إعادة هندسة السياسة السودانية- نحو ليبرالية رشيدة وتجاوز إرث الفوضى
تاريخ النشر: 2nd, March 2025 GMT
من المعلوم أن التحزب والانقسام غير الموضوعي هما من الأسباب الأساسية التي ساهمت في تخلف السودان السياسي. فمنذ الاستقلال، لم تشهد البلاد بيئة سياسية مستقرة تؤسس لحكم ديمقراطي رشيد، بل ظلت تتأرجح بين النظم العسكرية والانقلابات، وبين الأحزاب المتصارعة التي لم تستطع تقديم رؤية متماسكة لخدمة الوطن والمواطنين.
إن الممارسة الديمقراطية الحقيقية تستند إلى تمثيل بعض المواطنين للكل عبر تنظيمات سياسية قوية تتبنى رؤى واضحة حول قضايا الحكم، بحيث يتمتع الجميع بالحرية والسلام والعدالة. غير أن المشهد السياسي السوداني ظل يعاني من تعددية حزبية مفرطة تفتقد للبرامج الواقعية، مما أدى إلى ضعف الأداء السياسي وعدم القدرة على تحقيق الاستقرار.
نحو هيكلة جديدة للحياة السياسية
تجارب الدول الكبرى أثبتت أن وجود حزبين رئيسيين يمثلان الاتجاهات الفكرية العامة في البلاد يحقق استقرارًا سياسيًا أفضل، في حين أن نظام الحزب الواحد قد يؤدي إلى تسلط السلطة وغياب المحاسبة، كما حدث في الاتحاد السوفيتي سابقًا. ورغم أن النموذج الصيني يقدم مثالًا على نجاح الحزب الواحد، إلا أن هذا النجاح مرتبط بعوامل ثقافية وسياسية خاصة بالصين، ولا يمكن استنساخه في السودان.
إن السودان اليوم في مفترق طرق خطير، وإذا استمر على نهجه الحالي فإنه قد يسير نحو مزيد من الفوضى والانهيار. لذا، تبرز الحاجة إلى إعادة صياغة المشهد السياسي عبر تأسيس نظام حزبي جديد يعتمد على:
تحديد عدد محدود من الأحزاب التي تستند إلى برامج سياسية واقتصادية واضحة، وليس على الولاءات القبلية أو العقائدية.
إعادة تعريف النخب السياسية بحيث يتم استبعاد الأجيال التي كانت جزءًا من الخراب السياسي، وإتاحة الفرصة للشباب القادرين على طرح رؤى جديدة ومتطورة.
وضع دستور واضح المعالم يحدد الإطار العام للممارسة السياسية ويمنع تعدد الأحزاب غير المنتج.
مقترح لنظام حزبي جديد
يمكن اقتراح نظام حزبي يتكون من حزبين رئيسيين:
حزب الاتحاد الفيدرالي (FUP): يقوم على مبدأ سيادة الدستور والقانون كأساس للحكم الرشيد.
حزب الاتحاد والتنمية (UDP): يركز على التخطيط الحديث، والتنمية المستدامة، والعدالة في توزيع السلطة والثروة.
قد توجد أحزاب صغيرة أخرى لإثراء الساحة السياسية، ولكن بشرط أن تقدم أفكارًا مبتكرة، لا أن تكون مجرد أدوات لانقلابات أو صراعات على السلطة.
إزالة الولاءات التقليدية
ينبغي أن يقوم هذا النظام الجديد على إنهاء هيمنة الطائفية والقبلية والوراثة السياسية، واستبدالها بمنظومة حديثة تعتمد على الكفاءة والقدرة على تحقيق تطلعات المواطنين. كما ينبغي استيعاب المجددين من مختلف الخلفيات الفكرية في هذه الأحزاب، شرط أن يكون تأثيرهم قائمًا على الإقناع الفكري لا على الإقصاء والهيمنة.
مستقبل السودان السياسي
من المتوقع أن تكون المنافسة بين الحزبين الرئيسيين قائمة على اختلاف الرؤى حول آليات التنمية وسياسات الحكم المحلي، ولكن ليس حول المبادئ الأساسية للحكم الرشيد. فبهذه الطريقة، يمكن أن تتحقق الديمقراطية الفاعلة التي تستند إلى اختيار القيادات على أساس الإنجاز والكفاءة وليس على أساس الولاءات الضيقة.
