صحيفة صدى:
2025-12-12@21:43:43 GMT

هل تغيير سلوك البشر أمراً ممكناً؟

تاريخ النشر: 8th, March 2025 GMT

هل تغيير سلوك البشر أمراً ممكناً؟

قبل عدة أيام كنت في نقاش سريع مع أحد أعضاء العائلة الكريمة حول “تأثير المناطق الملاصقة بشركة أرامكو وعملياتها على سلوك منسوبيها وعائلاتهم”.

فبعد 95 سنه من تأسيسها وبالتحديد عام 1930، اكتسبت المناطق القريبة من عمليتها الكثير من الخصائص الإيجابية على سبيل المثال وليس الحصر، محبة القراءة والدقة بالتوقيت وطريقة التحدث العلمي واللباس العملي وسياقة المركبات بشكل مثالي واستراتيجيات التفكير بحلول بديلة للمشاكل والكثير الكثير من الإيجابيات التي ساهمت في بناء التنمية.

فمنذ تأسيسها، ساهمت بتغيير سلوك أكثر من 60,000 من منسوبيها بالإضافة إلى الأعداد الهائلة من عائلتهم في ذاك الوقت. فتخيل معي منشأه واحدة قامت بتغيير عدد كبير من سكان المملكة العربية السعودية من تطور وفتح آفاق فكرية جديدة. قد يتفق معي الكثير، فنحن والعالم بأسره يعيش ويتجهز حالياً لحقبة وسلوك مختلف لما بعد عصر الذهب الأسود.

وللتوضيح أكثر دعونا نأخذ التجربة السنغافورية على سبيل المثال: تعاونت الحكومة مع فريق مسؤول عما يعرف بـ “الرؤى السلوكية” للمواطنين، الذي يطلق على أفراده اسم “وحدة التحفيز”، المعنية بتطبيق “نظرية التحفيز” على السياسات الحكومية، وهي النظرية التي فاز عنها ريتشارد ثالر بجائزة نوبل.

وتقوم هذه النظرية على فكرة مفادها أن الناس يمكن توجيههم لاتخاذ قرارات أفضل من خلال سياسات بسيطة وغير ملحوظة، دون مصادرة حريتهم في الاختيار. وتولى مهمة النهوض بسنغافورة رئيس الوزراء الراحل لي كوان يو. إذ أدرك كوان يو أن سنغافورة لن تزدهر إلا بتغيير شامل.

وذكر في حوار مع جريدة “نيويورك تايمز”: “نحن نعلم أننا لو سرنا على نهج الدول المجاورة سنموت، فنحن لا نملك شيئا بالمقارنة مع ما يمتلكونه من موارد. ولهذا، ركزنا على إنتاج شيء مميز وأفضل مما لديهم، وهو القضاء تماما على الفساد، واختيار الكفاءة أصحاب المناصب والنفوذ بناء على الجدارة والاستحقاق. ونجحنا”.

ولكن سنغافورة ليست الدولة الوحيدة التي تحفز الشعب على اتخاذ القرارات الأنسب، فقد حاولت أيضا ما يزيد على 150 حكومة حول العالم اتخاذ إجراءات وسياسات تدخلية لتوجيه سلوكيات شعوبها في وجهة معينة.

إذ استطاع مركز طبي في قطر، على سبيل المثال، أن يزيد نسبه المشاركة في المسح الشامل لمرض السكري بإجراء فحوصات السكري للناس خلال شهر رمضان، لأن الناس صائمون على أي حال، وبهذا لن يضطروا للامتناع عن الأكل قبل تحليل الدم. وكان هذا القرار ملائما وفي الوقت المناسب، وهما ركنان رئيسيان في السياسة التدخلية الناجحة لتوجيه سلوكيات الناس.

وجربت بعض المدن في أيسلندا والهند والصين رسم خطوط ثلاثية الأبعاد لعبور المشاة، يخيل لك أنها تطفو فوق الأرض، لتحث قائدي المركبات على تخفيف السرعة.

