الجزيرة:
2025-08-03@05:13:25 GMT

هل يعود حزب الله من رماد البيجر؟

تاريخ النشر: 4th, March 2025 GMT

هل يعود حزب الله من رماد البيجر؟

"حزب الله قد تراجع، لكنه لم يُهزم بالكامل". هذا ما قاله عساف أوريون، رئيس قسم التخطيط الإستراتيجي سابقا في الجيش الإسرائيلي، وهي مقولة تعكس تقييم عساف أوريون لواقع حزب الله، وتعكس جانبا من النظرة الإسرائيلية للنتيجة التي انتهت إليها الحرب الأخيرة على لبنان، التي ما زالت تداعياتها تتفاعل سياسيا ومجتمعيا وأمنيا رغم انسحاب جيش الاحتلال من الجنوب اللبناني باستثناء خمسة مواقع حاكمة احتفظ بها بعمق يتراوح من 300 متر في تلة اللبونة وصولا إلى عمق كيلومترين اثنين في تلة العزية.

بين الحين والآخر، تشن الطائرات الإسرائيلية غارات تستهدف كوادر ومخازن حزب الله جنوب نهر الليطاني وصولا إلى الهرمل، بينما اكتمل هيكل الدولة في لبنان بانتخاب مجلس النواب قائد الجيش الجنرال جوزيف عون رئيسا للبلاد، مع تشديده على أن قرار السلم والحرب بيد الدولة فقط، وتعيين القاضي نواف سلام رئيسا جديدا للحكومة التي خلت من الثلث الوزاري المعطل لحزب الله وحلفائه، كما أصدرت الحكومة للمرة الأولى منذ قرابة عقدين بيانا وزاريا يخلو من الإشارة إلى ثلاثية "الجيش والشعب والمقاومة" التي تشرعن سلاح حزب الله، ولتؤكد بدلا من ذلك حق الدولة في احتكار حمل السلاح.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2الرابحون والخاسرون في لبنان بعد سقوط الأسدlist 2 of 2ما هي بدائل خليفة حفتر بعد سقوط بشار الأسد؟end of list إعلان

تتزامن تلك التطورات مع تغيرات دولية وإقليمية تلقي بظلالها على حزب الله، فالرئيس الأميركي دونالد ترامب عاد للبيت الأبيض مجددا، ووقع في 4 فبراير/شباط 2025 قرارا تنفيذيا يعيد فرض سياسات "الضغط القصوى" على إيران، وهو ما يشمل تقييد مبيعات النفط الإيراني إلى الدول الأخرى، وقد أوضح وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت أن الهدف هو تخفيض صادرات النفط الإيراني بنسبة 90% لتصل إلى 100 ألف برميل يوميا فقط، مما يحرم طهران من عائدات في غاية الأهمية لها.

قائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون الذي تم انتخابه رئيسا للبنان (وكالة الأناضول)

وسرعان ما ظهرت تداعيات قرار ترامب على العملة الإيرانية، التي وصلت إلى 94 ألف تومان إيراني للدولار الواحد مقابل 55 ألف تومان في الوقت ذاته من العام الماضي، وهو ما يعني تضرر قدرات إيران على توفير الدعم المالي لشبكة حلفائها، وفي مقدمتهم حزب الله، سواء لإعادة إعمار المنازل المدمرة في الجنوب والضاحية، أو لإعادة تسليح الحزب.

وفي شرق لبنان، جاء سقوط نظام الأسد ليضيف تحديا جوهريا إلى جملة التحديات التي يواجهها حزب الله، فسقوطه يعني فقدان خط الإمدادات البري القادم من إيران عبر العراق، فضلا عن تداعيات تغير نظام الحكم في دمشق على ديناميكيات السياسة داخل لبنان، الذي يتأثر بهوية وسياسات مَن يحكم سوريا.

