ستنعقد القمة العربية في السادس من آذار/ مارس، إن لم يطرأ جديد، وكان من المفترض أن تنعقد يوم 27 شباط/ فبراير الجاري، لكن يبدو أن هناك ما استدعى التأجيل، وانطلقت مع عملية التأجيل لقاءات عربية مكثفة بين دول الخليج ومصر والأردن، ودخلت تركيا وإيران في لقاءات ثنائية أخرى مع دول الإقليم.
ومع الموقف المبدئي العربي برفض تهجير الفلسطينيين، فقد ارتفعت -بدرجة ما- آمال الشعوب العربية في تبني القمة موقفا صلبا أمام خطة ترامب، لكنها آمال مشوبة بحذر بالغ، بسبب أداء هذه الأنظمة طَوال حرب الإبادة التي شنها الاحتلال على قطاع غزة المناضل الصامد.
إذا تعاملنا وفق الآمال، فالمرجو من القمة العربية أن تعلن موقفا واضحا لا لبْس فيه يتبنى أربعة أمور:
استمرار وقف إطلاق النار وانتقاله إلى إنهاء العدوان، وبدء إعمار قطاع غزة، ورفض تهجير الفلسطينيين إلى أي مكان خارج وطنهم، ودعم قيام دولة فلسطينية على حدود القرار الأممي 181 لعام 1947، ورفض الاحتلال الصهيوني للأراضي السورية.
كان معيبا أن القمة الطارئة ستنعقد بسبب تصريحات ترامب الداعية إلى تهجير الفلسطينيين، فالدعوة إلى القمة ارتبطت بمخاطر محتملة على مصر والأردن، وكأن الشعب الفلسطيني وحده كان لا يستحق عقد قمة لوقف العدوان ولدعمه
كان معيبا أن القمة الطارئة ستنعقد بسبب تصريحات ترامب الداعية إلى تهجير الفلسطينيين، فالدعوة إلى القمة ارتبطت بمخاطر محتملة على مصر والأردن، وكأن الشعب الفلسطيني وحده كان لا يستحق عقد قمة لوقف العدوان ولدعمه، لكن على كل حال جاءت حاجة مصر والأردن في مصلحة الشعب الفلسطيني، ما يجعل السقف مرفوعا عن حدود عملية التهجير.
إذا الموقف الأول الداعم لوقف التهجير، يجب أن يكون تمديد وقف إطلاق النار بمراحله الثلاث التي تتضمن وقفا دائما لإطلاق النار، وإعادة إعمار قطاع غزة، ورفع الحصار عن الفلسطينيين فيه، وهذه العملية لا يبدو أنها ستحدث وفقا لتصريحات القادة الصهاينة في الكيان وأمريكا، ولعل الأصوات الداعمة لوقف إطلاق النار في الكيان تتحدث بوضوح عن استمرار الحرب بعد استعادة الأسرى، وآخرها لوزير الحرب السابق يوآف غالانت في مؤتمر بجامعة رايخمان، الذي قال أمس الثلاثاء: "لا يمكن تحقيق هدفيْ الحرب إلا بخطوة واحدة: أولا إعادة الأسرى، ثم القضاء على نظام حماس، لسبب بسيط وهو أنه إذا ذهبنا بالترتيب المعاكس: فلن يكون لدينا أي أسرى يمكن إعادتهم"، فضلا عن تصريحات نتنياهو والأمريكان عن وجوب القضاء على حماس، ومعلوم أنه لا سبيل للقضاء عليها سوى بالقتال.
لذا، إذا أراد المؤتمِرون من العرب منع التهجير الفلسطيني، فعليهم أن يعبِّروا عن رفضهم تجدد القتال بإجراءات عملية، مثل فتح المعابر دون الالتفات للقيود الصهيونية على شاحنات المساعدات، وتصعيد الضغط الدبلوماسي، في الهيئات الأممية، وسحب السفراء، أو قطع العلاقات، وما إلى ذلك من الأدوات الدبلوماسية، وكنا نرجو أن تكون هناك خيارات أكثر قسوة، لكن هذا السقف الذي لا يمكن لهؤلاء الحكام أن يجاوزوه.
أما الموقف الثاني، فيجب أن يرقى إلى اعتبار عملية تهجير الفلسطينيين في قطاع غزة أو الضفة بمثابة إعلان حرب على مصر والأردن، وبالتالي لن تقف الدول العربية الأخرى متفرجة على تهديد أمن الدولتين.
والموقف الثالث، يتعلق بإعلان دعم المؤتمِرين في القاهرة قيام دولة فلسطينية مستقلة، كاملة السيادة على حدود عام 1947، وهي الحدود المنصوص عليها في قرار الأمم المتحدة رقم 181 (د-2) في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر 1947، المعروف باسم "قرار تقسيم فلسطين"، ورغم اعتراف كاتب السطور بإجحاف هذا القرار للفلسطينيين، لكنه يبقى الحد الأدنى الذي ينبغي على العرب أن يطالبوا به، وحينها يمكن للفلسطينيين أن يتجولوا وينتقلوا خارج حدود غزة، ولكن إلى عسقلان والمجدل ويافا والناصرة وبئر السبع وغيرها من مدن وبلدات فلسطين في حدود عام 1947، لا أن ينتقلوا إلى مصر والأردن والسعودية أو حتى أوروبا.