وفي المملكة المتحدة، يتلقى الناس خطابات لتشجيعهم على دفع ضرائبهم، يُذكر فيها أن أغلب دافعي الضرائب يلتزمون بدفعها في موعد استحقاقها، وحققت هذه الخطابات نتائج إيجابية، لأنها استخدمت العادات الاجتماعية كوسيلة لترغيب الناس في الاقتداء بالآخرين.

وقد تُصادف في سنغافورة بعض الإشارات البسيطة التي يراد بها التأثير على سلوكيات الناس وقراراتهم. إذ توضع مثلا سلال النفايات بعيدا عن محطات الحافلات لفصل المدخنين عن سائر الركاب. وتكشف لك إيصالات الكهرباء والغاز استهلاكك للطاقة مقارنة باستهلاك جيرانك.

كما وضعت الأجهزة والمعدات الرياضية بالقرب من مداخل ومخارج المساكن الحكومية لتذكير الناس بممارسة الرياضة باستمرار.

وتنتشر على رصيف محطة القطار أسهم خضراء وحمراء لتيسير نزول الركاب من القطار. وإذا اخترت التنقل بالقطار خارج أوقات الذروة، أي قبل السابعة صباحا، سيقل ثمن التذكرة.

ووضعت الحكومة في مقدمة أولوياتها تشجيع الناس على اختيار البدائل الغذائية الصحية، لا سيما بعد أن أشار استطلاع قومي للرأي أن ستة من بين كل عشرة سنغافوريين يأكلون في المطاعم أربع مرات على الأقل أسبوعيا.

وفي هذا الإطار، وضعت الحكومة برنامج لحث الشركات العاملة في مجال الأغذية والمشروبات على تقديم بدائل صحية، فضلا عن أن بعض الأماكن توفر البدائل الصحية بسعر أقل من الأطعمة الشعبية التقليدية.

وبعد النجاح المبهر الذي حققه البرنامج القومي لـ “عدد الخطوات”، الذي يحث الناس على ممارسة التمرينات الرياضية من خلال تطبيق مجاني لتتبع خطوات وحركة المستخدمين، في مقابل جوائز مادية وعينية، سُجل اسم البرنامج كعلامة تجارية.

وماذا عن مستقبل السياسات الداخلية في سنغافورة؟ يرى فريق “إنوفيشن لاب”، لدى إدارة الخدمات الحكومية الذي يصمم سياسات وخدمات عامة تناسب متطلبات المواطنين والجهات المعنية في سنغافورة، أن المستقبل للحكومة الرقمية.

ويقول المتحدث باسم الفريق إن المواطنين يتوقعون أن يلحق قطاع الخدمات الحكومية بالقطاع الخاص، أو يتفوق عليه، إذا طبق السياسات الرقمية. إذ تُستخدم في القطاع الخاص بالفعل أجهزة روبوت الدردشة والتواصل بتقنيات الواقع الافتراضي أو المعزز.

وعندما عاودت النظر إلى هذه المدينة الكبيرة المزدحمة، أنستني أضواؤها البراقة، ومبانيها الشاهقة المكونة من 30 طابقا، أن كل هذه المباني وربما أيضا هذه الأرض، في بعض المناطق، لم تكن شيئا قبل 50 عاما فقط.

وبالرغم من أن البعض قد لا يحبذ هذا الشكل من أشكال التعاقد الاجتماعي الوثيق بين الدولة والمواطن، فإن أحدا لا يُنكر أن سنغافورة خططت بحكمة لمستقبلها. واستطاع هذا البلد الصغير أن يصنع نهضته بنفسه من خلال توجيه سلوكيات الناس وتصميم البدائل بحذر لحثهم على اختيار ما يناسب مصلحتهم.