إن محصلة العوامل المذكورة تجعل السؤال عن مستقبل حزب الله ذا أهمية، فالحزب لم يفقد أمينه العام الأبرز حسن نصر الله فقط، ولا فقد الآلاف من قادته وكوادره في الحرب مع الاحتلال، إنما يُبحر في بيئة محلية وإقليمية ودولية غير مواتية، مما يضيف تحديات أخرى إلى تحدياته، ويثقل كاهل القيادة الجديدة للحزب، إذ تجد نفسها في مواجهة أخطار جمة يعضد بعضها بعضا، وتجعل الإبحار عبر أمواجها عرضة لتهديدات وجودية.

إعلان تحدي البيئة الداخلية

إن التطرق لتحدي البيئة الداخلية للحزب له أولوية في ظل حالة الصدمة التي تعيشها حاضنته مما حدث خلال الحرب. فالصدمة لم تكن نتاج حدث واحد، بل سلسلة من الأحداث كلٌّ منها يشبه الزلزال. بداية من تفجيرات أجهزة البيجر واللاسلكي التي طالت عدة آلاف من كوادر وعناصر الحزب، مما كشف نجاح الاحتلال في تحقيق خرق أمني غير مسبوق في تاريخ صراعه مع حزب الله، بما يشمله ذلك من رصد الأفراد والمقرات ومخازن السلاح وحركة الأفراد طوال سنوات، وصولا إلى تصفية أغلب الهيكل القيادي الفاعل للحزب، وبالأخص قادته العسكريين والأمنيين، فضلا عن السيد حسن نصر الله أمين عام الحزب، ثم خلفه في القيادة وقريبه السيد هاشم صفي الدين.

أكثر من مليون شخص شاركوا في مراسم تشييع السيد حسن نصرالله وهاشم صفي الدين (الجزيرة)

إن حسن نصر الله لم يكن قائدا تقليديا لحزب الله، إنما هو شخص استثنائي أسهم في انبعاث المكون الشيعي في لبنان من الرماد، فبعد شعور بالتهميش امتد لزمن طويل، تحول شيعة لبنان إلى مكون فاعل في المشهدين اللبناني والإقليمي، وعاشت حاضنة الحزب مع نصر الله المعركة ضد الاحتلال في جنوب لبنان وصولا إلى الانتصار في عام 2000، ثم الصمود في حرب 2006، وصولا إلى حيازة ثلث معطل في الحكومة، وهي محطات حولت حزب الله إلى كيان يشبه الدولة، وجعلت نصر الله بين أنصاره بطلا أسطوريا غير قابل للهزيمة، ولذا لم يصدق الكثيرون من محبيه أنه قُتل حين أعلن الاحتلال ذلك قبل صدور بيان الحزب الرسمي، وشعروا باليتم بفقده قبل أن تبرز بينهم مقولة: "يكفي أننا عشنا في زمن السيد، وسنحكي عنه لأحفادنا".

إن اغتيال نصر الله تلاه وسبقه اغتيال نخبة قادة الحزب، مثل الأمين العام التالي هاشم صفي الدين، والشيخ نبيل قاووق نائب رئيس المجلس التنفيذي ومسؤول وحدة الأمن الوقائي، وعلي كركي قائد جبهة الجنوب، وفؤاد شكر القائد العسكري للحزب، وإبراهيم عقيل قائد عمليات الحزب، وغيرهم الكثير، مما أحدث بطبيعة الحال فراغا قياديا يصعب ملؤه في أشهر قليلة أو سنوات معدودة، فالأمر سيتطلب إعادة بناء للهيكل التنظيمي وفق دروس مستفادة من الحرب الأخيرة، وهو ما يتطلب نوعا جديدا من القادة بعد تنظيف الصفوف من الاختراقات الأمنية، وإدراك مستوى جدية الجانب الإسرائيلي.

