«العازي».. فنٌ أصيل يرمز للشجاعة والإقدام
تاريخ النشر: 4th, March 2025 GMT
تامر عبد الحميد (أبوظبي)
أخبار ذات صلةتشكّل فنون الأداء التقليدية جزءاً من ثقافة وتاريخ دولة الإمارات، وتستعرض الفرق الشعبية في المهرجانات الثقافية والتراثية والفنية، هذه الفنون التي تتنوع بين الفلكلور والأهازيج والموروثات القديمة التي تتمثل في الأداء الشعبي الرصين، والتي تضيء للآخر جزءاً من ملامح الثقافة الإماراتية، بهدف الحفاظ على موروث الأجداد ونقله إلى الأجيال الجديدة.
يُعتبر فن «العازي» من فنون الأداء الشفهية الأصيلة والذي أُدرج ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية في منظمة «اليونسكو» عام 2017، والذي يتم تقديمه بصفة مستمرة في المحافل الوطنية والمهرجانات الثقافية والمناسبات الخاصة.
قصائد هادفة
وعن هذا الفن يقول مبارك العتيبة، عضو في جميعة أبوظبي للفنون الشعبية: «العازي» فن عريق ومتوارث جيلاً بعد جيل، وتشير التسمية إلى أنه يعبر عن العزة والاعتزاز بالنفس والعزوة والتكاتف، ويطلق على القصيدة المؤداة بهذا الفن مصطلح «العزاوة»، أما الشاعر الذي يؤدي هذا الفن فيسمى «العازي» وهو من يقوم بترديد كلمات شعرية وفق نمط هذا الفن ووحي المناسبة، وتكون كلمات القصائد هادفة ومنتقاة وغالباً ما تكون لتأكيد تلاحم المجتمع.
وتابع: يؤدى فن «العازي» عن طريق الشخص الرئيس وهو الشاعر، حيث يتولى توجيه المؤدين وتنسيق إيقاع حركاتهم، ويشارك في «العازي» مجموعة تتراوح بين 40 و60 شخصاً، يشكلون صفوفاً متناسقة ومتراصة مرددين الكلمات الحماسية بصوت واحد خلف الشاعر، والتي تدعو إلى الوحدة والتكاتف، والبطولة، والاعتزاز، والفخر.
تكاتف وتضامن
ولفت العتيبة إلى أن أصل هذا الفن يعود إلى الاحتفالات بالنصر، حيث كان يُلقى في ساحة المعركة، ثم توارثته الأجيال عبر مئات السنين، ويتكون شعر العازي من أبياتٍ مقفّاة على غرار الشعر العربي التقليدي، مع اقتباس الأقوال المأثورة، والأمثال في بعض الأحيان، ويتميز شعر العازي بالصوت الجهوري القوي للشاعر الذي يصدح بأبيات الشعر ويرددها جواباً فريق المنشدين الذين يحملون بنادق رمزية متكاتفين في صفوف خلف الشاعر الذي يحمل بدوره سيفاً، وتنقل طريقة إلقاء شعر العازي بأسلوب النداء من الشاعر والجواب من المنشدين شعوراً عاماً بالتكاتف والتضامن، بينما تؤكد الأسلحة الرمزية التي يحملونها على معاني الشجاعة.
آلة الكاسر
وأشاد العتيبة بجهود دولة الإمارات في الحفاظ على هذا التراث، وإعادة إحياء فنون الأداء التقليدية في مختلف المحافل والمهرجانات والمناسبات، وقال: استعراض أداء فن «العازي» من الوسائل المهمة لنقل التقاليد والمعارف والثقافة التقليدية الإماراتية في فن التأقلم مع البيئة والطبيعة المحيطة من جيل إلى آخر.
وأضاف: بين الأهازيج التراثية، وإيقاعات الفنون التقليدية، بمصاحبة آلات موسيقية متنوعة، تعمل الفرقة على تأدية «العازي» رفقة آلة الكاسر التي تُعتبر أهم إيقاع في هذه اللوحة الفنية.
تعزيز القيم
أوضح مبارك العتيبة، أنه على الرغم من أن «العازي» من فنون الأداء التي عرفها مجتمع الإمارات قديماً، إلا أنه يشهد إقبالاً متزايداً من الأفراد وفرق الفنون الشعبية لإحيائه من خلال تنظيم قصائد جديدة، بحيث تتناول أغراضاً جديدة كالاعتزاز بالوطن وقيادته الرشيدة، وما تحقق من إنجازات في مختلف المجالات، إضافة إلى تعزيز القيم التي عرفها المجتمع والحرص على تكريسها، ومنها المروءة والشجاعة والكرم والتضحية، ما يجعل «العازي» فناً متجدداً وقابلاً للاستمرار والتطور.