كذلك لا ينبغي فصل الدولة الفلسطينية المرتقبة عن كونها دولة غير كاملة السيادة، بمعنى أن من حقها أن تنشئ قوات نظامية لحفظ الأمن، وقوات عسكرية لحفظ حدودها من أي عدوان صهيوني مستقبلي، وهذا بالمناسبة سيمنع التهجير أيضا وبالتالي سينتفع المصريون والأردنيون من هذا الردع ولن يجدوا أنفسهم في حاجة إلى الخوض في قرارات تهجير.
تستلزم السيادة أن تتوقف دعوات الحكام العرب إلى إنشاء دولة منزوعة السلاح، فهذا غير مقبول من ناحية المبدأ، فضلا عن وجود عدو همجي ووحشي ومجرم يتربص بالفلسطينيين، كما عليهم تعديل مبادرة السلام العربية التي تنادي بسلام مقابل دولة فلسطينية على حدود عام 1967، فما سبب اختيار هذه الحدود رغم أن القرار الأممي لعام 1947 أعطى الفلسطينيين مساحة أكبر؟!
وكما أن حدود عام 1967 واقعة تحت الاحتلال، فحدود 1947 تقع تحت الاحتلال كذلك، وكما أن القرار 242 الصادر في 22 تشرين الثاني/ نوفمبر لعام 1967 قرار أممي، فالقرار السابق له رقم 181 قرار أممي أيضا، لكنه يمتاز عنه بأنه من الجمعية العامة، لا كالقرار اللاحق الصادر عن مجلس الأمن وهو هيئة منبثقة من الأمم المتحدة، مع ما للمجلس من ثقل وأهمية، كما أن قرار مجلس الأمن لم يكن ناسخا أو ملغيا للقرار 181.
إن درجة من التصالح الداخلي، ستفتح الباب أمام تماسك الجبهة الداخلية في مواجهة العدوان الطاغي، وهذا دور الأجهزة الوطنية التي تدفع الحكام إلى رفض التهجير ورفض تصفية القضية الفلسطينية، ربما على غير إرادتهم، فهؤلاء الوطنيون يدركون خطورة هذا المسار، ويقفون حجر عثرة أمام ترْك الساحة للقرارات المنفلتة، وسيكون مناسبا أن يُكملوا رسم الصورة لصناع القرار وإخبارهم أن الظرف لا يحتمل الانقسام السياسي
أما الموقف الرابع، فيتعلق بالدولة السورية الجديدة، فمن واجب العرب أن يدعموا تحرر أرضها، والبدء أولا بعودة الاحتلال إلى حدود اتفاقية فض الاشتباك لعام 1974، ثم استمرار المطالبة بانسحاب الاحتلال من الجولان السوري المحتل، والالتزام بقرار مجلس الأمن رقم 242 الذي دعا الاحتلال الإسرائيلي إلى الانسحاب من الأراضي التي احتلها في عدوانه على الدول العربية صبيحة 5 حزيران/ يونيو 1967.
هذا السقف المطروح ليس خياليّا، وليس صداميّا للغاية مع محور الشر الأمريكي-الصهيوني، بل هو نابع من نقاشات قانونية ومطالب بديهية في القانون الدولي، ومتوافق مع مطالب الشعوب التي يمكنها أن تدعم مُطلقي هذه الدعوات بشتى الصور، وهذا يستدعي تكرار ما ذكره العبد الفقير كاتب السطور في مقاله السابق: "لم يعد اليوم أمام الحكام العرب مفر من أخذ موقف داعم للقضية الفلسطينية، ولو على غير إرادتهم، إنقاذا لحكمهم، أو تفاديا لانقسام أنظمتهم السياسية. وهذه الخطوة تستلزم درجة من التراجع عن مساحات القمع الداخلية، إذ إن المعارضين لأنظمتهم هم الأقدر على قيادة حركة الشارع من أجل تنظيم معارضة شعبية حقيقية، تساعدهم في موقفهم الرسمي أمام ترامب وحلفائه".