إعلان

إن المتابع يلاحظ ظهور أسئلة داخل بيئة الحزب حول أسباب ما حدث في الحرب، وتساؤلات عن مدى إمكانية إعادة الإعمار بعد أن تشردت آلاف الأسر وفقدت منازلها وأعمالها، بجوار حدوث إصابات واسعة تعوق المصابين عن العمل الحياتي فضلا عن المهام التنظيمية، وهي أسئلة تتزامن مع الضغوط الأميركية على إيران، وتحرك الحكومة اللبنانية الجديدة ضد تمويل إيران للحزب عبر تفتيش الطائرات الإيرانية في مطار بيروت للبحث عن حقائب الأموال، مما يعوق قدرة الحزب على تقديم الخدمات الاجتماعية وأنشطة الإعمار التي اعتاد عليها بعد جولات القتال.

التحدي الإسرائيلي

إن اهتزاز إسرائيل على وقع "طوفان الأقصى" جعلها تهيل التراب على نهج "المعركة بين الحروب" الذي اتبعته لتعزيز أمنها، وتبنَّت نهجا جديدا يقوم على منع وجود أي تهديد عسكري في جوارها، واللجوء إلى عمليات هجومية استباقية ضد أي قوة يمكن أن تشكل تهديدا مستقبليا للاحتلال. وبالتالي لم تحترم إسرائيل اتفاق الهدنة في لبنان، فطيرانها يواصل التحليق في أجواء لبنان، ويقصف بين الحين والآخر مخازن وأسلحة للحزب، فضلا عن مواصلة سياسة الاغتيالات لكوادر عسكرية بحجة انخراطهم في أنشطة تهدد الأمن الإسرائيلي.

تستثمر تل أبيب الضوء الأخضر الأميركي والتطورات الدولية والإقليمية لفرض معادلات جديدة في لبنان، فقد أوغلت قبل انسحابها من قرى الجنوب اللبناني في تدمير المنازل والمنشآت والبنية التحتية، مما يجعل إعادة بناء حياة طبيعية قرب خطوط التماس أمرا صعبا، وهو ما يهدف إلى حرمان حزب الله من البيئة السكانية التي يوجد تحت مظلتها في الجنوب.

كذلك احتفظ الاحتلال بخمسة مواقع عسكرية في قطاعات الجنوب الثلاثة، الشرقي والأوسط والغربي، مما يكفل له مراقبة تحركات الحزب وعرقلتها بالتزامن مع إبراز الاحتلال لصورة سيطرة ميدانية ترفع الروح المعنوية لمستوطني الشمال، وتشجعهم على العودة إلى مستوطناتهم التي هجروها هربا من هجمات الحزب وصواريخه.

إعلان

وبجوار ما سبق، يقدم جيش الاحتلال تقارير إلى اللجنة المشكّلة من قوات اليونيفيل والجيش اللبناني تحت إشراف جنرال من القيادة المركزية الأميركية حول مخازن أسلحة حزب الله جنوب نهر الليطاني بهدف مصادرتها وتنفيذ القرار الأممي 1701، مما يضع الحزب بين كماشة الهجمات الإسرائيلية وعمليات المداهمة قد تكون محتملة لمصادرة لأسلحته.

ولم تكتفِ الحكومة الإسرائيلية بذلك، إنما يدعو نتنياهو ووزير دفاعه كاتس إلى نزع سلاح حزب الله بالكامل في لبنان، وتفكيك شبكاته المالية واللوجستية، وعمليا يضغطون لمنع حزب الله من إعادة التزود بالسلاح، فهددوا بحسب الحكومة اللبنانية بقصف مطار بيروت في حال السماح للطائرات المدنية الإيرانية بنقل الأموال إلى حزب الله، كما شن الطيران الإسرائيلي غارات متكررة على المعابر غير الرسمية على الحدود اللبنانية السورية لمنع تهريب السلاح إلى لبنان.

