في مجتمعاتنا، نواجه أنماطًا مختلفة من الشخصيات، بعضها يتسم بالتبعية المفرطة، والبعض الآخر يعتمد على استغلال جهود الآخرين لتحقيق مصالحه. وعلى الرغم من التشابه الظاهري بين الشخصية الإمِّعة والشخصية الطفيليّة، إلا أن هناك فروقًا جوهرية بينهما، تتعلق بالدوافع النفسية، والأساليب السلوكية، والتأثير على المحيطين بهما.


الشخصية الإمِّعة: ضعف الإرادة وغياب الاستقلالية
الشخص الإمِّعة هو ذلك الذي يفتقر إلى الرأي المستقل، ويتبع الآخرين دون تفكير أو تحليل. فهو يختار أن يكون في الظل، متجنبًا المواجهة واتخاذ القرار. وغالبًا ما تعود هذه السمة إلى ضعف الثقة بالنفس، أو التربية القمعية، أو الرغبة المفرطة في القبول الاجتماعي.
وقد ورد في الحديث النبوي:
“لا تكونوا إمَّعة، تقولون: إن أحسن الناس أحسنّا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطِّنوا أنفسكم، إن أحسن الناس أن تُحسنوا، وإن أساؤوا فلا تظلموا.” (رواه الترمذي).
وهذا تأكيد على أهمية بناء الشخصية المستقلة، التي تميز بين الصواب والخطأ، ولا تنساق وراء الجماعة لمجرد الرغبة في الانتماء.
الشخصية الطفيليّة: الذكاء الانتهازي واستغلال الآخرين:
أما الشخص الطفيلي، فهو لا يكتفي بالتبعية، بل يسعى لاستغلال جهود الآخرين لمصلحته الخاصة دون أن يبذل أي جهد حقيقي. هذه الشخصية تتميز بالانتهازية، حيث تعتمد على الآخرين لتحقيق أهدافها، سواء في الحياة الاجتماعية أو المهنية. وقد يبدو الطفيلي أكثر ذكاءً من الإمِّعة، لكنه يوظف هذا الذكاء لخدمة مصالحه فقط، دون اعتبار لقيم النزاهة أو الجهد الذاتي.
الجذور النفسية والاجتماعية للشخصيتين:
لكل من الإمِّعة والطفيلي أسباب نفسية واجتماعية تشكل سلوكياتهما:
• الشخصية الإمِّعة: غالبًا ما تنشأ نتيجة ضعف الثقة بالنفس، الذي قد يكون ناتجًا عن تربية صارمة أو بيئة متساهلة جدًا. كما أن الخوف من العزلة أو النقد قد يدفع الفرد إلى التبعية كوسيلة لتجنب المسؤولية.
• الشخصية الطفيليّة: تتشكل في بيئات تشجع الاتكالية أو تفتقر إلى القدوات الإيجابية، حيث يتعلم الفرد أن بإمكانه تحقيق المكاسب دون بذل جهد، خاصة إذا وجد من يسمح له بذلك أو لم يواجه أي عواقب لسلوكه.
أمثلة واقعية على الشخصيتين:
1. الشخصية الإمِّعة:
• في بيئة العمل، قد نجد موظفًا يوافق دائمًا على آراء مديره أو زملائه دون إبداء رأي مستقل، حتى لو كان مقتنعًا بخلاف ذلك.
• في الحياة الاجتماعية، قد يكون هناك شخص يتبع أصدقاءه في جميع قراراتهم، خوفًا من فقدان القبول بينهم.
2. الشخصية الطفيليّة:
• في الفريق الدراسي، قد يكون هناك طالب لا يشارك في العمل الجماعي، لكنه يظهر في النهاية ليطالب بنصيبه من التقدير والدرجات.
•في الحياة المهنية، قد نجد موظفًا يتسلق السلم الوظيفي عبر استغلال جهود زملائه أو الاحتيال على الأنظمة.
خاتمة: نحو شخصية مستقلة ومسؤولة:
في ختام هذا التحليل، يتضح أن الشخصية الإمِّعة والطفيليّة ليست مجرد سلوكيات فردية عابرة، بل هي انعكاس لعوامل نفسية واجتماعية وثقافية متشابكة. فالإمِّعة يُفرّط في حقه في التفكير واتخاذ القرار، بينما الطفيلي يعتاش على جهود الآخرين دون وازع أخلاقي، وكلاهما يشكلان عبئًا على أنفسهما ومجتمعاتهما.
لكن الوعي بهذه السمات هو الخطوة الأولى نحو التغيير. حين يدرك الفرد أثر تبعيته أو انتهازيته، يستطيع أن يسعى نحو التحرر من قيودها عبر تعزيز ثقته بنفسه، وتطوير حسّه النقدي، وتحمل مسؤولياته تجاه نفسه والآخرين. كما أن للمجتمع دورًا في غرس القيم التي تشجع على الاستقلالية والإنتاجية، بدلًا من تكريس ثقافة الاتكالية أو التبعية العمياء.
وفي النهاية، في عالمٍ يزداد تعقيدًا، نحتاج إلى أفرادٍ يمتلكون الوعي والشجاعة ليكونوا فاعلين لا مفعولًا بهم، ومبادرين لا متطفلين. فالمجتمع القوي لا يُبنى على ظلالٍ تتبع أو طفيلياتٍ تستغل، بل على أفرادٍ ينهضون بأنفسهم، ويتشاركون في بناء واقع أكثر عدلًا وكرامة للجميع.