إن درجة من التصالح الداخلي، ستفتح الباب أمام تماسك الجبهة الداخلية في مواجهة العدوان الطاغي، وهذا دور الأجهزة الوطنية التي تدفع الحكام إلى رفض التهجير ورفض تصفية القضية الفلسطينية، ربما على غير إرادتهم، فهؤلاء الوطنيون يدركون خطورة هذا المسار، ويقفون حجر عثرة أمام ترْك الساحة للقرارات المنفلتة، وسيكون مناسبا أن يُكملوا رسم الصورة لصناع القرار وإخبارهم أن الظرف لا يحتمل الانقسام السياسي. وما فعله السيد عمرو أديب في إحدى حلقاته، عندما طالب بإخراج المعتقلين دون استثناء، كان دعوة في محلها، لخطورة الظرف والوضع على المنطقة كلها، لا فلسطين فقط، فالصهاينة إذا ابتلعوا فلسطين، فلن يترددوا في قضم أي قطعة أخرى تكون متاحة لهم، كما فعلوا في سوريا ولبنان هذه الأيام.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه القمة العربية الفلسطينيين الاحتلال غزة احتلال فلسطين غزة قمة عرب مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تهجیر الفلسطینیین مصر والأردن قطاع غزة حدود عام عام 1947
إقرأ أيضاً:
البيان الختامي لقمة بغداد يرفض تهجير الفلسطينيين ويدعو لعملية سياسية شاملة في سوريا
أعلن البيان الختامي للقمة العربية، التي انعقدت في العاصمة العراقية بغداد، السبت، الرفض القاطع لتهجير الشعب الفلسطيني، مؤكداً على ضرورة إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة، وطالب الدول ذات التأثير بالضغط على إسرائيل لوقف الحرب على القطاع، وإدخال المساعدات.
وطالب البيان بالوقف الفوري للعدوان الإسرائيلي على غزة، كما أدان الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا.
وحثّ البيان الختامي المجتمع الدولي ومجلس الأمن على "ممارسة الضغط اللازم لوقف الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا"، مؤكداً أهمية المضي قدماً في عملية سياسية انتقالية شاملة في سوريا.
ترحيب برفع العقوبات عن سوريا
ورحب البيان بإعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب رفع العقوبات المفروضة على سوريا، مع التأكيد على ضرورة السماح بالمرور الآمن للعاملين في المجال الإنساني في السودان.
ودعا البيان إلى "ضرورة تنفيذ جميع الترتيبات الخاصة بوقف الأعمال العدائية في لبنان"، كما أدان "الانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة في لبنان"، مطالباً إسرائيل بالانسحاب الكامل إلى الحدود المعترف بها دوليا".
وبشأن اليمن، عبر البيان الختامي عن "تضامنه الكامل مع اليمن ودعم جهوده لتحقيق الأمن والاستقرار وإنهاء حالة الحرب والانقسام"، مع التشديد على أهمية التوصل لحل سياسي شامل يُنهي الصراع في السودان ويحفظ سيادته ووحدة أراضيه.
كما دعا البيان الختامي جميع الأطراف في السودان للانخراط في المبادرات الساعية لتسوية الأزمة، وفي مقدمتها إعلان جدة.
وعبّر البيان الختامي عن "دعمه الكامل لليبيا ولحل الأزمة بها عبر الحوار الوطني بما يحفظ وحدة الدولة"، رافضاً كافة أشكال التدخل في الشأن الليبي والتشديد على خروج جميع القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا".
ودعا البيان الختامي مجلس النواب الليبي والمجلس الأعلى للدولة إلى ضرورة الإسراع في إصدار القوانين الانتخابية، مؤكداً أهمية دعم جهود العراق ومصر والسودان من أجل الحفاظ على حقوقها المائية المشروعة.
وشهدت العاصمة العراقية بغداد، السبت، أعمال وجلسات القمتين العربية العادية الرابعة والثلاثين والتنموية الخامسة، بحضور عدد من القادة والزعماء العرب، والأمناء العامين لمنظمة الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي ومجلس التعاون الخليجي.
وانعقدت فعاليات القمة العربية في بغداد بمشاركة كل من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، والرئيسين الفلسطيني محمود عباس والصومالي حسن شيخ محمود، بالإضافة إلى رئيس مجلس القيادة الرئاسي في اليمن رشاد محمد العليمي.
وترأس نائب رئيس دولة الإمارات الشيخ منصور بن زايد وفد بلاده في أعمال القمة، فيما شارك الأردن بوفد يقوده رئيس الوزراء جعفر حسان، وترأس الوفد اللبناني رئيس الحكومة نواف سلام.
كما ترأس وفد السعودية وزير الدولة للشؤون الخارجية ومبعوث شؤون المناخ عادل الجبير، بينما ترأس وفد سلطنة عمان نائبُ رئيس الوزراء لشؤون الدّفاع شهاب بن طارق آل سعيد، فيما مثل الكويت وزير الخارجية عبدالله علي عبدالله، والجزائر وزير الخارجية أحمد عطاف، والمغرب وزير الخارجية ناصر بوريطة، وتونس وزير الخارجية محمد علي النفطي، وسوريا وزير الخارجية أسعد الشيباني، بينما ترأس وفد جيبوتي عبد القادر حسين عمر.
وإلى جانب المسؤولين العرب، شارك الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش ورئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز الذي اعترفت بلاده العام الماضي بالدولة الفلسطينية، بالإضافة إلى أمين الجامعة العربية أحمد أبو الغيط، والأمين العام لمجلس التعاون الخليجي جاسم البديوي.