تحدي البيئة اللبنانية

امتعضت أطراف عديدة داخل لبنان من امتلاك حزب الله لثلث معطل داخل الحكومة اللبنانية منذ اتفاق الدوحة عام 2009، وفي مقدمة تلك الأطراف حزب القوات اللبنانية بقيادة سمير جعجع، الذي انتقد طوال سنوات سياسات حزب الله، وامتلاكه للسلاح بمعزل عن الدولة، وانخراطه في ملفات إقليمية تضر بمصالح لبنان بحسب جعجع، وبالتالي وجدت تلك الأطراف فرصة ذهبية لإعادة حزب الله إلى حجمه ما قبل عام 2009.

لقد استفادت الأطراف المناوئة للحزب داخل لبنان من التطورات الإقليمية والدولية، ومن رغبة الأطراف الخارجية المنخرطة في المشهد اللبناني، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، بتحجيم نفوذ حزب الله. وبدأت أولى الخطوات عقب اختيار رئيس جديد للبلاد، باختيار رئيس وزراء على غير هوى حزب الله، وهو ما ندد به الحزب على لسان رئيس كتلته النيابية محمد رعد.

ثم أصدرت الحكومة التي لقَّبت نفسها بحكومة الإنقاذ والإصلاح بيانا وزاريا شدد على التزامها بتنفيذ "قرار مجلس الأمن رقم 1701 كاملا دون اجتزاء ولا انتقاء، وبسط سيادة الدولة على جميع أراضيها بقواها الذاتية حصرا، وواجب الدولة في احتكار حمل السلاح"، وهي بنود موجهة ضد حزب الله وسلاحه، بينما اختفت الفقرة التي تتحدث عن "التّأكيد على حق المواطنات والمواطنين اللبنانيين في المقاومة للاحتلال الإسرائيلي ورد اعتداءاته واسترجاع الأراضي المحتلة"، التي تكررت في البيانات الوزارية السابقة لحكومة نواف سلام.

إعلان

في المقابل، يسعى حزب الله للتهدئة داخليا، والاستفادة من تمثيله البرلماني للتعبير عن مواقفه بلغة سياسية تبرز مواقفه دون استفزاز الجهات الأخرى، كما يشدد على دور الدولة اللبنانية في إعادة إعمار الجنوب وإجبار جيش الاحتلال على الانسحاب الكامل من جنوب لبنان، ويلجأ إلى التحركات الشعبية لتنفيذ أهدافه، كما حدث عند عودة العديد من أهالي الجنوب إلى قُراهم ضمن حشود كبيرة عند انتهاء مهلة الانسحاب رغم قتل جيش الاحتلال للعشرات منهم، فيما يترقب الحزب طبيعة التعيينات في مناصب رئيسية بالدولة، بعضها مخصص للمكون الشيعي مثل مدير الأمن العام ووزير المالية، ويحرص على تجنب الاصطدام بالجيش اللبناني باعتبار ذلك سيمثل نجاحا لتل أبيب في تحويل صراعها مع الحزب إلى صراع داخل لبنان بين الجيش وحزب الله.

التحديات الإقليمية والدولية

فضلا عن التحديات الداخلية، يواجه حزب الله تحديات خارجية، فهو يترقب ما ستؤول إليه الأمور في سوريا، فبعد أن فقد الحزب شريان إمداده الرئيسي بعد سقوط نظام الأسد وسيطرة فصائل الثورة السورية على الحكم، أصبح يتابع عن كثب سياسات الإدارة الجديدة في دمشق، والتهديدات الإسرائيلية تجاه الدولة السورية الجديدة. ففي حال تحوُّل سوريا إلى ساحة صراع مع الاحتلال الإسرائيلي فسيجد الحزب موقعا له للتموضع ضمن المعادلة الجديدة، بل وسيستفيد من فتح جبهة في الجنوب السوري والجولان رفض بشار الأسد أن يفتحها طوال حكمه.