الخطوة التالية في هذا المشروع الطموح هي صياغة هذه المبادئ في دستور جديد وقوانين واضحة تنظم العمل الحزبي، بحيث يتم تجاوز أزمات الماضي والانطلاق نحو مستقبل سياسي مستقر ومزدهر.
[email protected]
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
بعد ايقاف الإمارات الشحن الجوي والبحري للموانئ السودانية.. رحلة البحث عن البدائل
أثار قرار وزارة الطاقة والبنية التحتية الإماراتية والخاص بتعليق الإمارات التعاملات مع ميناء بورتسودان، والصادر بتاريخ الخميس السابع من أغسطس الجاري، جدلاً واسعًا في الأوساط الاقتصادية. وخلق القرار ذو الخلفية السياسية ربكة في الحركة التجارية بالبلاد، لجهة التعامل التجاري الكبير بين البلدين في السنوات الأخيرة.
وعلى الرغم من الأحداث السياسية والحرب الدائرة في السودان منذ زهاء العامين ونصف بين الجيش السوداني ومليشيا الدعم السريع التي تتمتع بدعم من الإمارات، إلا أن الدولتين حافظتا على التعامل الاقتصادي، بيد أن الإمارات أقحمت الاقتصاد في الصراع بينها وبين
اتهام السودان
واتهم السودان دولة الإمارات العربية بدعم مليشيا الدعم السريع خلال حربها مع قوات الجيش السوداني، التي دخلت عامها الثالث. وزادت وتيرة الاتهامات بعد الهجوم المتكرر على مدينة بورتسودان، لجهة استخدام أسلحة حديثة وإصابتها لأهداف بعينها.
وبلغ حجم الاستثمارات والتمويلات التنموية الإماراتية في السودان 28 مليار درهم (7.6 مليار دولار)، منها 6 مليارات دولار في القطاع الزراعي، مع وجود 17 شركة إماراتية تعمل في قطاعات متنوعة مثل الزراعة، السياحة، والطيران، والنفط، والغاز؛ وذلك وفق بيانات وكالة أنباء الإمارات (وام) والتي تعود إلى عام 2018.
نص القرار
ونص القرار الأخير على منع إصدار أي تصاريح إبحار للسفن التي ترفع علم دولة الإمارات العربية المتحدة والمتجهة إلى ميناء بورتسودان، بجانب منع التعامل مع أي بضائع أو حاويات، سواء كانت واردة أو صادرة، منشؤها أو وجهتها ميناء بورتسودان، بما في ذلك عمليات الشحن العابر (الترانزيت)، في جميع الموانئ والمحطات.
ايقاف سابق
وسبق هذا القرار ايقاف الإمارات لشركات الطيران السودانية ومنعها من الهبوط بمطار ابوظبي في تصعيد اماراتي ضد السودان.
وأكد عدد من رجال الأعمال الذين تحدثت معهم (المحقق) بسريان هذا القرار على جميع الحاويات الموجودة عبر الموانئ الإماراتية. وأوضح بابكر الشيخ الذي يعمل في مجال استيراد الأدوات الكهربائية أن القرار الذي أصدرته السلطات الإماراتية قد دخل حيز التنفيذ. وقال بابكر لـ(المحقق) إن “شركات الشحن الموجودة بالإمارات أبلغتهم بإيقاف الشحن من الموانئ الإماراتية وعدم السماح لأي بواخر بالشحن لميناء بورتسودان”.
وأشار إلى أن القرار أصاب الحركة التجارية بالسودان بحالة من الربكة والضبابية والشلل لجهة عدم معرفتهم بمدى سريانه.
إلا أن الشيخ أكد في الوقت نفسه على وجود بدائل أخرى غير الموانئ الإماراتية يمكن للسودان الاستفادة منها في جلب الواردات.
وتوقع أن يتضح تأثير القرار بصورة واضحة يوم الاثنين بعد انتهاء عطلة نهاية الأسبوع بدولة الإمارات.