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: اليونسكو التراث التراث الإماراتي التراث الثقافي الإمارات فنون الأداء هذا الفن
إقرأ أيضاً:
أحمد المعشني .. التطواف حيث يكون للشعر معنى مختلف
من ربى محافظة ظفار يطل شاعر مختلف، شاعر يهب الكلمة معناها، ويبحث عن الدائرة الكبرى من خلال دائرته الذاتية، يحاول أن يبحث عن المغاير، ويخترق غلالات الشعر الشفيفة، ليأتي بالجديد، ويزرع أحرف الضياء ليرى الظلمة الحالكة في غابة من الشعراء الذين اكتظت بهم غابة القصيدة، إنه الشاعر أحمد بن محمد المعشني الذي يعتبر إحدى التجارب الشعرية الحديثة المهمة في محافظة ظفار، بل في سلطنة عمان بشكل عام، بما يمتلكه من طاقة إبداعية كامنة في شعره، ومن تجربة حياتية حية استطاع أن يوظفها بشكل ذكي في نصوصه، وهو ما تلمسه في ديوانه الجديد «مزهرية شعور»، الذي صدر مؤخرا.
تتنوع أوزان قصائد، وتتعدد بحوره، وتتنوع قوافيه، وتختلف موضوعاته وأفكاره، وتتمايز أشكاله، فمن عمودي، إلى تفعيلة، ومن موضوعات وطنية، إلى ذاتية، إلى همٍ إنساني، إلى غزل راقٍ، إلى نصوص وجدانية، وتأملات اجتماعية، وهو بين كل ذلك لا يستسهل اللغة، ولا يهبط بمستوى القصيدة، ولا يستخدم لغة المباشرة إلا في أوقات قد يحتاجها النص، كما أنه لا يميل إلى الحشو، ويصل إلى هدفه بأقل الأبيات، ويكثف لغته، ويختزل فكرته في معظم الأحيان، وكل ذلك دليل إلى مقدرة عالية في التوظيف الفني للنص، كما هو إشارة إلى ثقافة متأصلة في وجدان الشاعر بأن الشعر لا يُحمّل أكثر مما يحتمل.
وفي أغراضه الشعرية الذاتية، تكون «القصيدة» هي محور الكتابة، والوصف، وهي فكرة محورية في كثير من نصوصه التي يغازل فيها القصيدة، ويتماهى معها، ويسير معها حيث تريد دون أن يسأل، يقول في قصيدة «عذاباتي»:
وأنا والله ما أكتب سوى اللي مرويا عني
من آلام السنين وجرحها وسْوالف الخلان
وهذا اعتراف مباشر بأن كتاباته هي من صميم الواقع الذي يعيشه، ومن تجربته الذاتية، وليس من وحي خيال عابر، وهو لذلك يجد في الحياة متسعا للكلام، والشعر الذي يغنيه عن اختلاق المواقف، والمشاهد.
وفي نص آخر يقول:
بعض من الناس تبحث لك عن المُحزن
ما ودها تشوف في عينك فرح باهي
وهو يكشف هنا عن أنانية بعض الناس، ولا يعمم، ويستخدم كلمة «بعض» للإشارة إلى أن هناك «فئة» لا تود أن ترى في عينيك فرحة أبدا، وكأن ذلك قد يؤذيها نفسيا، وهذا ما يجعل تلك الفئة منبوذة، وغير ودودة، ويحذّر من سلبيتها، كما أنه يستخدم قافية ليست سهلة في عجز البيت وهي «الألف، والهاء، والياء» ويسير عليها بسلاسة لاعب سيرك متمكن من نفسه.
وكثيرا ما يفتخر الشاعر بنفسه، ويتباهى بشعره، وتمكنه من ناصية الكتابة، ويلخص علاقته بالشعر في قصيدة «عقلين»:
الشعر يكتبني، ولا ني كاتبه
لا مكتسب منه، ولا عاشق ظهور
فهو في نظر نفسه شاعر مسكون بالشعر، يمتزج معه، ويتعايش مع جنونه، ورغم ذلك فهو غير باحث عن الشهرة، ولا المال، يتماهى معه حد الهذيان، ويسافر في خيالاته إلى عوالمه البعيدة، دون أن يفقده ذلك تقديره، واحترامه لذاته.
وفي قصيدة «تعال»، يظهر الشاعر غربته مع ذاته، إنه يحاول الانفجار، ويبحث عمن يسمع معاناته، ويفهم حالاته، ويرى ذلك في الأنثى التي تشاركه همه، حين يقول:
كثير من الكلام اللي إذا وصلك تهيّا لي
أريد أحكي من أعماقي، وأريدك جد تسمعني
وفي قصيدة «بعض الأمثلة»، يبدي الشاعر وجهة نظره في معاني بعض الأمثال الدارجة، وهو في ذلك يأتي بأمثلة مباشرة، ويطرح رأيه في المقابل، وهذه قدرة ذهنية غير عادية، وفي المقابل يبدي اعتراضه على هذه الفوضى العارمة التي تملأ عالم الشعر والفن، وينقدها بعبارات ترفض ما يدور، يقول المعشني:
«أبعد وللشر غنّي» مقولة تنطرح
بس كيف أغني لشر المفترض أمنعه
«الراي والراي الآخر» يقول إنه سمح
تشتم وتجرح وتذبح وعقولنا تسمعه
كما لا ينسى الشاعر البيئة التي تمده بكل هذه الطاقة، ولا ينسى تلك الطبيعة الغناء التي تسحر العين، وتسبي العقل، وتهيض قريحة الشاعر، يقول في قصيدة «جبجات»:
أنا،
الليل مد الجناح،
ورفّت أهدابه،
غطى الروابي،
وأنا أشعلت قنديلي
«جبجات» تشعل مدائن ضوء شبّابة،
وتشكّل الشوق من مجمل تفاصيلي.