ولكن في حال ثبات واستقرار الوضع في الجولان، فسيصبح وضع الحزب حرجا، حيث سيرى نفسه محاصرا من جهتين، ولذا يرجح أن يعمل آنذاك على تجميد الجبهة مع إسرائيل، وترقب الوضع الداخلي في سوريا حيث تنشغل الإدارة الجديدة في دمشق بالملفات الداخلية.

ويترقب حزب الله أيضا تطورات العلاقات الأميركية الإيرانية، وتداعيات سياسة الضغط القصوى التي اعتمدها ترامب على نفوذ طهران وقدرتها على مواصلة تمويل وتسليح الحزب، فالإدارة الأميركية لا تعرض التفاوض فقط على الملف النووي الإيراني مثل إدارة أوباما، إنما تريد أن تضيف للتفاوض ملفات الصواريخ البالستية الإيرانية والطائرات المسيرة والدعم الإيراني لشبكة الحلفاء في الإقليم، وهو ما يمس حزب الله بالدرجة الأولى.

إعلان

وكذلك يترقب حزب الله توجهات الحكومة الإسرائيلية الحالية، التي تهدد باستهداف المنشآت النووية الإيرانية، مما قد يؤدي حال حدوثه إلى اندلاع حرب إقليمية واسعة، يصبح فيها الحزب مجرد تفصيل صغير وسط أحداث كبرى.

مستقبل حزب الله

إن التحديات المذكورة داخليا وإقليميا ودوليا ستحدد بمجموعها مستقبل حزب الله، فهو حاليا يحاول التكيف مع المستجدات، ويعطي الأولوية لإعادة بناء هيكله العسكري والأمني مع تنظيفه من الاختراقات التي كشفتها الحرب، كما يحاول إعادة تعويض مخزونه العسكري سواء عبر عمليات التهريب رغم الصعوبات أو من خلال التصنيع المحلي، مع تفريغ محاولات نزع سلاحه من مضمونها، والالتفاف عليها.

كذلك يسعى الحزب لنزع فتيل التوترات داخل لبنان عبر تقديم تنازلات تهدف إلى تلافي المخاطر الأبرز التي يرى أنها تمثل تهديدا وجوديا، وفي مقدمتها الانخراط في صراع داخلي مع الجيش، كما يحاول تقديم خطاب جديد يتجاوز الخطابات الطائفية التي اتسمت بها حقبة انخراطه في سوريا.

ويترقب الحزب التطورات الإقليمية والدولية، ومدى حدوث تسويات أو اندلاع حروب بالمنطقة، فمواصلة إسرائيل لاعتداءاتها في سوريا وغزة، وطرح مخططات التهجير الأميركية قد يؤدي إلى توترات إقليمية بين دول عربية وإسلامية متضررة مع إسرائيل، مثل مصر والأردن وتركيا، مما سيعزز بيئة مواتية لخيار المقاومة يجد فيها حزب الله متنفسا ومساحة لإعادة البناء وتعويض الخسائر، في حين أن حدوث تسويات والوصول إلى تفاهمات سيعقّد وضع الحزب، وسيدفعه إلى تقديم المزيد من التنازلات على أمل البقاء والحفاظ على الوجود انتظارا لفرص مستقبلية للتمدد مجددا.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات رمضان أبعاد جیش الاحتلال داخل لبنان وصولا إلى فی سوریا نصر الله حزب الله فی لبنان حسن نصر فضلا عن وهو ما

إقرأ أيضاً:

بين خطاب رئيس الجمهورية وتمسّك حزب الله بالسلاح.. هل دخل لبنان مسار المواجهة الداخلية؟

أطلق الرئيس اللبناني جوزاف عون مواقف غير مسبوقة حيال سلاح حزب الله، ودعا إلى تسليمه "اليوم قبل الغد" باعتباره خطوة أساسية لبناء الدولة وترسيخ سيادتها. اعلان

من وزارة الدفاع، وفي مناسبة عيد الجيش، أطلق الرئيس اللبناني جوزاف عون مواقف تحمل دلالات تتجاوز الإطار الرمزي. لم يكن خطابه استذكارًا تقليديًا لتضحيات المؤسسة العسكرية، بل إعلان موقف واضح يتعامل مع قضية سلاح حزب الله باعتبارها مدخلًا لبناء الدولة، لا مجرد تفصيل أمني.