عثمان يوسف خليل
المملكة المتحدة

[email protected]  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الشخصیة الإم

إقرأ أيضاً:

معلومات مصرفية وسجلات طبية... دراسة تكشف كيف تتسلل متصفحات الذكاء الاصطناعي إلى بياناتك الشخصية

كشفت دراسة حديثة أجراها باحثون من المملكة المتحدة وإيطاليا، أن المساعدين المدمجين في متصفحات الإنترنت والمدعومين بالذكاء الاصطناعي قادرون على جمع بيانات شخصية شديدة الحساسية، تشمل معلومات مصرفية، وسجلات أكاديمية، وبيانات صحية، بل وحتى أرقام الضمان الاجتماعي، من مواقع يفترض أن تكون خاصة. اعلان

وبحسب الدراسة، التي اختبرت 10 من أشهر هذه المساعدات، من بينها ChatGPT التابع لشركة OpenAI، وCopilot من مايكروسوفت، وامتداد Merlin AI لمتصفح غوغل كروم، فقد جرى التقييم في سياقات متعددة، شملت التسوق عبر الإنترنت واستخدام منصات خاصة مثل بوابات الصحة الجامعية.

Related لا تسخر... قد تقع في حب ذكاء اصطناعي دون أن تدري!مايكروسوفت تكشف عن نظام ذكاء اصطناعي "يتفوق على الأطباء" في تشخيص الحالات المعقدةخبير ذكاء اصطناعي يحذر: إيّاك أن تخبر "تشات جي بي تي" بأسرارك نتائج صادمة

أظهرت الاختبارات أن جميع المساعدات، باستثناء Perplexity AI، قامت بجمع بيانات المستخدمين واستخدامها إما لتوصيفهم أو لتخصيص الخدمات المقدمة لهم، وهو ما قد يشكل انتهاكاً لقوانين حماية الخصوصية.

وقالت آنا ماريا ماندالاري، الأستاذة المساعدة في كلية لندن الجامعية وكبيرة مؤلفي الدراسة، في بيان صحفي: "هذه المساعدات تمتلك وصولاً غير مسبوق إلى سلوك المستخدمين عبر الإنترنت، بما في ذلك مجالات يجب أن تبقى خاصة. ورغم أنها توفر الراحة، إلا أن نتائجنا تشير إلى أن ذلك غالباً ما يأتي على حساب خصوصية المستخدم، وأحياناً في انتهاك لتشريعات الخصوصية أو حتى لشروط خدمة الشركات نفسها".

تتبع شامل حتى في المواقع الخاصة

خلال التجارب، قام الباحثون بمراقبة حركة البيانات بين هذه المتصفحات وخوادمها، فاكتشفوا أن بعض المساعدات – مثل Merlin وSider – لم تتوقف عن تسجيل النشاط حتى عند الدخول إلى مواقع خاصة.

