West and the Rest، وبذلك فإنه ينظر إلى موقف الغرب (أو الرجل الأبيض) باعتباره الأساس في مقابل كل ما عداه، أي في مقابل كل الأمم والشعوب الأخرى، أي في مقابل «الآخر» بالنسبة إلى الغرب.

يمكن للأمثلة هنا أن تتعدد، ولكن مفاد القول هو إن عنصرية اللغة تكشف عن حالة ذهنية تعبر عن نفسها في الثقافة واللغة، ومن ثم في الفهم والشعور.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی مقابل

إقرأ أيضاً:

أبوظبي تُلزم رياض الأطفال بتخصيص 240 دقيقة لتعليم اللغة العربية

أبوظبي: «الخليج»


أعلنت دائرة التعليم والمعرفة - أبوظبي عن إطلاق سياسة جديدة تُلزم رياض الأطفال في المدارس الخاصة ومدارس الشراكات التعليمية (من مرحلة ما قبل الروضة (المرحلة التمهيدية) / المرحلة التأسيسية الأولى للسنوات المبكرة إلى مرحلة الروضة الثانية/ السنة 1) بتعليم اللغة العربية ابتداءً من الفصل الدراسي الأول للعام الأكاديمي 2025/26.

تعزيز اللغة

وتهدف هذه الـخطوةٍ إلى تعزيز اللغة والهوية والانتماء بدءاً من سنوات التعلم الأولى، حيث لا تقتصر هذه المبادرة على تنمية مهارات القراءة والكتابة فحسب، بل تهدف إلى ترسيخ جذور اللغة الأم لدى الجيل القادم وبناء أساس متين منذ الصغر.

وبموجب سياسة منهاج اللغة العربية لمرحلة رياض الأطفال الصادرة عن الدائرة، سيحظى كافة الطلبة الصغار كل أسبوع بـ240 دقيقة لتعلم اللغة العربية وفق منهجية تتناسب مع مرحلتهم العمرية، على أن تزداد هذه المدة إلى 300 دقيقة بدءاً من العام الدراسي 2026/27. وتكفل السياسة الجديدة توفير تجربة تعليمية متسقة وعالية الجودة لكل طفل، سواءً كان من الناطقين بالعربية أو من المتعلمين الجدد لها، وذلك خلال هذه المرحلة التي تعتبر من أكثر المراحل أهمية في تطور اللغة، كما تتيح هذه التجربة للطلبة تنمية ثقتهم في لغتهم الأم التي تربطهم مع ثقافتهم ومجتمعهم ومستقبلهم.

تستند هذه السياسة إلى نتائج الأبحاث التي تؤكد أن السنوات الأولى من عمر الطفل هي المرحلة الأنسب لتعلم اللغات، وإلى نتائج الاستبيان الذي أجرته الدائرة والذي أظهر أن غالبية الأطفال يواجهون صعوبة في التحدث باللغة العربية بثقة، بالرغم من استخدامها الواسع في منازلهم. ومن هذا المنطلق، تهدف السياسة إلى ردم هذه الفجوة من خلال شراكة فعالة بين المدارس وأولياء الأمور لضمان بقاء اللغة العربية حية ومزدهرة في مسيرة الأجيال القادمة.

تجربة تعليمية

تتيح السياسة للطلبة الصغار فرصة خوض تجربة تعليمية تفاعلية وممتعة ترتكز على اللعب، وسرد القصص، والأناشيد، والاستكشاف، وتنص على اعتماد مسارين تعليميين، أحدهما مخصص لتعزيز قدرات الناطقين باللغة العربية، والآخر موجه للمتعلمين من غير الناطقين بها، بما يضمن تلبية احتياجات كل طفل تبعاً لمستواه اللغوي، سواء كان ناطقاً باللغة الأصلية أم مبتدئاً. وبفضل المعلمين المؤهلين تدريباً خاصاً، والمصادر التعليمية الحديثة، والأنشطة الصفية المحفّزة، ستغدو اللغة العربية تجربة يومية محببة يتطلع إليها الطلبة بكل شغف.

تمكين الأطفال

وقالت مريم الحلامي، المدير التنفيذي لقطاع التعليم المبكر في دائرة التعليم والمعرفة: «تهدف هذه المبادرة إلى تمكين كل طفل في إمارة أبوظبي من اكتساب اللغة، وترسيخ الهوية، وتعزيز الانتماء منذ اللحظة الأولى، كما نطمح لأن تكون اللغة العربية جزءاً جوهرياً من تجربة الطفل اليومية، وأن تنبض بالحيوية والتفاعل في كل فصل دراسي وكل منزل».

سدّ الفجوة

تعمل السياسة الجديدة على سدّ الفجوة بين تعليم اللغة العربية في الحضانات، بما يتماشى مع معايير سياسة مؤسسات التعليم المبكر، وبين التعليم الإلزامي للغة العربية في الحلقة الأولى وفقاً لمتطلبات وزارة التربية والتعليم، وبما يضمن تطوراً تدريجياً وسلساً للمهارات اللغوية خلال مراحل الطفولة المبكرة.

تجدر الإشارة إلى أن هذه السياسة تُولي دور أولياء الأمور أهمية محورية في الرحلة التعليمية، وستعمل المدارس على تزويدهم بالأدوات والتحديثات اللازمة، بما يتيح لهم المشاركة الفاعلة في هذه التجربة الغنية، سواءً من خلال ممارسة المفردات الجديدة في المنزل، أو قراءة القصص مع أبنائهم، أو المشاركة في الفعاليات المدرسية التي تحتفي باللغة العربية.

ويمثل منهاج اللغة العربية الجديد في مرحلة رياض الأطفال جزءاً من الرؤية الشاملة لدائرة التعليم والمعرفة، والتي تهدف إلى ترسيخ اللغة العربية كأسلوب حياة ينبض بالتفاعل والانتماء، لا كمجرد مادة دراسية يتلقاها الأطفال.

مقالات مشابهة

  • انطلاق اختبارات نهاية العام الدراسي غداً
  • أبوظبي تُلزم رياض الأطفال بتخصيص 240 دقيقة لتعليم اللغة العربية
  • كلمة ركن قلوب حائرة بمناسبة عيد الأضحى..
  • وزير الأوقاف السوري: قلبي يحدثني بأن يكون توحيد كلمة المسلمين على يد ولي العهد
  • وزير أوقاف سوريا: "قلبي يحدثني بأن يكون توحيد كلمة المسلمين على يد ولي العهد"
  • موعد أذان المغرب في ثاني أيام عيد الأضحى.. اغتنم بركاته بـ11 كلمة
  • إيران لم تُعلنها... كلمة واحدة كانت كفيلة بنزع سلاح الحزب
  • أفضل عبارات الرد على كلمة أبشري أو أبشر
  • أفضل دعاء للميت.. بـ12 كلمة تعايده الملائكة وتجعل عيده في الجنة أجمل
  • بنحو 163 كلمة.. خطاب محمد بن سلمان يثير تفاعلا باستقبال عيد الأضحى 2025