الرئيس اللبناني لم يكتفِ بالتنويه بدور الجيش في الجنوب، بل أرسل نداءً مباشرًا وصريحًا إلى "حزب الله وسائر الأطراف اللبنانية" من أجل تسليم السلاح "اليوم قبل الغد"، مؤكدًا أن "الحرص على حصرية السلاح ينبع من الحرص على تحرير الأراضي وبناء الدولة".

وقد تكون هذه المرة الأولى التي يخرج فيها رئيس البلاد بموقف بهذا الوضوح تجاه ملف بهذا الحجم، دون الاختباء وراء العبارات التقليدية أو المعادلات الرمادية.

قد تكون هذه المرة الأولى التي يخرج فيها رئيس البلاد بموقف بهذا الوضوح تجاه ملف بهذا الحجم، دون الاختباء وراء العبارات التقليدية أو المعادلات الرمادية.

لكن رغم هذا الكلام الصريح، تبقى تساؤلات معلقة حول قدرة الدولة فعلًا على ترجمة هذه الرؤية إلى واقع. فالجيش لا يمتلك القدرة العملانية لردع أو التصدي للضربات الإسرائيلية المتواصلة، وهو أمر يدركه القاصي والداني، بمن فيهم الرئيس نفسه.

إذ إن آلاف الخروقات الإسرائيلية لاتفاق وقف إطلاق النار منذ تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي، لم تُقابل برد لا من الدولة اللبنانية، ولا من الجهات الدولية المعنية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، التي غالبًا ما اكتفت بالتغطية السياسية لتلك الممارسات.

قراءة حزب الله: إسرائيل تنتظر نزع السلاح لتتوسع

في المقابل، لم يتأخر حزب الله في تثبيت موقعه من النقاش، وإن كان ذلك قبل كلمة عون بيوم واحد. ففي 30 تموز/يوليو، أطل الأمين العام للحزب نعيم قاسم بمواقف بدت وكأنها تستبق كل طروحات الدولة، من خلال تحذيره الصريح من أن "العدو ليس متوقفًا عند النقاط الخمس المحتلة وينتظر نزع سلاح المقاومة ليتوسع ويبني مستوطناته".

هذا التصريح يكشف أن الحزب يرى في النقاش الداخلي حول السلاح، وتحديدًا الدعوات لتسليمه، مقدّمة لخطر وجودي، لا لتسوية وطنية. فبحسب قاسم: "الأولوية ليست لحصرية السلاح"، وقالها بوضوح: "السلاح ليس أولى من إعادة الإعمار ووقف العدوان. أوقفوا العدوان والاعتداءات وحرروا الأسرى وبعدها خذوا منّا أحسن نقاش".

وأضاف: "كل من يطالب اليوم بتسليم السلاح داخليًا أو خارجيًا أو عربيًا هو يخدم مشروع إسرائيل". هذه العبارة، تضع كل دعوة لتسليم السلاح في خانة التشكيك، وربما التخوين، مهما كانت الجهة التي تطلقها.

كلام أمين عام حزب الله يضع كل دعوة لتسليم السلاح في خانة التشكيك، وربما التخوين، مهما كانت الجهة التي تطلقها.

من هنا، لا يُخفي الحزب اقتناعه بأنه سبق أن قدّم تنازلات جوهرية حين سلّم سلاحه في جنوب الليطاني التزامًا باتفاق وقف إطلاق النار، ويرى أنه في ظل غياب أي ضمانات حقيقية، فإن هذا أقصى ما يمكن أن يُقدَّم في المرحلة الحالية.

