خديجة المرّي
المحاضرة الأولى للسيّد -سلام الله عليه- محاضرة عظيمة جِـدًّا ينبغي علينا الاستفادة منها، الإنصات لها أولًا بقلوبنا، بمشاعرنا، بضمائرنا، التأمل لكل كلمة يقولها، التطبيق والتحَرّك من خلالها، ومُعالجة كُـلّ خللٍ ما زال باقيًا في نفوسنا.
وفي كُـلّ محاضرة يبدأها يركز على التقوى؛ لأهميتها الكُبرى وحاجتنا الضرورية والماسَّة إليها، وأن تكون عنايتنا بها تفوق كُـلّ العنايات الأُخرى التي نسعى إليها؛ لأَنَّنا إن التزمنا بالتقوى، كنا على غيرها أقوى، ولأن التقوى هي صفةٌ من صفات المؤمنين الذين وصفهم الله بالمتقين، وهم من يلتزم بأوامر الله، ويجتنب نواهيه.
ومطلوب منا جميعًا أن نعرف أهميّة التقوى، وما يترتب عليها من نتائج طيّبة في عاجل الدُّنيا والآخرة، ونُدرك جيِّدًا بأن الغاية من فريضة الصيام التي شرعها الله هي “التقوى” أن نتقي الله سبحانه وتعالى في أقوالنا، وفي أفعالنا، وفي مُعاملاتنا مع الآخرين، وفي تصرفاتنا في واقع حياتنا، ولنصدق بوعود الله لمن صدق به وأتقاه بأنه حتى سيرزقه من حَيثُ لا يعلم وحيثُ لا يحتسب: {وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ}.
وتحدث -سلام الله عليه- بأن هناك من الناس لا يتفاعل مع الأعمال التي هي ذات أهميّة كُبرى، وأجرها عظيم، ومُضاعف عند الله سبحانه وتعالى، مثل: “الجهاد في سبيل الله” الذي سماه بالتجارة الرابحة التي لا بوار فيها ولا خسارة، الذي خلاله يمكن للإنسان أن يُحقّق الخير الكبير في حياته ومُستقبله الأبدي الدائم، فيكون عندهم تهاون ومسألة اللامُبالاة في ذلك، ولكن نتائجها تكون عليهم خطيرة ورهيبة جِـدًّا، وهذا كما ذكر السيد “نقص من التقوى”.
وأوضح لنا أن الخلل عند الكثير من الناس هو: اتباعهم لأهواء أنفسهم، وتصرفاتهم اتّجاه غريزي، وبناء على هوى النفس، وعلى شهواتها، وهذا السبب الذي قد يُؤثر في مسألة التقوى نفسها.
ويرشدنا -حفظه الله- إلى أن نتلو كتاب الله، ونتدبره، ونتأمله، وأن يكون أكثر تركيزًا على الوعد والوعيد وعلى ما في القرآن من هداية عظيمة لنا، وذكر بأن المبدأ المُهم الذي يجب علينا أن نستحضره في أذهاننا هو مبدأ الجزاء فيما نعمله نُجازى عليه؛ لأَنَّ غفلة الإنسان عن ذلك قد تجعله يستهتر تجاه ما يعمل، أَو لا يتفاعل مع الأعمال ذات الأهميّة، وإن على الإنسان أن يستحضر مبدأ الوعد والوعيد، ويرسخ في نفسه مسألة التقوى، وأنه سيجازى على كُـلّ أعماله إن كانت خيرًا أَو شرًا، وأن الإنسان عندما يتجرأ في أعماله وأفعاله وأقواله وتصرفاته السيئة، فَــإنَّ جرأته تلك سببها غفلته عن ربه، وابتعاده عن إيمانه.
ويُبين لنا -سلام الله عليه- بأن كُـلّ ما يفعله الإنسان هو في رصيده، وهو المُستفيد منه، أما الله فهو غنيٌ عنه وليس بحاجته، وعندما يُحسن سيزيده من فضله وكرمه، وخَاصَّة الأعمال التي يضاعف فيها الثواب والأجر مثل: الإنفاق في سبيل الله الذي يترتب عليه الفضل العظيم عند الله عز وجل، وكيف أُولئك المتقون والمحسنون في ساحة المحشر في فرحٍ دائم وسرور؛ لأَنَّهم يُدركون بأن مصيرهم الجنة هم فيها خالدون.