المصدر: صحيفة صدى

إقرأ أيضاً:

ما الذي تم من تطوير بمستشفى قصر العيني وأهم التحديات؟..رئيس جامعة القاهرة يجيب

قال الدكتور محمد سامي عبد الصادق، رئيس جامعة القاهرة، إن تطوير قصر العيني يمثل مسارًا متواصلًا لا يتوقف، وهو التزام راسخ من الجامعة تجاه المجتمع، خاصة أن المستشفى يُعد الملاذ الآمن للمواطنين ويتردد عليه أكثر من 2.5 مليون مريض سنويًا.

بدون إصابات.. إخماد حريق في منور بمستشفى قصر العيني بالقاهرةرئيس جامعة القاهرة يفتتح أحدث عمليات التجديد والتطوير بمستشفي قصر العيني التعليمي الجديد "الفرنساوي" بتكلفة 40 مليون جنيه

وأوضح خلال مداخلة هاتفية مع برنامج هذا الصباح، على شاشة "إكسترا نيوز"، أن مشروعات التطوير داخل قصر العيني والمنشآت الطبية تواجه العديد من التحديات، من بينها الضغط الشديد على البنية التحتية نتيجة الزيادة الكبيرة في أعداد المرضى، وقدم بعض المباني والأجهزة التي تتطلب تحديثًا دائمًا، إلى جانب الحاجة لتوفير التمويل اللازم للتطوير، مشيرًا إلى أن الجامعة تعمل على تجاوز هذه التحديات من خلال تحديث آليات الإدارة وتنويع مصادر التمويل والتعاون مع مؤسسات الدولة والقطاع الخاص.

الخدمة الطبية  

وأضاف رئيس الجامعة أن عمليات التحديث الجارية تسهم بشكل واضح في تحسين جودة الخدمة الطبية المقدمة للمرضى، سواء من خلال تقليل فترات الانتظار أو رفع دقة التشخيص أو زيادة نسب النجاح في العمليات، موضحا أن تحسين البنية التحتية والخدمات الرقمية داخل المستشفيات الجامعية يسهم في تسريع وتيرة العمل ورفع كفاءة تقديم الرعاية الصحية، وهو ما يعزز من دور جامعة القاهرة كمنصة رئيسية تقدم خدمات طبية عالية الجودة وتقوم على خبرات متخصصة تخدم مختلف التخصصات الطبية.

وأكد عبد الصادق أن الخطط المستقبلية لمستشفيات قصر العيني تستهدف التوسع وزيادة الطاقة الاستيعابية، عبر رفع المساحة من 190 ألف متر إلى 280 ألف متر، وزيادة أسِرّة الرعاية المركزة وتحديث البنية الرقمية بالكامل. كما أكد أن التطوير يشمل تحديث المناهج وطرق التدريب والمحاكاة، إلى جانب العمل على اعتماد المستشفيات من هيئة الاعتماد والرقابة الصحية، مشددًا على أن الجامعة تمضي وفق جدول زمني واضح لضمان تنفيذ هذه الخطط بما يحقق أفضل خدمة للمواطن.

طباعة شارك جامعة القاهرة قصر العيني رئيس جامعة القاهرة

مقالات مشابهة

  • حين يسيء الناس لدينهم قبل أن يسيء إليه خصومه
  • "العمو"… مقتل مهرب البشر الليبي المطلوب دوليا
  • ترامب يدعي أن السلام بغزة ما كان ممكنا “لولا تحييد إيران”
  • في السرايا... إطلاق خطة تجهيز المستشفيات الحكومية
  • عمرو الليثي: المحتوى التافه على السوشيال ميديا يؤثر سلبًا على سلوك الشباب
  • ما الذي تم من تطوير بمستشفى قصر العيني وأهم التحديات؟..رئيس جامعة القاهرة يجيب
  • أمل الحناوي: سلوك إسرائيل يكشف عدم نيتها إنهاء حرب غزة
  • «تمكين المجتمع» تحقق نتائج إيجابية في برنامج تصفير البيروقراطية الحكومية
  • سنغافورة تدعو إلى ضبط النفس مع تصاعد الاشتباكات بين تايلاند وكمبوديا
  • نائب: تغيير الأنماط السياحية لجذب أكبر عدد من الزوار خلال الفترة المقبلة