الحزب يقرأ التطورات على أنها تراكمية، من تصعيد الجانب الإسرائيلي إلى التغطية الأميركية، إلى تنامي المجموعات المسلحة في سوريا القريبة من الحدود، وكل ذلك يجعله يعتبر أن التسليم الكامل للسلاح غير مطروح، في المدى المنظور.

الغطاء الدولي يتبدل: من المراوحة إلى الضغط العلني

الموقف الأميركي الأخير، الذي عبّر عنه المبعوث الخاص إلى سوريا ولبنان توماس باراك، لا يقلّ أهمية عن المواقف الداخلية. فباراك لم يكتفِ هذه المرة بالدعوة إلى احترام مبدأ حصرية السلاح، بل ذهب أبعد، حين اعتبر أن "الاحتفاظ بالسلاح خارج إطار الدولة يجعل الكلمات غير كافية"، مضيفًا: "على الحكومة وحزب الله التحرك الفوري لتجنب حالة الجمود".

الأهم أن باراك أشار بوضوح إلى أن موضوع السلاح بات "شأنًا داخليًا"، وهو توصيف يفتح المجال لتفسير بالغ الخطورة: الدفع غير المباشر نحو تحميل الدولة ـ وتحديدًا الجيش والمؤسسات الأمنية ـ مسؤولية تولّي هذا الملف، بمعزل عن حوار أو توافق وطني شامل.

Related "اليوم قبل الغد".. الرئيس اللبناني يدعو حزب الله لتسليم سلاحه للجيش ويحذر من حروب الآخرين "العبثية"الجيش الإسرائيلي يُعلن تفاصيل أنشطته العسكرية في لبنان.. ومصادر رويترز: حزب الله يرفض تسليم سلاحهالأمين العام لحزب الله: كل من يطالب بتسليم السلاح يخدم "المشروع الإسرائيلي"

وفي موازاة ذلك، لم يترك باراك شكًا في حقيقة الموقف الأميركي من التوازنات القائمة، حين أعلن صراحةً عدم قدرة واشنطن على تقديم الضمانات التي يطلبها لبنان، بالقول: "ليست لدينا أجوبة عن كل الأسئلة... ولا نستطيع إرغام إسرائيل على فعل أي شيء".

هذه التصريحات تكشف بوضوح أن لا جهة قادرة فعليًا على وقف الضربات الإسرائيلية، وأن المجتمع الدولي، بزعامة واشنطن، أقرب إلى دور الوسيط المنحاز إلى إسرائيل منه إلى الضامن الحازم.

وهو ما يعزز وجهة نظر حزب الله، وفق مراقبين، بأن نزع سلاحه في هذه الظروف هو بمثابة "مغامرة انتحارية"، خصوصًا أن الأخطار لا تأتي فقط من إسرائيل، بل أيضًا من واقع إقليمي مضطرب، لا سيما بعد تصاعد التهديدات على الحدود مع سوريا في الآونة الأخيرة.

اختبار السلطة التنفيذية: الحكومة أمام مفترق الخيارات

وسط هذا التصعيد في الخطاب السياسي والدبلوماسي، تتوجه الأنظار إلى مجلس الوزراء الذي سينعقد الأسبوع المقبل، لبحث مسألتين مترابطتين: استكمال البحث في تنفيذ البيان الوزاري في شقه المتعلق ببسط سيادة الدولة على جميع أراضيها بقواها الذاتية حصراً، من جهة، والترتيبات الخاصة بما يُسمى "وقف الأعمال العدائية".

النقاش الوزاري لن يكون نظريًا. إذ إن ورقة الأفكار التي حملها السفير باراك تتضمّن بنودًا ترتبط عضوياً بدور حزب الله وسلاحه، وبالتالي، فإن الحكومة أمام مفترق خيارات حقيقي: إما التقدم في خطوات عملية تؤكد التزامها بمبدأ حصرية السلاح، أو الحفاظ على التوازنات الداخلية وتجميد المسار مجددًا.