تأثيرات كبيرة
من جهته، قال مصدر بالغرفة التجارية السودانية – فضل حجب هويته – إنه “من المبكر الحديث عن التأثيرات الاقتصادية لقرار الإمارات بوقف الشحن البحري والجوي للسودان”.
وأكد في حديثه مع ” (المحقق) على أن التأثيرات الاقتصادية ستكون كبيرة باعتبار أن الإمارات هي الشريك التجاري الأول للسودان واعتمد عليها في السنوات الأخيرة في جلب كثير من السلع الرئيسية وفي مقدمتها الوقود. وأوضح أن هناك بدائل كثيرة يمكن للسودان الاتجاه إليها حال استمرار القرار لفترة طويلة، منها الموانئ المصرية وجيبوتي وميناء جدة.
سد الفجوة
إلى ذلك، أوضح المحلل الاقتصادي للشؤون المصرية السودانية ، منجد إبراهيم، قدرة مصر على سد فجوة الإمارات في معظم السلع ما عدا الوقود.
ودعا إبراهيم لـ(المحقق) إلى أن بعد الأحداث المتلاحقة مع الإمارات وقطع الإمارات علاقاتها التجارية والطيران والترانزيت مع السودان، دعا مصر أن تكون جاهزة لسد تلك الفجوة التجارية الضخمة، موضحًا أن الموانئ الإماراتية تلعب دورًا كبيرًا في حركة التجارة مع السودان. ورجح إبراهيم استطاعة مصر سد تلك الفجوة ورفع حركة التجارة مع السودان خلال الفترة القادمة، لا سيما في السكر والدقيق والسلع الأساسية.
خنق السودان اقتصادياً
بدورها تشير الصحفية المتخصصة في الشأن الاقتصادي السوداني، سمية سيد، إلى أن قرار الإمارات بوقف التعامل مع ميناء بورتسودان يهدف إلى إحداث تداعيات اقتصادية محتملة على السودان، في محاولة لخنق السودان اقتصاديًا بعد أن فشلت الإمارات عسكريًا بدعم مليشيا الدعم السريع. وأوضحت سيد من خلال حديثها مع (المحقق) أن الإمارات تعلم أن ميناء بورتسودان يعد الشريان الرئيسي لواردات البلاد وصادراتها. وقالت “على الرغم من أن القرار لا يزال حديثًا ولم تتضح كل تبعاته، يمكن تحليل تأثيره من عدة جوانب كتعطيل التجارة إذ يُعد ميناء بورتسودان البوابة التجارية الأهم للسودان”.
وأشارت سمية إلى أن حظر السفن الإماراتية من التعامل مع الميناء، سواء بالقدوم منه أو الذهاب إليه، سيؤثر بشكل مباشر على تدفق السلع والمنتجات مما يؤدي إلى نقص في بعض السلع المستوردة من الإمارات.
وأضافت “ارتفاع التكاليف قد يضطر التجار السودانيين إلى البحث عن طرق شحن بديلة عبر موانئ أخرى في المنطقة، مما قد يزيد من تكاليف النقل والجمارك، وينعكس سلبًا على أسعار السلع في الأسواق المحلية”. وعن البدائل المتاحة أوضحت سمية أنها تتمثل في الانفتاح نحو أسواق جديدة خاصة مصر لأنها الأقرب والأقل كلفة في النقل عبر النقل البري في مسألة الاستيراد. وأشارت إلى أهمية فتح أسواق خارجية لصادرات السودان من الثروة الحيوانية والحبوب والمنتجات الزراعية الأخرى مع التركيز على الأسواق التقليدية كالمملكة العربية السعودية التي تعد السوق الأكبر في الخليج لصادرات السودان. ودعت إلى ضرورة أن تركز الحكومة على البدائل المحلية بالاعتماد على الذات في الإنتاج خاصة الإنتاج الزراعي وذلك بإنجاح الموسم الزراعي المقبل والذي يواجه تحديات كبيرة.
وقالت إن القرار الإماراتي يهدف إلى الضغط الاقتصادي ومن الممكن أن تخفف الحكومة من تأثيراته إذا اتخذت بدائل أخرى وهي متاحة.
المحقق – نازك شمام
إنضم لقناة النيلين على واتساب