ويُوضح كيف مصير ممن يكتسبون السيئات في هذه الحياة، ويبتعدون عن تقوى الله وهداه، وتأثروا بوساوس الشيطان، وغرتهم أمانيهم، واتبعوا رغبات وهوى أنفسهم، كيف سيكون مصيرهم في الأخير إلى جهنم وسوء الحساب.
إن علينا كما أكّـد السيد القائد “أن نعي جيِّدًا أهميّة الأعمال، وأهميّة التقوى فيما تعنيه لنا في ما يترتب على أعمالنا في الآخرة، وأن نُرسخ إيماننا بوعده ووعيده، وأن نتأمل ما ورد في القرآن الكريم من الوعيد الإلهي.
إن محاضرة السيّد القائد كلها هُدىً وبصائر، من المهم جِـدًّا الحرص على متابعتها، والاهتمام بها، وعدم التفريط في سماعها، فهي نُورٌ من نورِ القرآن الكريم، تُهدينا، وتُرشدنا، وتُبصرنا، وتُعزز من إيماننا بالله سبحانه وتعالى.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: ة التقوى
إقرأ أيضاً:
أهمية الحفاظ على الآثار التي يعود بعضها إلى العصر الإسلامي
قالت دار الإفتاء المصرية عبر صفحتها الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، إن الحفاظ على الآثار التي يعود بعضها إلى العصر الإسلامي وبعضها إلى حضارات الأمم السابقة، أمر ضروري، ومشاهدتها أمر مشروع ولا يحرِّمه الدين، بل أمر به لما فيه من العبرة من تاريخ الأمم؛ فالآثار من القيم التاريخية والإنسانية التي ينبغي عدم مسها بسوء، وهي إرث إنساني يجب الحفاظ عليه.
الحفاظ على الآثاروأوضحت الإفتاء أن الحفاظ على الآثار يعكس المستوى الحضاري للشعوب، وهي تعتبر من القيم والأشياء التاريخية التي لها أثر في حياة المجتمع؛ لأنها تعبر عن تراثها وتاريخها وماضيها وقيمها، كما أن فيها عبرة بالأقوام السابقة، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هدم آطام المدينة؛ أي حصونها.
الآثار وسيلة لدراسة تاريخ الأمم السابقة التي ملأت جنبات الأرض علمًا وصناعة وعمرانًا، وقد لجئوا إلى تسجيل تاريخهم اجتماعيًّا وسياسيًّا وحربيًّا نقوشًا ورسومًا ونحتًا على الحجارة، وكانت دراسة تاريخ أولئك السابقين والتعرف على ما وصلوا إليه من علوم وفنون أمرًا يدفع الإنسانية إلى المزيد من التقدم العلمي والحضاري النافع.
القرآن الكريم حث على دراسة تاريخ الأمم
وأوضحت أن القرآن الكريم حثَّ على دراسة تاريخ الأمم، السالفة، والنظر في آثارهم، ولذلك كان حتمًا الحفاظ على تلك الآثار والاحتفاظ بها سجلًّا وتاريخًا دراسيًّا؛ لأن دراسة التاريخ والاعتبار بالسابقين وحوادثهم للأخذ منها بما يوافق قواعد الإسلام والابتعاد عما ينهى عنه من مأمورات الإسلام الصريحة الواردة في القرآن الكريم في آيات كثيرة؛ منها قوله تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ [الحج: 46]
وقال الله تعالى: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [العنكبوت: 20].
دراسة تاريخ وآثار الأمم السابقة
قال الإمام القشيري في "لطائف الإشارات" (3/ 93، ط. الهيئة المصرية العامة للكتاب) في معرض تفسير هذه الآية مستدلًّا على تكرير الأحوال: [كلُّ نهرٍ فيه ماءٌ قد جرى... فإليه الماءُ يومًا سيعود] اهـ.
