«شيخ الأزهر»: حظ العبد من اسم الله «الودود» يتجسد في أن يحب للناس ما يحبه لنفسه
تاريخ النشر: 6th, March 2025 GMT
قال فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، إن اسم الله «الودود» معناه المحب، ويجوز أن يوصف به العبد بعد أن وصف به الله تعالى كاسم من أسمائه، كون الود من العبد هو محبة العبد لطاعة الله وكراهية معصيته ـ جل وعلى ـ أما الود من الله ـ تعالى ـ فهو محبة الله لعباده بتوفيقهم لطاعته وشكره، موضحا أنه يجوز للعبد الدعاء والتضرع باسم الله "الودود" في مقام الضر ومقام النفع كذلك، حيث يتسق الاسم في معناه مع الحالة التي أصابت العبد أو الحالة التي يدعو الله من أجلها.
وبيّن شيخ الأزهر، خلال حديثه اليوم بالحلقة السادسة من برنامجه الرمضاني «الإمام الطيب» أن حظ العبد من اسم الله تعالى «الودود» يتجسد في أن يحب للناس ما يحبه لنفسه، وقد قدم لنا النبي "صلى الله عليه وسلم" القدوة الحسنة في الاتصاف بهذه الصفة، ومن ذلك ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه لما كسرت رباعيته وشج وجهه يوم أحد شق ذلك على أصحابه شقا شديدا وقالوا: لو دعوت عليهم! فقال: (إني لم أبعث لعانا ولكني بعثت داعيا ورحمة، اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون)، وهذا مقام صعب لا يقدر عليه إلا من اتصف بالود، كما ورد عن علي "رضي الله عنه" قوله: " إن أردت أن تسبق المقربين فصل من قطعك، وأعط من حرمك، واعف عمّن ظلمك"، في وصف بليغ لمعنى الود.
وأوضح شيخ الأزهر أنه يمكن للعبد التدرب على مثل هذه الصفات شيئا فشيئا، خاصة خلال شهر رمضان، تحقيقا لمقولة الإمام أحمد بن حنبل: "ينبغي أن يكون العبد سائراً إلى الله بين الخوف والرجاء"، على أن يقدم الرجاء على الخوف في حال المرض، ويقدم الخوف على الرجاء في حال الصحة، مؤكدا أن الدعاء أمر شديد الأهمية للعبد، لأنه هو الذي يربط بين العبد وربه، ودليل ذلك أننا نجد أن الصلاة كلها دعاء، وفاتحة الكتاب كلها دعاء، والسجود دعاء، بما يؤكد أهمية أن يكون العبد دائم الصلة بالله تعالى من خلال الدعاء.
اقرأ أيضاًشيخ الأزهر يدعو لمواجهة المخططات غير المقبولة لتهجير الفلسطينيين
بعد دعاء شيخ الأزهر له بالشفاء.. تطورات الحالة الصحية لـ البابا فرانسيس
شيخ الأزهر بمؤتمر الحوار الإسلامي: «موقف أمتينا العربية والإسلامية ضد تهجير الفلسطينيين مشرف»
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الإمام الطيب اسم الله الودود شیخ الأزهر
إقرأ أيضاً:
مشروعية الفرح في العيد.. ولتكبّروا الله
قبيل شروق الشمس، وبعد أن بدأت خيوط الضوء تنسج بداية نهار جديد مليء بالفرح، تتحرك خطى المسلمين نحو مصليات العيد، وهم يلبسون أجمل ما عندهم، لا طلبًا للزينة فقط، بل كذلك استجابة لنداء فرحٍ شرّفه الله، ووجوههم تلتمع ببقايا الوضوء، وقلوبهم تمتلئ بالرضا والسكينة والخير، وهم يقبلون على ربهم لتأدية شكره والثناء عليه والتكبير باسمه في صلاة العيد. وفي الوقت الذي تملأ فيه ساحات القرى والمدن بالتكبير، يكون الحجيج في مكة يرجمون الجمرات، ويذبحون الهدي، ويحلقون رؤوسهم، ويتحللون من الإحرام، ويتمّون نسكهم العظيم.
فعيد الأضحى موسم لإظهار السرور، فهو يوم نحر وأكل وشرب وذكر لله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل وشرب". فالمسلم يلبس أفضل ما عنده من الثياب، ويتطيب، وينشر البهجة والسرور على كل من يلتقي به.
كما أن التكبير في عيد الأضحى من أعظم الشعائر التي شرعها الإسلام في هذا الموسم المبارك، لما فيه من تعظيم لله تعالى، وتذكير بفضله، وإحياء لروح التوحيد في النفوس، وقد ارتبط التكبير بعيد الأضحى ارتباطًا وثيقًا، حتى صار سمة من سماته، ومظهرًا من مظاهر الفرح المشروع فيه. وأصل مشروعية التكبير في هذا العيد ورد في الكتاب العزيز وفي سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، فقد قال الله تعالى في سورة البقرة: "وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ". ويسن التكبير في كل وقت في أيام عيد الأضحى المبارك، ويكون كذلك عقب الصلوات المفروضة، ويبدأ من صلاة فجر يوم العيد، ويستمر إلى عصر اليوم الثالث عشر من ذي الحجة، وهو آخر يوم من أيام التشريق.
ولم ترد صيغة واحدة عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل وردت عن الصحابة عدة صيغ، منها: "الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد"، ومنها: "الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلًا"، فكلها صحيحة، ومن المشروع ترديدها.