ورغم أن القصيدة عمودية، إلا أنه يميل إلى كتابتها على شكل تفعيلات، شأنها شأن قصائد التفعيلة، ولا أدري السبب في ذلك.
كما لا ينسى الشاعر أهله، وجماعته، وعزوته، ويتحدث عن سكان جبال ظفار، وهو أحدهم، بكثير من الفخر، يقول في نص «أهل الجبل»:
نبحث ونقرأ في الكرم والشهامة
وأهل الجبل بالذات أفهم، وأدرى
ما أقولها تقصير في أهل الكرامة
لكن يشوف الحال من كان يقرا
ولأن الشاعر وليد الألم، والتجربة الحية، فهو يشير إلى نفسه، ويتحدث عن يتمه، حيث فقد والده صغيرا، وكان لذلك تأثير على حياته، وشرارة أشعلت في داخله نار التحدي، والمعاناة التي صقلت تجربة حياته، يقول في قصيدة «رحلتي»:
يوم اكتشفت أني يتيم وجيت حاضن طفلتي
من يومها، وأنا العنيد المرتقي فوق الألم
من يومها شفت البشر وعرفت واقع قصتي
شديت ركب القافلة وآمنت بإحساس الألم
وللأنثى دور مؤثر في نصوص الشاعر، فهي ذات متشظية تشترك في كل تفاصيل القصائد، فهي وطن أحيانا، وحبيبة أحيانا، وقصيدة أحيانا، وشيء لا يخطر على البال أحيانا، ولذلك تبقى الأنثى محركا دائما، لكل نص في القصيدة، ولكن بأشكال مختلفة، يقول في نص «جنحان أشواقي»:
أحبك كثر ما تنسى حقوق أحلام شرعية
وأحبك كثر ما تقفي وأنا كلي ينادي لك
أحبك كثر ما تغفر ذنوبك روحي الجية
كثر ما أشعل ضلعي، وأسميها قناديلك
ولا ينسى الشاعر وطنه، فهو يعايش لحظاته، وحكاياته، ومتغيراته، ويعشقه حد السماء، فالوطن هو الحاضن الأكبر لكل ما فيه، ومن فيه، ويتضح ذلك في نص يحمل عنوان «تعلمنا»:
تصدق يا وطن وأحلامنا شرفة
نغني لك وتسرقنا ترانيمك
صباحك خير بالموعد ويا الصدفة
و«صح النوم».. سمّعنا تقاسيمك
وفي نص آخر بعنوان «هيثم السعد» يهديه لمقام جلالة السلطان هيثم بن طارق حفظه الله، ويبدو أنه كتبه في نهاية موسم «الصرب» وهو موسم ما بعد الخريف الذي تشتهر به صلالة، حيث كان موكب جلالته يتواجد بين أبنائه بمحافظة ظفار، يقول أحمد المعشني:
«الصرب» غير وطلتك سيدي غير
ظلك سما، وشعور ذاتك كواكب
ترسم جبين المجد وتلون الخير
وتقود موج البحر قبل المراكب
إن كل ما مضى هو تطواف سريع، ونماذج مقتضبة من نصوص مختلفة الموضوعات، والأفكار يكتنز بها هذا الديوان الذي يمثل تجربة حية، ونابضة، وحقيقية، يوثقها الشاعر أحمد بن محمد المعشني، ويحاول أن يتنفس من خلالها شعرا، وينفجر غضبا أحيانا، ويبدو في حالته الإنسانية الأسمى في حالات أخرى، وهي تشي بشاعر متمكن، وقادر على العطاء، والأخذ بزمام القصيدة، وقيادة دفتها دون يفقدها ذلك زخمها، وتفجرها، ونضجها الواضح.
يظل الشاعر أحمد المعشني واحدا من اهم شعراء جيله، وواحدا من الشعراء القلائل في محافظة ظفار العمانية الذين كسروا طوق الرتابة، والصياغة التقليدية في بيئة محافظة إلى أبعد الحدود على مضامين، ومسارات القصيدة الكلاسيكية، وهذا أحد عناصر إبداع هذا الشاعر المغامر، وتجلياته التي يُظهرها في تجربته في ديوانه «مزهرية شعور».