وقال الإمام ابن عجيبة في "البحر المديد" (4/ 294، ط. الدكتور حسن عباس زكي): [فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ على كثرتهم، واختلاف أحوالهم وألسنتهم وألوانهم وطبائعهم، وتفاوت هيئاتهم، لتعرفوا عجائب قدرة الله بالمشاهدة، ويقوى إيمانُكم بالبعث] اهـ.
تاريخ الأمم السابقة
كما جعل الله التعارف سمةً إنسانية، والاختلاف سنةً كونية، قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾ [الحجرات: 13].
قال العلامة الشيخ محمد الطاهر بن عاشور في "التحرير والتنوير" (26/ 259-260، ط. الدار التونسية): [جعلت علة جعل الله إياه شعوبًا وقبائل، وحكمته من هذا الجعل: أن يتعارف الناس، أي يعرف بعضهم بعضًا. والتعارف يحصل طبقةً بعد طبقةٍ متدرجًا إلى الأعلى... وهكذا حتى يعمَّ أمَّة أو يعم النَّاس كلهم، وما انتشرت الحضارات المماثلة بين البشر إلا بهذا الناموس الحكيم] اهـ.
حكم دراسة تاريخ وآثار الأمم السابقة
الآثار: جمع أثرٍ وهو بقيَّة الشيءِ، والآثار: الأعلام، كما قال ابن منظور في "لسان العرب" (4/ 5، ط. دار صادر).
والواقع يشهد أن ما تركته الأمم السابقة يمثِّل للبشرية الحاضرة سجلاتٍ تاريخيَّة هائلةً شاهدةً على تاريخ الإنسان، وإعماره الأرضَ، وما توصلت إليه تلك الأمم من علومٍ ومعارفَ ورقيٍّ إنسانيٍّ، كالمصريين القدماء، والفرس، والرومان وغير أولئك، وهؤلاء ممن ملؤوا جنبات الأرض صناعةً وعمرانًا؛ فإنهم جعلوا تلك الآثار وسائل تسجيل أيامهم، وأهم أحداثهم الاجتماعية والسياسية، وأهم المعارف والمعتقدات عندهم، وهو ما لا يخلو مِن فائدةٍ تعود على الإنسان المعاصر، فبذلك يحسن تصوُّرُه وعلمه بما وقع في سالف الأزمان، بما يزيد إيمانه ويشرح صدره، ويرسخ قدمه في العلم والحكمة والإعمار.
تاربخ الأمم
كما إن القرآن الكريم والسُّنة النبوية المشرَّفة قد لَفَتَا الأنظارَ في كثير من نصوصهما إلى ضرورة السير في الأرض وتتبع آثار الأمم السابقة للتعلم منها وأخذ العظة والاعتبار، ومن ثمَّ فإنه لا مانع شرعًا من دراسة الشاب المذكور تاريخَ الأمم السابقة وآثارَهم، ويكون مثابًا على دراسته تلك؛ فإن هذا النوع من الدراسة يُعد الوسيلةَ العلميةَ الصحيحةَ لحفظِ تاريخ الحضارات البشرية، والنظرِ في مصائرها لأخذ العبرة والاتعاظ، والاستفادةِ من تجاربها، ومعرفةِ السنن الإلهية في الكون، مما يدفع بالإنسانية إلى مزيد من الوعي، ويضمن لها التقدم العلمي والحضاري المستنير.
وقد ورد عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قولُه: «الحِكْمَةُ ضَالَّةُ المُؤْمِنِ، فَحَيْثُ وَجَدَهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا» أخرجه الإمامان: ابن ماجه، والترمذي. ومن الحكمة: الاستفادة من تجارب وخبرات الآخرين، حتى ولو كانوا من الأمم السابقة، فالمؤمن قاصدٌ للعلم والحكمة "يلتقطها حيث وجدها ويغتنمها حيث ظفر بها"، كما قال الإمام المُناوي في "فيض القدير" (2/ 545، ط. المكتبة التجارية الكبرى).