لكنّ أي خيار من هذين يحمل كلفة باهظة، فالتقدم سيعتبره الحزب استهدافًا مباشرًا له، بينما التجميد قد يُنظر إليه دوليًا على أنه عجز في القرار السيادي. وهنا تكمن المعضلة التي ستواجه رئيس الحكومة نواف سلام وفريقه الوزاري.

سيناريو الصدام

في ظل هذه المواقف المتضادة، والتباينات العميقة حول توصيف وظيفة السلاح وحدوده، تطرح الأسئلة نفسها بحدة: ماذا لو قررت الدولة اتخاذ إجراءات ميدانية تحت عنوان بسط سلطتها؟ وهل المؤسسة العسكرية مستعدة فعليًا لتحمّل عبء هذا التحوّل؟

السؤال الأكبر: هل يملك لبنان اليوم القدرة على تحمّل صراع داخلي جديد، ولو على شكل اشتباك سياسي حاد أو أزمة حكم؟ خاصة أن السياق الإقليمي لا يمنح لبنان أي هوامش إضافية للمناورة، كما أن الوضع الاقتصادي والاجتماعي لا يحتمل ارتجاجًا إضافيًا في بنية الدولة.

الواقع أن خطاب الرئيس عون، بما حمله من وضوح سياسي ومباشرة، يؤسس لمسار مختلف في مقاربة الدولة للسلاح. وهو خطاب يمكن البناء عليه ضمن إطار حوار وطني جامع، إن كانت النية فعلًا هي الانتقال من التعايش الهشّ إلى تنظيم العلاقة بين الدولة وما يُسمى داخليًا بفريق "المقاومة" الممثل بحزب الله.

في المقابل، فإن تمسّك الحزب بسلاحه لم يتغير، بل تأكد مرة أخرى بعبارات قاطعة، لا تترك مساحة لتنازلات أو تسويات ما لم تتغير المعادلات الخارجية، وعلى رأسها استمرار "العدوان الإسرائيلي وغياب أي ضمانات فعلية للأمن" وفق تعبير أمين العام.

في المحصلة، ما بين الخطابين يقف لبنان اليوم في منطقة رمادية: لا هو في مسار حسم، ولا هو في حالة استقرار. وأي تحرك غير محسوب قد يؤدي إلى كسر هذا التوازن، وفتح البلاد على مرحلة شديدة الحساسية والخطورة.

فهل نذهب إلى حوار ناضج يؤسس لمعادلة وطنية جديدة؟ أم أن البلاد مقبلة على مواجهة مؤجلة، تبدأ من السياسة، ولا يعرف أحد أين تنتهي؟

انتقل إلى اختصارات الوصول شارك هذا المقال محادثة

مقالات مشابهة

  • الحاج: الرد على أي 7 أيار جديد سيكون عبر الدولة والجيش
  • عن سلاح حزب الله... هذا ما قاله طوني فرنجية
  • جعجع: الحزب أعاد لبنان مئة سنة إلى الوراء
  • حزب الله والانكشاف الأخير أمام الداخل والخارج
  • لبنان ..تحليق مسيّرتين على علو منخفض فوق مناطق الزهراني
  • قبلان: لا يملك أحد شرعية نزع القوة الدفاعية التي تحمي لبنان
  • 7 أيار جديد غير وارد.. وكلمة عون تؤكد دور الجيش في مواجهة أي تصعيد
  • الحزب في زيارة لـ جورج عبدالله: المقاومة مستمرة حتى تحصين البلد
  • بين خطاب رئيس الجمهورية وتمسّك حزب الله بالسلاح.. هل دخل لبنان مسار المواجهة الداخلية؟
  • رسائل مبطّنة في خطاب قاسم تحت سقف الثوابت!