وفي حالة Merlin، تم رصد نقل كامل لمحتوى الصفحات، بما في ذلك بيانات مصرفية، وسجلات أكاديمية وصحية، وحتى أرقام ضمان اجتماعي أدخلها المستخدمون في موقع ضريبي أمريكي. أما Sider وTinaMind، فقد أرسلا بيانات تعريفية مثل عنوان IP إلى خدمات مثل Google Analytics، ما أتاح إمكانية تتبع المستخدمين عبر المواقع واستهدافهم بالإعلانات.

كما أظهرت الدراسة أن متصفحات مثل Google وCopilot وMonica وSider، استخدمت ChatGPT لاستنتاج العمر والجنس والدخل والاهتمامات للمستخدمين، وتخصيص الردود بناءً على ذلك. وفي حالة Copilot، تم تخزين سجل الدردشة الكامل في خلفية المتصفح، واستمر الاحتفاظ به عبر جلسات التصفح.

وفي هذا السياق قالت ماندالاري إن النتائج تُظهر أنه "لا توجد طريقة لمعرفة ما يحدث لبيانات التصفح الخاصة بك بمجرد جمعها".

إشكالات قانونية محتملة

ورجّحت الدراسة أن هذه الممارسات تنتهك القوانين الأمريكية المتعلقة بالمعلومات الصحية، إضافة إلى اللائحة العامة لحماية البيانات الأوروبية (GDPR) التي تفرض قيوداً صارمة على جمع البيانات الشخصية واستخدامها.

سياسات الخصوصية تحت المجهر

بحسب سياسة الخصوصية في الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة الخاصة بـ Merlin، تجمع الشركة بيانات تشمل الأسماء، ومعلومات الاتصال، وبيانات الحسابات، وسجل المعاملات، ومعلومات الدفع، إلى جانب البيانات التي يضعها المستخدم في الطلبات أو الاستبيانات، لاستخدامها في تخصيص التجربة وإرسال الإشعارات والدعم الفني، أو تلبية المتطلبات القانونية.

أما سياسة خصوصية Sider، فتنص على جمع البيانات ذاتها، مع إمكانية تحليلها لاكتساب رؤى حول سلوك المستخدم أو تطوير منتجات وخدمات جديدة، مؤكدة أنها لا تبيع البيانات، ولكنها تشاركها مع مزودين مثل غوغل وCloudflare ومايكروسوفت، المُلزمين – حسب الشركة – بحماية هذه المعلومات.

في المقابل، توضح OpenAI في سياسة الخصوصية الخاصة بـ ChatGPT أن بيانات المستخدمين في الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة تُخزن على خوادم خارج المنطقة، لكنها تخضع – بحسب الشركة – لنفس معايير الحماية.

انتقل إلى اختصارات الوصول شارك هذا المقال محادثة

مقالات مشابهة

  • مليشيا الحوثي تحظر استخدام البطاقة الشخصية الذكية في مناطق سيطرتها
  • تعلن الشعبة الشخصية بمحكمة استئناف الحديدة أن على المستأنف ضدهن بنات صالح عيدروس الحضور إلى المحكمة
  • التربية تدعو مرشحين لوظيفة معلم لحضور المقابلات الشخصية – رابط
  • معلومات مصرفية وسجلات طبية... دراسة تكشف كيف تتسلل متصفحات الذكاء الاصطناعي إلى بياناتك الشخصية
  • أحمد فؤاد سليم يكشف تفاصيل وأسرار حياته الشخصية في حلقة مع منى الشاذلي
  • متخصص يوضح كيفية منع الآخرين من إضافتك عبر جهات الاتصال..فيديو
  • محمود كهربا: اللهم ارزقنا قوة تحفظنا من الضعف
  • الرئيس السيسي: مصر ضد التدخل في شئون الآخرين وتسعى للبناء والتعمير والتنمية
  • خطر يهدد سلامتك وسلامة الآخرين.. «المرور» يحذر من الانشغال عن الطريق أثناء القيادة
  • تعرف إلى حالات الفرقة بين الزوجين بقانون الأحوال الشخصية الجديد في الإمارات