وقد جاء الحث على هذه الشعيرة المباركة في يوم العيد لما فيها من الفضل العظيم والثواب الجزيل، فهو إحياء لشعيرة من شعائر الله، وقد قال تعالى: "ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب". فهي تعظيم لله تعالى وتوحيده، ورفع ذكره، وهو ما يتناسب مع جو العيد، الذي يذكر المسلم بحقيقة العبودية، وتأليف القلوب حين يجتمع الناس على الذكر، ويسمع التكبير من كل مكان، فتنشرح النفوس ويعمها الإيمان والطمأنينة. كما أنه اتباع لسنة النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، الذين كانوا يرفعون أصواتهم به في الأسواق والطرقات.
ومن الطقوس الدينية في هذا العيد المبارك ذبح الأضاحي التي تجسد الكثير من المعاني الإيمانية، بالإضافة إلى انسجامها مع أجواء الفرح والأكل والشرب، ففيها استحضار لقصة خليل الله إبراهيم عليه السلام، حين ابتُلي برؤيا ذبح ابنه إسماعيل، فاستجاب لأمر ربه دون تردد، وجاء الفداء من الله بكبش عظيم، ليكون هذا الحدث العظيم أصلًا لشعيرة الأضحية التي يحييها المسلمون كل عام تقربًا إلى الله تعالى.
وفيها مظهر من مظاهر التكافل في المجتمع المسلم، فحين يخرج المسلم من ماله ما يشتري به الأضحية، ثم يهدي جزءًا منها للفقراء، يكون قد حقق توازنًا بين العبادة الفردية والمسؤولية المجتمعية. كما أن العمانيين وغيرهم من المسلمين قد جسدوا مظهرًا من مظاهر التكاتف والتكافل في المجتمع الإسلامي، فأرسلوا أضاحيهم إلى غزة الجريحة وإلى المحتاجين من شعب فلسطين، وذلك أقل ما يمكن أن يقدموا لإخوانهم المستضعفين.
وإذا تأملنا في فكرة الأضحية، ندرك أن الله يربينا عبر هذه الشعيرة على التنازل عن شيء نحبه مثل المال، في سبيل أمر نحبه أكثر وهو الله والامتثال لأمره. والأضحية رغم كونها لحظية في فعلها، إلا أنها تمتد في أثرها إلى عمق الروح، فحين يذبح المسلم أضحيته، يذبح معها شيئًا من أنانيته، وحرصه، وتعلقَه الزائد بالدنيا، فهي تربية على الفداء والبذل، وتزكية للنفس، وتدريب على الإخلاص في النية.
فحين أمر الله إبراهيم عليه السلام بذبح فلذة كبده، لم يكن المقصود من الاختبار هو الدم أو الموت، بل كان المقصود هو الصدق الكامل في العبودية، والخضوع التام لإرادة الله. ولهذا، لما تهيأ إبراهيم للذبح، وفداه الله بذبح عظيم، خلدت القصة في القرآن الكريم كنموذج خالد للتسليم المطلق، حينما قال الله عز وجل:
فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ۚ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (108) سَلَامٌ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ (109) كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111) الصافات.
وقد قربه الله منه وجعله خليلًا له لنجاحه في هذا الاختبار والبلاء العظيم.
وقد بيّن الله في كتابه العزيز الهدف من سن هذه الشعيرة العظيمة، فأخبرنا أنه سبحانه لا يحتاج إلى دم الأنعام ولا إلى لحمها، كما قال في محكم كتابه:"لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ ۗ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37).
فقد بيّن الله تعالى أن الهدف من هذه الشعيرة هو التقوى، وتعريف التقوى باختصار هو امتثال أمر الله واجتناب نواهيه، فهو حالة دائمة من الوعي بالله. فإذا لم تثمر الأضحية تقوى، وحياءً من الله، وعزمًا على الطاعة، فإنها تبقى مجرد ممارسة شكلية، وهذا ما يجب أن يراجع فيه كل مسلم نفسه، وهو يقبل على هذه الشعيرة.
كما أن العيد فرصة لصلة الرحم وزيارة الأقارب، ونزع البغضاء والشحناء من النفوس، وإعطاء الهدايا للأطفال، وإدخال السرور والبهجة إلى نفوسهم، وهذا ما يشكل الذاكرة الطفولية لديهم وستبقى محفورة في أذهانهم، فالطفل لا يتذكر تفاصيل خطب العيد، ولا يعي أسرار النسك، لكنه يتذكر جيدًا من أعطاه هدية، ومن ناداه باسمه، ومن ابتسم له وهو يلبس الجديد، ومن وضع في جيبه قطعة حلوى أو أعطاه ريالًا؛ فالطفل الذي يرى والده يوزع اللحم على الفقراء، ويزور الجيران، ويهدي الأرحام، يكبر على أن الإسلام دين رحمة وتكافل، لا دين جمود وعادة.
وقد حرص الإسلام منذ بدايته على جعل الفرح عبادة حين يكون سببًا في إدخال السرور على الآخرين، لا سيما الأطفال، ففي الحديث النبوي الشريف: "من لا يرحم لا يُرحم"، كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله تعالى سرور تدخله على مسلم". فلنجعل من العيد مظهر فرح وتجديدًا للأمل ونشر الحب والرحمة.